دور المرجعية الدينية والحوزة العلمية في بناء المجتمع الاسلامي من وجهة نظر السيد الحكيم (قدس سره)

tt

بحث شارك في المؤتمر الثاني لإحياء التراث الفكري والعملي للشهيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم 

الباحث: الاستاذ المساعد د. كاظم عبد الموسوي

قسم اللغة العربية ـ كلية التربية ـ جامعة ميسان

المُقدمة

في ضوءِ العطاءِ الفكري الثر للسيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) يتَعذَّر على الباحثِ الإمساك بموضوعٍ ما من المواضيع التي طرحها؛ لِما عُرِف به من تَعدد زوايا النظر للموضوع الواحد فيما ألَّف وكتَب، غير أنَّ هذا لم يكن بالمانع بقدرِ ما كان حافزاً للولوج في موضوع (دور المرجعية والحوزة العلمية في بناء المجتمع الاسلامي) من وجهةِ نظره (قدس سره)، الذي أخذَ حيِّزاً كبيراً من المساحةِ الفكرية في كتاباتهِ، سواء أكانَ في العناوين الجانبية والمُضَمَّنة في ثنايا الكُتب، أم في طَرحها كعناوين بارزة لمُؤلَّفات حَملت تصريحاً مُصطَلح (المُجتمع)، كما في كتابه ذائع الصيت (المجتمع الإنساني في القرآن الكريم)[1].

لقد أولى (قدس سره) المجتمع جلَّ عنايته، فلا يمرّ بنا مُؤلَّف مِن مؤلفاتهِ إلا وجدنا هذا الجانب قد أخذَ حّيِّزا فيه، لإدراكهِ خطورة هذا الموضوع في الحياة السياسية والفكرية والعقائدية للمسلمين .

وكان المُنطلق البحثي لهذا الموضوع هو العَطاء الفكري الثر في المؤلفات المُتنوعة للسيد الحكيم (قدس سره)، لاسيَّما موسوعته التي تناول فيها قضايا المرجعية والمَراجع بالتفصيل، لذا فقد كان لها الحضور الكبير في هذا البحث الذي توزَّع على مباحث عِدَّة أتت بعد هذه المُقدمة، والتمهيد الذي تناول الباحث فيه (المرجعية وحركة الواقع الاجتماعي).

إنَّ أوَّل هذه المباحث جاء لبيان (الحَوزة والقضايا الاجتماعية)، وما لها ولرجالاتها من دورٍ في المُجتمع الإسلامي والإنساني، والثاني منها خُصِّص لدراسة (المَرجعية وفَهم المجتمع وقيادته وادارته)، وبَيان كَيفية فَهم هذا الدور،أما الثالث فقد جاءَ لتناول (المَرجعية والمَشروع الحضاري في إصلاح المجتمع الإنساني)، والوقوف عند أهمِّ مَحاور ومَصاديق هذا الدور في الإصلاح الاجتماعي الإنساني.

لقد اعتمد الباحث مصادر عِدَّة، ومن أبرزها مُؤلَّف السيد الحكيم (قدس سره) الذي خَصَّصه لدراسةِ الحَوزة العلمية والمَرجعية في الموسوعة الكبيرة، التي كانَ مَوضوع البَحث في الجزءِ الأوَّل مِنها على وجهِ الخُصوص.

التمهيد

المَرجعية ُوحركةُ الواقعِ الاجتماعي

عند دراسةِ حركةِ المَرجعية في الواقع الاجتماعي واثرها في بناء ذلك الواقع، فأنَّ علينا أن نفهم المنطلق الأساس لتلكَ الحركة من خلال النظرة الاجتهادية الإسلامية في خط أهل البيت (عليهم السلام)، والذي انطلقَ من فكرة أنَّ الساحةَ لايمكن أن تخلو من حضور الإمام في حَركِيَّةِ إمامته، فالله لا يترك الأرضَ خالية من الحجة ،سواء أكانت الحجةُ حجةً أوليةً فيما تعطيه النبوة أو الإمامة مِن أصالتها أو كانت حجةً ثانوية فيما تتحرك فيه الإمامةُ لتمنح للعلماء امتداداتها؛ من خلال امتدادات كل المفاهيم التي تتحرك في الحياة سواء في المضمون الفكري الذي يُغني الذهن بالإسلام عقيدةً وفقهاً ومنهجاً وقاعدةً للحياة، أو في المَضمون الحَركي الذي يدور في الفَلَك الاجتماعي، أو على الأقل حين يكون الأفق الاجتماعي مِحورا رئيسياً من مَحاوِرهِ.

ولعلَّ المنطلقَ لتلك الحركية للمرجعية ما جاء في التوقيع المبارك للإمام المنتظر: «أما الحوادثَ الواقعة فارجعوا فيها إلى رواةِ حديثنا، فانَّهم حجتي عليكم، وانا حجةُ الله»، من هنا نهضَ العلماء بهذا العِبء الثقيل الذي حفظ الشريعة، وأنار الدربَ للأجيال والشعوب على مرِّ العصور بعد الغَيبة الكبرى. إنَّ في الفقه الإسلامي ما يُؤسَّس لتلك الحركية الاجتماعية للمرجعية بالإضافة إلى ما تقدَّم، وهو أن بعضَ المفردات الفقهية يُمكن أن تمنح الفقيهَ حركيةَ الواقع بحيث يستطيع أن يُوجِّه الناسَ إلى أن يدخلوا في صَميم الواقع حتَّى لو كان العنوان الكبير للواقع عنواناً لا يملك الشرعية، هناك عنوان (حفظ النظام)، ومسألة حفظ النظام العام الذي تحفظ به أموالُ الناس ودماؤُهم وأعراضُهم وكل خط السير في حياتهم هذا من الواجبات الكفائية على الناس جميعا، لا يجوز لأي إنسانٍ سواء أكان الحكم شرعيا أم غير شرعي أن يسيء إلى نظام الناس باعتبار أنَّ ذلك لا ينسجم مع الخط الشرعي في أنَّ اللهَ لا يريد الفوضى من أي إنسان في الوضع الاجتماعي، من هنا نجد الفقهاء يتفقون ـ على الرغم من بعض الاختلافات الاجتهادية ـ على انه إذا توقف حفظ النظام على إدارة الواقع من قبل حاكم أو سلطة ودار الأمرُ بين الفقيهِ وبينَ غير الفقيه، فان الفقيهَ يكون هو المتعين، فيكون وليا لا من خلال أنَّ موقعَ الفقاهة يفرض ولايته ولكنه وليّ باعتبار توقف حفظ النظام على أن يكون هناك قائد، وعندما يدور الأمر بين الفقيه وغيره، فأن قيادة الفقيه هي التي تفرض نفسها على ذلك الأساس، ومن هنا نجد الدورَ الفعال للمرجعية في قيادة المجتمع بصورة مباشرة أو غير مباشرة، والحفاظ على مصالح المستضعفين في فترات حكم أنظمة الجَور حتى زرعوا ارضَ التاريخ بقوافل الشهداء، والسعي بالمجتمع نحو مراتب الكمال التي رسمتها النظم الإسلامية ولاسيما النظام الاجتماعي منها.

إذن لم يكن العلماءُ بمنأى عن المجتمعِ الذي عاشوا فيه تبعاً لمسؤولياتهم الشرعية، فاصبحوا في خِضَم الأحداث لاسيَّما الاجتماعية منها، فوقفوا بوجه الحركات الهدَّامة والدخيلة مثلما تصدَّى أئمتنا من قبلهم لمثل هذه الأخطار التي تَتَجدَّد بتجدد الأعداء للملة والدِين، والتي انتهت بسلسلة الاستعمار الحديث للامة في القرون الماضية، وما جَرى للعالم الإسلامي بُعيد الحرب العالمية الثانية، وما أستتبعها من الحركات التبشيرية، والغزو الثقافي بوجوهه المُتعددة والتي انتَهت أخيرا بعنوانها البراق (العولمة).

أمام هذا كله وقفت المرجعيةُ طوداً صامداً، تكسَّرت عليه أمواجُ الغواية والتضليل، التي نادرا ما خرجت منه الأمم الأخرى سالمة، بل على العكس من ذلك استطاعت إعادة بناء الأمة بعد التشرذم والخواء الفكري والتردي الاجتماعي، فأسَّست حلم الأنبياء المُتمثل في قيامِ الجمهوريةِ الإسلامية في إيران، في الوقت الذي نشهد فيه ضَياع الآخر في تيه الغزو الثقافي حتى نزعَ حروفه واستبدلها بالحرف الغربي، وغدا جزءاًً لا يتجرأ من البِناء الغربي المُتَهَتِّك كما هو الحال في تركيا، ولعلَّ ذلك يعود إلى غياب المرجعية في البناء العقائدي لاولئك.

وهكذا اصبح َمن اليسر والسهولة أن نُشير الى العشرات من العلماء المُجتهدين الذين تركوا آثارهم في البناء السياسي والفكري والاجتماعي على وجهِ الخصوص في جَسَد الأمة، الذي اصبح مَنيعا أمام كلّ صنوف العَداء والتَّخريب، وحتى أولئك الذين تركوا بعضاً من هذه الآثار عند إخواننا في الطرف الآخر، نلمح آثارَ مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في تركيبتهم ومنظومتهم الثقافية كما هو الحال عند السيد (جمال الدين الأفغاني)، والشيخ (عبد الرحمن الكواكبي).

لم يقتصر الدور العلمائي على الفِقه والعلوم الدينية فقط بقدر ما كان دوراً شاملا لكل نواحي الحياة، والدليل على ذلك ما نجده في التقسيم الواضح في الرسائل العملية من (عبادات) و(معاملات) في معالجة الأمور الدينية والدنيوية لدَيمومة بناء المجتمع المُحمَّدي الأصيل.

إنَّ الحوزةَ العلمية مُؤسسةٌ رئيسة من مؤسسات الدولة الإسلامية عندما شاء الله أن يكون نصيب الرسالة الخاتمة التي هي خاتمة الرسالات الإلهية قيام الدولة والكيان السياسي بكل إمتداداته[2]، والتي يُعد البُعد الاجتماعي واحدا ًمن أبرزها لارتباطه ببناء الُّلحمة الأساسية للمجتمع الإسلامي، ثم أنَّها تُشكل جزءاً مُهِمَّا من أجزاء الرسالة المحمدية[3]، وكانت المشروع الرئيسي لأهل البيت (عليهم السلام) الذين كانوا يُحققون من خلاله أهدافَهم، ويُمارسون نشاطَهم العام في المُجتمع الإسلامي[4].

واستطاعت الحوزة ُبعلمائِها المُجتهدين أن تصمد عِبر العصور أمام المِحَن والابتلاءات، وعمليات الَقمع، والإبادة، والمُطاردة التي واجهتها في التاريخ، فقدمت الشهيد تِلوَ الشهيد في سلسلةٍ ذهبيةٍ كان آخرها السيد محمد باقر الحكيم شهيد المحراب (قدس سره)، ولم ينحصر رجالُها في المَساجد والتكيات او في أبراجٍ عاجية كما أراد لها أعداءُ الأمة.

لقد تعدَّدت الأدوارُ والساحاتُ التي خاضها المُجتهدون، ولم يتركوا مساحةً دونما اثر إصلاحي، بالإضافة إلى دورهم في حِفظ الشريعة ومعالم الدين الحَنيف، فكانوا المُحرِّك الفعَّال للامةِ الذي يُحسَب له الأعداءُ ألفَ حِساب كما هو الحال في مراجعنا اليوم والذي يُمثل السيد السيستاني (دام ظله) مِصداقاً من مصاديقهم.

المَبحث الاول

الحوزةُ العلمية والقضيةُ الاجتماعيةُ في رأيِ السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)

بيَّن السيدُ الحكيم (قدس سره) خصائصَ الحوزة العلمية، والتي حَدَّدها في:

أوَّلاً: العالمية في الحوزة العلمية, والتي قصد بها عالمية المِحور الحركي للحَوزة وعلمائها على الصُعُد كافَّة، باعتبارها تنبع من رسالةٍ عالمية جاء بها المصطفى للعالم اجمَع.

ثانيا: الحالة التطوعية للحوزة، فهي تطوعية في كلِّ شيء، فالانتماء لها والارتباط بها ليس مُجرَّد ارتباط بمهنة أو حرفة، حتَّى لو كانت تلك المِهنة من المِهَن الشريفة.

ثالثا: الاجتهادُ المِنضَبط، لذا فأن إبقاء الحركة العلمية نشيطة مُنفتحة قادرة على مواجهة كل المشكلات والحوادث التي تعيشها الأمة،وفي ضِمن الضوابط والأصول الموضوعية لهذه الحركة، من القضايا التي جعلت هذه المؤسسة قادرة على التكيف ومواجهة المشكلات والأحداث والتطور والنمو، وعدم الجمود أوالوقوع في حالة الانفلات، والخروج عن الحالة الضبطية، وهذا واحد من الأسباب التي يجب أن تجاهد لاجلها، وتقف فيها موقفاً صلبا، كما وقفه أئمةُ أهل البيت (عليهم السلام).

رابعا: التقوى والاخلاق، وهي من أهمِّ المميزات في حوزتنا العلمية التي أكَّد عليها الإسلام، فلا بدَّ أن يتمتع المجتهد بالروحية التي كان يُجسدها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة الأطهار (عليهم السلام)، ليكونوا قدوة كما كان رسول الله، وليكونوا قادرين على التأثير في حركة مسيرة الأمة.

خامسا: استقلالية الحوزة، وهو أحد العناصر المُهمة، وهذه قضية مهمة جدا في مسيرة الحوزة وعلمائها، فقد أُريدَ لها أن تُعبر عن الإرادة الإلهية، وان لا تخضع لأيَّةِ إرادةٍ أخرى، فقد أُريد للحوزة أن يكون لها هذا الدور (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً)[5]، فاحتفظ العلماءُ بالاستقلالية في قرارهم على مرِّ العصور ولم يتأثروا بالوعد أو الوعيد الصادرين عن الأمراء والسلاطين، مِمَّا جعل لهم صورةً مُشرقةً ومُشَرِّفَة إلى يومنا هذا، واصبح لهم تأثير في النفوس والعقول في قيادة الأمة والتأثير فيها.

سادسا: الاهتمامُ بالقضية السياسية، باعتبار أنَّ السياسة جزءٌ رئيسيٌّ من قضايا الأمة، واعتبار الحركة السياسية حركة ربانية إسلامية يُراد مِنها إبلاغ الرسالات، وهي افضل عمل عند الله يُمكِن أن يقومَ بهِ الإنسانُ عندما يكون ضِمن الضَّوابط والالتزامات الشرعية التي وضَعها اللهُ سبحانه وتَعالى.

سابعا: اهتمام الحوزة بالقضية الاجتماعية، فالحوزات العلمية بعلمائها أُريد أن يكون لها دور في حركة الأمة وبنائها الاجتماعي، فالإنسان عنصرٌ مُهمٌ ورئيسيٌ في الرسالةِ الإسلامية[6]، وهذه الخِصِّيصةُ هي التي ينطلق منها البحث في العنوان المَطروح.

ولعلَّ المُنطلق في هذه الخصيصة ـ في ضوءِ رُؤيةِ السيد الحكيم ـ «هو أنَّ المجتهد عند انتمائه للحوزة لايعني أن يكون متعبدا فيلزم الحرمَ الشريف بالعبادة، ويكون مُكِبًّا على الكتاب ليلا ونهارا، وان يكون زاهدا متواضعا، ولكن لابُدَّ أن يَفهم أنَّ هذا الانتماء هو انتماء إلى الرسالةِ وليس انتماء إلى الذات، فمن يريد أن يكمل نفسه ببعض الأمور، يفقد هدفه وغايته ودوره، وبالتالي يفقد نفسه، ولذلك دلَّلت الروايات ُعلى أنَّ طالبَ العلم افضل من العابد، لان طلب العلم يُراد منه نشر العلم والعمل به، فإذا فقدت هذه الغاية فقد اصل هذا الانتماء»[7].

ويرى (قدس سره) أنَّ الحوزةَ العلمية ـ بعلمائها ـ تحتاج إلى أن تَنفَتِح بمجموع حركتها على الأمة، وهذا وعيٌ لا بُدَّ أن يترسخ في أعماق هذه الحوزة فمن الضروري أن تنفتح على مشاكل الأمة، لانَّ امتَنا الإسلامية تعيش مشاكل كثيرة من خلال الغزو الفكري والثقافي للأعداء[8]، وانتهى ذلك كله بالتأثير في القيم الاجتماعية وبُنيتِها التي رسمها القرآنُ الكريم، لانَّ الغزوَ الثقافي يُقابَل بما تقوم به الحوزة والمرجعية مِن إعطاء الجواب الصحيح، والرؤية الواضحة التي تنطلق من الإسلام في قِبال ما يُشاع من ضَلالات، وانحرافات، وبِدع، واثارات تُؤدِّي إلى تشويش أفكار الناس، وبالتالي يَعم الخرابُ الاجتماعي حين يتفرقون ويتمزقون، ويضرب بعضُهم رقابَ بعض.

إنَّ الأمةَ كما يرى (قدس سره) لديها مشاكل اجتماعية حقيقية، والرسالة الإسلامية رسالة كاملة، وفيها حلٌّ لكلِّ مشكلةٍ وحادثة، والحوزة والمرجعية هي التي تقوم بذلك كله[9]، من هنا تحتاج إلى الانفتاح على الأمةِ لحلِّ مشاكلها والرقي ببنيتها الاجتماعية.

وقبل هذا وذاك تأخذ المرجعية دورَ الإصلاح على عاتقها، بل أخذته طيلة قرون طوال، ولعلَّ الحقبة الأخيرة التي تمثَّلت بفترةِ ما بعد الحرب العالمية الثانية وما استتبعها من أحداثٍ، ولغايةِ سقوط صدام أخرجت للناسِ أمثلةً واضحةً للمُصلح المرجع ابتداءً بالسيد الحكيم الأب (قدس سره) ومُرورا بالشَّهيدين الصَدرين (قدس سرهما) وانتهاءً بالدورِ الفعَّال للسيد الخميني (قدس سره) في قيادة الأمة والعروج بها نحو مَدارجِ الكَمال، وبِما يَقوم بهِ المَراجع اليوم في رَدمِ الخراب الاجتماعي الذي حلَّ بعراقِ اليوم بسببِ الانفتاح المُفاجئ على العالم بصورةِ كاملةٍ، وما ينهض به السيد السيستاني (دام ظله) يعتبر مِصداقا من مصاديق هذا التصدي.

المبحثُ الثاني

المَرجعيةُ وفَهم المُجتمع وقيادته وادارته

رسم السيدُ الحكيم (قدس سره) صورةً كاملة وواضحة في بيان فهم المرجعية للمجتمع، وقيادته، وادارته، على أساس نظرية الإسلام الكاشفة عن دور الأنبياء (عليهم السلام)، والأوصياء من بَعدهم ؛ ومِنهم أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ثم العلماء باعتبارهم ورثة الأنبياء، كما جاء في الحديث النبوي الشريف: «إنَّ العلماءَ هم ورثةُ الأنبياء»[10]، وباعتبارهم أُولي الأمر، وهُم في الوَقتِ نفسه يُمثلون القيادة السياسية للمجتمع، والقضاة الذين يفصلون الخلافات بين الناس[11].

إنَّ لهم في ذلك اسوة بأهل البيت (عليهم السلام) الذين قاموا بدورهم في قيادة المجتمع الإسلامي، وادارة شؤونه على الرغم من الاستبداد الأموي والعباسي لهم، فقضوا بين مَقتولٍ ومَسمومٍ باستثناء الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، الذي سيكون له الدور العالمي في قيادة البشرية نحو العدل ليملأ الأرض قَسطاً وعَدلًا، بعد أن مُلِئَت ظلما وجورا .

وتمثَّل هذا الدور في الطليعة الأولى للمرجعية حتى يومنا هذا، بِدءا من مُؤسس حوزة النجف الاشرف ـ قَبل اكثر من ألف عام ـ المُلقَّب
ب ـ (شيخ الطائفة)، إذ تَعرَّض للمُطاردة والتَّشريد، فَهُجِم على بيته، وأُحرِقت مَكتبتُه، ومِنبره، وهكذا الأمرُ بالنسبةِ للشهيدين الأول والثاني[12]، اللَّذَين يُعتبران مِن أعلام المَراجِع الكِبار، وما زالت مؤلفاتهم تُدَرَّس إلى يومنا هذا، وهكذا توالت شهاداتُ العلماء نتيجة قيادتهم للأحداث التي ترتبط بمصالح الأمة حتَّى تُوِّج بالانتصارِ الكبير الذي حَقَّقه الإمام الخميني (قدس سره) بإقامة دولةِ الإسلام، بعد أن تعرَّض لألوانِ النفي والتَّشريد، مثلما تعرَّض للسجن والاعتقال[13].

وفي المُجتمع العراقي تصدَّى الكثيرُ من المراجع الذين كان لهم دورٌ ريادي في حركة المجتمع بكلِّ أبعادها ومُرتكزاتها، ومن ابرز هؤلاء المراجع العظام الذين أشار السيد الحكيم (قدس سره) في معرض حديثه عن الدور الريادي للمرجعية في المجتمع نجد:

1) مرجعية السيد مُحسن الحَكيم (قدس سره)

وقد كان عالماً رباَّنيا شهدت له الحَوزات العلمية بكلِّ حواضرها، من خلال كُتبهِ وطلابهِ، على الرغم من ابتلاءه بمختلف الأمراض في أواخر أيام حياته، غير انَّه لم يترك دورَ التربية والتعليم، إلى جانب وقوفه مع حقِّ الأمة، والتصدي للظالمين، فعبَّأ الأمةَ روحيا ومعنويا، وحاول وضع الحواجز بينَ البعثيين والشعب العراقي[14]، لِدرءِ الخَطر الهدَّام عن بُنيةِ المُجتمع العراقي وكيانهِ .

وحِرصا منهُ على وحدةِ المجتمع العراقي بسنتِهِ وشيعَتِه، بكُردهِ وعُربهِ، أصدر تلك الفتوى ذائعةِ الصيت التي حرَّم فيها القتالَ ضدَّ الاخوة الكُرد بجانبِ النظام البعثي أبان الحملة القمعية التي قام بها النظامُ البعثي المقبور ضدَّ الأكراد، والتي حقنت دماء الكثير من أبناء المجتمع الواحد، وما زال الكرد يذكرون أثرَ تلك الفتوى في حقنِ دمائهم التي استرخصها فقهاءٌ كثيرون مِمَّن هُم يُحسَبون على مَذهبهم، واستطاع النظامُ البعثي الحصول على فتاوى جاهزة جَهلا مِن هؤلاء بدور العلماء في وحدة الأمة، أو خرابها لا سامح الله.

لقد استطاع هذا العالم الربَّاني أن يقود الأمة ليَصِل بها إلى حَدِّ الامتثال للأمر الإلهي، الذي يضمن وحدةَ وقوة َنسيج المجتمع العراقي الواحد في اشدِّ ظروف القَمعِ السياسي.

2) مَرجعية الإمام الشهيد الصَدر (قدس سره)

وهو العالم بكلِّ ما تعنيه الكلمة من معنى، الذي كان عارِفا وعالِما بمُختلف أبعاد المعرفةِ الإسلامية، ومُؤلَّفاته، وكُتبهِ، وأبحاثهِ، ونتاجاتهِ، وآثارهِ العلمية التي أصبحت واضحة للعيان، وقد كان مُتميزا في عملهِ، وفضلهِ، وعُمقهِ، وسِعتهِ، وتناوله لكلِّ الأبعاد العلمية … لكنه في الوقت نفسه كانت له مواقف تَضحوية لا يُمكن أن يتحملها إلاَّ مثل هذا العالم الربَّاني[15].

لقد أخذَ دوره الفاعل قي قيادة المجتمع من خلال تصَدِّيه للواقع أبان انتصار الثورة الإسلامية في إيران، مع علمه بخطورة هذا الموقف وبكلِّ مأاستتبعه من أخطار، و «قدَّم نفسه بعد ذلك قُربانا من اجلِ القِيم والمُثل والمَبادئ، وضحَّى بنفسه، وأخته العلوية الفاضلة الشهيدة، ليضرب المَثل الأعلى للتضحية في هذا العصر»[16].

وللدليل على حركيته الإصلاحية الاجتماعية نجد الكثيرَ من الشباب والشابات المُؤمنين والمؤمنات من أطباء، ومهندسين، وموظفين، وعسكريين، وفلاحين، وكَسبة، من مُختلف الطبقات الاجتماعية قد انخرطوا في العمل تَحت لواء هذا العالم الربَّاني العامل بكلِّ تفان واخلاص، «وكانت الواجهة والوجه الناصع الصحيح لهذه الحركة كانت دائما هي الحوزة العلمية التي تتقدم في هذا الطريق، لان هذا الموقف يُمثل أصلا من أصولها، ولا يمكن بأيِّ حالٍ من الأحوال أن تتنازل عنه»[17].

3) مَرجعية الإمام الخُوئي (قدس سره)

وله (قدس سره) دوره الفاعل والمؤثر في البُعد الاجتماعي في حياته الشريفة، والتي من أوضح مصاديقها ما كان له من دور في الانتفاضة الشعبانية التي اندلعت في (15) شعبان عام 1411ﻫ بعد هزيمة صدام في حرب الخليج الثانية، التي عبَّر فيها الشعبُ العراقي المُسلم عن موقفه الواقعي والحقيقي تجاه حزب البعث الكافر، فهو (قدس سره) مع انشغاله بالدرس والتدريس، وقيادة الحوزة العلمية التي كان زعيمها، قام بوظيفة الشرعية عندما تصَدى لقيادة الأمة، وتحمَّل في سبيلِ هذه الوظيفة مُختلف ألوان الأذى والاضطهاد، ويقول السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) في هذا الخصوص: لازلت أتذكر تلك الرسالة الشريفة التي أرسلها الإمام الخوئي لي على يدِ بعضِ العلماء عندما جاؤوا إلى (قم) وطلبوا لقاء خاصًا، وكان اللقاء من اجلِ إبلاغي هذه الرسالة، التي كان يقول فيها هذا العالم «قُل لفلان ـ ويقصد السيد الحكيم ـ إنَّني بذلتُ كلَّ ما في وِسعي من اجلِ هذا الأمر، وهذا ما أستطيعه»[18].

ونظراً للظروف القاسية التي عاشها بعد اعتقاله تدهورت صحتُهُ فتوفي في 8 /8/ 1991م في الكوفة، وكانت وفاتُه أشبه بالشهادة إن لم تًكن كذلك.

إذن فالعلماء من ناحيةِ التفاعل مع الحدث الاجتماعي كان لهم دورُهُم في قيادة الأمَّة وتوجيهها، فقدَّموا مُختلف ألوان التضجية والفِداء، وتركوا آثاراً في الصلاح والإصلاح الاجتماعي، ابتداءً من الأسرةِ وانتهاءً بالبُنيةِ الاجتماعية الكُبرى للامة.

المبحث الثالث:

المرجعيةُ والمَشروع الحَضاري في إصلاحِ الُجتمع الإنساني

لا يخفى على أحدٍ دورُ الإسلام في بناءِ المَشروع الحضاري للمجتمع الإنساني، والذي أصبحت المرجعية فيه مَرحلة من مراحل استكمال هذا البناء، الذي تَهيَّأ وانطلق من ضرورة قيادة العلماء للامة بعد الغَيبة الكُبرى للإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، لذا فقد اصبح مِن السَّهل أن نتصور حيوية الإسلام ونُظُمهِ وحركية علماء الأمة في عمليةِ صِنع الحضارةِ الأنسانية بكلِّ أبعادها، والتي كان البُعدُ الاجتماعي واحداً مِنها.

إنَّ المرجعيةَ هي الضامِن لصَون الأمة مِن العَثرات ومُواجهة التحديات، وانفتاحها على التجربةِ الإنسانية والإسهام في التَّفاعل الحضاري للأمم والشعوب، والذي باتَ اليوم يُمثل هاجِسا للأمم والشُّعوب مِمَّا يُعرف بالعولمة، إذ لولا الدور الريادي للمرجعية في إدارة دفة المُجتمع الإسلامي وسط هذا السَّيل العالمي من الشُبَه والانحرافات والابتذال المَعرفي، لَغَدَت الأمةُ واحدةً من الأمم التي جرفها السيلُ، فتغدو بعيدةً عن دينها وثقافتها ولُغتِها كما هو الحال في كثيرٍ من الشعوب حتَّى في الإطار الإسلامي عند أخوتنا أصحاب مدرسة الخلفاء، كَما حَصل للشعبِ التركي حين فَقَد هويَّته الإسلامية وانسلخَ مِنها بسببِ غياب المَرجعية في البُنيةِ الاجتماعية، في الوقت الذي حاول فيه المستعمرون تطبيق مثل هذا الأمر على الشعب الإيراني المُسلم ابان حُكم الشاه وابيه، إلا أنَّ الوجودَ المبارك للمرجعية وقفَ حائِلا دون ذلك، بل واصل مِشواره ليُحقق حلمُ الإنبياء على يدِ مُؤسِّس الثورة الإسلامية السيد الخميني (قدس سره).

ولم يقف الأمرُ عند هذا الحدِّ بل تعداه ليجعل من المُجتمع الإسلامي رائداً في بِناء الحضارةِ الإنسانيةِ على الصُعُد كافة لاسِيَّما الصَعيد الاجتماعي منها[19].

مناهِج الإصلاح

وضَّحَ السيدُ الحكيم (قدس سره) مناهجَ الإصلاح من وجهةِ نظرهِ، فوضعه في مَنهجين رئيسين، قد يلتقيان في بعضِ المُفردات والمصاديق، ولكنهما يختلفان بشكلٍ رئيسي في المُنطلقات الأساسية والتصور العام، وهُما :

1 ـ مَنهج الإصلاح الكُلِّي، وهو الانطلاق بالإصلاح من النظرية الإسلامية، عقائدياً، وفكرياً، وسياسياً، واجتماعياً ـ وهو محل البحث ـ والنظرة العامة في هذا المنهج هي نظرةٌ كليةٌ وشمولية، تُؤمن بالتَّرابط المَوضوعي والعلاقة التركيبية، والتأثيرات المُتبادلة الإيجابية أو السلبية بينَ المُفردات والأجزاء والمَصاديق، وهو مَنهجُ ينطلق من الرؤية الكلية العامة والمسؤوليات الرئيسة للامة، والقضايا التي تعيشها في أيِّ عصرٍ وزمان، وهذا المَنهج ينطلق من تصورٍ شاملٍ وعامٍّ بحيث يرى ارتباطاتها بعضُها بالبَعض الآخر، ويتفاعل معها، ويُؤثِر العملَ في هذا الميدان من قضايا الأمةِ على الميادين الأخرى، إذاً فهذا المنهج ينطلق من نظرةٍ كليةٍ شموليةٍ لمجموع ِقضايا الأمة، ويمثل هدفاً رئيساً شامِلا بالنسبةِ لاهداف الأمةِ، ويرتَكزُ على نِقطتَين:

* النظرةُ للقضايا العامة لا الجزئية والمُفردات التفصيلية هنا وهنالك.

* يُركِّزُ بينَ هذه القضايا بنظرة شمولية، بحيث يعتبر القضايا الكبيرة تمثل جزءاًً من الكلِّ، وينظر إلى ذلك الكل الذي يربط القضايا بعضها مع البعض الآخر.

وهنا أمران يُؤكِّدان على جانبين مُهِمَّين هُما :

أ ـ اعتبار الحَوزة وعلمائِها المنطلق للإصلاح والإطار العام له.

ب ـ الأهداف والهموم الكلية التي يتبناها هذا المنهج، ومن خلال خصوصيةِ الأهداف والهموم يمكن أن تنطلقُ من اصغرِ قضايا الأمة وابسطِها .

2 ـ منهجُ الانطلاقِ بالإصلاح من مفرداتِ المشاكل القائمة في المجتمع الإنساني وتفاصيلها الجزئية لمعالجتها واحدةً بعد الأخرى ضِمن النظامِ القائم والواقع المُعاش، وحسبِ الإمكانات المَيسورة في هذا الشَّخص وهذهِ الجَّماعة، والأولويات في فَهمِ المُشكلة وحَجمها وأهميتها في المُجتمع، أو دورها في الإصلاح العام[20].

والنظرةُ في هذا المَنهج نظرةٌ تجزيئية، وهي تَرى أنَّ إصلاح الأجزاء والمفردات والمصاديق، وضمِّ بعضِها إلى الآخر يُؤدي في النهاية إلى إصلاح الكل، لانَّ الكلَّ هو مجموع هذه الأجزاء، أو إنَّها ترى: أنَّ المَيسور من الإصلاح أو المُمكن منهُ هو الإصلاح الجِزئي في هذه المفردة أو تلك،لانَّ الإصلاح العام يَتَعذَّر[21].

ويرى السيدُ محمد باقر الحكيم أنَّ هذين المَنهجين يلتقيان في الاهتمام بهذه المُفردة أو تلك إلا انهما يختلفان بينهما بصورةٍ أساسيةٍ في المنطلقات لِفَهم عملية الإصلاح والنظرة العامة للأشياء، أو التقدير للظروف الأساسية والاجتماعية[22].

ويرى (قدس سره) أنَّ حركةَ الإصلاح التي قامت بها الحَوزةُ وعلماؤها شهدت في تاريخها المعاصر كِلاًّ من المَنهجَين، ولكلٍّ منهما رجالُه وشخصياته، من الناحية الخارجية والظاهرية، والتي استُكشِفَت من خلال السلوك والمواقف[23].

وتمثَّل دورُ المرجعية في قيادةِ حركةِ الإصلاح من وِجةِ نظرِ السيد الحكيم (قدس سره) في محاورِ ولكلِّ مِحورٍ روَّادُهُ وهي:

1 ـ مِحور الحركة الإصلاحية المُنطلق من مؤسَّسةِ الحوزة ورجالِها إلى إطارٍ عام للعمل الإسلامي، ليستوعِب أوساط الأمةِ كلها تنظيميا لتَتَبنَّى هموم الأمة وقضاياها المَصيرية من اجلِ إصلاح المجتمع والأوضاع العامة للامة للانطلاق بها لقيادة المجتمع الإنساني، وتمثَّل ذلك في مَصاديق عديدة منها ما قامَ بهِ علماءُ الحَوزة العلمية في قيادة ثورة العشرين في العراق، في الخامس عشر من شعبان سنة 1338ﻫ ضدَّ التسلط العَسكري بعد الحرب العالمية الأولى، ومن العلماء الذين قاموا بذلك ـ فأبعدتهم قوات الانتداب البريطاني ـ آية الله الشيخ الخالصي، والمرجع آية الله الشيخ النائيني، وآية الله السيد الاصفهاني، ومن مصاديقها أيضاً المرجع السيد محسن الحكيم (قدس سره) في العِقدَين الثامن والتاسع الهِجرِيَّين، حينَ تصدَّى للمدِّ الشيوعي الذي غزا العالمَ اجمع وامتد خطرُه إلى العالمِ الإسلامي، فاستطاع أن يُوقِف ذلك المدَّ ويَحدَّ من خطورتِهِ.

2 ـ محور الالتزام في اتجاه الاصطلاح بالحَوزة العلمية ومؤسساتها التي قامت بالأعمال الآتية:

أ ـ إيجاد المؤسسات المُساندة المُختصة للقيام بالأعمال والنشاطات الخاصة، كمؤسساتِ النشر والتحقيق أو المكتبات العامة أو الأعمال الخَيرية.

ب ـ محاربة الفئات الضالة في الأمة الإسلامية ـ عَقائدياً ـ كالبَهائية والوهابية والنواصب والغِلاة، وحركاتِ التَبشير المسيحي.

ت ـ تأسيس المدارس الدينية الحديثة التي تجمع بينَ المَنهج العام والتربية الدينية الخاصة،وكذلك المؤسسات الثقافية الحديثة الدينية كالمنتديات والجمعيات والدراسات التأهيلية.

ث ـ الانفتاح على أوساط المذاهب الإسلامية، علماء، ومثقفين، ومفكرين، وأدباء بهدف التقريب المَذهَبي والتَّعاون المُشترك.

ج ـ تطوير وتنشيط حركة التبليغ وإرسال البعثات التبليغية في مناطق الفراغ أو الحَج، واستخدام الأساليب الجَّديدة في التبليغ والنشر، كإصدار المَجَلات والمنشورات والدوريات، وتَبسيط المَفاهيم الدينية وشَرحِها.

ومن مصادبق علماء هذا المِحور السيد البروجردي  والشهيد البهشتي و آية الله العظمى السيد شرف الدين، والمرحوم الشيخ الاخوند الخراساني[24].

3 ـ محورُ الحَركة الإصلاحية في الالتزام بالمَنهج الشمولي الكلِّي في الإصلاح، والذي كان معنياً بإصلاح الأوضاع السياسية العامة، والتي استخدم المراجعُ العلماءُ فيها المؤسساتِ الدينية والنشاطاتِ الشعائرية العامة كالاحتفالات والمجالس الحسينية بالحوزة واجهات لاعمالها ونشاطاتها أو مراكز تنطلق منها، ولعلَّ من ابرزِ الأحزاب الإسلامية التي أسَّسها العلماءُ حزب (جمعية النهضة الإسلامية) التي أسَّسها السيدُ (محمد علي بحر العلوم) والعلامة الشيخ (محمد جواد الجزائري)، وآخرون أثناء حركة الجهاد ضد الاستعمار الإنجليزي ،والتي يُنسَب إليها ولبعض أفرادها عملية ثورة النجف الاشرف سنة 1338ﻫ، وكذلك حركة (فدائيان إسلام) في إيران التي قادها العلامة السيد (نواب صفوي) وبرعاية ودعم من آيةِ الله السيد أبى القاسم الكاشاني، وحركة (أمل) التي أسَّسها العلامة السيد (موسى الصدر) في لبنان، ومن ابرز مصاديق هذا المحور رائد الإصلاح الاجتماعي في العصر الحديث آية الله العظمى السيد الخميني (قدس سره) والذي حقَّق حلم الأنبياء بتأسيسهِ دولةَ الإسلام في إيران[25].

وذهبَ السيدُ محمد باقر الحكيم بتفصيلٍ دقيق ليُبَيِّن الدورَ الفاعل للحوزةِ ورجالِها في قيادة الأمة والسَّعي بها إلى معارجِ النور في موسوعتهِ التي خصَّصها لهذا الموضوع، بالإضافة إلى ما سجَّله قلمُهُ الشريف مِن كتابات مُتناثرٍة بينَ ثنايا المُؤلفات الكثيرة له (قدس سره).

المصادر والمراجع

ـ القرآن الكريم.

ـ بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، ت (1111) ﻫ، مطبعة مؤسسة الوفاء، بيروت، 1983م.

ـ الكافي، ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني، دار الأضواء، بيروت، 1405ﻫ ـ ق.

ـ الكنى والألقاب، عباس ألقمي ت ( 1359) ﻫ، مطبعة النجف الأشرف (د.ت).

ـ المجتمع الإنساني في القرآن الكريم، السيد محمد باقر الحكيم، المركز الإسلامي المعاصر، بيروت، لبنان، 2003م.

ـ موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية، السيد محمد باقر الحكيم، مؤسسة تراث الشهيد الحكيم (قدس سره)، النجف الاشرف، 2005م.

[1] صدر عن المركز الإسلامي المعاصر، بيروت، لبنان، 2003م، ويقع في (507) صفحة.

[2] ينظر: موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية، السيد محمد باقر الحكيم، مؤسسة تراث الشهيد الحكيم (قدس سره)، النجف الاشرف، 2005م، ج 1: 23.

[3] ينظر: المصدر السابق: 25.

[4] ينظر: المكان نفسه.

[5] سورة الأحزاب: 39.

[6] فصَّل السيدُ الحكيم (قدس سره) هذه الخصائص بالتفصيل، وقد ذكرناها للانطلاق إلى الخصيصة الأخيرة باعتبارها مَحل الدراسة والبَحث، فمن أراد التفصيل فعليه الرجوع إلى: موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية، الجزء الأول: 34 – 69.

[7] المصدر السابق ج 1: 65 ـ 66.

[8] المكان نفسه.

[9] ينظر: المصدر السابق، ج 1/ ص: 67.

[10] ينظر: ما ورد في خصوص هذا الحديث في: بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، ت (1111) ﻫ، مطبعة مؤسسة الوفاء، بيـروت، 1983م، ج 108 / 24. والكافي، ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني، دار الأضواء، بيروت، 1405ﻫ ق، ج 1/ 32، الحديث الثاني.

[11] ينظر: الحوزة العلمية والمرجعية، ج 1/ 227.

[12] وهما: الشهيد الأول الفقيه (محمد بن مكي جمال الدين العاملي، ولد عام 734 هجرية في جنوب لبنان واستشهد في سنة 786 ﻫ على يد الملك (بيدمر) في دمشق، والشهيد الثاني هو الشبخ (زين الدين بن نور الدين العاملي الجعبي)، ولد في 13 من شوال سنة 911 في جنوب لبنان، واستشهد سنة 965 ﻫ، بعد أن قُبض عليه بأمر السلطان سليم ملك الروم، وفُتل على طريق البَحر إلى  قسطنطينية، وبقي مَطروحاً ثلاثة أيام، ثم القوا جسده الشريف في البَحر.  ينظر: بحار الأنوار، ج 104/ 178. و: الكنى والألقاب، عباس ألقمي ت (1359) ﻫ، مطبعة النجف الأشرف، ( د.ت) ، ج 2/ 378.

[13] ينظر: الحوزة العلمية والمرجعية ، ج 1/ 238 ـ  239.

[14] ينظر: المصدر السابق، ج 1/ 241.

[15] ينظر: المصدر السابق ، ج 1/ 242.

[16] المصدر السابق، ج 1/ 243.

[17] المكان نفسه.

[18] المصدر السابق، ج 1/ 245.

[19] ينظر: المصدر السابق ج 1: 273.

[20] ينظر: المصدر السابق ج 1: 274 ـ 275.

[21] ينظر: المكان نفسه.

[22] ينظر: المكان نفسه.

[23] ينظر: المكان نفسه.

[24] ينظر المصدر السابق، ج 1/ 288 ـ 299.

[25] ينظر: المصدر السابق،ج 1/ 300 – 301.

اكتب تعليق

كافة الحقوق محفوظة لمؤسسة تراث الشهيد الحكيم، ولا يجوز الاستفادة من المحتويات دون إذن خطي.

الصعود لأعلى