نظرة آية الله محمد باقر الحكيم لحقوق الانسان

tt

بحث شارك في المؤتمر الثاني لإحياء التراث الفكري والعملي للشهيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم 

الباحث: الاستاذ المساعد د. نعيم كريم عجمي

                  كلية التربية ـ جامعة ذي قار

تمهيد

تكمن أهمية موضوع حقوق الإنسان اليوم في كونه محط اهتمام الكثير من الناس، من الذين فقدوا تلك الحقوق أو لم يروها البتة؛ بسبب الظلم والاضطهاد السياسي الذي تمارسه الأنظمة الديكتاتورية، من اجل المحافظة على مصالحها في السلطة والحكم.

يقع هذا البحث في ثلاثة محاور وهي المحور الأول: نظرة تاريخية تناولت فيها التطور التاريخي لحقوق الإنسان، علاوة على تعريفها من وجهة نظر التاريخ الأوربي الحديث. أما المحور الثاني: فكان بعنوان نظرة السيد الحكيم لحقوق الإنسان، وهي نظرة عامة وشاملة لحقوق الإنسان دونما التطرق إلى هذه الحقوق لمجتمع معين أو لفئة معينة. أما المحور الثالث: فكان نظرة السيد الحكيم لحقوق الإنسان في العراق.

أولا: نظرة تاريخية

إن مصطلح حقوق الإنسان حديث نسبيا، ولم يصبح شائعا الإ خلال القرن العشرين، وبعد الحرب العالمية الأولى تحديدا.

يمكن تعريف حقوق الإنسان بأنها: مجموعة المطالب الأساسية التي يعترف بها للفرد وللجماعة على حد سواء، قوامها الحرية، تنشأ مع الإنسان وتلتصق بوجوده ولا تتحرك إلا في إطار الجماعة الاجتماعية أو السياسية وعبر علاقته بها، طبيعتها لأتسمح بالتنازل عنها، واحترامها شرط من شروط تقدم البشرية.

تكونت نظرية حقوق الإنسان في رحم نظرية القانون الطبيعي (Natural law theory)، وتعود أصول هذه النظرية إلى العصر اليوناني والروماني، ويبرز من بين مفكري هذه المرحلة اسم شبيشرون (106 ـ 43 ق. م)، الذي يرى بأنه «ثمة قانون راهن متوافق مع الطبيعة منتشر في جميع البشر، لايتبدل لأنه خالد» والناس متساوون في ضوء هذا القانون، كما أن حرية الإنسان يجب أن تخضع إلى سنة القانون «إنا عبيد للقانون لكي نبقى أحرارا»[1].

ومن بينهم جون لوك (1632 ـ 1704) John Lock الذي يرى أن حياة الإنسان «حالة كاملة في تنظيم أفعالهم، والتصرف في ممتلكاتهم وأشخاصهم، بما يرونه سليما، في حدود قانون الطبيعة دون أن يطلبوا إذنا، ودون الاعتماد على إرادة أي إنسان أخر» هذه الحالة الطبيعية يوضع لها حد بالعقد الذي يبرم بين الأفراد لإقامة المجتمع المدني، وهذا العقد لايتضمن تنازل الأفراد لإقامة المجتمع المدني، وهذا العقد لا يتضمن تنازل الأفراد عن حقوقهم الطبيعية إلا بالقدر الذي لم يعد يتلائم مع إقامة النظام الاجتماعي[2].

لقد أسهمت كتابات هؤلاء المفكرين في إرساء قواعد فكرة حقوق الإنسان، أسهم معهم في هذا البناء عدد كبير من المفكرين، فمعظم كتابات مفكري[3] القرن الثامن عشر لم تخرج عن إطار دائرة حقوق الإنسان، ويبرز من بينها إعلان حقوق الإنسان المواطن Delclaration of the Right of man and of the citizen في 26 آب 1789، الذي جاء في أعقاب قيام الثورة الفرنسية[4].

يبدأ الإعلان بالإقرار أن الناس ولدوا ويظلوا أحرار متساوين في الحقوق، كما أن هدف كل مجتمع سياسي هو صيانة حقوق الإنسان الطبيعية، التي حددها بالحرية، والملكية، والحق في الأمن، ومقاومة الظلم. وأخر الإعلان حق حرية التعبير عن الأفكار والآراء، وحق حرية الأديان[5].

أخذت هذه الأفكار طريقها إلى القوانين والدساتير منذ منتصف القرن التاسع عشر، فقد بدأت بريطانيا وفرنسا خطواتهما الأولى في هذا المجال عام 1848، عندما أصدرت الحكومتان مجموعة قوانين تتعلق بتحديد ساعات العمل والتوزيع العادل لأعباء المجتمع وامتيازاته[6].

ثم امتد مبدأ الإقرار بالحقوق الاجتماعية إلى بقية الدول الديمقراطية في أوربا، حتى يكاد يكون الإقرار بهذه الحقوق السمة البارزة لدساتير تلك الدول.

ثانيا: نظرة السيد الحكيم لحقوق الإنسان

يرى السيد الحكيم[7] أن من حق الإنسان على الإنسان الإخوة في التعامل، بشكل أن يكون ذلك عزة وكرامة وقوة، لا أن يستغل تلك العلاقة الأخوية إلى العكس من ذلك تماما[8].

ويجب أن لاتستغل هذه العلاقة من اجل ظلم الناس والتحكم في رقابهم والإساءة إليهم؛ أي أن تكون علاقة تخدم كل أبناء المجتمع، وان تكون في مصلحة الجماعة كلها[9].

وان تترجم الإخوة إلى أفعال حقيقية، بنصرة الأخ على أعدائه، الذين هم في الحقيقة أعداء الله والمجتمع والمصلحة العامة قولا وفعلا. ويحب أن لا يتوقف الأمر عند ذلك بل يقع على عاتق الأخ النصيحة والإرشاد والوعظ والإخلاص في العمل ورعاية مصلحة شؤون أخيه[10]، وان يكون كل ذلك بشكل متكافئ ومتقابل.

ومن الحقوق الإنسانية الأخرى التي أكد عليها السيد الحكيم هي المشاركة الفعلية في الحياة الاجتماعية العامة للناس، وتحمل المسؤولية العامة تجاههم بدرجة عالية، وذلك من قبيل المشاركة في الأفراح والأحزان، وتقديم المساعدة للآخرين، وزيارة المرضى، ومنع وقوع الضرر على الناس، وتعزيز مبدأ الوفاء وأداء الأمانة[11].

ويرتقي السيد الحكيم بمسالة المشاركة الاجتماعية إلى مستوى تحمل المسؤولية تجاه الاستبداد والظلم والطغيان، بمعنى عدم مشاركة أو تأكيد أو مناصرة السلطة الظالمة[12]. ويرى السيد محمد باقر الحكيم، إن أبناء المجتمع الواحد يجب عليهم تحمل البلاء، والصبر على المحن والآلام، إذ يقع ذلك ضمن المسؤولية الاجتماعية. وان التكاتف والتآخي سوف يقلل من وطأة تلك المحن ويخفف من آلامها[13].

ثالثا: نظرة السيد الحكيم لحقوق الإنسان في العراق

فيما يتعلق بحقوق الشعب العراقي فان السيد محمد باقر الحكيم أول شي أكد عليه هو حرية هذا الشعب في التخلص من تسلط النظام البعثي السابق من كل مواقعه وتأثيراته ومن أفكاره، لان وجود مثل تلك المواقع والتأثيرات والأفكار سيكون بمثابة وضع العصا في العجلة لكي تتأخر، خصوصا حينما عشنا ونعيش اليوم أساليب النظام السابق الوحشية، من اجل تحقيق غاياته من خلال استعادته لمواقعه السابقة[14].

أما الشيء الأخر الذي أكد عليه السيد الحكيم هو قضية استقلال العراق، بمعنى التحرر من السيطرة الأجنبية، ومن الاحتلال الخارجي بكل أشكاله سواء العسكرية أم الاقتصادية أم السياسية، ولهذه القضية أهمية خاصة في تفكير السيد الحكيم؛ لأنها تمثل أمنية غالية جدا يصعب تحقيقها مع تشابك وتعقد العلاقات والمصالح الدولية والإقليمية والمحلية وعلى كافة الصعد والمستويات، على أن ذلك يعتبر حق من الحقوق الأساسية للشعب العراقي[15].

كما أكد السيد محمد باقر الحكيم على مسالة العدالة سواء الاجتماعية منها والتي تعني توحيد النظرة إلى أبناء المجتمع دونما تمييز لأساس طبقي ولاعلى أساس طائفي، مجتمع يجب أن يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات، كما أشار السيد الحكيم أن العدالة يجب أن تكون اقتصادية أيضا، بمعنى أن يكون هناك توزيع عادل لثروات البلاد على جميع أبنائه بالتساوي.

وينطلق السيد الحكيم في نظرته هذه إلى مسالة العدالة بجوانبها تلك من طبيعة التحديات التي تواجه الشعب العراقي، والمتمثلة في الاضطهاد العنصري والطائفي لأكثرية أبناء الشعب، فضلا عن الأقلية.

حيث يرى الحكيم أن العدالة هي المفتاح الأساسي لرفع كل هذا الظلم والاضطهاد، وان التوازن في إدارة البلاد سيسهم أيضا في رفع تلك المعاناة عن كاهل الشعب، بشكل يضمن للجميع تمثيلا سياسيا حقيقي ـ ا، الأمر الذي سينعكس ايجابيا في تحقيق العدالة على جمي ـ ع الصعد والمستويات[16].

أن كل ذلك سوف يؤدي إلى تحقيق الغايات الأساسية التي يسعى إليها أبناء الشعب العراقي في التنمية الاقتصادية والرفاه والرقي والتطور، بشكل يجعل البلد يسير في خطى صحيحة وواثقة في ركاب الأمم المتقدمة.

ويدعو السيد الحكيم إلى وحدة الصف والتكاتف ونبذ الطائفية والعنصرية، وان تكون النظرة موحدة لجميع أبناء الشعب العراقي، حيث يقول «أن يكون عبد الزهرة على قدم المساواة مع عبد العليم أو عبد السميع»، بمعنى آخر يجب أن لايكون هناك تميز لأعلى أساس الاسم أو الطائفة أو الفئة.

الخاتمة

إن النظرة إلى حقوق الإنسان هي نظرة عالمية، وهي قبل ذلك نظرة إلهية، اعتمدت الحرية والعدل والمساواة، وان الظلم والاستبداد المنتشر بين المجتمعات البشرية هو الذي يدعو دائما إلى إحيائها والتمسك بها لمواجهته.

لقد اتسمت نظرة السيد الحكيم لحقوق الإنسان بالشمولية والعالمية، وهو بذلك يستند في نظرته تلك إلى نظرة الدين الإسلامي الحنيف لهذه المسالة.

كانت دعوة السيد الحكيم تقوم دائما على الوحدة والتآخي ونبذ العنف والطائفية؛ لان في الأولى يشتد ويقوى البنيان ويخشاك الأعداء، في حين تكون الثانية معول الهدم لذلك البنيان وتحطيم لتلك القوة .

إن نظرة الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم إلى حقوق الإنسان في العراق إنما هي نظرة حقيقية وصائبة شخصت مشكلات الواقع العراقي، ودعت إلى وضع الحلول لتلك المشكلات، وكان الشهيد السعيد هو جزء من ذلك الواقع، وليس ببعيد عنه، وهذه هي صفات القائد الجيد.

[1] (Encyclopedia Britannica, Vol 14, (new York, 1970 ;P .530

[2] محمد محمد صالح، تاريخ أوربا من عصر النهضة حتى الثورة الفرنسية (1500 ـ 1789) بغداد، (1981)، ص 586.

[3] مثل كتابات مونتسكيو (1689 ـ 1755) Moteskuw صافي المؤلف الشهير روح القوانين The spirt of Laws سميث (1723 ـ 1790) Adam Smith صاحب كتاب ثروة الأمم the wealth of Nations. للمزيد من التفاصيل انظر المصدر نفسه.

[4] ألبير سولول، تاريخ الثورة الفرنسية، ترجمة جورج كوستن (بيروت بيارس، 1989) ص 131.

[5] عبد الحميد البطريق وعبد العزيز نوار، التاريخ الأوربي الحديث من عصر النهضة إلى مؤتمرفينا (بيروت، 1974)، ص 378.

[6] محمد محمد صالح وآخرون، تاريخ أوربا في القرن التاسع عشر، (بغداد، 985)، ص 96.

[7] اية الله السيد محمد باقر الحكيم، ولد عام 1939 في مدينة النجف الاشرف، وهو نجل اية الله العظمى السيد محسن الحكيم. تلقى علومه الأولية في كتاتيب النجف، ثم درس الابتدائية في مدرسة منتدى النشر، وفيها انهى الصف الرابع. ودخل الحوزة العلمية عام 1951. حضر درس خارج الفقه والاصول لدى كبار المجتهدين أمثال اية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) وآية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر (قدس سره). درّس في كلية اصول الدين في بغداد. ودرّس البحث الخارج على مستوى الاجتهاد في ايران بشكل محدود بسبب انشغاله وممارسته القيادة السياسية. للمزيد من التفاصيل انظر: ابحاث المؤتمر الاول لإحياء التراث الفكري والعلمي للشهيد اية الله العظمى محمد باقر الحكيم (قدس سره) (النجف الاشرف،2006)، ص 99 ـ 103.

[8] الإخوة الإيمانية من منظور الثقلين، (قم المقدسة، 2004)، ص 60 ـ 61.

[9] أية الله العظمى محمد باقر الحكيم، الشيعة والتشيع ط 11 (طهران، 2004)، ص 112، أية الله محمد باقر الحكيم المنهاج الثقافي السياسي الاجتماعي، ج 1، (النجف الاشرف، د ـ ت)، ص 238.

[10] أية الله العظمى محمد باقر الحكيم، الشيعة، المصدر السابق ص 112.

[11] المصدر نفسه، ص 113.

[12] محمد باقر الحكيم، دور الجامعيين في مستقبل العراق، ط 11، (قم، 2004) ص 212.

[13] آية الله العظمى محمد باقر الحكيم، دور الجامعيين في مستقبل العراق، المصدر السابق، ص 21.

[14] المصدر نفسه.

[15] آية الله السيد محمد باقر الحكيم، دور الجامعيين في مستقبل العراق، ص 22.

[16] أية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم. الإخوة الإيمانية من منظور الثقلين، (قم المقدسة، 2004) ص 60.

اكتب تعليق

كافة الحقوق محفوظة لمؤسسة تراث الشهيد الحكيم، ولا يجوز الاستفادة من المحتويات دون إذن خطي.

الصعود لأعلى