ثورة سيدنا الامام الحسين (عليه السلام) في فكرة شهيد المحراب

motmar3

ثورة سيدنا الامام الحسين (عليه السلام) في فكرة شهيد المحراب

م.م أسامة إسماعيل عثمان

جامعة البصرة – كلية الآداب

عام 2008م

شارك البحث في المؤتمر الفكري الثالث الذي عقدته مؤسسة تراث الشهيد الحكيم (قدس سره) في النجف الأشرف عام 2008م تحت عنوان: (فكر الشهيد الحكيم ودمه الزاكي يضيئان الطريق أمام وحدة العراق ونهضته العلمية).

بسم الله الرحمن الرحيم

 (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)

 (الصف:5)

 الإهداء:

 إلى حبيبي ومهجة قلبي…

إلى من علمني حب الحق…

إلى سيد شباب أهل الجنة…

إلى حبيبي وسيدي ومولاي…

سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)

                                                                                         الباحث

 تمهيد

 إن لثورة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) اثرا واضحا في تحديد ملامح الحياة السياسية في التاريخ الإسلامي واثر خالد في حياة المعارضين لأنظمة الاستبداد والطغيان على مر العصور فكم من معارض استشهد برؤية سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) لإظهار الحق وكم بالإمام الحسين (عليه السلام) ظهر الحق.

إن ثورة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) نهضة سياسية كانت ولا تزال صرخة مدوية في وجه الظلم بجميع صوره، لذا أصبح سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) بحركته نبراسا لكل معارض يصدح بالحق أو يسعى لتحقيقه في ظل جاهلية المجتمعات وسكوتها على الظلم وقبولها بالخضوع للاستبداد سواء طوعا أم كرها، فسيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) بنهضته هذه شكل أنموذجا صار عبر التاريخ مثالا يحتذي به فمن نهض مع قلة الناصر يستذكر سيدنا الحسين (عليه السلام) ومن نهض لتصحيح المسيرة والدعوة لإظهار الحقيقة استشهد بسيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) وفي ذلك استوى المسلم وغير المسلم، فهذا غاندي يستذكر سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) عندما علم انه يكافح ضد أعتا قوى العالم مع قلة الناصر فقال كلمته المشهورة «تعلمت من الإمام الحسين إن أكون مظلوما فانتصر».

 وهكذا يستذكر شهيد المحراب (قدس سره) ثورة جده سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) وهو أولى به بالذكرى لا سيما وان السيد شهيد المحراب (قدس سره) كافح طيلة حياته الشريفة ضد نظام الطاغية المقبور وهو نظام مستبد طاغ تشابهت سياسته الهدامة للإسلام مع سياسة يزيد.

ومن هذا المنطلق سأحاول في هذه الدراسة تقصي فكر شهيد المحراب (قدس سره) بخصوص النظريات التي فسرت أسباب نهضة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) وذلك من خلال دراسة رؤية سماحته لتلك النظريات متتبعا آرائه فيها وتعليقاته عليها. واسأل الله جل في علاه إن يوفقني في هذا المسعى نصرة لسيدي الإمام الحسين (عليه السلام) وعرفانا لشخصية طالما أحببتها ووفاء لحقها علينا وان يجعل ذلك في ميزان حسناتي.

ثورة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام)

 لدراسة ثورة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) وتحديد أهدافها الظاهرة والباطنة وتقصي الأسباب التي دعت إليها والآثار المترتبة عليها سواء الآنية في وقتها أم المستقبلية فضلا عما تمخض عنها من نتائج كان لها الدور الكبير في تغيير الصورة السياسية للمجتمع الإسلامي فبواسطتها شرعت فقهيا الثورة ضد الاستبداد فسيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) إمام مفترض الطاعة.

 يعتمد شهيد المحراب (قدس سره) مبدأ الواقعية في طرح المواضيع العلمية فضلا عن اعتماده مبدأ الحرية في طرح التصورات للمواضيع التي يقوم بدراستها في ظل رؤيته الشخصية التي تستند على بحر واسع من العلم فضلا عن الإرث الفكري الذي اكتسبه من ملازمته للإمام الحكيم (قدس سره).

ومن هنا كانت دراسته للنظريات التي فسرت ثورة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) تتسم بالواقعية في التحليل والمنطق في التعليق والرد، وقد ذكر السيد شهيد المحراب (قدس سره) إن الناس اختلفوا في تفسير أسباب النهضة الحسينية المباركة وفق رؤية كل طرف لها ما بين مؤيد لها أو معادي أو من وقف على الحياد منها، وقد أوجزها سماحته بنظريات خمس أساسية وعلى النحو الأتي:

أولا: نظرية الصراع القبلي

 تعتمد فروض هذه النظرية على إن ثورة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) لا تعدوا كونها صراعا قبليا بين فرعين من قريش على الهيمنة والزعامة في المجتمع الإسلامي وهذا ما أراد إن يشيعه يزيد وإتباعه بين الناس وما يؤكد هذا الطرح قول يزيد نفسه:

لعبت هاشم بالملك فلا  ******  خبر جاء ولا وحي نزل

فنهضة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) لم تكن ذات مبادئ أو وجهة نظر تحدد ملامحها بل حصرت وفق هذه النظرية بالبعد القبلي، وهو رأي شدد شهيد المحراب (قدس سره) على رفضه مفندا فروضها بصورة علمية حينما وجه الأنظار إلى إن طبيعة الأجناس التي ضمها جيش سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) حيث لم يكن جيشا هاشميا بحتا بل كان فيه السيد والعبد والعربي والأعجمي بل إن الجيش ضم حتى من كان بالأمس القريب بالمعسكر الآخر ونعني به زهير بن القين فلو لم إن كان الحق جليا واستيقن قلب هذا الرجل بأحقية المبدأ الذي خرج لأجله سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) ورحمة الله به بلاشك – لما خالف هذا المعسكر الذي تربى على يديه بل وقاتل من اجله مع معاوية لينقلب موقفه بعد إن أدرك حقيقة الأمر ليقاتل ابنه يزيد مع سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام)، حقيقة الموقف هذه دفعت كذلك بعض قادة جيش يزيد إلى الانقلاب عليه والانضمام إلى معسكر سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) كالحر الرياحي مثلا الذي أدرك أن المعركة ليست خروج على ولي الأمر أو طلب الهاشميين للدور الريادي في قيادة الأمة كما كانت تشيع الأبواق الإعلامية ليزيد آنذاك، بل كانت معركة مصير تحدد مستقبل الإسلام فضلا عن مستقبله الشخصي ليس من منظور دنيوي فحسب بل من منظور أخروي ايضا فهذه المعركة فهمها الحر كما كان يفهمها كل من كان في معسكر سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) أنها قسيمة رضا الله أو سخطه وبالنتيجة فهي قسيمة الجنة والنار، وهو الأمر الذي كان يدركه عمر بن سعد ايضا ولكن حبه للدنيا وملذاتها أعمى بصيرته فباء بسخط الله سبحانه والناس أجمعين.

 ويعتقد الباحث ان محاولة اختزال الثورة الحسينية المباركة بهذا البعد الهامشي أمرا لا ينبغي التعويل عليه فلا يمكن تصور ان سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) يقوم بتحرك كهذا لغرض دنيوي من قبيل التماس جاه أو سيادة قبلية فليس هناك عاقل ينكر ما لبني هاشم من دور ديني ريادي قبل الإسلام وبعده.

ثانيا: نظرية الصراع على السلطة

 فسرت هذه النظرية حركة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) على إنها حركة سياسية محضة تمثل صراعا على السلطة، حاول من خلالها سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) السيطرة على الحكم وإقامة النظام الإسلامي الصحيح مستغلا بذلك الضعف السياسي والعزلة الاجتماعية التي كان يعاني منها يزيد خاصة مع الرفض – أو التردد – في البيعة له من بعض الصحابة والتابعين بسبب ما عرف عن يزيد من عدم التزام بمبادئ الإسلام بل بتعديه على بعض أوامره وأركانه، وتخلص هذه النظرية إلى إن هذه الثورة أجهضت بفعل خذلان الناصر وما صورته على إن خيانة أهل الكوفة وترددهم عن دعم الثورة كان سببا في فشل الثورة بتحقيق مبادئها.

وفي تعليل رفضه لهذه النظرية يذكر شهيد المحراب (قدس سره) ان سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) بقيامه بالثورة ما كان يرجو الوصول من خلالها إلى السلطة لأنه (عليه السلام) كان يعرف إن هذا الأمر – السلطةلا يصل إليه خارجا بسبب إدراكه لحقيقة الوضع السياسي والاجتماعي الذي كان يسود الأمة الإسلامية آنذاك، فسيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) يعلم علم اليقين إن نتيجة خروجه هي استشهاده على يد الزمرة الكافرة وهو بذلك أكثر علما وأصوب رأيا ممن أشار عليه بالمكوث وعدم الخروج إلى الكوفة ولعل ابرز ما يدلل على هذا الرأي قوله (عليه السلام) في خطبته ليلة الفاجعة «وكأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء»، وينتهي شهيد المحراب (قدس سره) إلى تفنيد نظرية الوصول إلى السلطة كهدف لثورة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) فمن يعلم إن نتيجة ثورته نهايته الشخصية لا يمكن إن يقوم بها إن كان هدفه السلطان، ويعتقد الباحث إن سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) أراد من نهضته إن تكون صرخة مدوية عبر التاريخ لتدك صروح الظلم والطغيان فكما أراد الله بأذان سيدنا إبراهيم الخليل (عليه السلام) للناس بالحج إن يقوم هو بالجهد البشري بالإعلان مع يقينه إن دعوته لن تصل لمسامع الكثيرين لكن كان الفعل الإلهي مسئولا عن إعلام الناس بأذان سيدنا إبراهيم (عليه السلام)، وهكذا أراد الله إن يجعل من سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) فداء لفكر والقضية وإرساء لحق والمبدأ فضحى (عليه السلام) بدمه الشريف ليعلي كلمة الله فجعل الله اسم سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) علم تهتز له صروح الطغيان باختلاف الزمان والمكان.

ثالثا: نظرية العامل الأخلاقي

 يطرح البعض تفسيرا آخر لثورة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) ويربطها بالعامل الأخلاقي، فسيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) وفق فروض النظرية كان سيدا عربيا أبيا عزيزا شريفا له مكانته الاجتماعية المرموقة في المجتمع الإسلامي فضلا عن مكانته الدينية المعروفة التي لا ينازعه عليها منازع مهما كان شرفه ومكانته بالمجتمع فكيف به يرضى بمبايعة يزيد ويوطئ لحكمه والناس تعرف من هو يزيد، لذا فسيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) قام بثورته هذه بدافع أخلاقي بحت وقد استدل أصحاب هذه النظرية على ذلك بقوله (عليه السلام): «والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد» وكذلك بقوله: الشريف، بحق يزيد «يزيد رجل شارب الخمور وقاتل النفس المحترمة ومعلن الفسق ومثلي لا يبايع مثله»، لذا عد أصحاب هذه النظرية أن سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) إنما قام بثورته هذه بدافع شخصي يتمثل بالذب عن كرامته والحفاظ على مكانته السامية بين الناس.

 وفي تعليق شهيد المحراب (قدس سره) على فروض هذه النظرية أكد سماحته على إن حركة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) كانت حركة أخلاقية بلا شك إلا إن الثورة لا يمكن إن تختزل بهذا الشكل لان سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) إمام للأمة الإسلامية يوجهها إن انحرفت عن الطريق الصحيح وذلك بنص الحديث الشريف للرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) «الحسن والحسين إمامان قاما وان قعدا».

 إذا فسيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) يحمل بين جنباته الإحساس بأهمية دوره بالنسبة للأمة لذا فهو (عليه السلام) لم ينهض ثأئرا لنفسه الزكية فقط وإنما قام بحركته إيمانا منه (عليه السلام) بالمسؤولية المكلف بها وهي الحفاظ على مصالح الأمة الإسلامية العليا المتمثلة بالحفاظ على الدين والسهر على تطبيق مقاصده ومحاربة المحاولين لتحريفه والتلاعب بتشريعاته، ويشير شهيد المحراب (قدس سره) إلى ذلك بقوله «إذن فالمعركة ليست معركة رفض ظلم وذل أو إباء وضيم، هناك شيء اكبر وأعظم من مسألة رفض الظلم، والهدف الأعظم هو رضا الله سبحانه وتعالى وتحقيق السعادة الأبدية لهذا الإنسان في الحياة الأخرى».

 يعتقد الباحث ان ثورة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) كانت أخلاقية بمعناها الاسلامي وليس الشخصي ويبدو ذلك من خلال مطلبين الاول تمثل ببكاء سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) على من وقف مصرا على قتاله وعلل ذلك بأنه (عليه السلام) يبكي لأنهم سيدخلون النار بموقفهم هذا فأي إنسان يحزن لمصير أعدائه وأي موقف أخلاقي هذا، ثم أليس الحفاظ على العهود والوفاء بالوعود وحفظ الأمانات وأدائها الى أهلها مقاصد إسلامية كونها من الأخلاق الحميدة التي جاء الإسلام ليؤكد دورها في حفظ المجتمعات من الانحراف بل الم يعتبر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) خلاف ذلك نفاقا بقوله الشريف «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد اخلف، وإذا اؤتمن خان»، وحيث إن ولاية يزيد للأمر كانت تضييعا لكل تلك الأخلاقيات ممن مكنه من رقاب الناس مع علمه بعدم أحقيته السياسية فضلا عن الشرعية لتولي حكم المسلمين لذا كانت حركة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) ثورة لترسيخ المفاهيم الأخلاقية المشار اليها أعلاه في المجتمع الإسلام – تلك المفاهيم التي حاولت ان تغيبها سلطة يزيد ومن حكم قبله من بني أمية – كيف لا وهو السيد العربي وابن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يقول: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وقد أشار (عليه السلام) للمعسكر الآخر في معرض نصحه لهم ان الحفاظ على الوعود والعهود أخلاقا عربيه قبل ان تكون إسلامية وذلك بقوله (عليه السلام): «كونوا عربا».

رابعا: نظرية القضية الغيبية

 يربط أصحاب النظرية الرابعة في تفسير ثورة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) هذه الثورة بالغيب في المنهج والقصد والنتيجة وتقوم فروض هذه النظرية على إن نهضة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) واستشهاده إنما هي قضية غيبية وان الله قدر لسيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) إن يقتل بأرض كربلاء واستدلوا على ذلك بالروايات الكثيرة التي تذكر تفاصيل استشهاده (عليه السلام) سواء الصادرة عن سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أم عن سيدنا الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أم حتى تلك الصادرة عن سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) نفسه ونكتفي هنا بذكر الرواية المشهورة عنه (عليه السلام) لما سأل عن العلة في اصطحابه لنساء بيت النبوة معه وهو يدرك حقيقة نهاية الثورة بقوله (عليه السلام): «شاء الله إن يراهن سبايا»، لذا عد أصحاب هذه النظرية إن حركة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) تخصه وحده وان واجب المسلمين استذكار هذه المناسبة كلما حلت بإقامة المجالس الحسينية وعمارتها بالبكاء وإقامة الموائد وتقديم الطعام للفقراء بقصد الثواب من غير إن يكون لها صلة بالواقع الذي تعيشه المجتمعات البشرية ومحاولة تغييره.

 في إطار مراجعة سماحة شهيد المحراب (قدس سره) لفروض هذه النظرية أكد سماحته رفض التفسير الغيبي للثورة ليس لأنها لم تحظى بالعناية الإلهية بل أن حركة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) أطروحة إلهية موضوعة من قبل الله، وقد أراد الله أن تكون هذه الثورة بتفاصيلها المأساوية قدوة للناس جميعا في رفض الانحراف والظلم والاستبداد وقد اختار خير الناس للقيام بهذه الثورة ووضع هذا المنهج للتدليل على المقصد الإلهي منها، كما أكد سماحته على إن المجالس الحسينية كانت جزء من نتائج ثورة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) وبين أهميتها ومشروعيتها وفضل القيام بها، ولكن شدد سماحته (قدس سره) على ضرورة أن تمثل المجالس الحسينية قضية سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) تمثيلا حقيقيا للواقع السياسي والاجتماعي الذي يعيشه المجتمع المسلم، فالثورة التي قام بها الإمام (عليه السلام) ليس مختصا بها سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) بشخصه وان يكون الهدف منها سرا لا يعلمه إلا الإمام (عليه السلام) والراسخون في العلم دون سائر الناس لكن أريد من هذه الثورة إن تعيش في الوجدان الإنساني مستلهمين منها مبادئها ومنهجها القويم في الحفاظ على الإسلام دون تحريف.

خامسا: نظرية الموقف الشرعي

 يذكر أصحاب هذه النظرية في تفسير ثورة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) أنها ثورة جاءت لتؤطر تثبيت الموقف الشرعي تجاه ظاهرة الظلم والطغيان والمحافظة على وجود الرسالة المحمدية فضلا عن دعوتها إلى تحديد حالة الأمة وتحديد مشاكلها السياسية والاجتماعية والنفسية وسبل معالجتها ويستدل أصحاب هذه النظرية بقول سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية «إني لم اخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا وانما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين».

 يعلق شهيد المحراب (قدس سره) على هذه النظرية بقوله كان سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) يمثل الضمير الحي للأمة الإسلامية والعقل الواعي والمدرك للأخطار التي تهدد الأمة لذا كان الفهم النظري لأهمية حركته (عليه السلام) ضد يزيد فحول الإمام (عليه السلام) هذا الفهم إلى واقع عملي ووظيفة شرعية واضحة المعالم تحرك الناس وتدفعهم لمحاربة الظلم والذل والخضوع والاستسلام للأمر الواقع، لذا كانت الثورة الحسينية واستشهاده (عليه السلام) بمثابة الزلزال الذي أصاب الأمة الإسلامية في دينها فغير من إدراكها وأفاقها من غفلتها بل كانت السبيل لإيقاظ الضمائر وتحريك المشاعر والأحاسيس، فبات أكيدا لسيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) وفي ظل قراءته السليمة للمجتمع الاسلامي آنذاك المرتكزة على أسس وبراهين علمية دقيقة تدل على إن الناس يعيشون في غفلة بحيث لا يمكن إن يتحركوا ضد الظلم الجاثم على صدورهم بالخطب والدعاء خاصة بعد إن ركنوا إلى الخضوع والاستسلام بفعل الحكم الاستبدادي القائم على الظلم والإكراه وفرض الأمور على الأمة بالإرهاب الفكري والمادي فما كان منه (عليه السلام) إلا أن خطط لثورته بأسلوب فريد لا يملك من يسمع أو يقرأ سيرتها إلا إن يقف منتفضا ضد الظلم عبر التاريخ، فسيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) لم يتحرك بشكل عشوائي كما يعتقد البعض بل على العكس من ذلك فقد كان عالما بما يقدم عليه لذا خطط لثورته بشكل جدي حتى لا يتقول البعض أن حركته كانت عملية انتحار أو رد فعل لرفض الظلم والذل، ولبيان تأكيد سماحته (قدس سره) لرؤيته هذه حدد بعض الشواهد منها إتباع سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) مبدأ العلنية في خروجه من المدينة إلى مكة بعد موقفه المشهور مع واليها بخصوص البيعة، كما كان الانتقال إلى مكة وفي موسم الحج يعني نشر أفكاره (عليه السلام) عبر الاتصال بجمهور المسلمين في موسم الحج كما أن مكوثه في مكة المكرمة لفترة من الوقت أتاحت له حرية التواصل مع الناس في الأمصار المختلفة عبر الرسائل التي عبر لهم فيها عن تطلعاته إلى مستقبل الأمة شارحا ما يحيط بهم من أحداق في ظل سلطة تؤسس من خلال رأسها إلى إفراغ الدين الإسلامي من فحواه وتعاليمه عبر التشريع لفكر جديد يشرع الخنوع والتذلل للحاكم، وهنا يبدوا مطلب التخطيط واضحا في الثورة الحسينية فسيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) استخدم الإعلام بشكل واضح في ثورته كما أن إرسال مسلم بن عقيل (عليه السلام) إلى الكوفة كان الجانب الإعلامي واحدا من المهام – فضلا عن المهام الأخرى – التي أراد سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) من مسلم ان يؤديها فيها وبفضل هذا التخطيط الإعلامي أصبح المسلمون على علم بهذه الثورة، ولعمري أن ذلك يدلل على الحنكة السياسية سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) فبهذا التخطيط المتقن للثورة ألقى الحجة على الجميع وترك إجابة الدعوة رهنا بالضمائر!!

ولم يكن استصحابه (عليه السلام) لأهل بيته معه من باب العبث او عدم الإدراك لما قد يحصل لهم من بعد – حاشاه – ولكن كان وراء ذلك بعدين الأول بعدا أمنيا فالنظام غالبا ما يعتقل أهل بيت الثائر عليه لابتزازه والضغط عليه لذا وجودهم معه سيحيد هذا البعد ويعطيه حرية في الحركة واستمرار المنهج الثوري دونما تردد او قلق على بقية يتركها خلفه.

 وهنا قد يفند البعض هذا الرأي بأن أهل البيت (عليهم السلام) تعرضوا فعلا للسبي بعد انتهاء المعركة ونقلوا إلى الشام في مسرحية مأساوية فأي مصلحة كانت في استصحابه لهم والنتيجة واحدة ان لم تكن أسوء مع ما تعرض له أهل البيت (عليهم السلام) من إذلال خلال الرحلة من الكوفة الى الشام، ولعلي لا أتبنى رأيا شاذا عندما أقول أن هذا ايضا كان مما سعى إليه سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) من خلال البعد الثاني لأسباب استصحابه (عليه السلام) لأهل بيته (عليهم السلام) وهو البعد الإعلامي والذي أراد من خلاله سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) ان تؤدي هذه الصحبة دورا في مرحلة لاحقة من مراحل الثورة فعملية السبي ذاتها برزت حقيقة النظام الحاكم الفاقد للشرعية كما ساهمت الطريقة التي نقل فيها السبايا إلى الشام دورا إعلاميا مهما في نشر مظلومية الإمام الحسين وأهل بيته (عليهم السلام) فأي نظام هذا يدعي الشرعية المستمدة من الدين الإسلامي هذا الدين الذي أسسه وارسي دعائمه الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم يقوم هذا النظام بقتل ابن بنته وسبي أهل بيته (عليهم السلام) بهذه الصورة فكان هذا الموقف كافيا بهز الضمائر الحية وتعرية النظام الحاكم من شرعيته الأمر الذي أذن بظهور ثورتين متتاليتين هما ثورة التوابين وثورة أهل المدينة، كما ساهمت العقيلة زينب (عليها السلام) بدور إعلامي واضح ساهم بنشر مبادئ الثورة من خلال إظهار مظلومية سيد الشهداء (عليه السلام) كيف لا وهي صاحبت إعلان استمرارية النهج الحسيني على مر العصور وذلك من خلال البيان الذي صدحت فيه بنجاح الثورة وشيوع نظرية انتصار الدم على السيف عندما قالت ليزيد «كيد كيدك واسع سعيك فوالله لن تمحو ذكرنا».

ولقد كان الأمر كما قالت (عليها السلام) فهذا ذكر سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) مازالت تهدر به الألسن وتهوى له الأفئدة وتهتز له عروش الظلم والطغيان على مر الأزمان وسيظل ذالك كذلك حتى يرث الله الارض ومن عليها ولا شك إن هذا ما أراده وسعى إليه سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام) من ثورته وهو ما يشهد التأريخ بتحققه.

اكتب تعليق

كافة الحقوق محفوظة لمؤسسة تراث الشهيد الحكيم، ولا يجوز الاستفادة من المحتويات دون إذن خطي.

الصعود لأعلى