اغتيال شهيد المحراب.. اغتيال للاعتدال والعقلانية والوطنية الصادقة
اغتيال شهيد المحراب……اغتيال للاعتدال والعقلانية والوطنية الصادقة
احمد عبد الرحمن
كان شهيد المحراب اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قبل وقت قصير من استشهاده يقول في خطبة صلاة الجمعة الرابعة عشر والاخيرة داخل الحرم العلوي الشريف بمحافظة النجف الاشرف، وامام الالاف من المصلين ان قوات الاحتلال الاميركي والبريطاني تتحمل مسؤولية انعدام الامن والاعتداءات التي تحصل على مراجع وعلماء الدين والاماكن المقدسة. وكان يتناول بالشرح والتحليل ملابسات محاولة اغتيال المرجع الديني الكبير اية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم التي وقعت قبل بضعة ايام من ذلك اليوم.
هذه القراءة الدقيقة للشهيد السعيد حول الواقع القائم عبرت عن نفسها بكل وضوح بعد اقل من ساعة عندما خرج من الحرم العلوي الشريف محاطا بأعداد كبيرة من المصلين، واذا بيد الغدر الاثمة تمتد اليه والى العشرات من الابرياء. وقد لانكون بحاجة الى تكرار التساؤل التقليدي المعروف للجميع وهو .. من المسؤول عن المأساة التي حصلت في مدينة النجف الاشرف في ظهر يوم الجمعة، الاول من شهر رجب، التاسع والعشرين من شهر اب-اغسطس من عام 2003، وتسببت بأستشهاد السيد الحكيم وعشرات المؤمنين، وذلك لان السيد الشهيد اسهب في الاجابة على ذلك التساؤل اكثر من مرة، ولم يعد هناك اي غموض يحيط به.
اما لماذا نقول ان قوات الاحتلال المتواجدة في العراق، وفيما بعد القوات متعددة الجنسيات هي المسؤولة عن حفظ ارواح الناس في هذا البلد وممتلكاتهم، وحفظ حرمة وقدسية اماكن العبادة وقدسية علماء الدين والمراجع الكبار، وذلك لان قيادات هذه القوات اعلنت منذ وقت مبكر انها ستتولى كل زمام الامور، وستعالج كل السلبيات والاخطاء وتأمن وتوفر كل مطاليب ابناء المجتمع واحتياجاتهم، وتعيد اليهم حقوقهم المهضومة من قبل نظام صدام البائد، سواء كانت تلك الحقوق مادية او معنوية.
وقد ابدت قوات الاحتلال – او بتعبير ادق قياداتها – رفضا لمشاركة اي طرف معها لانجاز هذه المهام المعقدة والصعبة والخطيرة، لا من العراقيين ولا من غير العراقيين، وحتى الجزء القليل من القبول الذي كانت تبديه في هذا الشأن كان يقترن مع شرط العمل تحت مظلتها ووفقا لتوجيهاتها واوامرها. ولكن يوما بعد يوما كان يتضح خطأ هذا المنهج، خصوصا وان الاميركان والبريطانيون كانوا يحرصون على حياة جنودهم وضباطهم ومعداتهم العسكرية في العراق بصورة اكبر بكثير من حرصهم على ارواح وممتلكات ومصالح العراقيين، وللاسف فأن الدعوات المستمرة التي كان يطلقها الكثير من العراقيين، وفي مقدمتهم الشهيد اية الله الحكيم الى القوات الاميركية والبريطانية بالسماح للعراقيين بلعب دور في ترتيب اوضاع بلدهم، للاسف لم تجد تلك الدعوات اذانا صاغية.
وكان نتيجة ذلك هو تفاقم المشكلات الامنية، رغم ان حالة الفوضى العامة انحسرت نوعا ما، وفضلا عن المشكلات الامنية فأن الجانب التخريبي فيما يتعلق بالخدمات العامة بقي يشكل هاجسا مقلقا لمعظم العراقيين. ولعل عملية تفجير السفارة الاردنية، وتفجير مكتب الامم المتحدة ومقتل ممثل الامين العام للمظمة السيد ديميلو، ومن ثم محاولة اغتيال المرجع الديني اية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم، وبعدها بأيام قلائل الحادثة المفجعة المتمثلة بأغتيال اية اله السيد محمد باقر الحكيم والعشرات من الابرياء.
كل ذلك اذا كان يعبر عن شيء فأنه في واقع الامر كان يعبر عن وجود خلل كبير وفراغ امني فاضح تولد عن سقوط نظام صدام، واستمر بسبب المنهج الخاطيء الذي حاولت الولايات المتحدة الاميركية فرضه كواقع قائم، والتي راحت فيما بعد تحاول التنصل من تبعاته بالادعاء انه لم يطلب منها توفير الحماية للشخصيات الدينية والاماكن المقدسة في مدينة النجف الاشرف.
ان عملية اغتيال اية الله السيد الحكيم، وبالطريقة الوحشية التي جرت فيها وضعت الجميع امام استحقاق كبير جدا، وحتمت عليهم التوقف طويلا ازاء ماحصل، لاجل ان لاتتحول الى ظاهرة يصبح حينئذ من الصعب استئصالها والقضاء عليها. وحينما يلقى اللوم وتحمل المسؤولية على الولايات المتحدة الاميركية، فأن ذلك ينطلق من اسباب وعوامل عديدة من بينها، انها كانت الطرف الرئيسي الذي يمسك بزمام الامور في العراق، من خلال الاعداد الكبيرة لقواتها المتواجدة في هذا البلد منذ الحرب التي ادت الى اسقاط نظام المجرم صدام قبل ما ينيف على اربعة اعوام. وكان من الطبيعي ازاء ذلك ان تبرز ردود فعل واسعة في الولايات المتحدة الاميركية مثلما برزت من انحاء العالم المختلفة حول عملية الاغتيال البشعة .
وبعض ردود الافعال تلك مثلت تنديدا شديدا بالعملية بأعتبار انها تأتي ضمن مسلسل الارهاب العالمي الذي تعهدت الولايات المتحدة بالتصدي له واجتثاثه من الجذور بعدما تعرضت الى ضربة قاصمة في الحادي عشر من شهر ايلول – سبتمبر من عام الفين وواحد، وقد جاءت التنديدات الاميركية على لسان الرئيس جورج بوش ووزير خارجيته ووزير دفاعه واخرين من كبار المسؤولين في الادارة الاميركية.
وبعض ردود الافعال الاميركية جاء على شكل نوع من الاعتراف والاقرار بالعجز الاميركي عن تحقيق الامن في العراق، وكذلك الاعتراف والاقرار بأن واشنطن منيت بضربة قاسية جديدة في يوم الجمعة بأستشهاد اية الله السيد محمد باقر الحكيم الزعيم الوطني الشيعي المعتدل – مثلما وصفه خبراء اميركان. وفي حينه قال سياسيون اميركان بعضهم في مواقع صنع القرار ان اعتداء النجف الذي أودى بحياة العشرات من الاشخاص واصاب المئات غيرهم بجروح بعضها خطيرة ودمر عددا من المباني والبيوت وخلق موجة من الذعر والخوف والغضب لدى الناس، ان هذا الاعتداء كشف مرة اخرى عن الصعوبات التي يواجهها التحالف الأميركي البريطاني في الوفاء بوعوده في إعادة الوضع في العراق إلى طبيعته.
في ذات الوقت فأن من بين هؤلاء من اقر بأن الولايات المتحدة الاميركية بصفتها قوة احتلال للعراق تتحمل مسؤولية توفير الأمن في البلاد التي تعيش اوضاعا مضطربة وقلقة جدا. فالقوات الاميركية فشلت في الحؤول دون وقوع احداث خطيرة من قبيل تفجير السفارة الاردنية، وتفجير مكتب منظمة الامم المتحدة في العاصمة العراقية، ومحاولة اغتيال المرجع الديني الكبير اية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم، وغيرها من الاحداث المؤلمة. وفي هذا الشأن قال سايمون سرفات الباحث السياسي الاستراتيجي في مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية في واشنطن “نحن نشهد وضعا متفاقما, وتدهورا لا يبدو له قرار، والقوة العسكرية الأميركية تبدو متخلفة عن الأحداث في بلد يتجه نحو الهاوية”.
اما ماري جين ديب الخبيرة بشؤون الشرق الأوسط في الجامعة الأميركية فقد قالت إن آية الله الحكيم كان يريد منع التصادم بين الشيعة والأميركيين, وبين الإيرانيين والأميركيين, وبين الشيعة والسنة، وأنه كان يمثل شخصية دينية بارزة معتدلة نظرا لأنه كان حريصا على الحفاظ على الهدوء والعمل بتأن وإن كان هدفه النهائي كمن في إقامة جمهورية إسلامية.
ومثل هذه الاقوال تشير الى حقيقتين، الاولى هي الاعتراف الواضح والصريح من قبل الكثيرين في واشنطن بخطأ التعاطي الاميركي مع الملف العراقي، والحقيقة الثانية، تتمثل بالاقرار بالمكانة البارزة والمهمة التي كان يحظى بها السيد الشهيد الحكيم ودوره الفاعل والمؤثر في دفع البلد الى الاستقرار والهدوء بعد عقود من الظلم لاستبداد والديكتاتورية المقيتة.
احمد عبد الرحمن