بحث الرؤية الدلالية عند الشهيد الحكيم (قدس سره) وتوظيفها في تفسير القرآن الكريم

tt

بحث شارك في المؤتمر الثاني لإحياء التراث الفكري والعملي للشهيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم 

الباحث: الاستاذ المساعد د. ابتسام السيد عبد الكريم المدني

مدرسة تحليل النص القرآني في جامعة ديالى / كلية التربية

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين وعلى صحبه الغر الميامين.

أما بعد:

البحث العلمي باب من أبواب الجهاد، إن طُرق وجبت الاستجابة. وهذا في عموم البحث العلمي، فإذا تتوج الطرق على باب بحث في سراج من أنوار الشخصيات الإسلامية الفذة، المتمثلة بشخصية السيد الشهيد الحكيم (قدس سره) تحولت الاستجابة إلى نعمة من نعم الله التي يتنافس عليها المتنافسون. إلا أن الوقت الذي دُعيتُ به إلى ذلك الأداء كان ضيقا إلى درجة تحول دون الطموح بإعطاء تلك النعمة حقها، فلبيت على قدر المستطاع، مقرة أن البحث ليس بمستوى الطموح قياسا بعظمة القرآن الكريم ثم ما تستحقه الآثار التفسيرية للسيد الشهيد (قدس سره). ولله الأمر من قبل ومن بعد.

تألف البحث من تمهيد وفقرتين:

(التمهيد): بينت فيه حدود البحث و أطره المخصوصة من خلال تحديد مفهوم كل كلمة وردت في عنوان البحث، مع ملخص لمنهجية الكتاب.

(الفقرة الأولى) وكانت بعنوان: (الدلالة المختارة قصدا). والدلالة المختارة قصدا هي المفردة التي خصها السيد الشهيد ببيان دلالتها بشكل مقصود. فتتبعت دلالتها في المعاجم اللغوية أولا ثم النظر في ورودها في القرآن الكريم وبيان ثبات دلالتها فيه أو تغيرها ورؤية المفسرين في ذلك، ثم عرضت ما أنار السيد الشهيد تلك المفردة من رؤية فكرية تدبريّة. أما (الفقرة الأخرى) فكانت بعنوان: (استقطاب الدلالة في البنية النصية) وتتبعت فيها الأواصر التي تربط المفردات المقصودة بالاختيار من السيد الشهيد والتي أنارت النص المراد بيان غايته وهدفه.

هذا ما مكنني به ربي، وله العتبى حتى يرضى، والحمد لله رب العالمين.

التمهيد

إن من سياقات البحوث التي تدعي العلمية، تقديم تعريف شامل لعنوان البحث، فيبين حدوده و أبعاده ومنهجيته و أطره. وسيحاول التمهيد بيان حدود ذلك العنوان مع الاعتراف بأنه في العنوان مفردات عصية على التعريف وواسعة على التحديد والتأطير، إلا إنها محاولة للتقرب إلى تعريف: (الرؤية الدلالية عند الشهيد الحكيم (قدس سره) وتوظيفها في تفسير القرآن الكريم ـ تفسير سورة الحديد مثالا ـ).

1) الرؤية:

الرؤية في اللغة: تعني الرؤية بالعين والرؤية القلبية، فالرُؤْيَةُ بالعين تتعدَّى إلى مفعول واحد، أما الرؤية القلبية وهي بمعنى العلم فتتعدى إلى مفعولين[1] وبالإمكان حمل المعنيين على المصدر (الرؤية) في عنوان البحث ليكون أحدهما مجازا والآخر حقيقة. إذ إن رؤية المحسوسات وهي مسقط النظر رؤية بصرية حقيقية، ورؤية غير المحسوس بالفعل المتعدي إلى مفعول به واحد مجاز لتوكيد الرؤية القلبية كقولنا: رأيت علمه بأم عيني. وهو مقصود في عنوان البحث مجازا. أما إذا كانت (الرؤية) بمعنى العلم فمقصود أيضا وعلى وجه الحقيقة، فالرؤية العلمية يكون معنى العنوان فيها: العلم بالدلالة. أما الرؤية البصرية المجازية فمتأتية من دقة البصيرة التي أبداها السيد الشهيد في مسيرته التفسيرية في سورة الحديد.

2) الدلالية:

الدلالة في اللغة مشتقة من (دلل) الدَليلُ: ما يُسْتَدَلُّ به. والدَليلُ: الدالُّ. وقد دَلَّهُ على الطريق يَدُلُّهُ دَلالَةً ودِلالَةً[2]. ودله على الشيء سدده إليه[3] والقرآن الكريم استعمل صيغة (دلل) بمشتقاتها المتفاوتة[4] وكانت كلها تدل على الإرشاد. ولكن المتتبع لمعانيها في القرآن الكريم لا يجدها جميعا تعني الإرشاد إلى الخير. فربما يكون الإرشاد إلى الشر كقوله تعالى (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ)[5] أو للاستهزاء كقوله تعالى: (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)[6] أما المعنى الاصطلاحي: فيعني «كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر والشيء الأول: الدال، والثاني: هو المدلول»[7]. أما علم الدلالة فهو «العلم الذي يبحث في معاني الألفاظ وأنواعها وأصولها والصلة بين اللفظ والمعنى والتطور الدلالي ومظاهره و أسبابه والقوانين التي يخضع لها»[8].

3) عند:

ظرف يدل على مكان حضور الشيء[9].

4) الشهيد الحكيم:

يحار القلم ما الذي يختار من بين جملة ألقابه الشريفة؟ أسمه العَلم؟ أم اسم أسرته؟ فاستخرت واخترت والخيرة فيما يختاره الله، اخترت ما لقبه به ربه: (الشهيد) وما لقِبت به أسرته (الحكيم)، وما اختارته مؤسسته التراثية (الشهيد الحكيم) عنوانا لها. أما إذا أراد القلم أن يعرّف أو يرسم حدود تلك الشخصية على هذه الوريقات القلائل يتلكأ ويشفق على الكاتب والكتابة. وفي خضم هيبة موقف الاستحضار لتلك الشخصية شعرت بخواطر يسجلها القلب فاتبعه القلم: بان الشهيد الحكيم (قدس سره): من الذين (صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)[10] وانه كان ممن (يَنتَظِرُ)[11] وانه من الذين (مَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)[12] حتى سمت روحه رفعة ضاقت بها مراقي الدنيا، فلا مناص من الآخرة، فسما إليها بكله: جسدا وروحا. (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)[13].

5) توظيفها:

وظف الشيء أي صارت له وظيفة من عمل[14] فمعنى توظيف الدلالة إعمال ما في المفردة من معاني في سياق التركيب.

6) في:

حرف جر وهو للوعاء والظرف وما قدر تقدير الوعاء فتقول الماء في الإناء، وزيد في الدار والشك في الخبر[15] يفهم معنى الظرفية المكانية المادية والاعتبارية، والمفهوم في العنوان المعنى الاعتباري.

7) التفسير:

الفَسْرُ: التفسير وهو بيان وتفصيل للكِتاب[16].

8) القرآن الكريم: ممن عرّفوه الزمخشري بقوله «الحمد لله الذي انزل القرآن كلاما مؤلفا منظما ونزله بحسب المصالح منجما، وجعله بالتحميد مفتتحا وبالاستعاذة مختتما، واوحاه على قسمين متشابها ومحكما وفصله سورا وسوره آيات وميز بينهن بفصول وغايات»[17].

9) (تفسير سورة الحديد): كتاب مطبوع بهذا العنوان، ﻟ «شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم. الطبعة الأولى، مطبعة العترة الطاهرة. مكان الطبع غير مذكور. سنة الطبع: 2006. والكتاب عبارة عن دروس مسجلة تسجيلا صوتيا أنزلت على الورق وفهرست. ومن ثم حققت، وأخرجت كتابا[18].

هذا ما يحمله العنوان من حدود ومعان.

أما منهجية كتاب التفسير: فيرى المتأمل أن الكتاب كان بمنهجية محكمة الهندسة، فأول ما يتناول السيد الشهيد (قدس سره) في السورة سبب التسمية، ثم فضلها ثم تاريخ نزولها. وبعد ذلك يشخص موضوع السورة، ويلقي الضوء على ذلك الموضوع المشخص، ومن خلاله يقسم السورة على مقاطع بحسب موضوع ذلك المقطع. وبعد ذلك يبدأ بدراسة المقطع بحسب المنهجية آلاتية:

أ) بحث المفردات:

ويلاحظ انه (قدس سره) لم يتناول المفردة من حيث دلالتها المعجمية فحسب، بل يدرسها ضمن تركيب الجملة، ويتناول أقوال المفسرين و أهل اللغة ثم يرجح رأيا أو يستنبطه بعد إشباع تلك المفردة بالبحث. وقد يحتاج أحيانا إلى إعطاء دلالات المفردات المجاورة لها بالاهتمام نفسه الذي يعطيه إلى المفردة موضوع البحث. وعلى سبيل المثال مفردة (التسبيح)[19] كانت هي موضوع الدرس بينما أولى اهتماما اكبر بالحديث عن دلالة (ما) في قوله تعالى: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)[20].

ب) البحث التفسيري:

يتناول تحت هذا العنوان التفسير و الأبعاد التي يرمي إليها المقطع بشكل تفصيلي مظهرا الغايات الأساسية في ذلك المقطع.

ج) استفادات عامة:

يسجل تحت هذا العنوان قضايا عامة مستشفة من المقطع، قد تطول وقد تقصر، و لا يمكن للمتأمل أن يطلق عليها خاتمة أو استنتاجات لأنها ليست كذلك، إنما يمكن أن تكون استطرادات منبثقة من مفردات أو غايات المقطع.

إن هذا المنهج الذي قدمه السيد الشهيد يبين أحيانا أن له رؤية خاصة في المفردة إذا ما قارناها بدلالة المفردة المعجمية، وتتنور الرؤية أكثر عندما نعرّج على صيغة المفردة و اشتقاقاتها الواردة في القرآن الكريم ثم عطفنا على رؤية المفسرين لها.

الفقرة الأولى: الدلالات المختارة قصدا

1) التسبيح:

 ـ الرؤية المعجمية:

السبح الفراغ، والتسبيح التنزيه[21] والتبري من السوء، والعرب إذا تعجبت من شيء تقول سبحان من كذا أي أتبرأ منه والسُبْحَة الدعاء والتسبيح تعظيم الله وتنزيهه، والسبح التغلب والانتشار[22]. و إذا نظرنا إلى دلالة الفعل سبّح من الناحية الصرفية وجدناه على صيغة (فعَّل) التي تدل على التكثير، والسلب نحو قشّرت الفاكهة إذا سلبت قشرها. وفيها الدلالة على التوجه مثل قولنا شرّق و غرّب إذا توجه شرقا أو غربا. و كذلك للاختصار حكاية عن المركب نحو: كبّر أي قال «الله أكبر» وهلّل أي قال «لا اله إلا الله» أو للدلالة على أن الفاعل يشبه ما اخذ منه نحو: قوّس ظهر زيد، أي انحنى و أشبه القوس[23].

 ـ في السياق القرآني:

يقول الشيخ الطبري: أن التسبيح هو الإقرار بالربوبية و الإذعان للطاعة له والتعظيم لله (سبحانه وتعالى) ويعني تعالى ذكره بقوله «يسبح لله»: إن كل ما دونه من خلقه يسبحه تعظيما له و إقرارا بربوبيته و إذعانا لطاعته[24].

ورد الفعل الماضي (سَبَّحَ) ثلاث مرات في القرآن الكريم كله[25] ونلاحظ أن الفعل لم يستفد من التضعيف للتعدية التي أباحها له الصرف، فلم تأتي الآيات ﺑ (سبّح اللهَ)، وإنما عدي باللام في مثل قوله تعالى (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[26] وهو متعد بنفسه، مثل نصحت له في نصحته إشعارا بأن إيقاع الفعل لأجل الله وخالصا لوجهه[27]. إنما انتفعت الدلالة من صيغة (فعّل) فمن دلالة التكثير صار المعنى: كَثُرَ التسبيح لله مما في السماوات و الأرض، و دلالة السلب سلبت منه الإبهام و أظهرته، ودلالة التوجه أفادت أن التسبيح مأتيّ به من الجهات كلها شرقا وغربا وفوقا و تحت وشمالا وجنوبا، وان الفاعل يشبه ما اخذ منه الفعل. وجاء في التفسير: انه من التسبيح يقال سبَّح زيد، والله سبحانه سبوح فسبح له ما في السماوات و الأرض، والبنية الصرفية للكلمة تحمل دلالة على اختصار الحكاية فالفعل سبّح اختصار لحكاية قول (سبحان الله). وقوله تعالى: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ذكرت في الحديد و في الحشر و في الصف بلفظ الماضي بينما في الجمعة وفي التغابن كانت بلفظ المضارع إشعارا بأن من شأن ما أسند إليه أن يسبحه في جميع أوقاته لأنه دلالة جبلية لا تختلف باختلاف الحالات[28] إذن كل ما في الماضي والحاضر والمستقبل سبح لله و بكل ما تحمل المفردة من معان لغوية وصرفية. وقد ورد الفعل المضارع مرتبطا بنون المضارعة (نسبح) مرتين، مرة الفاعل الملائكة قال تعالى (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)[29] والثانية الفاعل موسى وهارون (عليهما السلام). قال تعالى: (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً)[30] ويلاحظ إمكانية فهم هذا التسبيح قولي فعلي لأنه ورد من عقلاء: الملائكة وموسى وهارون (عليهم السلام).

أما الفعل المضارع المرتبط بتاء المضارعة (تُسَبِّحُ) فجاء ثلاث مرات الأولى في قوله تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ)[31] كذلك: (وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)[32] وقوله أيضا (لَوْلَا تُسَبِّحُونَ)[33] فكان الفاعل في الأولى السماوات و الأرض ومن فيهن، وفيها دلالة عموم التسبيح من العاقل وغيره و استمراريته بدلالة الفعل المضارع. وفي الثانية الفاعل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنون.أما الفعل المرتبط بياء المضارعة (يُسَبِّحُون) فقد ورد سبع عشرة مرة، كان ست منها فاعل التسبيح الملائكة منفردين[34] وفي هذه الآيات يظهر هدف تسبيح الملائكة (عليهم السلام): ففي بيان عدم استكبارهم على السجود وردت آيتان قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ)[35] وقوله تعالى: (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ)[36] وفي بيان استمرارية التسبيح ورد قوله تعالى: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)[37] أما في بيان ترابط التسبيح مع الواجبات العملية والالتزام بمحبة المؤمنين والدعاء لهم فقد ورد قوله تعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)[38] وفي بيان لزوم التسبيح عند الشعور بغضب الله من الأعمال الدنية مضافا إلى الاستغفار للمؤمنين ورد قوله تعالى: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[39] وكذلك قوله تعالى: (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[40].

في هذه المواطن تتجلى عملية التسبيح وتحفز المؤمنين على الاقتداء بالملائكة فهم المخلوقات الروحانية المعصومة من الخطأ تسبح بهذا الكم وهذه الأحوال فحري بابن آدم الخطاء أن يكون تسبيحه أكثر. ومما يلاحظ أيضا أن تسبيح الملائكة لمّا يتعدى الفعل بنفسه يوحي بإطلاق التسبيح كقوله تعالى: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)[41] ولمّا يتعدى بحرف يكون مخصوص بتسبيح صفة من صفات الله سبحانه كما في قوله تعالى: (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) أما قوله تعالى: (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ)[42].

الملاحِظ يرى أن تسبيح الرعد كان بحمد الله والملائكة من خيفته. وفي هذا البيان مباينة بين تسبيح العقلاء وغيرهم فغير العاقل وظيفته التسبيح بحمد ربه أما العاقل فوظيفته في التسبيح متعددة الجوانب وبحسب ما يقتضيه المقام. أما تسبيح مطلق الأشياء فقد ورد في قوله تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً)[43] وفي قوله جل جلاله: (سَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[44] وكذلك (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)[45] وقوله تعالى: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[46] ومما يلاحظ أن الحمد عندما يكون مطلق الفعلية تكون غاية التسبيح إما مطلقة كما في الآيات السابقة و إما بحمد الرب كقوله: (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) وأما تسبيح الآخرين فكله تسبيح مطلق كقوله تعالى: (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ)[47] وقوله جل جلاله: (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ)[48] وقوله سبحانه: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ)[49] أما فعل الأمر (سبّح) فقد ورد خمس عشرة مرة[50] وكان الفاعل فيها: زكريا (عليه السلام) مرة واحدة. والنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث عشرة مرة، و المؤمنون مرة واحدة.واهم ملحظ يسجل في هذا: أن القرآن الكريم ذكر أمر الله سبحانه للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتسبيح أكثر من ذكره لعدد تسبيح الملائكة و أشركه (صلى الله عليه وآله وسلم) في تسبيحات الآخرين، مثل تسبيحه والمؤمنين وتسبيحه ضمن من في السماوات و الأرض. وبهذا بيان أن رسولنا الأكرم سيد الأكوان في التسبيح إذ سبق الملائكة بالتسبيح المنفرد وشاركهم والمخلوقات الأخرى في تسبيحهم.

أما الاسم: (سبحان) فقد ورد ثلاث و أربعون مرة: والملاحظ أن المصدر عبّر عن تسبيح الله (سبحانه وتعالى) لنفسه كما في قوله تعالى: (وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ)[51] وتسبيح المؤمنين كقوله تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[52] وتسبيح الأنبياء مثل تسبيح عيسى استغاثة من ادعاء قومه زورا وبهتانا: (قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ)[53]، وتسبيح أهل الجنة في الجنة: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ)[54] وتسبيح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما أشار إلى سبيله التي يدعو بها إلى الله على بصيرة ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[55] والتسبيح الذي يهذب به الله سبحانه المؤمنين عندما يسمعون البهتان: (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)[56] وتسبيح الطغات المضلين يوم الجزاء الأكبر استغاثة ممن اتخذوهم آله من دون الله: (قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء)[57] وتسبيح الملائكة استغاثة من الذين اتهموهم بأنهم عبدوا الملائكة: (قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ)[58] وتسبيح المؤمنين وهم يتعجبون من تسخير الله المخلوقات لخدمة البشر: (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ)[59] وتسبيح الاستغاثة من الذنوب المرتكبة: (قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ)[60]. أما مفردة (التسبيح) فوردت مرتين وكلاهما لبيان أن هناك من لا نفقه تسبيحه: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً)[61] وقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ)[62] أما (مسبِّح) فقد وردت بصيغة جمع المذكر السالم مرتين مرة في بيان أن التسبيح هو الذي أنقذ يونس (عليه السلام) في قوله: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ)[63] ومرة أخرى في تفاخر الملائكة بتسبيحهم: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ)[64].

من هذه الرحلة مع مفردة التسبيح يبدو أن من التسبيح ما هو إرادي ومنه ما هو قسري، فالمتأمل يرى أن الله سبحانه بيّن ذلك بقوله تعالى: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ)[65] وفيه بيان التسبيح القسري ولكن لما كان القرآن الكريم استعمل فعل الأمر (سبِّح) دلّ ذلك على التسبيح الإرادي.

رؤية الشهيد الحكيم:

أما السيد الشهيد (قدس سره) فيعرّف التسبيح لغة بأنه التنزيه، ولم يستعرض ما تستعرضه المعاجم من معاني أخرى، مكتفيا بهذا المعنى، إنما أوضحه بأنه
(تنزيه الله سبحانه وتعالى من العيوب)[66] إلا انه يبدأ ببحث عميق لأواصر هذه المفردة في بنية النص المقتبس من القرآن الكريم، إذ يستعرض علاقة التسبيح بما جاورها من مفردات ويتوقف بصورة خاصة مع الاسم الموصول (ما) حيث يستعرض ما قيل من أنها لم تأتِ هنا لغير العاقل كما هو معلوم في اللغة، لما تحمل من قرائن تدل على ذلك. ويستشف أن اختيار (ما) مع تلك القرائن باعتبار وضوح التسبيح في العاقلين، فالقرآن الكريم ذكر غير العاقلين في مقام التعبير عن حالة الشمول، باعتبار الفرد الاخفى الذي يراد تأكيد تحقق ظاهرة التسبيح فيه[67] ويستشف أن وقوف السيد الشهيد (قدس سره) عند هذه المفردة طويلا لأجل إعطاء التسبيح دلالته الواسعة. إذ يتناول بعد ذلك ما اسماه ﺑ (حقيقة التسبيح) وذلك بعرض سؤال: «ما المراد من التسبيح الذي يذكر كظاهرة تشمل جميع الموجودات في الكون؟»[68] وبعد أن يستعرض ما قيل في أن التسبيح حقيقة أم مجاز، أم هو في حال حقيقة وفي حال أخرى مجاز، يصل إلى رأي يستنبطه من الواقع القرآني إذ يقول «إن التسبيح هو مجرد التنزيه بأي أسلوب كان وبأي طريقة، بالقول أو بالفعل أو بأي شيء آخر، عندئذ أمكن نسبة التنزيه للموجودات كلها حتى لو كان تعبيرها عن هذا التنزيه بطريقة أخرى غير القول والنطق»[69]. والمتأمل في هذه التسبيحات يتوصل إلى أن هذا التسبيح كله لا يمكن إطلاق معنى الاختصار الصرفي عليه، أي لا يمكن فهم أن كل ما في السماوات و الأرض تقول (سبحان الله) لغة وصوتا إنما هو تسبيح اعتباري بأي أسلوب كان.

وإذا تابعنا المفردة في مسيرها المعجمي مرورا بمعناها الصرفي ولوجا في مأتاها القرآني ثم رؤية المفسرين وصولا إلى الشهيد الحكيم (قدس سره) نجد ما يأتي:

ـ إن المفردة تشير إلى قضايا مجردة فالتسبيح معناه التنزيه والخلو التام من كل نقص، وكذلك الحال بالنسبة للدلالة الصرفية بما تشير إليه من معاني التكثير والإظهار والاتجاه، وتلك كلها قضايا معقولة مجردة. ويأتي الاستعمال القرآني لهذه المفردة فيه معنى التجريد أيضا وان منه ما هو إرادي ومنه غير إرادي، أما المفسرون فتراوحت أقوالهم في دلالتها بين التجريد المتمثل بالخلو والتنزيه والفراغ وبين دلالة المفردة على انه قول يتلفظ به أي قول (سبحان الله) وإذا تأملنا القول من حيث هو تكلم، والتكلم بحاجة إلى ألفاظ والألفاظ لها تصور تجريدي. وبهذا العالم المتسلسل من المجردات الذي سارت فيه المفردة حتى وصلت إلى السيد الشهيد (قدس سره) تبلورت عنده رؤية هادية: وهي أن التسبيح تنزيه يؤدى بشتى الأساليب، أسلوب النطق، مثل الصلاة والأذكار، و التدبّر الذي حث عليه القرآن الكريم، سواء ما كان منه التدبّر في القرآن الكريم ومثاله قوله تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[70] وكذلك (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)[71] أم في الملكوت كقوله تعالى: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَت)[72] أو إلى النفس قال تعالى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ)[73] أو إلى أسلوب الخلق البديع: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[74]. ومن هنا نجد ركيزة دلالية قوية توصل إليها السيد الشهيد (قدس سره) في القرآن الكريم وهي أن التسبيح منه الإرادي سواء كان ذلك نطقا معروفا لدى الإنسان أم نطقا لا نفقهه كما هو الحال في الجمادات، فأسلوب الخلق هو تسبيح في حد ذاته، ومصداق ذلك، بيان القرآن الكريم أن الله (سبحانه وتعالى) يسبح ذاته المقدسة بالإشارة إلى الخلق قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ)[75].

2) الأول والآخر، والظاهر والباطن:

الرؤية المعجمية:

الأول نقيض الآخر[76]. والآخر ما بعد الأول[77] والباقي بعد انتهاء الأشياء[78] أما الظاهر فخلاف الباطن وهو البائن، والغالب والعالي[79] والباطن خلاف الظاهر وهو الغامض[80].

في السياق القرآني:

قال الطبري: هو الأول قبل كل شيء بغير حدود والآخر بعد كل شيء بغير نهاية و إنما قيل كذلك لأنه كان ولاشيء موجود سواه، وهو كائن بعد فناء الأشياء كلها، كما قال جل ثناؤه[81] (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)[82] ولايخفى أن تعليل الشيخ ذاك بحاجة إلى إيضاح، فالدنيا هي الفانية، أما الخلق ـ البشر والكون ـ فموجود ومستمر في حياة أخرى سواء أكان ذلك الخلق مادي أم روحاني أم مجرد وبذلك يكون معنى الأخروية مستمر مع إنتهاء الدنيا ومع استمرار الحياة الأخرى. أي لو كتب الله سبحانه للحياة الأخرى فناء لكان الله (سبحانه وتعالى) أيضا هو الباقي و الآخر لأنه ذات لم يسبقها العدم ولن يلحقها الفناء والعدم.إما قوله تعالى (الظاهر والباطن) فيرى الطبري بأنه الظاهر على كل شيء دونه وهو العالي فوق كل شيء فلا شيء أعلى منه[83].

لم تأتِ مفردة الأول في القرآن الكريم إلا مرتين قوله تعالى: (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ)[84] وقوله: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[85]. ويبدو من المعنى ـ مركب الآية ـ انه لكل شيء أول أما الله سبحانه فهو الأول أي الذي لم يسبقه شيء. وكأن الآية في سورة (ق) توضح معنى الأول في سورة الحديد فالإنسان يمكنه تصور الشيء الأول ومثاله الخلق الأول، فان تمكن من التصور هذا استوعب حقيقة أن الله سبحانه هو الأول. أما الآخر بكسر الخاء فقد وردت في القرآن الكريم وفي المواضع كلها صفة لليوم، أي اليوم الآخر إلا في قوله تعالى: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) فكانت لبيان تلك الصفة الإلهية، وفي هذا الكم من وصف اليوم بالآخر إعانة للعقل البشري على استيعاب مفردة الآخر لمّا تكون من صفات الله سبحانه فالإنسان يستوعب آخر يوم، فطالما تعرف في حياته على أواخر أيام فهذا آخر يوم في الدراسة وذاك آخر يوم في حياة عزيز وهناك آخر يوم في مرحلة زمانية، وبذلك يمكنه تصور أن هناك يوم هو آخر يوم، يوم عقيم لا يأتي بعده يوم آخر فان استوعب هذا تمكن من استيعاب أن الله سبحانه هو الآخر.أما مفردة الظاهر فلم ترد صفة لله سبحانه إلا في هذا الموطن إنما وردت في سياقات أخرى خمس مرات وفي كل المعاني كانت تعنى بصفات المجردات (وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ)[86] (أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ)[87] (اِلَّا مِرَاء ظَاهِراً)[88] (َيعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)[89] (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)[90] فنجد ارتباط كلمة الظاهر في الآيات مع قضايا عمومية والعموميات اقرب ما تكون إلى المجردات من سعة عموميتها و إمكانية انطباقها على ما لانهاية له من الأشياء. أما المعنى الذي لا يمكننا وصفه بالمادي أو بالمجرد فهو ما في قوله تعالى: (فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ)[91] فمن هذه المعاني يمكن أن نفهم معنى (الظاهر والباطن)، أي هو البيان والوضوح المطلق المجرد، فان كان كذلك استوعبته العقول دون الحواس إذ أن ظاهر الإثم وظاهر القول، وظاهر الحياة الدنيا والمراء الظاهر كلها معاني مستوعبة من الإنسان رغم تجردها من الماديات.

رؤية الشهيد الحكيم (قدس سره):

يناقش السيد الشهيد (قدس سره) (الأول والاخر) من الناحية المنطقية ويتوصل إلى أن هذه الأولوية والأخروية هي التي تفهم بلا اقتران بزمان لأنها لو اقترنت بزمان لحصل فيها التناقض المستحيل، ولذلك فهو ينفي أن «يراد من الأولوية والأخروية والباطنية والظاهرية الزمانية ذلك لان الله (سبحانه وتعالى) لا يحده زمان مع تنزهه عن الازمان فلا يمكن أن يكون المراد من هذه الأوصاف الخصوصية الزمانية»[92] وبذلك نجد أن السيد الشهيد (قدس سره) قد تجاوز ما كان مبهما عند الشيخ الطبري وأعطى معنى دلاليا واسعا للمفردة، ثم تبنى رأيا للسيد الطباطبائي يستشف منه نظرته بتجريد (الأول والآخر) عن المكانية أيضا. وهنا يطرأ تطور جديد لمفهوم الأول والآخر وهي ظروف ـ كما يبدو ـ مجردة عن الزمانية والمكانية وبذلك يخرجها من الكون الظرفي إلى اسم مجرد. واستشفاف ذلك من قوله (قدس سره) «فهذه الصفات الأربعة المشار إليها في الآية الكريمة (الأول والآخر والظاهر والباطن) إنما هي صفات منتزعة من صفة المحيط المأخوذ من القدرة الشاملة للذات الإلهية، على انه يمكن أن نربط هذه الصفات بموضوع العلم لان العلم الإلهي أيضا محيط بكل الأشياء، وعندئذ يكون الله (سبحانه وتعالى) بهذا العلم هو أول هذه الأشياء لان علمه محيط بها فهو قبلها و إلا لم يكن محيطا بها ويكون آخرا لأنه محيط بها و إلا لم تحصل الإحاطة»[93] فمن كلام السيد الشهيد (قدس سره) يبدو للخيال تصور يوحي بأنه أشبه شيء بالحلقة المفرغة التي يضرب بها المثل فالقدرة الإلهية فيها تكون هي الأول الذي لا يعرف له بداية والآخر الذي لا يعرف له نهاية والتجرد من الزمان لان الأولوية تلك غير مسبوقة بابتداء كما عبر السيد الشهيد بقوله: «الأول هو الأول قبل كل شيء لكن بدون ابتداء»[94] ومجردة من المكانية عندما توصف بالإحاطة لان القدرة المحيطة بالشيء المحدود مطلقة من جهة الإحاطة فلا حدود لها. وبهذا يمكن أن نقول إن المفردة قد سَلط عليها السيد الشهيد (قدس سره) أضواءا فأعطت مفهوما متطورا لمفهوم (الأول والآخر) استشفه من السياق ومن العمق الفكري له (قدس سره) وتلك النظرة المتطورة هي أن (الأول والآخر) مفردات حقيقية الدلالة غير مجازية إنما هي مجردة من الزمانية والمكانية بدلالة الإحاطة. ﻓ (الأول والآخر) الواردة في سورة الحديد مقصود بها الإحاطة. أما الباطن والظاهر فالمفهوم من حديث السيد الشهيد (قدس سره) انه يرى بهما المجازية إذ يقول «أن الحقيقة الإلهية اقرب شيء للأشياء فعندئذ تكون أظهرها والمقصود من البطون هوان الله (سبحانه وتعالى) ابعد شيء عن إدراك الأوهام والعقول فالحقيقة الإلهية بكل خصائصها وصفاتها ومزاياها لا يمكن للعقول والأوهام إدراكها وبالتالي فلا بد أن يكون الله تعالى بهذا المعنى باطنا»[95]

3) الولوج

الرؤية المعجمية:

الولوج الدخول[96] والولجة ما كان من كهف أو غار يلجأ إليه[97].

في السياق القرآني

تعني المفردة عند الطبري الزيادة إذ يقول: «يدخل ما نقص من ساعات الليل في النهار فيجعل زيادة في ساعاته»[98].

والمتابع للمفردة يجدها قد وردت بصيغتها: يلج ثلاث مرات[99] ومما يلاحظ أنها جاءت بسياق يتبين كأنها طباق لمفردة الخروج إذ وردت: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا) في آيتي سورة سبأ و سورة الحديد. ويستشف من ذلك أن المعنى الدخول ولكن ليس دخول الفضاء الأرضي إنما دخول داخل الأرض وذلك بقرينة السياق نفسه ومن هذا يعرف أن الولوج ليس نزول إلى فضاء الأرض لان كل الفضاء المحيط بالأرض هو سماء[100] فالنزول من السماء و العروج فيها إنما هو في الفضاءات التي تعلو الأرض. فالسياق القرآني يوضح ان الولوج دخول إلى باطن الشيء المادي وليس إلى الفضاء، ثم أن قوله تعالى: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ) الذي تكرر أربع مرات بصيغة (يولج) ومرة واحدة بصيغة (تولج)[101] يعطي معنى الإقحام.

رؤية السيد الشهيد (قدس سره):

ينطلق السيد الشهيد برؤيته لهذه المفردة من المعنى اللغوي وذلك في قوله «الولوج: لغة الدخول في مضيق، والدخول بشكل عام: هو كل دخول سواء في مكان واسع أم ضيق أم ما بينهما. فإذا كان الدخول في مكان ضيق يعبر عنه لغة بالولوج، ومن هنا يشير القرآن الكريم إلى مسألة دخول الليل في النهار ودخول النهار في الليل فيعبر عنه بالولوج»[102] ويستعرض السيد الشهيد رأيا آخرا وهو إن المفردة بمعنى الزيادة ويناقش ما إذا كانت الزيادة المقصودة بالداخل أم بالمدخول عليه ولا يرجح رأيا من تلك الآراء إنما يعقب بقوله: «وعلى أي حال، المعنى يكون واحدا»[103] ثم يستعين السيد الشهيد (قدس سره) بمنهج لطيف في الوصول إلى دلالات المفردة وهو أن يلتفت إلى معاني المفردات المجاورة لمعنى المفردة المطلوبة ثم يستخرج دلالتها من سياق ورودها في القرآن الكريم ذاته، لتعينه على الوصول إلى معنى المفردة موضوع البحث فيقول: «بعد أن طبق القرآن الكريم مفهوم الولوج على الأرض (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا) والمراد منه هو ما يدخل في الأرض من مياه الأمطار أو البذور أو الحيوانات أو غير ذلك مما أودعه الله (سبحانه وتعالى) في هذا الكون حتى الأشعة الشمسية تدخل في هذه الأرض وتتفاعل معها، و أما ما يخرج من هذه الأرض من نباتات وحيوانات ومياه تتفجر عنها الأرض كما هو حال العيون»[104]وبعد أن قال ذلك راح يثبت أن النزول من السماء غير الولوج وان العروج في السماء غير الخروج بأدلة الاستعمال القرآني إذ يقول: «والحال بالنسبة إلى ما ينزل من السماء وما يعرج فيها فالنزول من السماء يراد به نزول الملائكة ونزول الأمطار كما يعبر القرآن: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ)[105] والعروج عبارة عن الصعود أي الحركة باتجاه الصعود ويراد من العروج هنا (َمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا)[106] عروج الملائكة والأرواح أو صعود أعمال الناس هي نحو من أنحاء الولوج و العروج»[107] بذلك يتدبّر السيد الشهيد (قدس سره) دلالات واسعة للمفردة وهي الزيادة والنقصان ومعنى الدخول العام الذي أضافه إلى المعنى اللغوي (الدخول في مضيق) والذي استمده من غريب القرآن[108] وكذلك أعطاها معنى الاحتضان لما يدخل فيها من غريب وذلك مستشف من قوله «والمراد منه ما يدخل في الأرض من مياه الأمطار أو البذور أو الحيوان أو غير ذلك مما أودعه الله سبحانه من هذا الكون»[109] ويعطيها معنى التداخل الاتحادي وذلك في قوله «حتى الأشعة الشمسية تدخل في هذه الأرض وتتفاعل معها»[110] وبذلك نجد أن السيد الشهيد (قدس سره) قد توصل إلى دلالات أكثر عمقا و أوسع عمومية ومعنى من الدلالات التي عرضتها المعاجم و التي عرضها الشيخ الطبري.

4) العرش

الرؤية المعجمية:

العرش سرير الملك، وعرش البيت سقفه، وعرَشَ بنا بناءا من خشب.

رؤية السيد الشهيد (قدس سره):

يستعرض السيد الشهيد (قدس سره) جملة من الآراء عن حقيقة العرش ثم يبين عدم قناعته بتلك الآراء فينتهي إلى القول: «لابد أن نلتزم بتفسير للعرش ينسجم أولا مع ظاهر الآيات الكريمة، وثانيا مع مقتضى الفعل في فهم الذات الإلهية والإرادة الإلهية، وثالثا مع ما في الخطابات العرفية المتداولة التي جاء بها القرآن الكريم على نظامها و أسلوبها، فعلينا فهم العرش من خلال هذه الأبعاد الثلاثة من مجمل ما جاء في القرآن من آيات ومما نعرفه من حقيقة كون الله تعالى لا يشبهه شيء وانه يكون منسجما مع أساليب الخطاب ونظام اللغة العربية في مقام التعبير عن المفاهيم»[111] وبعد ذلك يتوصل إلى أن العرش الإلهي هو ذلك المقام الذي تتمركز فيه القدرة الإلهية ويتمركز فيه التدبير الإلهي للخلق[112] وتسيره … فالعرش في هذه الآيات يذكر كحقيقة قائمة في نفسها مع قطع النظر عن الأمور الأخرى، الأمر الذي يدلل على انه وجود حقيقي له مصداق ووجوده مستقل شأنه شان الأمور الأخرى وليس حاله حال ما ورد من الحديث عن الشجرة الزيتونة والمصباح أو الزجاجة في آية النور»[113] ثم يقول: «العرش الإلهي هو عبارة عن وجود حقيقي من حيث المصداق والحقيقة يشبه ما ينسب إلى الملوك الدنيويين غاية الأمر يختلف عنه مصداقا وحقيقة وماهية فهو يشبهه من حيث كونه مركزا لتدبير الخلق و لإدارة الشؤون وللاستيلاء على هذه الأمور ويختلف عن عرش الملوك من جهة انه مركز حقيقي ونسبته نسبة حقيقية بينما نسبة العرش إلى ملوك الدنيا نسبة اعتبارية»[114] فيُلمح من كلام السيد الشهيد (قدس سره) نظرة متطورة في التفسير إذ يميز قضية العرش عن القضايا المجازية التي تفهم أحيانا من آيات أخرى ويتوصل إلى ما يأتي:

1. إن العرش حقيقة له مصداق خارج تصور الإنسان.

2. نسبته إلى الله سبحانه نسبة حقيقية.

والمتأمل في هاتين الفقرتين لا يجد عسرا في الوصول إلى فهم المقصود، ذلك أن الكلام قد جرد العرش من الماديات فالحقيقة الربانية المجردة لا تتضارب إن نُسبت إليها حقيقة مجردة أخرى، كنسبة البصر والسمع لله (سبحانه وتعالى) فكلها نسب حقيقية مجردة. ومن لطيف ملاحظات السيد الشهيد (قدس سره) أن نبه إلى أن العروش الملوكية المادية (نسبتها اعتبارية) والمتأمل يجد عمق التفكّر والتدبّر الذي يحظى به السيد الشهيد (قدس سره) فيتوصل إلى أن نسبة العرش المادي المرئي الذي يستولي عليه ملك الدنيا نسبته مجازية بينما العرش وهو حقيقة مجردة نسبتها إلى الله سبحانه نسبة حقيقية. وبذلك تفصح رؤية السيد الشهيد (قدس سره) التفسيرية بحقيقة العرش بأنها مركز التدبير والإدارة والاستيلاء على الأمور.

الفقرة الثانية: استقطاب الدلالة من البنية النصية

من الملاحظ أن للسيد الشهيد (قدس سره) أكثر من رؤية لبيان دلالات المفردات فانه مرة يستخرجها من بين المفردات ويبرّزها في مباحث خاصة ويسلط عليها الأضواء ومثال ذلك ما مر في الفقرة الأولى. ومرة أخرى يجعل من المفردة أواصر تمتد بين البنى اللغوية والسياقية للوصول إلى عمق الدلالة العامة للنص ومثال ذلك المفردات الثلاث (مستخلفين) في قوله تعالى: (َأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) و(ميراث) في قوله: (لِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) و(يقرض) في قوله: (مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً) يستعمل السيد الشهيد (قدس سره) هذه المفردات لتنير دلالاتها بنفسها تارة وتنير ما يجاورها من دلالات قريبة أو بعيدة سواء أكان ذلك على مستوى المفردة أم على مستوى التركيب وذلك كله للوصول إلى الهدف الأساس من النص. فيختار مفردة من بين مفردات النص ثم يظهر أن المفردة ليست هي الغاية من النص إنما جيء بها لتنير ما قبلها وتوضح الهدف العام من النص. وقد رتب لهذه المنهجية هندسة فنية جميلة إذ جزأ السورة إلى نصوص و أعطى كل نص عنوانا خاصا يحمل المحور التكاملي من غاية ذلك الجزء من النص، فموضوع اسماه (تكامل الأيمان بالإنفاق) هذا العنوان يكشف عن مصابيح إضاءة في النص متمثلة بثلاث مفردات (الاستخلاف، الميراث، القرض) وكأن مفردة الميراث سراج ذلك النص والاستخلاف والقرض مصابيحه المستمدة منه نورها. فالغرض العام كما يبدو من العنوان المختار من السيد الشهيد (قدس سره) هو الإنفاق، فالمصباح الأول الذي ينير درب قضية الإنفاق مفردة (مستخلفين) إذ أول ما ينتبه الإنسان بعد دعوته إلى الإنفاق بأمر من الله سبحانه تذكّره كلمة الاستخلاف بأنه لا يملك من هذا الذي يؤمر بإنفاقه شيئا، إنما هو مستخلف عليه. إذ يعبر السيد الشهيد (قدس سره) عن ذلك بقوله: «تحدث القرآن الكريم عن المال لكونه أمرا وضع تحت يد الإنسان باعتباره خليفة عليه فذكر مفردة مستخلفين»[115] ويرى السيد الشهيد (قدس سره) إن لهذه المفردة في سياق الأمر بالإنفاق دافع لإرخاء القبضة عن هذه الأموال لان حقيقتها ليس بملك حقيقي. إذ يقول «جاءت الآية في مقام ترغيب هؤلاء المؤمنين بالإنفاق عن طريق الإشارة إلى قضية الخلافة لأن الإنسان عندما يكون خليفة لله (سبحانه وتعالى) في هذا المال لا يكون مالكا حقيقيا، و إنما ملكيته اعتبارية فمن يمتلك مثل هذه النظرة سيكون بطبيعة الحال راغبا في الإنفاق عندما يأمره صاحب المال الحقيقي وهو الله (سبحانه وتعالى) شأنه كشأن من يكون وكيلا لإنسان آخر في ماله عندما يأمره الموكل بتصرف ما بإنفاق المال وصرفه في مورد معين فيسهل ويهون عليه الإنفاق لأنه يرى إن هذا المال ليس ماله وليس هذا الملك ملكه»[116] ثم يأتي دور المفردة السراج في هذا النص (الميراث) لتهوِّن قضية الإنفاق أكثر. فالميراث كما يرى السيد الشهيد (قدس سره): «هو عبارة عن انتقال مال من جهة إلى جهة أخرى من غير عقد ولا ما يجري مجراه…و وصف القرآن الكريم الله سبحانه بالوارث باعتبار أن كل ما في السماوات والأرض يرجع ويصير إليه تعالى، ولذا وصفت أيضا بأنها ميراث الله وبالنتيجة فكل الأموال الموجودة في السماوات والأرض تنتقل وترجع إليه فهو منتهاها»[117] وهذا النور الأكبر لمفردة الميراث تقنط النفس الإنسانية من الحيازة الأبدية للمال إذ ربما يبخل الإنسان ويعلم انه ميت رغبة في أن يورث أبناءه من بعده، فحتى هذا الأمل يكون مبتورا لمّا يعلم أن الأمر كله استخلاف والميراث الحقيقي لله سبحانه.والمتأمل يرى أن هذه النتيجة لا تقتصر على الأموال فقط إنما كل ألوان الإنفاق: المال والأبناء والنفس، فمعرفة الإنسان أن ميراث السماوات والأرض كله لله بما فيها من الأولاد والأنفس تبين الوضع الحقيقي للإنسان المستخلف في هذه الدنيا على وجه العموم، أما المصباح المضيء الثاني في هذا النص لإنارة الهدف الأساس فهي مفردة (الإقراض) والقرض كما يرى السيد الشهيد (قدس سره) أن من دلالاتها: «المال المدفوع على شرط أن يرجع إلى الدافع بدله و إنما سمي القرض ـ أي هذا الدفع المرجوع ـ قرضا لان القرض هو القطع فكأن الإنسان قد قطع من ماله شيئا و أعطاه إلى الآخرين مع بقاء ملكيته وعلاقته به، وهذا المعنى من الملكية أي ما كان بدله مضمونا ومشروطا سمي أيضا قرضا حسنا بلحاظ ما بازائه من الثواب عند الله (سبحانه وتعالى)، فالإنسان الدافع لا يريد مالا إضافيا كما هو الحال في الربا حينما يعطى المال مع بقاء علاقته به لا يقصد به التقرب إلى الله سبحانه و إنما الحصول على مال إضافي. وهذا هو الفرق بين القرض والذي فيه اجر وثواب باعتبار أن القصد فيه هو التقرب إلى الله»[118] ويُلاحظ في كلام السيد الشهيد (قدس سره) أن القرض هو عطاء مع بقاء العلاقة قائمة بين المال وصاحبه، وإذا ركزنا الأضواء على هذه الحقيقة يتبين أن الإنسان لا يملك من ماله ملكا حقيقيا إلا ذلك الذي يقرضه لله قرضا حسنا.لان الله سبحانه سوف لا يقطع اتصال هذا المال بصاحبه ويبقى مالكا له، ممتدا به الملك إلي يوم القيامة حيث التمليك الحقيقي إذ لا فناء و لا انتهاء حتى وان أعيد إليه القرض، بل أكثر من ذلك فان الله سبحانه سيعيده إليه مضاعفا في حياة أخرى يكون فيها هو المالك الحقيقي بلا منازع ولا زوال. أما تتمة النص فعبارة عن الترغيب الحقيقي بهذا الخُلق الذي سوف يوصل إلى البشرى والنور والنجاة من العذاب. كما أن في النص ترهيبا حقيقيا لان عكس ذلك سيوصل إلى الذل و الإهانة والعذاب والظلام. ومن هذا المقطع المتراوح بين الترغيب والترهيب يختار السيد الشهيد (قدس سره) مفردات خاصة يركز منها أضواءا على النص، وهي (الاقتباس) في قوله تعالى: (انظرونا نقتبس) و(السور) و(الفتنة) و(التربص) ومن الملاحظ أن المفردات المختارة للدراسة الدلالية لا تخص صورة المؤمنين والمؤمنات، وكأن السيد الشهيد (قدس سره) كان يرى أن الصورة التي قدمها القرآن الكريم لا تحتاج إلى إيضاح فقوله تعالى: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[119] أجلى من التفسير، إنما يركز (قدس سره) ويسلط الأضواء على الحسرة والذل للمنافقين متمثلا باستجدائهم (قبس) من نور. والقبس كما يختار له من دلالة بان: «الاقتباس: هو طلب الشعلة من النار واستخدام القرآن مجازا هذه اللفظة هنا بهذا المعنى حيث يقف المنافقون والمنافقات يوم القيامة ويطلبون اخذ شعلة من نور المؤمنين»[120] وهذه الصورة للمنافقين تبين أن سجيتهم في الآخرة لم تتغير عن سجيتهم في الدنيا، فالمنافقون نفاقهم «في الآخرة كنفاقهم في الدنيا، ففي الدنيا كانوا يتربصون بالمؤمنين فان كان لهم فتح من الله (قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ)[121] وفي يوم القيامة لما يضرب بينهم وبين المؤمنين بسور ينادونهم: (أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ)[122] والمؤمنون كذلك ترى سجيتهم في الدنيا سجيتهم في الآخرة فمثلما كانوا في حياتهم الدنيا يرددون في صلواتهم وفي سرهم وعلانيتهم أن (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[123] كانوا في الجنة (آخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[124] وكما هم في الحياة الدنيا: (أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ)[125] نجدهم أشداء على أهل النار، فحين يلتمس المنافقون منهم نورا يقولون لهم: (ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً)[126] ولما ينادونهم: (ألم نكن معكم) يعيدون عليهم الكرة[127]: (بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[128] وبعد هذا الحوار يُضرب بينهم السور الذي يرى السيد الشهيد (قدس سره) بأنه معنى محسوس له أبعاد مجردة مضافة إلى محسوسيته، فهو سور يستحيل على الآخرين تجاوزه، فمجرد السور يمكن هدمه أو تسوره أو اختراقه، إلا أن هذا السور حائل بينهم حؤول أبدي. إذ يقول السيد الشهيد (قدس سره): السور «عبارة عن الحائط المحيط بالشيء ويكون في الوقت نفسه مانعا من الوصول إليه، وتشير الآية الشريفة إلى هذا الحائل والحاجز والمانع القائم بين المنافقين والمنافقات من جهة وبين المؤمنين والمؤمنات من جهة أخرى»[129].

إما المفردة الأخير التي أعدها السيد الشهيد (قدس سره) محورا للدرس فهي (الفتنة) وقد قال السيد مكتفيا بمعناها اللغوي دون التعليق عليه: «والفتنة لغة تعريض الشيء إلى النار لصهره وبيان حقيقته و واقعه، فعندما يدخل الحديد في النار يقال فتن الحديد، وعندما يدخل الذهب في النار أيضا يقال فتن الذهب فالفتنة معناها تعريض الشيء إلى النار لمعرفة واقعه)[130] ويستشف من اكتفاء السيد بهذا المعنى اللغوي بأنه يعطي المعنى التفسيري من غير حاجة إلى زيادة أو إيضاح. وتبدو سلامة الرأي هذا عندما نتأمل أن المنافقين عرّضوا أنفسهم في الحياة الدنيا إلى موبقات أدت بهم إلى النار أي أنهم هم الذين احرقوا أنفسهم وعرضوها إلى النار إلا أن النكتة أنهم في الدنيا تبين معدنهم الحقيقي الذي لا يصلح إلا للخلود في نار جهنم وبئس المصير.

إن هذه المفردات التي اختارها السيد الشهيد (قدس سره) لإيضاح دلالتها كانت كلها وسائل لبلوغ هدف النص (الإنفاق) الذي شخصه السيد. فالسائر مع النص يجد دلائل سلامة ذلك التشخيص على صعيد المباحث كلها فعلى صعيد البحث التفسيري: قال «تتمحور آيات المقطع الشريف حول موضوع واحد… وهو موضوع الإنفاق باعتباره يمثل حالة تكاملية للأيمان حيث نجد أن القرآن الكريم في هذا المقطع الشريف تحدث أولا عن الدعوة إلى الإنفاق، وثانيا عن ذكر المراتب والدرجات العالية التي يمكن أن نحصل عليها من خلال الإنفاق في سبيل الله. وثالثا أشار إلى الآثار والنتائج السلبية المترتبة على البخل وعدم الإنفاق، ومن أبرزها على ما يبدو من الآيات في هذا المقطع الشريف وفي مواضع أخرى من القرآن الكريم ظهور حالة النفاق في الإنسان الممتنع عن الإنفاق»[131] ويلاحظ المتأمل التدبّر المتميز للسيد الشهيد (قدس سره) في هذا المجال وهو مؤدى عدم الأنفاق، فالبخيل يسوّغ بخله فيبتغي التلاعب بكل شيء: بالأقوال والأعمال والنيات.وما ذلك إلا صورة مثلى للنفاق. ثم نجد السيد الشهيد يتلمس رابطا بين الإيمان والإنفاق، فبعد أن يعرض تساؤلا: هل الدعوة إلى الإيمان بقوله تعالى: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)[132] موجهة إلى عموم الناس أو انه مختص بجماعة منهم فيعرض ثلاثة احتمالات يرجح آخرها وهو «إن الخطاب مختص بالمؤمنين…حيث فيه مطالبة للمؤمنين بتجسيد أيمانهم من خلال الإنفاق في سبيل الله وترتيب الآثار العملية المهمة على ذلك الإيمان التي منها الإنفاق في سبيل الله… ويكون المطلوب في قوله تعالى: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)[133] إيمانا بدرجة أعلى من درجات الإيمان وعلى مستوى ارفع من المستوى الموجود بين عامة الناس»[134].

الخاتمة

الدلالة في اللغة التفسيرية عند السيد الشهيد (قدس سره) مادة غنية للدرس أدعو أن يقيض الله سبحانه من يدرسها بروية وبعمق اكثر من هذه الدراسة التي كان عامل الوقت القصير المحدد لها قد حجم من ثرائها وفتح باب القصور فيها على أوسعه. ومن الله التوفيق وله العتبى حتى يرضى والحمد لله رب العالمين.

مصادر البحث

القرآن الكريم

1 ـ أساس البلاغة: للزمخشري / الموسوعة الشعرية الإصدار الثالث

2 ـ أنوار التنزيل وأسرار التأويل/ لأبى سعيد البيضاوي /تحقيق: عبد القادر عرفات/دار الفكر/بيروت /1996.

3 ـ تاج العروس: الزبيدي : الموسوعة الشعرية الإصدار الثالث.

4 ـ التعريفات: للشريف الجرجاني / مطبعة مصطفى البابي/ القاهرة /1938.

5 ـ تفسير سورة الحديد/شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم / ط1 مطبعة العترة الطاهرة./ (د.م) /(2006 م).

6 ـ جامع البيان عن تأويل القرآن محمد بن جرير الطبري، دار الفكر (بيروت) (1405 ﻫ).

7 ـ الجنة في القرآن الكريم ـ دراسة جمالية ـ رسالة ماجستير مطبوعة على الآلة الطابعة.ابتسام السيد عبد الكريم المدني (1996).

8 ـ شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، لابن عقيل العقيلي، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد.

9 ـ الصحاح: الجوهري: الموسوعة الشعرية الإصدار الثالث.

10 ـ العين: للخليل بن احمد الفراهيدي: الموسوعة الشعرية الإصدار الثالث.

11 ـ الكشاف: للزمخشري ضبط مصطفى حسين احمد، مطبعة الاستقامة (القاهرة) (1953).

12 ـ لسان العرب: ابن منظور: الموسوعة الشعرية الإصدار الثالث.

[1] ينظرالصحاح: رأى

[2] ينظر الصحاح: دلل

[3] ينظر لسان العرب: دلل.

[4] (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ) طه: 40. (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ) القصص: 12 (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ) الصف: 10 (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ) الأعراف: 22 (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) الفرقان: 45 (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ) سبأ: 7.

[5] الأعراف: 22.

[6] سبأ: 7.

[7] التعريفات: 139.

[8] علم اللغة وفقه اللغة تحديد وتوضيح: 45.

[9] الصحاح: عند.

[10] الأحزاب: 23.

[11] الأحزاب: 23.

[12] الأحزاب: 23.

[13] يس: 26 ـ 27.

[14] أساس البلاغة: وظف.

[15] ينظر الصحاح: في.

[16] ينظر العين: فسر.

[17] الكشاف 1 ـ ي.

[18] ينظر: تفسير سورة الحديد: 9.

[19] ينظر تفسير سورة الحديد: 22.

[20] سورة الحديد: 1.

[21] ينظر الصحاح: سبح.

[22] ينظر لسان العرب: سبح.

[23] ينظر شرح ابن عقيل: 2/ 472 ـ 473.

[24] ينظر تفسير الطبري: 27/ 215.

[25] الحديد: 1، الحشر: 1، الصف: 1.

[26] الحديد: 1.

[27] تفسير البيضاوي 5: 295.

[28] ينظر تفسير البيضاوي 5: 295.

[29] البقرة: 30.

[30] طه: 33.

[31] الإسراء: 44.

[32] الفتح: 9.

[33] القلم: 28.

[34] الأعراف: 206 و الأنبياء: 20 و الزمر: 75 وغافر: 7 و فصلت: 38 و الشورى: 5

[35] الأعراف: 206.

 [36]فصلت: 38.

[37] الأنبياء: 20.

[38] غافر: 7.

[39] الشورى: 5.

[40] الزمر: 75.

[41] الأنبياء: 20.

[42] الرعد: 13.

[43] الإسراء: 44.

[44] الحشر: 24.

[45] الجمعة: 1.

[46] التغابن: 1.

[47] الأنبياء: 79.

[48] ص: 18.

[49] النور: 41.

[50] آل عمران:41، الحجر: 98، طه: 13، الفرقان: 28، الأحزاب: 42، غافر: 55، ق: 39، ق: 40، الطور: 48، الطور: 49، الواقعة: 74، الواقعة: 96، الإنسان: 26، الأعلى: 1، النصر: 3.

[51] البقرة: 116.

[52] آل عمران: 191.

[53] المائدة: 116.

[54] يونس: 10.

[55] يوسف: 108.

[56] النور: 16.

[57] الفرقان: 18.

[58] سبأ: 41.

[59] الزخرف: 13.

[60] القلم: 29.

[61] الإسراء: 44.

[62] النور: 41.

[63] الصافات: 143.

[64] الصافات: 166.

[65] الإسراء: 44.

[66] تفسير سورة الحديد: 22.

[67] ينظر: م. ن: 22.

[68] م. ن: 23.

[69] م. ن: 27.

[70] محمد: 24.

[71] ص: 29.

[72] الغاشية: 17 ـ 18.

[73] الروم: 8ا.

[74] البقرة: 164.

[75] يس: 36.

[76] الصحاح: وأل.

[77] الصحاح: أخر.

[78] ينظر لسان العرب: أخر.

[79] ينظر الصحاح: ظهر

[80] تاج العروس: ظهر.

[81] ينظر الطبري: 27 /215.

[82] القصص: 88.

[83] ينظر الطبري:  27/ 215.

[84] ق: 15.

[85] الحديد: 3.

[86] الأنعام: 120.

[87] الرعد: 33.

[88] الكهف: 22.

[89] الروم: 7.

[90] لقمان: 20.

[91] الحديد: 13.

[92] تفسير سورة الحديد: 28.

[93] م. ن: 32.

[94] م. ن: 30.

[95] م. ن: 30.

[96] ينظر الصحاح، ولسان العرب: مادة ولج.

[97] ينظر تاج العروس: ولج.

[98] الطبري: 27 /215.

[99] الاعراف 40 سبأ: 2 الحديد: 4.

[100] ينظر لسان العرب: سمو.

[101] أل عمران: 27 الحج: 61، لقمان: 29، فاطر: 13، الحديد: 6.

[102] تفسير سورة الحديد: 34.

[103] م. ن: 34.

[104] م. ن: 34.

[105] المؤمنون: 18.

[106] الحديد: 14.

[107] تفسير سورة الحديد: 35.

[108] ينظر: م. ن: 34.

[109] م. ن: 35.

[110] م. ن: 35.

[111] م. ن: 35.

[112] م. ن: 42.

[113] م. ن: 42.

[114] م. ن: 42.

[115] تفسير سورة الحديد: 61.

[116] م. ن: 70.

[117] م. ن: 62 ـ 63.

[118] تفسير سورة الحديد: 65 ـ 66.

[119] الحديد: 12.

[120] تفسير سورة الحديد: 64.

[121] النساء: 141.

[122] الحديد: 14.

[123] الفاتحة: 2.

[124] يونس: 10.

[125] الفتح: 29.

[126] الحديد: 13.

[127] جنة في القرآن الكريم ـ دراسة جمالية.

[128] الحديد: 14.

[129] تفسير سورة الحديد: 64.

[130] م. ن: 64 ـ 65.

[131] تفسير سورة الحديد: 67.

[132] الحديد: 7.

[133] الحديد: 7.

[134] تفسير سورة الحديد: 69.

اكتب تعليق

كافة الحقوق محفوظة لمؤسسة تراث الشهيد الحكيم، ولا يجوز الاستفادة من المحتويات دون إذن خطي.

الصعود لأعلى