كيف تواصل شهيد المحراب بالشهيد الصدر اثناء الاقامة الجبرية؟
كيف تواصل شهيد المحراب بالشهيد الصدر اثناء الاقامة الجبرية؟
كريم النوري
الولاء والانتماء للاسلام لا يخلو من ضريبة احياناً تكون باهظة ومكلفة وقد لا تتكشف طبائع هذا الولاء والانتماء او تتأكد في ظروف الرخاء والسراء فان الجميع قادر في مثل هذه الظروف من الادعاء والتظاهر بالانتماء والولاء لاهل البيت. بل يتمحص هذا الولاء في ظروف الشدة والبلاء وقد يتزلزل المؤمنون ويتساقط الحركيون في مواطن الاختبار والامتحان وقد شاهدنا كيف تساقط الكثير من الاسلاميين في اقبية التحقيق في الامن العامة ودهاليز المخابرات الصدامية وتحولوا الى مساعي حميدة بين الجلادين والضحايا من طلائع الحركة الاسلامية وقد وظفتهم المخابرات والامن العامة بنزع الاعترافات عن المعتقلين بطريقة الاقناع والخداع والذي لا مجال لسردها في هذا المجال وقد نخصص مقالاً مستقلاً عن أسباب هذا التساقط في وسط الاسلاميين. وهناك نمطان في هذا الانتماء الاصيل نمط يدفع ثمن هذا الانتماء واخر يربح ثمن انتمائه عبر الاستغلال السيىء والانتهازي ويتجسد هذا المعنى في قول الامام الحسين(ع) “الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم يحيطونه ما درت معائشهم فاذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون”. ويمكن القول ان النمط الذي دفع ثمن انتمائه بوضوح في التأريخ المعاصر هو السيد الشهيد محمد باقر الصدر وشهيد المحراب وغيرهما من مراجع الدين وفقهاء الشريعة وطلائع التحرك الاسلامي من الشهداء والسجناء السياسيين. واما الذين ربحوا ثمن هذا الانتماء فهم كثيرون لا حاجة للاشارة اليهم ولا جدوى من ذلك.
ومن هنا فان طبيعة العلاقة بين شهيد المحراب والسيد الشهيد محمد باقر الصدر لم تكن علاقات طبيعية مبنية على تبادل المصالح المشتركة او الفائدة العلمية والتدريسية بين الاستاذ والتلميذ، او هي علاقات اجتماعية بين علماء وفقهاء تخضع لظروف معينة وتضعف وتتعمق بحسب هذه الظروف والمناسبات سواء طبيعة الاقامة والمنطقة او طبيعة الدرس والهموم الحوزوية. كانت هذه العلاقات قد بدأت في ظروف طبيعية من التدريس والتحصيل الحوزوي ولم تضعف اثناء الظروف الصعبة التي مرت بها النجف الاشرف بل توطدت اكثر في اصعب الظروف واخطرها. هناك حقيقة جديرة بالاشارة والبحث والتوقف وهي ان طبيعة مرجعية الامام الراحل اية الله العظمى السيد محسن الحكيم زعيم الطائفة مرجعية أخذت بالتوسع والامتداد ليس على مستوى العراق فحسب بل على مستوى العالم الاسلامي والعربي فكان مقلدوه ومريدوه يملأون الافاق في الباكستان وايران والبحرين والكويت والاحساء والقطيف وبعض مناطق الهند فضلاً عن العراقيين بشكل عام. وقد تكون مثل هذه المرجعيات الكبيرة حساسة ودقيقة في التوغل في مساحات تبدو محظورة وممنوعة سياسياً وامنياً واجتماعياً وقد تكون حريصة تمام الحرص على حركة ابنائها المقربين باعتبار ان اية حركة او توجه غير ملزم شرعياً وان كان ضمن دائرة المباحات ستكون تداعياته وانعاكساته على هذه المرجعيات خطيرة باعتبارها تعمل في اطار الافتاء الفقهي والتوجيه الديني والعقائدي والدفاع عن المذهب. ومرجعية الامام الحكيم لم تؤصد الابواب بوجه هذا الفقيه المبدع والفيلسوف المتطلع (السيد الشهيد محمد باقر الصدر) الذي بدا يخوض في الفلسفة والاقتصاد ويلامس هموم السياسة في سن مبكرة او تتحسس منه حفاظاً على سياقات المرجعيات الكلاسيكية التي لا تتدخل عادة في الشأن السياسي الذي قد يبعدها عن اهتماماتها الراهنة في تلك المرحلة.
بل أنفتحت هذه المرجعية عبر ابنائها الفاعلين امثال الشهيد العلامة السيد مهدي الحكيم الذي اتهمتها الحكومة البعثية باتهامات باطلة ورخيصة والسيد شهيد المحراب الذي تم اعتقاله فيما بعد في تهمة التحريض وقيادة انتفاضة صفر، ولم ينفكا عن السيد الشهيد الصدر رغم ظروف العراق الصعبة وابتعاد البعض عنه خوفاً او احترازاً من تربص الحكومات.
تفاعل ابناء اهم مرجعية في النجف الاشرف (الشهيد العلامة السيد مهدي الحكيم وشهيد المحراب) مع طروحات وافكار السيد الشهيد الصدر دون حساسية او خيفة من عواقب هذا التحرك على مرجعية الامام الحكيم يحتاج الى وقفة منصفة ورؤية شجاعة وتحليل معمق لا ان نغمط هذه المرجعية حقها ونحاول تشويه مواقفها عبر الافتراء والتحليل البائس كما وجدنا في كتابات عادل رؤوف واشباهه ممن حاولوا تحريف وتزييف الحقائق والتلاعب بمواقف التأريخ المرجعي المعاصر.
ولم يتراجع شهيد المحراب والعلامة السيد الشهيد مهدي الحكيم او يترددا من الدخول في مشروع السيد الشهيد الصدر في تأسيس حزب اسلامي يأخذ دوره في التصدي والدعوة الى الله بل كان لهما الحضور الفاعل ولم يتأثرا بالواقع المرجعي الديني الذي يفرض احياناً التزامات على ابنائه بعدم الخوض او التقرب من هذا الميدان التنظيمي الحركي. والملفت في علاقة شهيد المحراب بالسيد الشهيد الصدر انها لم تضعف او يكتنفها البرود في سنوات المواجهة العنيدة مع النظام البعثي الحاكم ويشير شهيد المحراب الى هذه العلاقة في الايام الاخيرة بقوله واما استمرار هذه العلاقة فقد استمرت ولله الحمد حتى الايام الاخيرة من حياته ولا اعلم ما في نفسه لان ذلك مما يعلمه الله تعالى، ولكن ما كان يبديه من حب ولطف وما ذكره في وكالته الاخيرة التي نقلتها الشهيد بنت الهدى وهو في الاحتجاز وهم تحت الرقابة.
ويضيف شهيد المحراب وكانت تمثل وثيقة قتل بنظر البعثيين وما تحملته من مخاطر في إدامة الاتصال والمشورة وابلاغ اوامره ووصاياه في اللحظات الاخيرة يؤكد كل ذلك. ويشير شهيد المحراب الى اسباب خروجه من العراق بالقول: “ان خروجي من العراق كان أحد اسبابه هو تحمل مسؤوليتي تجاه الشهيد الصدر ودمه الشريف والا فانني اشعر – على الاقل – اني يمكنني ان استمر في البقاء في العراق لولا الشعور بالمسؤولية والله تعالى يوفقني للقيام بهذا الواجب وانه هو الناصر وهو نعم المولى ونعم النصير.
كريم النوري