الحرية في فكر الإمام محمد باقر الحكيم (قدس سره)

tt

شارك في المؤتمر الثاني لإحياء التراث الفكري والعملي للشهيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم 

الباحث: م.م حسين سيد نور الاعرجي

             كلية التربية ـ جامعة واسط

بسم الله الرحمن الرحيم

(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)                      

                                                                                                   صدق الله العلي العظيم   الأحزاب: 23

الإهداء

إلى قرة عيوننا

إلى العضد المفدى للإمام الحكيم (قدس سره)

إليك سيدي أبا عمار حبا واعتزازاً

المقدمة

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على أبي القاسم محمد نبي الرحمة حبيب اله العالمين واله الطيبين الطاهرين.

إن من دواعي الفخر والاعتزاز أن يحصل الإنسان على فرصة يرد بها دينا بذمته، ولا أجد نفسي قادرا على ذلك إلا من خلال هذا البحث، الذي كتبته من باب رد الدين، وليس إيمانا مني بقدرتي على الخوض في بحر من الأفكار التي اعتمرها الإمام الحكيم (قدس سره).

كان على الفكر الإسلامي المعاصر التعامل مع الواقع بلغته وأساليب العصر وفقا للسنن الكونية، وأن يؤمن بأن جميع المتغيرات المستجدة وعلى كافة المستويات، تصاغ على شكل مشروع علمي.

وانطلاقا من هذه الحقيقة كان لابد من إيجاد مفكرين يؤكدون هذه الحقيقة، فكان الإمام الحكيم (قدس سره) من ابرز الذين حملوا الفكر الإسلامي الحنيف المعتنق للتعامل مع الواقع بكل متغيراته، مؤمنا بأطروحات جديدة لم يكن معمولا بها من قبل، خصوصا فيما يتعلق بالسياسة، والاجتماع، والاقتصاد، والحريات التي تخص هذه المواضيع، وقد أعطى الإمام الحكيم (قدس سره) آراءه بشفافية قل نظيرها، مثلا قدرة التعامل من قبل المفكرين المسلمين مع المسائل المستجدة على أرض الواقع وكيفية التعامل مع هذه المستجدات وفق الرؤية القرآنية والسنة النبوية الشريفة.

إن الانطلاق من هذا المبدأ وفّر الدليل على أن الدين الإسلامي يمتلك قدرة ومرونة عالية في الاستجابة لمستجدات العالم المعاصر، بدون التقوقع على المصادر الإسلامية التي تأخذ الأحكام الجامدة والثابتة أساسا لها في صياغة نظرية لا تعكس الفهم الصحيح للقران الكريم والسنة النبوية المقدسة (العترة الطاهرة) الذي أكد عليهما رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حين قال: ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا. وبهذا يعطي الدليل على أن هذين المصدرين من المصادر التي يمكن الاستفادة منها على مر العصور.

المتحصل مما سبق، إن لهذا المشروع العلمي عدة أوجه ومفاهيم، منها وأهمها الحرية، فهي من المواضيع التي لها تأثير كبير على الواقع السياسي الإسلامي وغير الإسلامي، ويعتبر من أهم المواضيع التي تبين قوة النظرية الإسلامية في الاجتماع والسياسة والاقتصاد فضلا عن المعاصرة والمواكبة، التي لو فقدها أي فكر أو دين فقد القدرة على الاستمرار والتطور في خضم الصراع الفكري والحضاري المستمر، من أجل إيجاد صيغ وسبل جديدة للحياة همها تمكين الإنسان من ممارسة إنسانيته بصفاء.

تم تقسيم البحث إلى محاور عدة، صنفت على شكل مباحث اقتضتها ضرورة الموضوع، ابتدأ من الحرية الفكرية مرورا بالحرية السياسية والاجتماعية والطبيعية والاقتصادية، وصولا إلى أهدافها وشروطها.

استخدم الباحث مجموعة من مؤلفات الإمام الحكيم (قدس سره) التي تتضمن مفاهيم الحرية، فضلا عن كتاب اقتصادنا للسيد محمد باقر الصدر (قدس سره) باعتبار أن هذا المؤلف كان نتاجا مشتركا مع الإمام الحكيم (قدس سره)، الأمر الذي دفع السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) إلى الإشارة إلى تلك الجهود حينما قال: «الجهود التي بذلتها بالتضامن مع عضدي المفدى العلامة الجليل السيد محمد باقر الحكيم في سبيل انجاز الدراسة ووضعها بين أيديكم»[1].

ليس لي إلا أن ادعوا الله (سبحانه وتعالى) لكي أوفق في إعطاء صورة جيدة تعكس أفكار هذا المفكر الكبير الذي يملك ثراءً فكريا قل نظيره، رزقنا الله رفقته في الآخرة انه سميع مجيب.

وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على حبيب اله العالمين محمد بن عبد الله واله الغر الميامين.

الحرية في فكر الإمام محمد باقر الحكيم (قدس سره).

عكف الوجود البشري على استنهاض طاقاته العقلية من أجل خلق أنماط فكرية قائمة على تمكين الإنسان من ممارسة إنسانيته التي جُبل عليها، باعتباره القيمة العليا والأسمى في هذا الوجود. لذلك نجد أن هذا المفهوم كان وما زال محط اهتمام وتركيز غالبية الديانات، وثنية كانت أم سماوية، فضلا عن التيارات والمدارس الفكرية بشتى مشاربها واختلافاتها.

ومن خلال الدراسات تبين أن حجر الأساس في الوجود الإنساني وجوهره هو الحرية.

إذن، نحن أمام فرضية تمنع الانفكاك بين وجود الإنسان والحرية، ولا يمكن تصور أحدهما دون الأخر.

إن مصطلح الحرية من المفاهيم العقلية التي لها دلالات ومفاهيم متعددة تختلف من نظرية إلى أخرى، فهو ليس من المصطلحات المتفق على مدلولاتها العلمية كالمصطلحات العلمية أو الرياضية، فكل اتجاه أو فكر ينظر إلى مصطلح الحرية من منظاره الخاص، وقد كان هذا المفهوم محل اختلاف بين الباحثين والفلاسفة في إعطاء تعريف شامل وثابت ومحدد بسبب تباين المنابع الفكرية من بيئة فكرية و جغرافية، فضلاً عن المعطيات التي تحيط بالفرد، والتي تؤثر عليه سلباً وإيجابا. وبمقتضى هذا الأسباب تعددت مفاهيم الحرية وتعريفاتها وأساليب وطرق ممارستها.

لم يكن المفكرون الإسلاميين بمنأى عن مفهوم الحرية بل تناولها الكثير منهم بالبحث والتنظير مستندين في ذلك إلى عدد كبير من الآيات القرآنية التي تعطي مفاهيم تكاملية تسعى إلى إيصال الإنسان إلى درجة متسامية قل نظيرها في المفاهيم غير الإسلامية. على اعتبار أن مفهوم الحرية في الإسلام يعد الأصل في الشريعة.

وعندما نبحث في نتاج المفكرين والعلماء الإسلاميين لا يمكن تجاوز بعض الشخصيات العلمائية التي أسهمت بشكل فاعل في إغناء الفكر الخاص بالحرية. فمن ابرز هذه الشخصيات، شخصية شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) الذي كانت أبحاثه محط ثراء فكري كبير مكننا من الوقوف على كثير من المفاهيم، ولاسيما الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية. بل وحتى بعض المفاهيم التي قد يراها البعض خطاً من ترف الكلام، ومنها مفهوم الحرية الذي اتضحت أهميته عند السيد الحكيم (قدس سره) من خلال أحاديثه التي أشار فيها إلى أهمية معالجة هذا الموضوع من وجهة نظر إسلامية تتماشى مع مبادئ الدين الحنيف، فقد قال في كلمة مقتضبة: ونحن نقف على أعتاب القرن العشرين لابد أن نلقي نظرة عامة على قضايا امتنا الإسلامية، وسنجد أمامنا قضايا رئيسية تفرض نفسها على جميع أبعاد الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي لها، ولابد أن يهتم بها الخطاب الإعلامي. ويذكر الإمام الحكيم (قدس سره) أن القضية الثالثة التي تهم الأمة هي قضية الحرية، التي أصبحت ذات أهمية خاصة، بحيث تكاد تتفرع منها جميع القضايا الأخرى أو تقل عنها أهمية لسبب واحد مهم، هو التحول والتطور الجديد المعاصر في عالمنا اليوم على مستوى الاتصالات والمعلومات والعلاقات وتشابك المصالح والمنافع، الأمر الذي جعل العالم يتحول إلى ما يشبه المدينة أو البلد الواحد ويتجه إلى الوحدة وبروز فكرة النظام العالمي الجديد[2].

الحرية، من المفاهيم التي تناولها شهيد المحراب آية الله السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) بمعاني ومعطيات عبرت عن وجهة النظر الإسلامية في العصر الحديث، مبتعدا عن الصياغات النظرية الجامدة، على اعتبار أن ما جاء به الإسلام من مفاهيم ما هي إلا أساليب للحياة وليست فقط مفاهيم مثالية لا يمكن لها أن تعيش وتنمو على ارض الواقع.

ومن الجدير الإشارة إلى أن منشأ مفهوم الحرية كانت وليدة التقدم الذي أحرزته المجتمعات الإنسانية، وقد انبثق هذا المفهوم منذ البداية بغية تقييد المحكومين لسلطة الحاكم[3]، وقد وجد عدد من المفكرين السياسيين أنه من المفيد التمييز بين أنواع الحريات تتعلق كل واحدة منها بجزء من الوجود الواقعي للإنسان، ولاسيما ما يتعلق بوجوده الفكري وشخصيته ونشاطه.

المبحث الأول

1) الحرية الذاتية (الفكرية)

تتعلق بحرية الإرادة الإنسانية، وتسمى: بالداخلية؛ لأنها تتعلق بما يدور في داخل الذات الإنسانية، ومدى قدرتها على اختيار موضوعات الفكر، وتسمى: بحرية الإرادة والاختيار، والحرية هنا شرط المعرفة، والحقيقة الأولى بين الحقائق التي يكسبها الإنسان، فضلاً عن كونها القدرة على التصرف بالأفكار وترتيبها في نظام غير محتوم، وعندها تكون الحرية هي الحقيقة الأولى السابقة على كل حقيقة[4]، ويرى السيد الحكيم (قدس سره) إن المراد من الحرية، هو حرية الإرادة في مواجهة ضغوط الشهوات و الخوف والرعب، والذي يعبر عنه في علم الأخلاق بجهاد النفس، حيث يبني الإنسان إرادته حتى تصبح حرة لا تعبد إلا الله سبحانه وتعالى، ولا تتبع عبادة أي جهة أخرى[5]. لذا فأن الله تعالى خلق الإنسان حراً مختاراً ومسئولاً أمام سلوكه وعمله، والحرية الحقيقية للإنسان ـ التي اعتبرها الإسلام قيمة في شخصيتﻫ هي حرية الإرادة الإنسانية التي عبر عنها القران الكريم بالعبودية المطلقة لله تعالى مقابل عبودية الشهوات والهوى أو عبودية الطغاة والقوة أو الخوف والخرافات، أو عبودية الآلهة الوضعيين[6]، والتسليم للضغوط الخارجية كالخوف من الطغاة والمستبدين[7]. لذلك اوجب الإمام الحكيم (قدس سره) امتلاك القدرة على حرية التفكير والتأمل والتدبر والفحص لمختلف القضايا الفلسفية والكلامية والسياسية بعيدا عن الأُطر الجامدة أو القيود الفكرية المفروضة سياسياً أو مذهبياً الأمر الذي جعل هذه الكتلة قادرة على نقد التأريخ الإسلامي والإبداع والتطور في فهم القضايا الفلسفية والكلامية والتصدي لمواجهة التيارات الفكرية والفلسفية في مختلف العصور[8].

وفي تفسيره للفكر والإرادة يذكر الإمام الحكيم (قدس سره) أن الفكر هو الجانب الذي يضم تصورات الهدف والرؤية للمستقبل، أي: الوجود الذهني للأهداف وللمستقبل لدى الإنسان، لان المستقبل أمر غير موجود بشكل مادي وإنما يوجد في الإنسان من خلال الصورة الذهنية المرتبطة به، فهو أمر موجود في داخل الإنسان لا خارجه.

أما الإرادة هي تعبير عن الطاقة التي تحرك الإنسان نحو الأشياء من اجل إيجادها وتحقيقها في الخارج، سواء كانت هذه الأشياء أفعالا وممارسات وسلوكاً لدى الإنسان نفسه، أم أشياء مادية خارجية منفصلة عنه. ويعقّب الإمام فيقول: من الواضح أن الإرادة كالفكر ليست وجوداً مادياً خارجياً، بل هي أمر موجود خلقه الله تعالى في داخل الإنسان لا في خارجه، وبها كرمه وميزه على الكثير من المخلوقات[9].

إن الإنسان يعيش بحسب الحقيقة بين قطبين جاذبين، فلو وضع إلى جانب الشر فلا يستحق العقاب، باعتبار خلقه جُبل على الشر فبخلقة الله سبحانه وتعالى يكون الإنسان متجها نحو الشر بدون إرادة منه، ولو جعله منجذبا نحو الخير، أي: سلّط عليه حب الخير تسليطا يودي إلى سلب إرادته، فلا يكون مستحقا للثواب[10]، ومن هنا يكون الإنسان حرا في اختياره، رغبة من الله سبحانه وتعالى في عدم ترجيح أي نزعة شيطانية أو ملائكية لدى الإنسان تمكنه من دائرة المساءلة الأخروية. لذلك لا يمكن أن تتحقق الحرية الفكرية في العالم الخارجي إلا إذا تحرر العقل من القيود والمصادِرات الخارجية والداخلية والتي صُنفت إلى قسمين:

الأول: (الداخلية) الغرائز والميول التي أودعها الله سبحانه وتعالى في نفس الإنسان، وما زين للإنسان من الشهوات في هذه الدنيا، والتي يكون لها تأثير خاص على رؤيته للأشياء وعلى فاعلية إرادته وقوتها وضعفها، وهو ما يُعبَر عنه القران الكريم بـ (الهوى).

الثاني: (الخارجية) الضغوط الخارجية التي يتعرض لها الإنسان، ولاسيما من قبل الطغاة والمستكبرين أو المبتدعين المظللين أو شياطين الجن والإنس الذين يخدعون الإنسان في رؤيته للأشياء ويضللونه، فالإنسان وإن كان في هذه الموارد لا يفقد إرادته، إلا أن هذه الإرادة تتأثر إلى حد كبير بهذه العوامل التي لابد من إحصائها ومعرفتها.[11]

وفي معرض الحديث عن الحرية والاختيار يؤكد الإمام الحكيم (قدس سره) أن حد الحرية والاختيار، هو مستبطن في فطرة الاستخلاف، ذلك أن الإنسان لما كان مسئولا عن التقيد بإحكام المستخلف وبالحق والمصالح الواقعية هناك، فان هذه المسئولية أمام الله سبحانه وتعالى لا معنى لها إلا بالحرية والاختيار، وهذه الحرية والاختيار يمكن أن تفهم من جعل الإنسان خليفة لله تعالى الذي يتصف بالإرادة والاختيار[12]، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المسؤولية التي تحملها الإنسان في آية (الأمانة) قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)[13] فهو المسئول عن أداء هذه الأمانة ويعاقب على خيانتها أو حفظها، لأنه مختار وبإمكانه أن يختار الصواب والهدى فيسمو و يتسافل ويعاقب، وهذه الإرادة من الأمور الفطرية التي أودعها الله سبحانه وتعالى في الإنسان[14]، قال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)[15]، (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً)[16]، واعتبر الإمام الحكيم (قدس سره) أن الحرية التي يحصل عليها الإنسان هي إحدى نعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان، ولكن يجب علينا أن نستفيد منها، وان نصل بها إلى التكامل في حياتنا ومجتمعنا، من خلال استخدام العقل في توجيه هذه الحرية، والالتزام بالشرع وبالأحكام الشرعية[17].

حرية الفكر ومصادر الثقافة الإسلامية

إن الحرية تمثل الركيزة التي يُبنى عليها النظام الديمقراطي من خلال خلق ثقافة مساندة لهذه الأفكار والممارسات، لان العلاقة بين الحكومة الديمقراطية وثقافة الحرية تمثل التعايش المتبادل، فلا وجود للأول من غير الأخر والعكس صحيح. لذلك يجب أن نلتزم حرية الفكر والاجتهاد المضبوط المرتبط بالإطار العام للمناهج وللقاعدة التي ترتكز عليها المناهج الثقافية. وفي هذا المجال يمكن أن نلاحظ أن الأئمة الأطهار كان لهم هدف واضح ومنهج صحيح تكونت على أساسه مدرستهم الثقافية، وأطرت به مؤسساتهم العلمية. واعتمد هذا الإطار العام على الأسس التالية:

أولا: أن يكون مصدر الثقافة الإسلامية، في فلسفة التأريخ والمجتمع، أو في الفقه الإسلامي أو في الأخلاق أو علم العقائد، أو فهم الكون أو الحياة أو الآداب واللغة، هو القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة الصحيحة[18].

ثانيا: مبدأ مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) في معرفة الإسلام ونظريته والشريعة الإسلامية، حيث واجه النص الإسلامي، وكذلك التأريخ الإسلامي والسيرة النبوية تأويلات وتفسيرات، وتعددت المواقف والاتجاهات في ذلك. وبالرغم من أن أهل البيت (عليهم السلام) هم ولاة الأمة وحكامها وخلفاء للرسول في التصور المذهبي لأتباعهم، إلا أن هناك قضية أخرى غير الولاية في هذا المجال هي قضية (المرجعية) في الشؤون الدينية وفي فهم الإسلام والشريعة[19].

ثالثا: استنباط مجموعة من القواعد الفقهية والأصول الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية، التي يرجع إليها الفقيه والمجتهد لمواجهة الاحتمالات المستجدة، أو ملء منطقة المرونة التشريعية التي تركها الشارع المقدس ليملأها الولي، وهو الإمام أو الفقيه المجتهد الجامع للشرائط، حسب الظروف وطبقا للقواعد والأحكام الكلية.

إن الشريعة الإسلامية الخاتمة وضعت لكل عصر وزمان، فلا بد للفقهاء والمجتهدين أن يقوموا بدور استنباط الأحكام الشرعية الفرعية والتفصيلية لمواجهة الظروف المستجدة، وان يشخصوا الموقف والتكليف إتجاه كل حدث وظرف. فضلا عن تطبيق المفاهيم والسنن التأريخية على مصادقيها ومفرداتها الخارجية التي تؤول لها الأوضاع الاجتماعية والسياسية في حركة المجتمع[20].

رابعا: الاهتمام بتعليم أتباعهم طرق الاستفادة من النصوص الإسلامية (القرآن والسنة)، والجمع بين هذه النصوص عند اختلافها، وإيجاد النسب والارتباط بينها، واختيار بعضها على أساس ضوابط وموازين خاصة مذكورة في علم الأصول[21].

أهداف الحرية الفكرية عند الإمام الحكيم (قدس سره)

إن العمل الجاد والتركيز على الحرية الفكرية هو ابتغاء الوصول إلى أهداف تتسع لإفهام الإنسان نفسه وتمكينه في نهاية الأمر من ممارسة دوره مستخلفا في الأرض، وقد لخص الإمام الحكيم (قدس سره) هذه الأهداف في النقاط الآتية:

أولا: إيجاد طبقة من المجتهدين، في كل جيل من القادرين على استنباط الحكم الشرعي من مصادره وينابيعه الأصلية، دون الوقوع في محذور الانفلات بالاعتماد على الرأي كما فعل أصحاب اتجاه الرأي، ودون الوقوع في محذور الجمود بالاعتماد على النص الواحد.

ثانيا: المحافظة على حيوية الشريعة الإسلامية وقدرتها على مواكبة الظروف والتطورات دون الوقوع في أخطار التحريف والتزييف، أو الاستجداء من المذاهب الأخرى، وتأويلها، أو ضياعها أو التمرد بسبب الفوضى السياسية والثقافية التي مر بها العالم الإسلامي جراء الفتن والحوادث المؤلمة[22].

اهتم أهل البيت (عليهم السلام) اهتماما خاصا ومتميزا بالحرية الفكرية، لأنه يعتبر الأساس الذي يمكن أن يقوم عليه المجتمع. وبمقدار ما يكون هذا الجانب قوياً وواضحاً ومنسجما وشمولياً، يكون المجتمع قويا وقادرا على مواجهة المصاعب والمشكلات والظروف المختلفة التي تفرزها حركة التأريخ[23]، ليس داخل المجتمع الإسلامي فحسب، بل في مواجهة التيارات الفكرية والعقائدية التي هي خارج الإطار الإسلامي.

المبحث الثاني

2) الحرية السياسية

السياسة من (ساسَ) ونقول: ساس الناس سياسيةً، أي: تولّى رئاستهم وقيادتهم. وساس الأمور أي دبرها وقام بإصلاحها[24] وتناول هذا المفهوم الكثير من الفلاسفة، أما السيد الحكيم (قدس سره) فقد رأى أن الحرية السياسية تتجلى في العمل الاجتماعي ومشاركة الأمة في إدارة العلاقة بين الحاكم والرعية، والإمام والأمة، وفي القرارات المصيرية ومساهمتها بصورة حقيقة في إقامة العدل والقسط بين الناس، وفي التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية[25]. واعتبر السيد أن هذه القضية تعتبر، في الوقت الراهن، من أهم القضايا المعاصرة التي تواجهها الأمة.

لقد كانت هذه القضية ولا تزال من القضايا التي أولاها الإسلام أهمية خاصة سواء على المستوى النظري أم على مستوى التطبيق.[26] ويرى السيد أن من المفيد الإشارة إلى مجموعة من النقاط الأساسية العامة ذات الصلة بالموضوع:

أولا: إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان حراً مختاراً ومسئولاً أمام سلوكه وعمله.

ويرى أن الحرية السياسية بمعنى التعددية السياسية لمجرد الانسجام، مع المصالح الشخصية أو مصالح الفئة والجماعة الخاصة، فهي ليست ذات قيمة حقيقة في نظر الإسلام إلا في حدود رفض الظلم والطغيان والاستبداد[27].

ويرى السيد أن الإنسان مقيدٌ في اختياره بالنظام العام الذي يمثل الحق والعدل وبمصالح الجماعة وتكاملها عندما تتعارض مع مصلحة الفرد، ولكن مع ذلك نجد أن الإسلام قد منح الإنسان المسلم هذه الحرية السياسية في المواقف بصورة عملية حتى في الموارد التي يستخدم الإنسان حريته بغير حق، ومارس الإسلام سياسة غض الطرف عن اتخاذ الإجراءات القهرية، وجعل حدها هو عدم الخروج على إجماع الجماعة أو النظام القائم واستخدام القوة ضده أو تهديده[28].

وخير مثال على هذا النهج، ما حدث في حياة الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، عندما كان مسيطرا على الأوضاع، بعيدا عن اعتقاد المسلمين بارتباطه بالغيب، فانه احدث تغييرا عظيما، وكان مهيمنا ومسيطرا، ومن غير المعقول أن لا يكون عارفا بتفاصيل مجريات الأحداث السياسية التي كانت تحدث في الساحة السياسية.

ومع ذلك لم يتخذ أي عمل قمعي ضد مناوئيه، وذلك لعدم وجود قرار في النظرية الإسلامية يعتمد أسلوب القمع لأي عمل، لمجرد أنه عمل سياسي، مادام المسلم يرفع شعار: (لا اله إلا الله، محمد رسول الله)، فللفرد المسلم حرية التحرك من الناحية السياسية ما لم يرفع سيفا، ويستخدم القوة مقابل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى لو كان هذا العمل حراما ومدانا من الناحية الشرعية، ومخالفا لطاعة الله وطاعة لرسوله. ولم يكن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلا مجسدا لهذا الأمر أيام خلافته، فقد كان يعرف الحركات السياسية المضادة، ولكنه لم يستخدم العنف ضدهم، إلا حينما رفعوا السيف في وجهه، كالخوارج[29].

إن هذا الموقف الإسلامي في الحرية يعبر عن حكمة آلهية في النظام السياسي التي تنسجم مع الحكمة الآلهية في سنن خلق الإنسان وتكامله التي تفترض أن الإنسان لا يتكامل إلا من خلال حريته في اختياره لسلوكه وعمله وممارسته لهذه الحرية في التزام الحق والصواب وطريق العقل والهدى، أو طريق الشهوات والباطل والهوى[30].

ثانياً: إن الحرية السياسية في عصرنا الحالي أصبحت قيمة من القيم الإنسانية وجزءاً من الثقافة العامة للبشرية، والتزمت بها العهود والمواثيق الدولية في النظام العالمي، وقد بدأت هذه الحرية من منطلق صحيح، وهو مقاومة الظلم والطغيان والاستبداد، وهو من القيم الإسلامية التي أصبحت في الثقافة العامة السائدة للحضارة المادية إلى معنى أوسع من ذلك، بحيث أصبحت الحرية السياسية تعني التعددية السياسية والليبرالية في الفكر والمعتقد والسلوك مكنتها أن تصبح قيمة إنسانية، وليست مجرد سياسية وموقف يختبر سلوك الإنسان ويتكامل من خلاله، بل هي تزن الحق[31] والعدل لا أن الحق والعدل هو الذي يزن هذه الحرية ويحددها في سلوك الإنسان، وبذلك أصبحت إحدى القضايا المهمة التي تواجهها الأمة الإسلامية في هذا العصر من نواح عدة:

* تحتاج الأمة الإسلامية إلى تجسيد هذه الحرية بمضمونها الأخلاقي والروحي الأصيل إتجاه الظلم والطغيان النفسي والاجتماعي وسياسي.

* ممارسة الحرية السياسية كأسلوب في إدارة الحياة كما اقرها الإسلام، وفرصة لاختبار إرادته الحقيقية للحق والعدل والتكامل من خلال ذلك.

* المحافظة على القيم الدينية والحق والعدل في الوقت نفسه.

* المحافظة على مصالح الجماعة والنظام.

ثالثاً: إن المحافظة على الموازنة في تنظيم علاقة الإمام بالأمة والحاكم بالرعية على أساس مبدأ هذه الحرية بمضمونها، بعيداً عن الظلم والاستبداد من قبل الحاكم، ومنح الأمة فرص ممارسة حريتها في ممارسة شؤون حياتها مع المحافظة على النظام الإسلامي والقيم والأخلاق من الأخطار التي تهددها هذه الحرية، إن المحافظة على هذه الموازنة تحتاج إلى ضمانات قوية يمكن أن نجدها في تأكيد المواصفات المطلوبة في الحاكم من العلم، والعدالة، والخبرة، وكفاءته الشخصية، وفي التربية والتزكية العامة لأبناء الأمة في عملية اختبار وممارسة الحرية[32].

وعّد الإمام الحكيم (قدس سره) هذه المسألة من القضايا المعقدة التي شهدها تأريخنا الإسلامي سواء في الصدر الأول للإسلام أم في عهود الأمويين والعباسين، وأصبحت ألآن إحدى المسائل المعاصرة الحساسة التي تواجهها الأمة ويرتبط مصير وحدتها وتكاملها بها.

رابعاً: إن حدود الحرية التي منحها الإسلام للفرد المسلم هي النظام، ومصالح الجماعة. وبهذا الصدد يطرح السيد سؤالا مهما في هذا المجال هو: من الذي يشخص هذا الحد ومخالفة هذه الحرية للنظام أي للحق والعدل أو مخالفتها لمصالح الجماعة؟ هل هو الحاكم أم الأمة، ولو من خلال المؤسسات الدستورية التي نقيمها؟. وبهذا الصدد يرى السيد أن الإسلام قد جعل الحاكم هو المسئول عن تشخيص المخالفة للنظام الإسلامي، لذلك اشترطت أكثر المذاهب الإسلامية العلم بالإسلام في الحاكم الإسلامي، لكي يكون قادراً على تشخيص ما يخالف الإسلام من السلوك السياسي والشخصي العام[33]، ولكن تشخيص الحد الثاني وهو مخالفة الحرية والسلوك السياسي والشخصي للمصالح العامة أمر منوط بالأمة نفسها، وذلك من خلال خبراتها وتجاربها. أما الحاكم فان له دور الإشراف والشهادة على مسيرة هذه الأمة في غياب الإمام المعصوم. على أن المدخل للطغيان والاستبداد السياسي، أو للعدل والحق السياسي يرتبط بصورة أساسية في احد أبعاده المهمة بهذا الجانب من الحرية والمساهمة في تشخيص مصالحها[34].

خامساً: إن حرمان الأمة من الحرية السياسية ومن دورها في تشخيص المصالح والمفاسد ضمن النظام الإسلامي العام وكذلك من دورها في انتخاب الحاكم وتشخيص الأصلح من المرشحين للحكم الذي تتوفر فيه المواصفات المطلوبة في ظروف غياب الحاكم المعصوم المنصّب من قبل الله تعالى للإمامة[35]، لأن حرمان الأمة من ذلك سوف يؤدي بطبيعة الحال إلى نتائج سيئة للغاية. باعتبار أن الإسلام دعا إلى حرية تولي وإشغال الوظائف والمناصب المهمة في الدولة التي تسمح بالمشاركة باتخاذ القرارات السياسية العامة التي تهم البلاد.

نتائج حرمان الأمة من الحرية السياسية:

الأولى: الطغيان، والاستبداد، وإشاعة الظلم والفساد، ومن ثم الحرمان من بركات الأرض والسماء كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً)[36].

الثانية: القضاء على روح الإبداع والابتكار والشعور بالمسئولية والدوافع الذاتية في المبادرة، وتحمل المصاعب، وتعطيل طاقات الأمة، بل هدرها وتبديدها، ولاسيما عندما يبدأ الصراع بين الظالم والمظلوم، والطغاة والمستضعفين.

الثالثة: القضاء على روح الاستقلال والعزة والكرامة الإنسانية عندما تستسلم الأمة للظلم والطغيان، وتتعود عليه أو تعم الفوضى والاضطراب وروح الغضب والحقد والانتقام والتفرق والاختلاف، وتكون النتيجة الكلية لذلك هو سقوط الأمة تحت هيمنة الكفر والاستكبار والإعداد إما عسكرياً أو ثقافياً وسياسياً، وذلك عندما تشعر بالدونية أو التبعية، وتهتز أمام عينها صورة الإسلام الذي تراه في الطاغية المسلم الذي يحرم الإنسان من كل حقوقه، وتتمثل أمامها صورة الإنسان الكافر الذي يلجاً إليه المسلم ليجد عنده الأمن والسلامة والحرية، كما نشاهده في عصرنا الحاضر كظاهرة سياسية عامة.

وانطلاقا من الأفكار السابقة يؤكد الإمام الحكيم (قدس سره) أن العمل السياسي هو من حق جميع أفراد الأمة وطبقاتها، بل هو من واجباتها، باعتباره اهتماماً بشؤون المسلمين، ومن لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، وكذلك باعتباره أمرا بالمعروف ونهياً عن المنكر، وهو واجب الجميع، وليس حكرا على فئة خاصة، ولا مبرر أبدا للقلق من ممارسة طبقات الأمة للعمل السياسي، بحجة مخافة الانحراف، أو قلة الوعي وعدم المعرفة[37].

إذن، الحرية السياسية في إطار الحكم الشرعي والحضور الجماهيري في الساحة هو أحد الطرق المهمة في تنمية طاقات الأمة، وبناء إرادتها وتكامل وعيها، وإذا كان ثمة مخاوف من حريتها، واحتمالات الزلل والخطأ، فهي مخاوف واحتمالات موجودة في النخبة السياسية أيضا، على حد وجودها في الأمة، ولذا فلا بد من بذل الجهود لتوعيتها وهدايتها.

والضمانة المركزية للمحافظة عليها من هذه المخاوف هو ارتباطها بالمرجعية الدينية السياسية، على أن خط الولاية لا يفترض حق الأمة في ممارسة عملها السياسي إلا في إطار الحكم الشرعي الآلهي، وعبر ارتباطها بمراكز التوجيه الديني والسياسي الصحيح، التي تنتهي إلى إشراف المرجعية السياسية الرشيدة، أو تولي الفقيه، والقائد الأعلى لمسيرة التجربة، الذي يحدد بدوره الخطوط العريضة السليمة للحركة، تاركا المواقف التفصيلية، وتشخيص أمور حياتها إلى الأمة ذاتها[38]. ولم يترك الإمام الحكيم الجانب التطبيقي، فقد جاء بالكثير من الأمثلة حول الاختيار والنهج الذي يجب أن يتبع في (إعطاء الفرصة للامتحان والاختبار، سواء على المستوى الفردي أم الشعبي، هذا الخلق الذي يستمد جذوره من الثقة بالله تعالى والاعتماد على النفس والأهداف الصالحة). ويذكر الإمام الحكيم المثال الأتي في تجربة الوزارة الأولى المؤقتة للجمهورية الإسلامية في إيران، حين جرت تجربة انتخابات رئاسة الجمهورية الأولى، جرّت الصراع مع بني صدر، عندما بدأ بالانحراف، وتجربة الحريات السياسية للأحزاب العلمانية، وشبه العلمانية، وغير ذلك من التجارب العامة والخاصة. فقد كان الإمام الخميني (قدس سره) في هذا المجال يحاول أن يجعل الأمة مدركة للوقائع والأحداث، بنفسها وواعية لدورها، مبتعدا عن قضية التدخل في الجزئيات والتفاصيل، إلا في المواقع الحساسة، التي يشعر أن الأمة تكون فيها بحاجة إلى التوجيه والهداية[39].

فالإمام الخميني تدخل في توجيه الأمة من أجل أن يُثّبت مجلس الخبراء الأول، وتدخل في توجيه الأمة لإرشادها إلى النظام الصحيح، الذي تختاره وهو نظام (الجمهورية الإسلامية) لا تزيد كلمة ولا تنقص، بعد أن حاول بعض الناس أن يزيد كلمة ديمقراطية أو شعبية. لكنه من جانب آخر ترك الخيار للأمة أن تنتخب رئيسها، دون أن يتدخل في تزكية احد المرشحين، بعد أن كان الأمر من صلاحياته، وذلك من اجل أن تصبح دائرة المنافسة واسعة، لتكشف بشكل واضح عن قوة الخط الإسلامي[40].

وهنا يؤكد خط الولاية، ومنهج حزب الله، انه لا معنى للوصاية الحزبية على الأمة، كما تعتقد بعض النظريات، حيث تكون الأحزاب هي القناة الوحيدة التي تستطيع الأمة أن تتنفس من خلالها، عبر نظام الحزب الواحد، أو نظام الأحزاب المتعددة، بل يمكن أن يكون الحزب تعبيرا عن رأي جماعة من الأمة، كما يمكن أن يعبر عن هذا الرأي الشخصيات السياسية، والجمعيات والمؤسسات[41].

إننا في الرؤية الإسلامية (والكلام للإمام الحكيم) نعتقد أن الأمة قادرة على ممارسة دورها السياسي مباشرة، وأيضا من خلال حضورها عبر كل أشكال التمثيل، والتجمعات، والصور الممكنة[42].

وفي خضم هذه الأفكار في الحرية السياسية يدعو الإمام الحكيم (قدس سره) إلى نظام جمهوري وبرلماني يحترم الشريعة الإسلامية، والحريات العامة، والأقليات الدينية، ويلتزم حقوق الإنسان، والمساواة، والعدالة، والحقوق السياسية، والمدنية، والثقافية، والدينية لجميع أبناء الشعب[43].

وفي احد أراء الإمام الحكيم (قدس سره) حول الحرية يذكر أن الرأسمالية الغربية فسرت الحرية على أنها احد أسباب الصراع في العلاقات الإنسانية، حيث ادعت أن بإمكان المجتمع الذي يعيش الحرية أن يحل الصراع الذي ينشأ في داخله عن طريق الحرية، كما أن بإمكان الإنسان في مثل هذا المجتمع أن يتحرك بحرية نحو تحقيق أهدافه، وأن يعيش حالة العدل و الرفاه والاستقلال[44]. وفي معرض نقده للتفسير الغربي يعقّب الإمام الحكيم (قدس سره) فيقول: ونجد أن التدقيق في هذا التفسير يوصلنا ـ أيضاً ـ إلى حقيقة أن هذا التفسير محدود وضيق، لأنه لم ينظر إلى الحياة الإنسانية وعلاقاتها إلا من خلال أزمة (الحرية) التي عاشتها أوربا في العصور الوسطى مع أن دراسة حركة الواقع الإنساني حتى في أوربا التي حصلت على الحرية (المدعاة) وبشكلها المطلق، تثبت أن هذه الصراعات قد استمرت في حياة هذه المجتمعات، وأن قضية الاستغلال بقيت قائمة على ما هي عليه، بل تحولت هذه الحرية إلى استغلال واسع والى عبودية واسعة في داخل هذه المجتمعات، وذلك حين كان أصحاب رؤوس الأموال يستغلون أبناء جلدتهم ـ في فترات من الزمن ـ استغلالاً فاحشاً تحت شعار (الحرية الاقتصادية)[45] ويمارسون ألوان الاضطهاد تجاههم، حتى تحول هؤلاء الناس إلى عبيد وأسرى للأوضاع الاقتصادية وللشركات الرأسمالية التي تملك قوتهم وحياتهم وحركتهم، ولكن دون أن تفرض عليهم قيود ظاهرية من خلال العلاقات الاجتماعية كما في السابق.

كما تحولت هذه (الحرية) في بُعد أخر إلى (قيود داخلية)، لا يمكن للإنسان أن يتحرر منها، فأصبح عبداً للشهوات والأمراض الاجتماعية وأسيراً للتظليل الشيطاني الإعلامي وللمخاوف على المستقبل، ومن خلال هذه الحرية لم يستطع أن يقف أمام تأثير هذه القيود أو يتحرر منها[46].

ومما يدل على هذه الحقيقة هو ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية في قضية (تحريم الخمر) في العقد الثالث من القرن العشرين، وذلك عندما سقط الشعب بصورة عامة، أمام قيود هذا الهوى وهذه الشهوة، فلم يتمكن من التحرر من موضوع شرب الخمر، بالرغم من وجود قرار التحريم القانوني الذي اتخذه نواب الشعب، وبذلت من أجل سنّهِ أموالا طائلة واعتقل وقتل في سبيل تحقيقه عشرات الآلاف من الناس، وكُتِبت في وسائل الإعلام الدعاية له مئات الآلاف من الصفحات، ولكن، بعد ثلاثة عشر عاماً من هذا (التحريم) تراجع المجتمع الأمريكي أمامه، فأباحه، بعد أن أصبح عبداً لهواه وشهواته[47].

وما نجده الآن قائماً في المجتمعات الأوربية والأمريكية، ومن يسير في ركابهما، مثال آخر لهذه الحقيقة، حيث تعيش هذه المجتمعات حالة العبودية المطلقة أمام قضايا الجنس، والمخدرات، والتحلل العائلي، والدعاية وما شابهها، بالرغم من إيمانها بأخطار هذه الأوضاع ومدى الدمار الذي يصيبها بسببها، ولكنها مع ذلك لا تستطيع أن تتحرر من هذه الأوضاع، بعد أن أصبحت أسيرة و عبدة لشهواتها، انطلاقا من تلك الحرية المدعاة[48].

ومن هنا يتبين لنا أن التفسير الذي جاءت به الديمقراطية الرأسمالية لا ينطبق على الواقع، ولا ينسجم مع العلاقات الإنسانية التي يعيشها ذات الإنسان، الذي جاءت به هذه النظرية لتفسير مشكلته وطرح الحل المناسب لها، لذلك لابد من الرجوع إلى التفسير الرسالي لهذه المشكلة الذي ظهر من الطرح القرآني، والذي قرر بأن الصراعات ترجع إلى عوامل داخلية في النفس الإنسانية، ويتشكل في ظاهرة صراع القوي مع الضعيف، هذا الصراع الذي يرجع في حقيقته إلى نوعين من الصراع:

الأول: صراع آخر يعيشه الإنسان من داخله، هو صراع الهوى مع العقل.

الثاني: صراع آخر يعيشه الإنسان من خارجه، وهو صراع الشيطان مع الهداية.

علاج المشكلة كما يراه الإمام الحكيم (قدس سره)

إن علاج المشكلة إنما يكون بإيجاد الموازنة بين محورين من الجهاد:

الأول: داخلي، يتمثل بجهاد النفس لكسر القيود الداخلية.

الثاني: خارجي، يتمثل بالجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى والوصول إلى المثل الأعلى المطلق والعمل على الإطاحة بالطغاة المستغلين المستكبرين، لتحقيق العدالة والحرية الحقيقية في المجتمع الإنساني[49].

المبحث الثالث

3) الحرية الطبيعية

الحرية الطبيعية هي: الحرية الممنوحة من قبل الطبيعة نفسها للإنسان، وهي عنصر جوهري في كيانه، وظاهرة أساسية تشترك فيها الكائنات الحية بدرجات متفاوتة تبعا لمدى حيويتها، ولذلك كان الإنسان من هذه الحرية أوفر نصيباً من أي كائن حي آخر، وهكذا كلما إزداد حظ الكائن من الحياة عظم نصيبه من الحرية الطبيعية.

إن ملاحظة الكائنات غير الحية في سلوكها يوفر لنا معرفة جوهر هذه الحرية الطبيعية، خصوصا إذا علمنا إن الطبيعة ترسم لهذه الكائنات اتجاهات محددة، وتفرض لكل كائن السلوك الذي لا يمكن أن يحيد عنه، فالحجر مثلا قد فرضت عليه الطبيعة سلوكا محددا وفقا لقوانين كونية عامة، فلا نرتقب منه أن يتحرك ما لم نحركه. ولا نرتقب منه إذا حركناه أن يتحرك في غير الاتجاه الذي نحركه فيه، كما لا نتصور من الحجر أن يتراجع تفاديا للاصطدام بجدار يعترض طريقه، فهو يفقد كل لون من القوة الايجابية والقدرة على تكيّفات جديدة، ولهذا لم يكن له نصيب من الحرية الطبيعية[50].

إن موقف الكائن الحي تجاه البيئة والظروف ليس سلبيا، أو مضغوطا في اتجاه محدد لا محيد عنه، بل يمتلك قدرة وطاقة ايجابية على تكييف نفسه، وابتداع أسلوب جديد يتلاءم مع ظروفه، وهذه الطاقة الايجابية هي التي توحي إلينا مفهوم الحرية الطبيعية.

والجدير بالذكر أن الحرية الطبيعية تبلغ ذروتها في الإنسان دون غيره من الكائنات؛ لان الحقل العملي الذي منحته الطبيعة له أوسع الحقول جميعا[51]. ولان الميول والشهوات الغريزية لدى الحيوان لها حدود نهائية للحقل الذي يعمل فيه، وبهذا لا يمكن للحيوان أن يستعمل حريته إلا في حدود تلك الميول والشهوات، أما بالنسبة للإنسان فأنه مركب تركيبا نفسيا وعضويا خاصا يمّكنه من قهر الشهوات أو الحد من مفعولها، فهو حر حتى في الانسياق مع تلك الشهوات أو معاكستها.

إن هذا النوع من الحرية تعتبر ـ بحق ـ إحدى المقومات الجوهرية للإنسانية؛ لأنها تعبير عن الطاقة الحيوية فيها، ولا يمكن تصور الإنسانية بدون هذه الحرية؛ لأنها تصبح لفظا بدون معنى[52].

المبحث الرابع

4) الحرية الاجتماعية

تقسم الحرية الاجتماعية إلى محتويين:

الأول: المحتوى الحقيقي للحرية، أو الحرية الجوهرية.

الثاني: الشكل الظاهري للحرية، أو الحرية الشكلية.

أما الحرية الاجتماعية الجوهرية فهي: القدرة التي يكسبها الإنسان من المجتمع للقيام بفعل معين. وفي تعريف هذه القدرة إن المجتمع يوفر للفرد كل الوسائل والشروط التي يتطلبها القيام بذلك الفعل. فإذا كفل المجتمع للفرد امتلاك القدرة على ثمن سلعة معينه، فضلا عن توفيرها في السوق، ولم يسمح لأي شخص آخر بالحصول على حق احتكاري في شراء السلعة حينئذ يكون الفرد حرا في شراء السلعة، أما إذا كان المجتمع لا يوفر للفرد ملكية الثمن، أو عرض السلعة في السوق، أو يمنح لغيره وحدة الحق في شرائها، فليس للفرد حرية جوهرية أو قدرة حقيقية على الشراء[53].

أما الحرية الشكلية فهي لا تتطلب ذلك كله، بل قد يكون الفعل مستحيلا بالنسبة للفرد، كشراء السلعة بالنسبة إلى من لا يملك ثمنها، ولكنه رغم ذلك يعتبر حرا اجتماعيا من الناحية الشكلية، لان الحرية الشكلية تعني بمدلولها الاجتماعي: سماح المجتمع للفرد باتخاذ أي سلوك يتيح له شراء تلك السلعة. ورغم هذا المفهوم الذي تحمله الحرية الشكلية إلا أنها ليست خاوية تماما، بل تحمل معنى ايجابيا. فرجل الأعمال الذي بدأ وجوده التجاري بشكل ناجح وان لم يكن قادرا بالفعل على شراء شركة ضخمة، ولكنه مادام يتمتع بالحرية الشكلية اجتماعيا فهو بالفعل قادر على القيام بمختلف الأعمال من اجل الظفر بالقدرة على شراء تلك الشركة في المدى القريب أو البعيد، وعلى هذا الأساس تكون حريته الشكلية في شراء الشركة وامتلاكها ذات معنى ايجابي؛ لأنها تسمح باختبار مواهبه، والقيام بمختلف النشاطات في سبيل الظفر بملكية تلك الشركة.

إذن، الحرية الاجتماعية الشكلية ليست خاوية دائما، بل هي أداة لاستثارة القوى والطاقات في الأفراد وتعبئتها في سبيل الوصول إلى مستويات أعلى، حتى وان لم تقدم شيئاً من ضمانات النجاح. وهكذا تكون الحرية الشكلية بالنسبة للفرد أداة فعالة وشرطا ضروريا لاكتساب الحرية الجوهرية[54].

المبحث الخامس

5) الحرية الاقتصادية

تمثل الحرية الاقتصادية انعكاسا طبيعيا للفطرة الإنسانية، وتعبيرا عن الحرية الطبيعية للإنسان من جانب، وعن حب الإنسان للمال، والذهب، والفضة، والحرث، والخيل المسومة من جانب آخر، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)[55].

ومن الممكن تحديد الحرية الاقتصادية، فنقول: هو التحديد الذي يفرض على الفرد في المجتمع الإسلامي من الخارج بقوة الشرع، ويقوم هذا التحديد على المبدأ القائل: لا حرية للشخص فيما نصت عليه الشريعة المقدسة من ألوان النشاط التي تتعارض مع المثل والغايات التي يؤمن الإسلام بضرورتها[56].

ومن أجل أن تكون هذه الحرية ذات مضمون واقعي وعملي من ناحية، وتنسجم مع بقية الغرائز الفطرية للإنسان من ناحية أخرى، وضعت في إطار محدد يضمن مستوى مناسب من المعيشة لبقية أفراد المجتمع، بحيث لا تكون هذه الحرية على حساب فقدان الآخرين ـ عمليا وواقعيا ـ قدرتهم على التحرك وممارسة الحرية في المجال الاقتصادي عندما يفقدون الحد المعقول من القدرة على تأمين المعيشة ويقعون تحت سيطرة الآخرين[57].

كما أن بقاء الإنسان في ظل الحرية الاقتصادية المطلقة تحت الشعور بالخوف وعدم الاستقرار في الوضع المعيشي لا ينسجم مع الاتجاه الفطري له في تحقيق الاستقرار الذي يمكن أن يحققه هذا الضمان[58].

ويؤكد الإمام الحكيم (قدس سره) على مسالة حق تقرير المصير الاقتصادي، فقد عدّه حقا ثابتا يرتبط بعدد من المبادئ، فضلا عن اعتباره مبدأ أساسيا ذا بعد سياسي واقتصادي.

والاستقلال الاقتصادي هو كل ما يتطلبه من نضال من الشعوب ضد الاستعمار الاقتصادي، والسيطرة على الثروات الأساسية للشعوب ومواجهة كل الوسائل التي تعيق عملية التنمية الاقتصادية، ضمن أبعاد النظرية الاقتصادية الإسلامية[59].

المبحث السادس

الشروط الرئيسة للحرية

من أجل فهم معالم الحرية يجب الانتباه إلى جملة من الشروط، هي:

الشرط الأول: تحرير إرادة الأمة، ولتحقيق هذا الشرط يجب توفر عدة عناصر رئيسة تعبر عن هذه الإرادة الحرة الكاملة في الأمة:

العنصر الأول: تحرر إرادة الأمة من الهيمنة الأجنبية، والتسلط الخارجي الاستكباري، ولا يتم الانتخاب تحت هذه الهيمنة والتسلط، ففي مثل هذه الحالة لا يمكن للأمة أن تعبر عن إرادتها بصورة طبيعية، بل يكون التوجيه للرأي والاختيار من قبل القوى الأجنبية[60].

العنصر الثاني: التحرر من الطغيان، والاستبداد الداخلي، الذي يمكن أن يتمثل بالصور التالية:

1. سيطرة الفرد الواحد (الفردية أو المونوقراطية)[61] على مقدرات الأمور والسلطة وتوجيهها، كما هو الحال في الانتخابات المزيفة التي أجراها النظام ألصدامي لانتخاب رئيس الجمهورية في العراق، وكانت النتائج قريبة من نسبة 100%، ولكنها مع ذلك كله لا يمكن أن تعبر عن الحرية والإرادة الحقيقية للأمة.

2. سيطرة الحزب الواحد وقوى الأمن الداخلي التابعة له، كما هو الحال في الانتخابات التي كانت تجري في الكثير من الدول الاشتراكية سابقاً وفي بلدان العالم الثالث.

3. سيطرة الفئة العسكرية (التيموقراطية) كطبقة متحكمة، أو طبقة الإشراف والنبلاء أو العشيرة الواحدة، أو الطائفة[62] الواحدة، وغير ذلك من النماذج التي نشاهدها في مختلف بلاد العالم الثالث، مثل: تركيا، والجزائر، ولبنان سابقاً، والدول القديمة في فرنسا، ودولة الأمويين والعباسيين وغيرها من الأمثلة.

إن هذه الفرضيات حقيقة تفقد الأمة إرادتها وقدرتها على الاختيار، ولا معنى للحرية في ظلها وإطارها.

العنصر الثالث: تحرر إرادة الأمة من سيطرة الشهوات والميول والأهواء، والتحول إلى مجتمع التوحيد والتقوى، مجتمع الإيمان بالله، والعلاقات الإنسانية الحقيقية والالتزام ـ بصورة عامة ـ بمنهج الحق والعدل قال تعالى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)[63].

الشرط الثاني: أن لا تتحول الحرية إلى حالة الصراع والاحتكار والاصطدام، بحيث يصبح المجتمع مجتمعاً منقسماً، ومتفرقاً، ومتصارعاً؛ لان الوحدة الاجتماعية مبدأ من مبادئ فكر الإسلام، على خلاف التعددية والتفرق التي هي مبدأ من مبادئ الفكر الغربي[64].

وتوجد آيات كريمة، ونصوص صحيحة السند ومجمع عليها بين المسلمين، سواء في روايات أهل البيت (عليهم السلام) أم روايات جمهور من المسلمين، تؤكد حرمة الفرقة، والخروج على الجماعة، وعلى الرأي العام للأمة، وليس المقصود من الخروج على الجماعة هو مجرد إبداء الرأي، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل إن إبداء الرأي أمر جائز، ولكن عندما يتحول إلى حالة صراع، بحيث تكون الأمة متفرقة ومنشقة في نفسها وحركتها، يصبح هذا العمل عملاً محرماً وغير جائز، وتصبح الحرية محدودة بهذا الحد الشرعي، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[65] وقال تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[66] وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)[67] وقال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[68] فقضية الولاء الذي يشكل قاعدة العلاقة بين المؤمنين لابد من المحافظة عليها[69].

الشرط الثالث: أن لا يؤدي الاختلاف في الرأي إلى وهن وضعف الجماعة المسلمة، بحيث يجعلها في خطر هيمنة وتسلط الأعداء، أو نفوذهم إلى صفوفها، أو أن تكون ضعيفة في صراعها، معهم، فاختلاف الرأي جائز، ولكن لابد أن ُيطرح في حدود الشؤون الحياتية للأمة، ومساحات الجواز الواسعة، وللإنسان أن يعطي رأيه فيها، أو في حدود ما إذا كان الحق والعدل غير واضح، ويريد في حركته نحو معرفة الحق وإدراكه أن يتحاور ويتداول الآراء، ويناقش الأفكار كي يعرّفه ويصل إليه، كل ذلك جائز ومسموح به[70]، لكن بشرط أن لا يؤدي إلى إضعاف الروح المعنوية للجماعة[71].

الشرط الرابع: أن تكون هذه الحرية ضمن الحدود الشرعية، التي نعبر عنها : بالتقوى السياسية، فلا تكون سبباً في هتك إنسان مؤمن، أو جماعة مؤمنة، إن الهتك في نفسه أمر حرام، وإذا كان هذا العمل جائزاً في الحرية الغربية لعدم وجود حرمة للإنسان بهذا المعنى، فهو غير جائز في الشريعة الإسلامية. كما لا تكون الحرية جائزة، إذا كان فيها كشف للإسرار والعيوب، حتى لو كان سراً شخصياً، فلا يجوز كشفه؛ لان الأسرار لا يجوز كشفها.

فالغيبة من الكبائر التي وردت في النص ألقراني حرمتها، ووردت الأحاديث الكثيرة الأكيدة في النهي عنها، وتأكيد درجة حرمتها، لان بعض الروايات تقول: إن حرمتها أشد من الزنا في المحرم في البيت الحرام، ولا أقول: إن هذه الروايات صحيحة أو لا[72]، ولكن يوجد تأكيد على الحرمة إلى درجة عالية. والغيبة في محتواها هي: عبارة عن كشف عيوب المؤمنين وأسرارهم، فالإنسان إذا ارتكب محرماً سرّاً، ولم يعرف به احد من الناس، إي: كان سراً بينه وبين الله تعالى، ولا يجوز كشف هذا الأمر للناس وفضحه.

إذاً، كشف الأسرار حتى لو كانت شخصية، تدخل ضمن الحرية الشخصية، فضلاً عّما لو كانت أسراراً جماعة، وفضلاً عّما لو كان هذا الكشف كشفاً للأسرار أمام الأعداء، وأمام الناس جميعاً، كما لا تكون حرية في الكذب ونشر الأخبار الكاذبة، والكذب نوعان: كذب صريح، وفيه اختراع وبهتان وافتراء، وهناك كذب من نوع آخر: وهو عبارة عن تحريف الكلمات أو النصوص، فالإنسان عندما يتحدث بحديث ويأتي بنص كامل، ويكون في هذا النص قرينة على مقصودة، فلا يصح اقتطاع القرينة [73]، والإتيان ببعض الكلام ونسبته إلى الشخص، قال تعالى: (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ)[74].

الشرط الخامس: أن لا تكون هذه الحرية مضرة بالمصالح الإسلامية، يعني: تعطي للأعداء ذرائع وحججاً وإمكانيات تستخدم ضد الجماعة المسلمة، قد تكون حرية النشر والمواقف بدون وجود الأعداء لا يوجد فيها ضرر، ولكن إذا فرضنا أن هذا الموقف الحديث أو هذا الرأي يعطي للأعداء فرصة للإضرار بالمصالح الإسلامية فتصبح الحرية محظورة حينه[75]، وتأتي هذه الموارد من إشاعة الفساد والتحلل الاجتماعي في الجسد الإسلامي، تحت شعارات الحرية، والمطالبة بالحقوق الدينية والسياسية[76].

ولم يترك الإمام الحكيم (قدس سره) مسالة المطالبة بالحقوق، فقد ركّز على أن المطالبة بالحقوق يجب أن تكون من خلال مفاهيم الحكومات الوطنية الديمقراطية، وأن تكون قائمة على أساس الحرية وتحكيم رأي الأكثرية[77] وحسابات المصالح الخاصة للأفراد والجماعات؛ لان الديمقراطية تنطلق من فكرة الحرية لرعاية المصالح ذات العلاقة بالأفراد وحقوقهم، ومنها هذه الحقوق. ويمكن لهؤلاء الأفراد أن يعبروا عن مصالحهم ورغباتهم ومقاصدهم وتوجيهاتهم السياسية وممارسة حقوقهم بحرية، ومن ثم وفي إطار الحكم الوطني الديمقراطي يمكن أن تطرح هذه القضية، لان الديمقراطية نظام يضمن هذه الحقوق دون الحاجة إلى الحديث عن الخصوصية المذهبية[78].

المطالبة بالحقوق والقضية العراقية

إن القضية السياسية التي لاحظناها في تاريخ العراق: إن أتباع أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يعيشون فترة طويلة من الزمن كأقلية في الحكم الإسلامي الطائفي الاستبدادي، والأقلية عادة لا تحصل على جميع حقوقها، ولاسيما الثقافية والسياسية منها. وإنما تحصل على الحد الأدنى من هذه الحقوق، وتتراجع هذه الحقوق عندما يكون هناك موقف متشدد ورافض من الأكثرية لها، فكيف إذا كانت هذه الأقلية مفروضة بحكم جائر يتصف بالاستبداد والفشل وعمليات من الإبادة والمطاردة والتهجير.

لقد ترك هذا التأريخ الطويل آثاره ومخلفاته الثقيلة على حقوق هذه الجماعة، والذي زاد الأمر سوءاً المخطط والسياسة الاستعمارية الانكليزية التي عملت منذ البداية على ترسيخ هذا الحرمان للحقوق تجاه شيعة أهل البيت (عليهم السلام) بسبب موقفهم الرافض للهيمنة الانكليزية وقيادتهم لحركة الجهاد والتحرر ضد الغزو الثقافي والعسكري للانجليز[79].

ويستفيد الإمام الحكيم (قدس سره) من التجارب التي جرت في أيام المراجع الكبار، فيذكر أن طرح المطالبة بهذه الحقوق يجب أن يكون في إطار إسلامي ومبادئه الأصيلة، ويمكن أن نطلق عليه الإطار الإسلامي، ولكن هل يصح التعامل مع هذه الحقوق في هذا الإطار؟ ثم ما الأسلوب الصحيح للتعامل معها إن كانت صحيحة؟

أما الجواب عن السؤال الأول: فيمكننا أن نعرفه من موقف المرجعية الدينية بهذا الصدد، ونحن نؤمن، سواء كنا جمعيات أم حركات أم أحزابا أم إفرادا، إن المرجع في معرفة الإسلام والأحكام الإسلامية هو عالم الدين، كما أن المرجع العالم يمثل القدرة لنا في سلوكه، خصوصاً عندما لا يشك أحد من المراجع في صحة مرجعيته وسلامتها، ومثال ذلك مرجعية الإمام السيد محسن الحكيم (قدس سره) فقد كان من المراجع القلائل الذين تميزت مرجعيتهم بالحصول على احترام كامل من قبل المراجع الذين عاصروه أو الذين جاؤوا بعده، وكان يتم التعامل معه في النجف الاشرف، مثل الإمام الخوئي أو الشهيد الصدر أو الإمام الخميني كمرجع مطلق في هذا المجال فذّاً في حركته السياسية، التي كان يتميز بها، أحدث نقله في هذه الحركة، فقد كان احد المطالبين بهذه الحقوق، التي باتت من خلال حركته السياسية وخطابه السياسي المباشر وغير المباشر سواء في الاحتفالات أم في الأحاديث العامة أم في النوع من المطالبة بالحقوق.

إذاً، لا يوجد شك في صحة المطالبة بهذه الحقوق نظرياً في الإطار الإسلامي[80].

وأما الجواب عن السؤال الثاني: وهو الأسلوب الإسلامي الصحيح للطرح، والذي كان الإمام السيد محسن الحكيم (قدس سره) وغيره من العلماء، يؤكدون على أن هذا الطرح يجب أن يتم ضمن المحافظة على الأمور الأربعة:

1. المطالبة بالحق والعدل للجميع دون تمييز بين أقلية وأكثرية.

2. المحافظة على المصالح الإسلامية العليا للمجتمع كله.

3. المحافظة على وحدة الأمة والجماعة.

4. أن يكون الأسلوب بعيدا عن التعصب الطائفي والاحتراب المذهبي وهيمنة الأكثرية أو الأقلية على الأكثرية.

فالحق للجميع، والعدل للجميع، والبلد للجميع، ومصير الأمة واحد، أما الأعداء والمستكبرون فهم مشتركون في عدائنا. بل لابد من أن يتم هذا الطرح ضمن التأكيد على اعتماد الكفاءة والمساواة في الفرص (تكافؤ الفرص) والعدالة أساسا للمعاملة، وأن لا يكون المذهب سبباً للحرمان، مع تأكيد المحافظة على وحدة الأمة والوطن والحكم واحترام التعددية الثقافية القومية والمذهبية والدينية لأبناء الشعب، فهي حقوق متساوية من ناحية، واحترام للخصوصيات من ناحية أخرى[81].

من خلال هذا الأسلوب والمنهج يمكن المطالبة بالحقوق الشرعية للمجتمع سواء كانت سياسية أم ثقافية أم مدنية، وتحافظ على وحدة الأمة والمجتمع والوطن والمصير المشترك.

فالوعي الثقافي ليس وعياً طائفياً تجزيئيا، والسكوت عن الحق ليس عملا إسلاميا شرعيا ووحدويا، بل المطالبة بالحقوق في إطار الحق والعدل للجميع وفي إطار المصالح الإسلامية العليا للإسلام والمجتمع هو المنهج الشرعي الصحيح.

الاستنتاجات

1. إن الإمام الحكيم (قدس سره) ليس فقيها في الدين فحسب، بل فيلسوف ومفكر اجتماعي وسياسي واقتصادي من الطراز الأول.

2. إن العقيدة الأساسية لحركة الحرية في فكر الإمام الحكيم (قدس سره) هي: التخلص و الانعتاق من كافة القيود الداخلية والخارجية التي تمنع الوصول إلى ماهية الإنسان وممارسة الاستخلاف على أكمل وجه.

3. إن التفسير الذي جاءت به الديمقراطية الرأسمالية لا ينطبق على الواقع، ولا ينسجم مع العلاقات الإنسانية التي يعيشها ذات الإنسان، الذي جاءت به هذه النظرية لتفسير مشكلته وطرح الحل المناسب لها، لذلك لابد من الرجوع إلى التفسير الرسالي لهذه المشكلة الذي ظهر من الطرح القرآني، والذي قرر بأن الصراعات ترجع إلى عوامل داخلية في النفس الإنسانية.

4. إن علاج المشكلة كما يراه الإمام الحكيم (قدس سره) التي يطرحها الفكر الرأسمالي، إنما يكون بإيجاد الموازنة بين محورين من الجهاد:

الأول: داخلي، يتمثل بجهاد النفس لكسر القيود الداخلية.

الثاني: خارجي، يتمثل بالجهاد في سبيل الله والوصول إلى المثل الأعلى المطلق، والعمل على الإطاحة بالطغاة المستغلين المستكبرين، لتحقيق العدالة، والحرية الحقيقية في المجتمع الإنساني.

5. أوجب الإمام الحكيم (قدس سره) امتلاك القدرة على حرية التفكير والتأمل والتدبر والفحص لمختلف القضايا الفلسفية والكلامية والسياسية، بعيدا عن الاطر الجامدة أو القيود الفكرية المفروضة سياسياً أو مذهبياً الأمر الذي جعل هذه الكتلة قادرة على نقد التأريخ الإسلامي والإبداع والتطور في فهم القضايا الفلسفية والكلامية والتصدي لمواجهة التيارات الفكرية والفلسفية في مختلف العصور.

6. إن الحرية في الإسلام مشروطة بمجموعة من الشروط، أهمها تحرير إرادة الأمة، من كافة أنواع الهيمنة الأجنبية، والتسلط الخارجي، والطغيان والاستبداد الداخلي، مثل: سيطرة الفرد الواحد، أو الحزب الواحد، أو فئة عسكرية، أو طبقة، أو طائفة معينة؛ لأن هذه الفرضيات حقيقة تفقد الأمة إرادتها وقدرتها على الاختيار، ولا معنى للحرية في ظلها وإطارها.

وأن لاتتحول الحرية إلى حالة الصراع والاحتكار والاصطدام، بحيث يصبح المجتمع مجتمعاً منقسماً، ومتفرقاً، ومتصارعاً. لان الوحدة الاجتماعية مبدأ من مبادئ فكر الإسلام، على خلاف التعددية والتفرق التي هي مبدأ من مبادئ الفكر الغربي.

وأن تكون هذه الحرية ضمن الحدود الشرعية، التي نعبر عنها: بالتقوى السياسية، فلا تكون سبباً في هتك إنسان مؤمن، أو جماعة مؤمنة، فضلا عن أن هذه الحرية يجب أن لا تكون مضرة بالمصالح الإسلامية.

7. لا وجود لقرار في النظرية الإسلامية يعتمد أسلوب القمع لأي عمل، لمجرد أنه عمل سياسي، مادام المسلم يرفع شعار: (لا اله إلا الله، محمد رسول الله)، فللفرد المسلم حرية التحرك من الناحية السياسية ما لم يرفع سيفا، أو يستخدم القوة في وجه ولي الأمر وإن كان بمستوى نبي أو وصي أو ولي أمر أو فقيه.

8. الحرية الاقتصادية يجب أن تكون ذات مضمون واقعي وعملي من ناحية، وتنسجم مع بقية الغرائز الفطرية للإنسان من ناحية أخرى، وضعت في إطار محدد يضمن مستوى مناسب من المعيشة لبقية أفراد المجتمع، بحيث لا تكون هذه الحرية على حساب فقدان الآخرين ـ عمليا وواقعيا ـ قدرتهم على التحرك وممارسة الحرية في المجال الاقتصادي عندما يفقدون الحد المعقول من القدرة على تامين المعيشة ويقعون تحت سيطرة الآخرين.

9. اهتمام أهل البيت (عليهم السلام) الاهتمام الخاص والمتميز بالحرية الفكرية، لأنه يعتبر الأساس الذي يمكن أن يقوم عليه المجتمع. وبمقدار ما يكون هذا الجانب قوياً وواضحاً ومنسجما وشمولياً، يكون المجتمع قويا وقادرا على مواجهة المصاعب والمشكلات والظروف المختلفة التي تفرزها حركة التأريخ، ليس داخل المجتمع الإسلامي فحسب، بل في مواجهة التيارات الفكرية والعقائدية التي هي خارج الإطار الإسلامي.

1. القران الكريم.

2. حامد حمزة حمد، دراسات في الحرية و الديمقراطية، ط2، دار الطيف للطباعة والنشر، واسط

3. السيد محمد باقر الحكيم، الخطاب الإعلامي وسر النجاح، ط1، مؤسسة شهيد المحراب، منشورات نقش، النجف الاشرف

4. السيد محمد باقر الحكيم، نافذة على الإنفاق، منشورات مؤسسة تراث الشهيد الحكيم، النجف الاشرف 2005.

5. السيد محمد باقر الحكيم، الأربع عشرة مناهج ورؤى، ط1، مطبعة بهمن، انتشارات الإمام الحسين، النجف الاشرف 2004.

6. السيد محمد باقر الحكيم، دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة، ط2، ج1، دار الحكمة، قم المقدسة 1424ﻫ.

7. السيد محمد باقر الحكيم، المجتمع الإنساني في القرآن الكريم، ط2، مطبعة العترة الطاهرة، منشورات مؤسسة تراث الشهيد الحكيم، النجف الاشرف 2006.

8. السيد محمد باقر الحكيم، مسؤولية الفرد في النظرية الإسلامية الاقتصادية، سلسلة منهجنا (2) مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي، النجف الاشرف 2005.

9. السيد محمد باقر الحكيم، وبشر الصابرين، سلسلة منهجنا (3)، منشورات مؤسسة تراث الشهد الحكيم، النجف الاشرف 2005.

10. السيد محمد باقر الحكيم، الحكم الإسلامي بين النظرية والتطبيق

11. السيد محمد باقر الحكيم، الزهراء عليها السلام أهداف. مواقف. نتائج، ط1، مطبعة العترة الطاهرة، منشورات مؤسسة تراث الشهيد الحكيم، النجف الاشرف 2006.

12. السيد محمد باقر الحكيم، المنهاج الثقافي السياسي الاجتماعي، ج1، مطبعة الرائد، منشورات مؤسسة تراث الشهيد الحكيم، النجف الاشرف، بدون تاريخ.

13. السيد محمد باقر الحكيم، موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية، ج4، ط1، منشورات تراث الشهيد الحكيم، النجف الاشرف 2005.

14. السيد محمد باقر الحكيم، موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية، ج5، ط1، منشورات تراث الشهيد الحكيم، النجف الاشرف 2005.

15. السيد محمد باقر الحكيم، دور الفرد في الاقتصاد الإسلامي، منشورات مؤسسة تراث الشهيد الحكيم، النجف الاشرف 2005.

16. السيد محمد باقر الحكيم، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ط1، مطبعة الرائد، منشورات تراث الشهيد الحكيم، النجف الشرف 2005.

17. السيد محمد باقر الحكيم، شيعة العراق تاريخ ومواقف، مؤسسة شهيد المحراب، النجف الاشرف 2005.

18. السيد محمد باقر الصدر، اقتصادنا، مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، ط1، شريعة قم، 1424.

19. صالح جواد الكاظم، على غالب العاني، الأنظمة السياسية، مطبعة دار الحكمة، بغداد 1991.

[1] السيد محمد باقر الصدر، اقتصادنا، مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، ط1، شريعة قم، 1424، ص 36.

[2] السيد محمد باقر الحكيم، الخطاب الإعلامي وسر النجاح، ط1، مؤسسة تراث الشهيد الحكيم، منشورات نقش، النجف الاشرف 2005، ص 34 ـ 36.

[3] حامد حمزة حمد، دراسات في الحرية و الديمقراطية، ط2، دار الطيف للطباعة والنشر، واسط  2006، ص 5.

[4] المصدر نفسه، ص 18.

[5] السيد محمد باقر الحكيم، نافذة على الإنفاق، منشورات مؤسسة تراث الشهيد الحكيم، النجف الاشرف 2005، ص 7.

[6] السيد محمد باقر الحكيم، الخطبة الثانية من الجمعة الثامنة، الأربع عشرة، ط1، انتشارات الإمام الحسين، النجف الاشرف ص 283.

[7] السيد محمد باقر الحكيم، الخطاب الإعلامي، ص 47.

[8] السيد محمد باقر الحكيم، دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة، ص 120.

[9] السيد محمد باقر الحكيم، المجتمع الإنساني في القرآن الكريم، ط2، مطبعة العترة الطاهرة، منشورات مؤسسة تراث الشهيد الحكيم، النجف الاشرف 2006، ص252.

[10] السيد محمد باقر الحكيم، وبشر الصابرين، سلسلة منهجنا (3)، منشورات مؤسسة تراث الشهيد الحكيم، النجف الاشرف 2005، ص 45 ـ 46 .

[11] السيد محمد باقر الحكيم، المجتمع الإنساني في القرآن الكريم، ص 253.

[12] المصدر نفسه، ص 127 .

[13] الأحزاب: آية 72 .

[14] السيد محمد باقر الحكيم، المجتمع الإنساني في القران الكريم، ص 128.

[15] الإنسان: آية 3 .

[16] الكهف: آية 29 .

[17] السيد محمد باقر الحكيم، الخطبة الثانية من الجمعة الثامنة، 2004، ص 223 ـ 224.

[18] السيد محمد باقر الحكيم، دور أهل البيت (عليهم السلام) في بناء الجماعة الصالحة، ج1، ص 120.

[19] المصدر نفسه، ص 121.

[20] المصدر نفسه، ص 122.

[21] المصدر نفسه، ص 122.

[22] المصدر نفسه، ص 123.

[23] المصدر نفسه، ص 85.

[24] حامد حمزة حمد، دراسات في الحرية والديمقراطية، ص 24

[25] السيد محمد باقر الحكيم، الخطاب الإعلامي، ص 46.

[26] للمزيد حل هذا الموضوع ينظر: محمد باقر الحكيم، الحكم الإسلامي بين النظرية والتطبيق .

[27] السيد محمد باقر الحكيم، الخطاب الإعلامي، ص 47.

[28] السيد محمد باقر الحكيم، الخطاب الإعلامي، ص 47.

[29] السيد محمد باقر الحكيم، الزهراء (عليها السلام) أهداف. مواقف. نتائج. ص 61.

[30] السيد محمد باقر الحكيم، الخطاب الإعلامي، ص 48.

[31] المصدر نفسه، ص 48.

[32] المصدر نفسه، ص 49.

[33] المصدر نفسه، ص 50.

[34] المصدر نفسه، ص 51.

[35] المصدر نفسه، ص 51.

[36] الإسراء: آية 17.

[37] السيد محمد باقر الحكيم، المنهاج الثقافي السياسي الاجتماعي، ج1، ص 316.

[38] المصدر نفسه، ج1، ص 317 .

[39] السيد محمد باقر الحكيم، موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية، ج5، ص 28 .

[40] المصدر نفسه، ج 5، ص 29 .

[41] السيد محمد باقر الحكيم، المنهاج الثقافي السياسي الاجتماعي، ج1، ص 317.

[42] المصدر نفسه، ج1، ص 317.

[43] السيد محمد باقر الحكيم، وبشر الصابرين، ص5 .

[44] السيد محمد باقر الحكيم، المجتمع الإنساني في القرآن الكريم، ص 341.

[45] المصدر نفسه، ص 341.

[46] المصدر نفسه، ص 342.

[47] المصدر نفسه، ص 342.

[48] المصدر نفسه، ص 342.

[49] المصدر نفسه، ص 343.

[50] السيد محمد باقر الصدر، اقتصادنا، ص 306 ـ 307 .

[51] المصدر نفسه، ص 307 .

[52] المصدر نفسه، ص 308 .

[53] المصدر نفسه، ص 309 .

[54] المصدر نفسه، ص 310 ـ 311 .

[55] الملك، اية 15.

[56] السيد محمد باقر الصدر، اقتصادنا، ص 327.

[57] السيد محمد باقر الحكيم، دور الفرد في الاقتصاد الإسلامي، منشورات مؤسسة تراث الشهيد الحكيم، النجف الاشرف 2005، ص 20.

[58] السيد محمد باقر الحكيم، دور الفرد في الاقتصاد الإسلامي، ص 21.

[59] السيد محمد باقر الحكيم، مسؤولية الفرد في النظرية الإسلامية الاقتصادية، مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي، النجف الاشرف 2005، ص 7 ـ 31.

[60] السيد محمد باقر الحكيم، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص 30.

[61] تتكون المونوقراطية من كلمتين يونانيتين: Monos واحد، Cratos حكم، أي حكم الفرد الواحد الذي يمسك بزمام السلطة ويفرض أفكاره وطريقة حكمه على الشعب، وهي كذلك تعبير واضح عن الشخصية واستبدال مفهوم الدولة بالسلطة الشخصية (الفردية). ينظر: صالح جواد الكاظم، على غالب العاني، الأنظمة السياسية، مطبعة دار الحكمة، بغداد 1991، ص 13.

[62] السيد محمد باقر الحكيم، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص 31.

[63] الحج آية 41.

[64] السيد محمد باقر الحكيم، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص 32.

[65] ال عمران: آية 103.

[66] ال عمران: آية 105.

[67] الأنعام: آية 159.

[68] التوبة: آية 71.

[69] السيد محمد باقر الحكيم، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص 34.

[70] المصدر نفسه، ص 34.

[71] المصدر نفسه، ص 35.

[72] المصدر نفسه، ص 35.

[73] المصدر نفسه، ص 36.

[74] أل عمران: آية 7.

[75] السيد محمد باقر الحكيم، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص 37.

[76] السيد محمد باقر الحكيم، موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية، ج 5، ص 91 .

[77] لابد من الالتزام بحكم الأكثرية في الشورى، لان الإجماع في الأمور الاجتماعية أمر نادر، وهذا يعني أن إقامة الحكم على أساس الشورى، يعني الرجوع إلى الأكثرية، وإلا تعطلت أية الشورى، ولم يكن لها مدلول عملي. ينظر: السيد محمد باقر الحكيم، موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية، ج 4، ص 150.

[78] السيد محمد باقر الحكيم، شيعة العراق، تأريخ، ومواقف، مؤسسة تراث الشهيد الحكيم، النجف الاشرف 2005، ص 55.

[79] المصدر نفسه، ص 55 ـ 56.

[80] المصدر نفسه، ص 56 ـ 59.

[81] المصدر نفسه، ص 60.

تعليقات (2)

  • Um Ruqaya

    لدي بحث عن اقدمه في دراستي الحوزويك عن الحرية الاعلامية ، هل بامكاني ان دعت الحاجه ان استخدم بعض محتويات هذا البحث واقتبس منه ؟

    في حال الموافقه الرجاء ابلاغي عبر الايميل المدرج لديكم

    شكراً لكم

    رد

اكتب تعليق

كافة الحقوق محفوظة لمؤسسة تراث الشهيد الحكيم، ولا يجوز الاستفادة من المحتويات دون إذن خطي.

الصعود لأعلى