منهج السيد الحكيم (قدس سره) في دراسة القصص القرآني

motmar3

منهج السيد الحكيم (قدس سره) في دراسة القصص القرآني

أ. د. عبد الواحد المنصوري

كلية الآداب – الجامعة البصرة

عام 2008 م

شارك البحث في المؤتمر الفكري الثالث الذي عقدته مؤسسة تراث الشهيد الحكيم (قدس سره) في النجف الأشرف عام 2008م تحت عنوان: (فكر الشهيد الحكيم ودمه الزاكي يضيئان الطريق أمام وحدة العراق ونهضته العلمية).

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

تعد القصة في القرآن الكريم منطلقاً مهماً من منطلقات أسلوب القراَن الكريم في عرض المفاهيم والرؤى، وهي تحتاج إلى اهتمام خاص وعناية متميزة، بيد أن أغلب الدراسات التي تناولت هذا الموضوع قد تناولته من جوانبه الفنية، مبتعدة عن الخوض في الجانب الموضوعي إلا ما ندر، وتأتي محاولة السيد الحكيم (قدس سره) لتسهم في دراسة القصة القراَنية من جانبها الموضوعي، متناولة – في الوقت نفسه – الجانب الفني بشيء من الإيجاز.

وعلى الرغم من أن هذه المحاولة قد بدأت بشكل موجز تمثلت في محاضرات كان يلقيها سماحة السيد الحكيم (قدس سره) على طلبة كلية أصول الدين ببغداد، فإنها أصبحت بعد وقت كتابا يعد من أمهات الكتب التي تناولت القصة القراَنية بالدراسة والتحليل، وكان لابد للباحث أنْ يقف متأملاً ما في الكتاب من مباحث تستحق الوثوق والبحث الدراسي.

ونحن إذ نقف على دراسة السيد الحكيم (قدس سره) للقصة القراَنية، نرى أن هذه الدراسة جديرة بالاهتمام والبحث لما فيها من الجدة والموضوعية، واستقصاء الموضوعات والمباحث التي تخص القصص القراَني.

وقد كانت دراساتنا تنصب على منهجية السيد الحكيم (قدس سره) في دراسته للقصة القراَنية، محاولين – قدر الإمكان – إبراز المسائل والجوانب التي عالجها في دراسته، معتمدين على ما كتبه (قدس سره) في كتابيه المهمين (علوم القراَن) و(القصص القراَني).

وقد آثرنا في دراستنا هذه الاختصار – قدر المستطاع – تاركين البابَ مفتوحاً لدراسات أخرى حول الموضع، إعتقاداً منا أن هناك جوانب أخرى كثيرة تستحق البحث والدراسة في الموضوع، سائلين الله العلي القدير أن يكون عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأنْ يكون إسهاماً في إبراز الفكر الإسلامي الأصيل الذي تركه السيد الحكيم (قدس سره) من ضمن ما ترك من تراث علمي وفكري، وكان – بحق – رافداً من روافد الفكر الأصيل لأمتنا الإسلامية، والله من وراء القصد.

                                                                                      الباحث

تمهيد

تناول السيد الحكيم (قدس سره) القصص القرآني في دراستين، الأولى كانت في كتابه المهم (علوم القراَن) وهي محاولة تطبيقية لما ذكره في حديثه عن التفسير الموضوعي للقراَن الكريم[1]، والثانية احتواها كتاب مستقل جاء تحت عنوان (القصص القراَني)وفيه إضافات كثيرة مهمة، وعلى الرغم من أن هناك بعض التشابه في هاتين الدراستين، فأنه لا يمكن للباحث الاعتماد على دراسة دون الأخرى.

إعتمد السيد الحكيم (قدس سره) في دراسة القصص القراَني منهجاً علمياً قائماً على التأمل والتدبر، فضلاً عن إعتماد المرويات التأريخية والحديثية والتفسيرية الموثقة، وكانت مصادرها التفسيرية متصدرة ومتنوعة ولا تمثل إتجاهاً واحداً، بل تمثل إتجاهات مختلفة، ففي معرض حديثه عن ذلك يقول السيد الحكيم (قدس سره): اعتمدت في مراجعة المصادر لتكوين الرؤية على كتاب البحار للشيخ المجلسي، والميزان للعلامة الطباطبائي، وقصص القراَن لعبد الوهاب النجار…[2]ولعل هذا التنوع في اعتماد المصادر لتكوين رؤيته الشخصية في النص القراَني يوحي بانفتاح الفكر المعرفي للسيد الحكيم من خلال اطلاعه وقراءته للأفكار المتنوعة، إلا انه – في الوقت نفسه – لا يمثل إنفتاحاً عشوائيا على الأفكار، إنما هو قائم على العملية في اقتناص الأفكار ومحاكمتها والإفادة منها في تكوين الرؤية التي انطلق منها في دراسته للقصص القراَنية، يقول معللاً سبب اختياره هذا: «وإنما تم اختيار هذه الكتب لأنها تمثل اتجاهات تفسيرية أساسية…»[3].

وقد أعطى السيد الحكيم (قدس سره) لكل كتاب من هذه الكتب التي اعتمدها صفة خاصة به، إذ يرى أن كتاب البحار مثلا يمثل أوسع جامع للأخبار التي وردت عن أهل البيت (عليهم السلام) في بيان القصة القرآنية وشرحها، فالإفادة منه تشكل حجر الزاوية في الدراسة لما في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) من أهمية كبيرة في فهم النص القراَني بأكمله.

أما تفسير الميزان فيرى سماحته انه يمثل آخر مدرسة في تفسير القرآن بالقرآن، فضلاً عن إفادته من الأخبار والتأمل العقلي والمعرفة الإنسانية والتجارب التأريخية، ويشكل هذا الاعتماد نقطة جوهرية في أفكار السيد عن القصص القراَني.

ولم يكن السيد الحكيم منغلقا على اعتماد الفكر المذهبي الواحد، بل راح يبحث عما عند الآخر من أفكار قد تتفق مع فكره أو لا تتفق، فأعتمد قصص القرآن لابن كثير، لأنه – حسب رأيه – يمثل مدرسة التفسير بالمأثور عند جمهور المسلمين، ليقارن بين المرويات التي جاءت بشأن القصة القرآنية ليختار الأفضل والأنسب والأحسن، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن سماحته ذهب إلى ابعد من ذلك ولم يهمل مدرسة الرأي وتعريف الحوادث القرآنية من الحوادث الحسية والتجريبية، ولكن هذا الاعتماد كان يخضع لكثير من الضوابط والأسس التي حددها بشكل لا يقبل الانفلات، وهذا ما نلاحظه في تأكيد سماحته على قضية الاعتماد على المرويات، إذ حدد بعض المعطيات المهمة في هذه القضية، لاسيما ما يتعلق بالدلالات المأخوذة من النصوص الدينية غير الإسلامية، إذ حاول سماحته فرز المدلولات القرآنية في القصة عن المدلولات الأخرى المأخوذة من التوراة والإنجيل، وهو بهذا العمل المنهجي ينقي القصة القرآنية مما علق بها من مرويات خارج النص، ولم يقف الأمر عند هذا الحد؛ بل شمل أيضا الروايات الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام)، إذ أوضح سماحته أن هناك فرقا في اعتماد تكوين الرؤية بين هذه المصادر، وكان جل اعتماد سماحته على القران الكريم وعلى ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام)، أما باقي المرويات فكانت للتوضيح والشرح وحسب.

أما بخصوص أحاديث الصحابة في فهم القصة القرآنية، فانّ لسماحة السيد شهيد المحراب (قدس سره) رأياً منهجيا مهماً، فهو يرى أنّ أحاديث الصحابة لا يمكن أن تقاس بالحديث المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الكرام (عليهم السلام) حتى لو قلنا بحجية قول الصحابي، ويعزو ذلك إلى أن هذه الحجية عند القائلين بها إنما تصح إذا كانت القرائن تشهد بأن الصحابي قد أخذ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو بهذا يضع شرطاً هما للغاية في الأخذ عن الصحابي في فهم القصص القرآني ودلالاته وإيحاءاته[4].

 إن التشدد الذي يمارسه السيد الحكيم (قدس سره) في الأخذ عن المرويات غير المعتمدة، إنما يشكل المنهج الذي سار عليه سماحته في دراسته للقصص القرآني، إيمانا منه في إخراج هذا النص بأحسن صورة في الفهم الإجمالي ومن ثم فهم الغاية الأساسية المتوخاة من وجود القصة في القرآن الكريم.

 يفرق السيد الحكيم (قدس سره) بين القصص القرآني وغيره من القصص، ويعد هذا التفريق نقطة ارتكاز أساسية في دراسة القصص القرآني، وتشكل هذه النقطة بعدا منهجيا استطاع من خلاله السيد الحكيم (قدس سره) أن يعطي للقصص القرآني سماته وخصائصه التي تميزه عن غيره من القصص، ويرى سماحته (قدس سره) أن قضية الهدف والغرض الذي جاء من أجله القصص القرآني يشكل نقطة مركزية في بنائه[5] فالقرآن على حد تعبيره «لم يتناول القصة باعتبار أنها عمل (فني) مستقل في موضوعه وطريقة التعبير فيها، كما أنه لم يأت بها من أجل الحديث عن أخبار الماضين وتسجيل حياتهم وشؤونهم، أو من أجل التسلية والمتعة كما يفعل المؤرخون أو القاصون، وإنما كان الغرض من القصة في القرآن الكريم هو المساهمة مع جملة الأساليب العديدة الأخرى التي أستخدمها القرآن الكريم؛ لتحقيق أهدافه وأغراضه الدينية التي جاء من اجلها، وكانت القصة القرآنية من أهم هذه الأساليب»[6] إذ إن للقرآن الكريم أساليب متعددة جعلت المتلقي العربي يقف عاجزا أمام هذا النص الاعجازي الفريد، فالقران الكريم قد «احدث انقلابا هائلا في الأدب العربي بتغييره الأداة الفنية في التعبير…»[7] ومن أشكال هذا الانقلاب الهائل الذي أحدثه القرآن الكريم هو قضية القصص القرآني التي لا يمكن لأي باحث أن يدرسها وفقا لما هو متعارف عليه في القصص البشري لما تمتاز به القصة القرآنية من سمات وخصائص لا يمكن – بأي حال من الأحوال – أن تدرس ضمن هذه القوالب والقواعد التي تدرس بها القصة البشرية، إذ إن «عبقرية الإنسان تحمل بالضرورة طابع الأرض، ليخضع كل شي لقانون المكان والزمان، بينما يتخطى القرآن دائما نطاق هذا القانون»[8]وعليه، فدراسة القصص القرآني لا تخضع للمعايير النقدية التي وضعت أساسا للدراسة العبقرية الإنسانية، بل تبقى دراسة القصص القرآني في فضاء مفتوح يخضع للتأمل والتدبر.

ولما كان القرآن الكريم «يمثل رسالة دينية تهدف – قبل كل شئ – إلى إيجاد عملية التغيير بأبعادها المختلفة[9]فان القصة القرآنية تمثل بعداً مهماً في عملية التغيير هذه، إذ إنها تأثرت بالهدف العام من نزول القرآن الكريم»[10] ومن هنا يرى سماحة السيد الحكيم (قدس سره) أن دارس القصص القرآنية عليه أن يضع أمامه هذا الهدف القرآني لكي يتعرف على الأسلوب الذي اتبعه القرآن الكريم، والمضمون الذي تناوله في عرض القصص إسهاما منه في تحقيق هذا الهدف السامي[11].

خصائص القصة القرآنية

لم ينظر السيد الحكيم (قدس سره) إلى الخصائص الفنية للقصة القرآنية بقدر ما نظر إلى خصائصها الموضوعية انطلاقا من فكرة الهدف العام للقرآن الكريم، وهو الأساس الذي بنا عليه تصوره لدراسة القصص القرآني، وبموجب هذا الأساس حدد سماحته (قدس سره) الفرق بين القصص القرآني وغيره من القصص، وعدّ ذلك بأنه يشكل الخصائص الرئيسة للقصص القرآني، ويمكن إجمال هذه الخصائص بقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[12].

من خلال مضامين هذه الآية المباركة يوضح السيد الحكيم (قدس سره) الخصائص الموضوعية التي تتصف بها القصة القرآنية، ويجمل هذه الخصائص بالواقعية، والصدق، والحكمة، والأخلاقية، وهذه الخصائص قد انفرد بها القصص القرآني عن غيره من القصص فضلا عن البناء الفني الذي امتاز به القصص القرآني، ولم يكتفِ السيد الحكيم (قدس سره) بإجمال هذه الخصائص الموضوعية، بل راح يشرح كل واحدة من هذه الخصائص مبينا مدى انطباعها على الواقع القصصي في القرآن الكريم وكالآتي:

1 – الواقعية: ويعني سماحته بالواقعية، اتصاف القصص القرآني بمطابقة الواقع الإنساني، أي: «ذكر الأحداث والقضايا والصور في القصص القرآني التي لها علاقة بواقع الحياة الإنسانية ومتطلباتها المعاشة في مسيرة التأريخ الإنساني»[13] لا أن تكون القصة مجرد إثارة وتعبير عن الصور أو المخيلة أو الأماني والرغبات التي يريدها الفرد أو يتمناها في حياته، ويعلل سماحته ذلك بأن «القرآن الكريم يريد من ذكر القصة وأحداثها إعادة قراءة التأريخ الإنساني والقضايا الواقعية السابقة»[14]إذ إن متابعة الفرد الإنساني لهذه القراءة في حاضره الذي يعيشه والإفادة من هذه المتابعة والاعتبار بها في حياته وحركته ومواقفه وتطلعاته تشكل تطلعه نحو المستقبل والكمالات الإلهية، ولعل ما جاء في قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ)[15] إشارة إلى صفة الواقعية في القصص القرآني.

2 – الصدق: يعني سماحة السيد (قدس سره) بالصدق «ذكر الأحداث والوقائع التأريخية التي تعترض لها الأشياء وأقوامهم في حياتهم، وذلك في مقابل الأكاذيب والخرافات الباطلة في الفهم والسلوك، أو الخرافات التي اقترنت بقصص الأنبياء في كتب العهدين المعروفين بسبب ما تعرض له من ضياع وتحريف للحقائق عن قصد أو بدون قصد أو اشتباه أو جهل»[16] فقضية الصدق في القصص القرآني عند سماحته لا تعني الصدق الفني فحسب، بل تعني الصدق الواقعي انطلاقا من الفهم الصحيح للنص القرآني؛ لأن كل ما ورد في القرآن من أخبار وحوادث هي أمور حقيقية ثابتة ليس فيها كذب أو خطأ، كما حصل في كتب الديانات الاخرى، لان ذلك يعود على حد قول سماحته (قدس سره) إلى «أن القرآن وحي إلهي، والله لا يغرب عن علمه ذرة في السماء والأرض، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والحاضر والماضي والمستقبل عنده سواء»[17]ومما يؤكد هذه الحقيقة قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ)[18].

فحديث القصص القرآني ليس حديثا يفترى، بل هو حديث صادق جاء من عند الله سبحانه وتعالى، ولعل هذا الفهم الدقيق للنص القرآني بوصفه نصا إلهيا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إنما يشكل منهجية علمية سار عليها سماحة السيد الحكيم (قدس سره) في كل دراساته القرآنية في القصص القرآني وفي غير ذلك، ومن هنا يمكن القول: إن الباحث في هذا النص المعجز لا يستطيع أن يكتشف روائعه وإعجازه إلاّ من خلال هذا الفهم الدقيق لماهية هذا النص وطريقته في التعبير.

3 – الحكمة: لقد كان من أهداف الإسلام تعليم الناس الكتاب والحكمة، لكي ينتفعوا بهما في مسيرتهم الحياتية، فجاءت القصة القرآنية وهي تحمل صفة الحكمة «وكشف الحقائق الكونية، والسنن التأريخية، والقوانين والأسباب التي تتحكم أو تؤثر في مسيرة الإنسان، وعلاقته الاجتماعية، والحياة الكونية المحيطة به، لأن هذه الحقائق الكونية لها علاقة بمسيرة الإنسان المتكاملة مادام الله – تعالى – أراد لهذا الإنسان أن يكون مختاراً في حياته ومستخدماً للعلم والحكمة في مسيرته»[19].

ومن هنا يرى سماحة السيد الحكيم (قدس سره) أن القرآن الكريم ومن خلال استخدامه لصفة الحكمة في قصصه يقتصر في ذكره الحوادث التأريخية على ما يكون له علاقة بهذه الصفة وهذا الهدف انطلاقاً من قوله تعالى: (وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ)[20]. وهو يشير إلى قاعدة «ينفتح من كلّ بابً الُف باب» على حد قول سماحته (قدس سره)، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه في مصطلحاتنا الحديثة بالتكثيف في القصة «وهذا بخلاف ما لو كانت القصة في القرآن الكريم لمجرد التسلية أو لتدوين الحوادث والوقائع التأريخية، كما هو شأن كتب التأريخ، فان ذلك قد يتطلب التوسع بذكر الحوادث والتفاصيل…»[21] ولعل ورود الحكمة بهذا الشكل الموجز والمكثف هو ما أعطى القصص القرآنية هذا البعد الفني الذي سما بها فوق كل أشكال القصص الأخرى.

4 – الأخلاقية: وهي من الصفات المهمة التي يتصف بها القصص القرآني، وتعني هذه الصفة عند السيد الحكيم (قدس سره) التربية «على الأخلاق الإنسانية العالية، في مقابل التركيز على الأحاسيس والانفعالات في شخصية الإنسان والتربية على الاهتمام بالغرائز»[22] ويعزو سبب اتصاف القصة القرآنية بصفة الأخلاقية إلى أن «المسيرة والحركة التكاملية للإنسان – سواء على مستوى الفرد أو الجماعة – إنما تقوم على أساس الأخلاق بعد العقيدة بالله تعالى والرسالات واليوم الآخر، بل إن الاتصاف بالأخلاق العالية هو الذي يمثل عنصر التكامل الحقيقي في حركة الإنسان الفردية والجماعية»[23]، وهذه الصفة نراها واضحة عند قراءتنا للقصص القرآني وللوهلة الأولى، وبهذا تعد القصة القرآنية منهجا أخلاقيا عاليا وبالأخص ما يتعلق منها بقصص الأنبياء (عليهم السلام) وهو الغالب عليها وهذا ما عبرت عنه الآية الكريمة: (مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[24] فالهدى والرحمة هما العنصران الأساسيان في الحركة التكاملية للإنسان، إذ إن القاعدة الأساسية للمجتمع الإنساني «في نظر الإسلام قاعدة أخلاقية، والسلوك الراقي للإنسان هو السلوك الأخلاقي»[25].

أما خصائص القصة القرآنية من الناحية الفنية، فقد كان لها نصيب في قراءة السيد الحكيم (قدس سره) للقصص القرآني، فقد تطرق سماحته إلى هذه الخصائص من خلال محورين مهمين هما:

أ – التكرار

ويعني تكرار القصة في القرآن الكريم، أي: الحدث الواحد في مواضع مختلفة، فالنص القرآني – كما هو معروف – نص متكامل ذو وحدة عضوية وموضوعية، وقد أثيرت بعض الشبهات حول قضية التكرار هذه، حتى قيل: «إن القصة بعد أن تذكر في القرآن مرة واحدة تستنفذ أغراضها الدينية والتربوية والتأريخية، فلماذا يتحدث عنها القرآن الكريم مرة أخرى»[26]، وهم بهذه الشبهة إنما ينكرون أصلا فنيا امتازت به القصة القرآنية، وقد ردّ الشيخ الطوسي على ذلك قائلا: «والوجه في تكرار القصة بعد القصة في القرآن: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يبعث إلى القبائل المتفرقة بالسور المختلفة، فلو لم يكن الأنبياء والقصص متكررة لوقعت قصة موسى إلى قوم، وقصة نوح إلى آخرين، فأراد الله بلطفه ورحمته أن يشهر هذه القصص في أطراف الأرض، ويلقيها في كلّ سمع، ويثبتها في كلّ قلب، ويزيد الحاضرين في الإفهام»[27]، فالشيخ الطوسي ينظر إلى التكرار في القصة القرآنية بهذا المنظار البسيط، وهو يفسر قضية التكرار بعاملين هما:

1 – معالجة التفرق في القصص القرآنية، ليكون تكرار القصة موجبا لوصولها لجميع الناس.

2ـ زيادة إفهام الحاضرين الذين يصلهم القرآن الكريم بأكمله.

ويرى السيد الحكيم (قدس سره) أنّ ما أورده الشيخ الطوسي لا يعالج هذه القضية بشكل أساسي، بل ربما لا يعطي تفسيرا دقيقا لها، إلا أنّ عبارته تدل على أنّ الموضوع قد طرح في الدراسات القرآنية عند القدماء[28]، وفي الوقت نفسه فانّ سماحته (قدس سره) يذكر بعض الوجوه التي يراها مناسبة لتفسير ظاهرة التكرار في القصة القرآنية، ومن هذه الوجوه:

1 – إنّ التكرار يأتي في القصة القرآنية «بسبب تعدد الغرض الديني الذي يترتب على القصة الواحدة[29]، إذ إنّ القصة القرآنية – كما هو معروف – متعددة الأهداف، فقد تأتي في موضع لأداء هدف معين، وتتكرر في موضع آخر لإيضاح أمر آخر وهكذا.

2 – إنّ النصّ القرآني قد «اتخذ من القصة أسلوبا لتأكيد بعض المفاهيم الإسلامية لدى الأمة المسلمة، وذلك عن طريق ملاحظة الوقائع الخارجية التي كانت تعيشها الأمة، وربطها بواقع القصة من حيث الهدف والمضمون»[30]، ويرى سماحة السيد (قدس سره) أنّ الربط بين المفهوم الإسلامي في القصة والواقعة الخارجية التي يعيشها المسلمون قد يؤدي إلى فهم خاطئ للمفهوم المراد إيضاحه للأمة، فيفهم على أنّه ينحصر في نطاق هذه الواقعة التي أحدثتها القصة وظروفها الخاصة، ومن هنا تأتي القصة الواحدة في القرآن الكريم مكررة من أجل تفادي هذا الحصر والتضييق في المفهوم، وإيضاح شموليته واتساعه لكل الوقائع والأحداث المشابهة.

3 – إنّ تكرار القصة في القرآن الكريم كان «سبباً في فاعلية القصة كمنبه للأمة على علاقة القضية الخارجية التي تواجهها – في عصر النزول أو بعده – بالمفهوم الإسلامي؛ لتستمد منه روحه ومنهجه فيكون تكرار القصة بياناً للمنبه عند الحاجة إليه»[31]ويؤكد سماحته (قدس سره) أن هذا يمكن ملاحظته في تكرار قصة موسى (عليه السلام) والفرق بين عرضها المكي وعرضها المدني، إذ إنها في القصص المكي تظهر العلاقة العامة بين موسى (عليه السلام) من جانب وفرعون من جانب آخر دون أن تذكر أوضاع بني إسرائيل تجاه موسى (عليه السلام) إلا في موردين يذكر فيهما انحراف بني إسرائيل عن العقيدة الإلهية بشكل عام، وهذا العرض هو ما يناسب الأسلوب المكي في عرض الأحداث والمفاهيم والخطابات، وهو بخلاف العرض المدني لقصة موسى (عليه السلام) فان هذا العرض يتناول علاقة موسى (عليه السلام) ببني إسرائيل، وإيضاح هذه العلاقة وارتباطها بالمشاكل الاجتماعية والسياسية، وهو ما يناسب الخطاب القرآني في السور المدنية.

4 – ومن وجوه التكرار أن «الدعوة الإسلامية مرت بمراحل متعددة في سيرها الطولي، وقد كان القرآن الكريم يواكب هذه المراحل ويماشيها في عطائه وطبيعة أسلوبه، وهذا ما كان يفرض أن تعرض القصة الواحدة بأساليب متفاوتة في الطول والقصر نظرا لطبيعة الدعوة وطريقة بيان المفاهيم والعبر فيها»[32]ويمكن أن يتضح هذا بشكل واضح في قصص الأنبياء، إذ تعرض في السور المكية القصيرة، ويتطور العرض إلى شكل أكثر تفصيلا في السورة المكية الأكثر طولا أو السورة المدنية.

5 – لم يأت التكرار في القصة القرآنية «بشكل يتطابق فيه نص القصة مع نص آخر لها، بل كان فيها شيء من الزيادة والنقيصة»[33]وهذا يعني اختلاف التفاصيل وطريقة العرض باختلاف الغرض أو الهدف، لان «طريقة عرض القصة القرآنية قد تستبطن مفهوما دينيا يختلف عن المفهوم الديني الآخر الذي تستبطنه طريقة عرض أخرى»[34]ويطلق السيد (قدس سره) مصطلح السياق القرآني على هذا الأمر، ويرى أن السياق القرآني يقتضي التكرار، وهو ما يطلق عليه أهل البلاغة (سياق الحال) ويؤكد سماحة السيد (قدس سره) أن هذا التكرار يحقق ما يسميه بالغرض السياقي الذي يختلف عن الغرض السياقي الآخر لنفس القصة، كما في قصة موسى (عليه السلام).

ب – الأسلوب

لا يمكن للباحث أن يفصل بين أسلوب القرآن الكريم وأسلوب القصة القرآنية من حيث الألفاظ والعبارات والإيقاع الصوتي والموسيقي وغير ذلك من الظواهر الأسلوبية المختلفة، إذ إن القرآن الكريم بكل أشكاله قد جاء بأسلوب فريد أعجز العرب وبهرهم، فوقعوا في حيرة، فمرة وصفوه بالشعر، وأخرى بالسحر والكهانة، وليس من شك أن أسلوب القصة في القرآن الكريم جاء بغير الأسلوب المعروف للقصة في التراث الأدبي والإنساني.

لقد نظر السيد (قدس سره) إلى أسلوب القصة في القران الكريم نظرة ثاقبة، تتم عن حس لغوي ونقدي متميز، ووقف على أمور جديرة بالاهتمام والبحث والتحليل، ولعل نظرة بسيطة لما أورده (قدس سره) في هذا الجانب تؤكد للباحث أنّ سماحته كان ينظر إلى أسلوب القصة في القرآن الكريم بنظرة الناقد الحصيف.

يرى السيد الحكيم (قدس سره) هذه الأمور مطروحة لدى دارسي الدراسات القرآنية قديما وحديثا ويمكن ملاحظة أسلوب القصة من خلال أمرين مهمين.

الأول: الجانب الفني لأسلوب القصة الذي يمكن من خلاله دراسة القصة القرآنية بوصفها عملا فنيا يشتمل على جميع العناصر الأساسية في هذا العمل الأدبي الفني، إذ يرى سماحته (قدس سره) أنّ الحديث عن هذا الجانب «حديث واسع ذو طبيعة أدبية وفنية، وقد تناولته بعض الدراسات القرآنية الأدبية الخاصة، وأشارت إليه بعض الدراسات القرآنية العامة قديما وحديثا»[35]، ولم يتعرض سماحة السيد (قدس سره) إلى هذا الجانب لما فيه من التكرار وكثرة الدراسات.

الثاني: ويعنى بتفسير الاختلاف بين القصة القرآنية بوصفها عملا فنيا له أهدافه الخاصة وميزاته المتفردة المباينة للقصص البشري بصفة عامة، وهنا لابد من أنّ نسجل أمراً مهما، وهو أنّ سماحته يرى أنّ هناك ملاحظة مركزية لا يمكن أن ننكرها ويجب أن نؤكدها وهي «أنّ أسلوب القصة في القرآن الكريم جاء منسجما – بطبيعة الحال – مع الأسلوب العام للقرآن الكريم الذي يمكن التعرف على ميزاته من خلال الدراسات التي تناولت هذا الجانب في إعجاز القران»[36].

فالقصة في القرآن الكريم إذن هي جزء من أسلوبه، ولا يمكن معاملتها على أنّها نص خارج أسلوب القصص العام، فاختلاف القصص القرآني عن القصص البشري في طريقة العرض والأسلوب، وأساسيات القصص العام، إنما هو أمر طبيعي لاتصال القصص القرآني بالأسلوب العام للقرآن الكريم الذي لا يشبهه أسلوب، ولا يجاريه أسلوب في الوقت نفسه. ومن هنا فانّ السيد الحكيم (قدس سره) قد وعا تماما هذه المسألة التي أغفلها كثير ممن درسوا القصص القرآني بعلم أو بغير علم.

ويمكن إجمال خصائص الأسلوب في القصة القرآنية عند سماحة السيد الحكيم (قدس سره) بما يأتي:

1 – انطلاقا من نظرة سماحته (قدس سره) إلى أنّ القرآن ليس كتابا علميا، بل هو كتاب تفسير وهداية ورحمة، فانه يمزج الحقائق الكونية بالمعارف العقائدية والأحكام الشرعية السلوكية بالموعظة والإرشاد والتبشير والتحذير، فجاء أسلوب القصة القرآنية ليمزج هذه «الموضوعات والمفاهيم المتعددة بعضها بالبعض الآخر في مقطع واحد، وذلك من أجل الخروج بصورة متكاملة لهذه المضامين مرّة واحدة»[37]. وهذا المزج بين الموضوعات المختلفة ليس مزجاً عشوائياً، بل هو صورة مركبة ذات أبعاد أسلوبية متنوعة تمنح النص دلالات متعددة.

2 – ميل أسلوب القصة القرآنية إلى تكرار الموضوعات والمفاهيم بصيغ مختلفة وفي سياقات متعددة، وذلك لتأثيرها أولاً، ولتحقيق مزيد من الأغراض والأهداف ثانياً.

3 – اختلاف أسلوب القصة القرآنية في عرض الموضوعات «بحسب الإيجاز والقصر، والإطناب والتفصيل، وكذلك بحسب الإيقاع الصوتي والتركيب اللفظي للآيات الكريمة»[38] بحسب المراحل التي تمر بها القصة أو بحسب التأثير النفسي والروحي في المتلقين.

4 – يلاحظ أن «ذكر القصة في القران الكريم يأتي – دائماً – مرتبطا بسياقها والآيات السابقة أو اللاحقة لها أو كليهما‏»[39]. وهذا يدل على أن القصة القرآنية ترتبط بشكل تفصيلي ومباشر بالنص القرآني أسلوبا ومضمونا، وعليه فان ارتباط القصة القرآنية بالنص القرآني ليس على المستوى العام للهدف، بل الارتباط على مستوى التفاصيل في التطبيقات أيضا.

 أغراض القصة القرآنية

لم يكن مجيء القصة القرآنية في سياق النص القرآني للتسلية أو من أبواب العمل الفني الصرف، وإنما جاءت لتسهم في عملية التغيير الإنساني بجوانبه المتعددة، إذ إن القصة في القرآن الكريم قد أسهمت إسهاما فاعلا في عملية التغيير من خلال ما طرحته من مفاهيم وأفكار ورؤى، إذ يرى السيد الحكيم (قدس سره) أن ‏«‏القصة القرآنية تكاد تستوعب في مضمونها وهدفها جميع الأغراض الرئيسة التي جاء من أجلها القرآن الكريم‏» [40].

وعليه، فان أغراض القصة القرآنية عنده تدور على أقسم ثلاثة هي:

الأول: الأغراض الرسالية

 وهي أغراض تدور في فلك العقيدة والوحي ودور الأنبياء (عليهم السلام) في الدعوة إلى الله وكل ما يتعلق بهذه الأمور، ويمكن إجمالها بالاتي:

 أ – إثبات الوحي والرسالة: وذلك من خلال ما ورد في القصة من أخبار الأمم السالفة وأنبيائهم ورسلهم بهذه الدقة والتفصيل والطمأنينة، وهذا حسب رأي السيد الحكيم (قدس سره) إنما يكشف عن حقيقة ثابتة، وهي تلقي الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الأنباء والأخبار من مصدر غيبي مطلع على الأسرار، وهذا المصدر هو الله سبحانه وتعالى[41]. وقد نص القرآن الكريم على ذلك الغرض السامي، ويمكن ملاحظة ذلك في قوله تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)[42]، وقوله تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ)[43] وكذلك في قوله تعالى في بداية قصة مريم: (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ)[44]وكذلك في قوله تعالى في قصة نوح: (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)[45] إذن، فكل هذه النصوص وغيرها تشير إلى حقيقة مفادها أن القصة القرآنية جاءت لتشير الى فكرة الوحي التي هي الفكرة الأساس في العقيدة الإسلامية[46].

ب – وحدة العقيدة والدين عند كل الأنبياء، وإن الدين كله من الله سبحانه، وان أساس الدين الذي حمله الأنبياء، هو أساس واحد، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في عدة مواضع، ومنها قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)[47].

ويرى السيد الحكيم (قدس سره) أن هذا الغرض يهدف إلى ‏«‏إبراز الصلة الوثيقة بين الإسلام الحنيف وسائر الأديان الإلهية الأخرى التي دعا إليها الرسل والأنبياء الآخرون، وان الإسلام يمثل امتداداً لها‏». كما يهدف في الوقت نفسه إلى أن تظهر أن الدعوة الإسلامية على أنها ليست بدعا في تأريخ الرسالات، وإنما هي وطيدة الصلة بكل الرسالات في أهدافها وأفكارها ومفاهيمها (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ)[48].

ولهذه الأسس فان سماحته (قدس سره) يرى أن تكرار قصص الأنبياء وفي سورة واحدة قد جاء ليؤكد هذا الارتباط الوثيق من الأنبياء في الوحي والدعوة التي تأتي عن طريق هذا الوحي.

وفي نظرة فاحصة إلى سورة الأنبياء نجد هذا التكرار يؤكد هذه الحقيقة (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ)[49]‏.

(وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ)[50].

(وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ)[51].

(وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ)[52]‏.

(وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ)[53].

(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[54].

(وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ)[55].

ويمكن ملاحظة التكرار هذا في النظر إلى آيات سورة الأعراف من الآية التاسعة والخمسين إلى الآية الخامسة والثمانين، وهذا ما يؤكد وحدة العقيدة والدين لجميع الأنبياء.

الثاني: الأغراض التربوية

 وتعني تربية الإنسان من خلال ما ورد من أغراض في القصة القرآنية، وقد لاحظ السيد الحكيم (قدس سره) أن هناك أربعة أهداف تربوية جاءت بها القصة في القرآن الكريم وهي:

أ) تربية الإنسان على الإيمان بالغيب، والإيمان بالغيب صفة من صفات المتقين كما وصفهم القران الكريم بقوله: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)[56]‏. وهذا الغرض امتلأت به القصة القرآنية كما في قصص الملائكة والجن والمعجزات الإلهية الكثيرة.

ب) تربية الإنسان على الإيمان بالقدرة الإلهية المطلقة، وهذا ما يمكن ملاحظته في القصص التي تذكر الخوارق، كقصة آدم ومولد عيسى وقصة البقرة وقصة إبراهيم مع الطير الذي آب إليه بعد أن جعل على كل جبل جزءاً منه، وقصة الرجل الذي أحياه الله بعد موته بمائة عام.

ج) تربية الإنسان على الأخلاق الفاضلة وفعل الخير والأعمال الصالحة وتجنب فعل الشر والفساد من خلال قيام القصة القرآنية بإيراد العواقب المترتبة على هذه الأعمال، ويمكن ملاحظة ذلك في قصة آدم، وقصة صاحب الجنتين، وقصص بني إسرائيل بعد عصيانهم، وقصة أصحاب الجنة، وغير ذلك من القصص الأخرى.

د) تربية الإنسان على الاستسلام للمشيئة الإلهية، والخضوع لحكمة الله – سبحانه وتعالى – التي أرادها لعباده، ويمكن ملاحظة هذا الغرض في قصة الإيحاء إلى أم موسى أن تلقيه في اليم، أو قصة موسى وما جرى عليه.

الثالث: الأغراض الاجتماعية والتاريخية

 وتعني علاقة القصة القرآنية بحركة التأريخ، ويطلق عليها السيد الحكيم (قدس سره) بيان السنن التأريخية في حركة الإنسان والمجتمع الإنساني، إذ يرى سماحته أن ‏«‏المجتمع الإنساني يخضع في حركته وتطوره إلى قوانين وسنن، وقد تحدث القرآن الكريم عن بعض هذه القوانين والسنن، وأكد أهميتها وجاءت القصة في القرآن الكريم من أجل تجسيد هذه السنن في الوقائع والأحداث‏».

وقد أشار السيد الحكيم إلى بعض السنن التي ذكرها القرآن الكريم ومدى علاقتها مع القصص والحوادث القرآنية، ومنها:

1 – سنة ارتباط تغيير الأوضاع الاجتماعية والحياتية للناس بمدى التغير في محتواهم النفسي والروحي كما في قوله تعالى:

(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ)[57].

ويضرب السيد الحكيم مثالا على هذه السنة ما جاء في سورة الأعراف في استعراض قصص نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وما جرى لهم مع أقوامهم، فبعد أن تستعرض السورة هذه القصص تختم بهذه القاعدة الكلية التي تدلل على الغرض الاجتماعي والتأريخي المتمثل بسنة ارتباط تغيير الأوضاع الاجتماعية بمدى التغيير في محتوى الناس النفسي والروحي.

(وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ)[58].

2 – سنة انتصار الحق على الباطل، وقد أكد القرآن الكريم هذه الحقيقة في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى: (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)[59]‏، ويرى السيد الحكيم أن ورود قصص الأنبياء في القرآن الكريم ما هو إلا تأكيد نصرة الله سبحانه وتعالى للأنبياء، وان نهاية المعركة بين الأنبياء وأقوامهم تكون لصالح الحق المتمثل بالأنبياء مهما لاقى الأنبياء من عنت وجور وتكذيب.

والتأمل الدقيق في سورة العنكبوت يوضح بشكل لا يقبل اللبس هذه القضية، ففي قصة نوح (عليه السلام) الواردة في سورة العنكبوت نجد انتصار الحق على الباطل (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ)[60]، وفي قصة إبراهيم (عليه السلام) نجد الأمر يتكرر من ناحية العرض وينتهي بانتصار الحق على الباطل (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[61]،‏ إلى قوله تعالى: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[62].

فالنهاية الحتمية لكلتا القصتين هي التي يريد أن يصورها القصص القرآني، وهي نهاية عادلة لهؤلاء المكذبين والظالمين.

3 – سنة الابتلاء وعموم الامتحان، وهي من السنن الآلهية في حركة الإنسان ووجوده، وهي سنة عامة وشاملة، قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[63].

ويرى السيد الحكيم (قدس سره) أنّ الابتلاء أو الامتحان له أهدافه، ومن أهدافه التمحيص والتمييز والكمال والتربية والعقوبة والتذكير والبأساء والضراء والصبر على البلاء.

ويمكن ملاحظة هذه السنة بجلاء في عدة قصص في القرآن الكريم، منها على سبيل المثال: قصة الحواريين وقتالهم في سورة الصف: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ)[64]، ومنها قصة الملأ من بني إسرائيل (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)[65].

وهكذا تتجلى سنة الابتلاء والصبر على البلاء في هاتين القصتين.

الخاتمة

بعد هذا العرض الموجز لموضوع القصة القرآنية عند السيد الحكيم (قدس سره) ومنهجه في دراسة القصة، يمكن القول: إنّ السيد الحكيم (قدس سره) نظر إلى القصة في القرآن الكريم نظرة موضوعية تخطت نظرة أغلب الدارسين لموضوع القصة القرآنية، إذ إن النظرة الموضوعية تمنح النص – أي نص – بعدا أعمق مما تمنحه النظرة الفنية، وهذا ما تفتقر إليه أغلب الدراسات التي تناولت القصة القرآنية، فضلا عن ذلك فانّ منهجية السيد الحكيم (قدس سره) في دراسة القصة القرآنية تعدّ من المنهجيات الجديدة كما اتضح في أثناء البحث.

 آمل أن يكون هذا البحث حافزا للآخرين في الغوص للبحث في درر المعرفة التي تزخر بها مؤلفات السيد الحكيم (قدس سره) ومن الله التوفيق والسداد.



[1] ينظر علوم القران: 353.

[2] المصدر السابق: 13

[3] المصدر السابق.

[4] قصص القران: 14

[5] المصدر السابق: 21.

[6] الظاهرة القرآنية: 192.

[7] المصدر السابق: 196.

[8] قصص القران: 21.

[9] ينظر المصدر السابق: 23.

[10] المصدر السابق: 24.

[11] المصدر السابق: 24.

[12] يوسف: 111.

[13] قصص القران: 25.

[14] المصدر السابق.

[15] يوسف: 11.

[16] قصص القران: 28.

[17] المصدر السابق: 28 – 29

[18] يوسف: 111.

[19] قصص القران: 27.

[20] يوسف: 111.

[21] المصدر السابق.

[22] قصص القران: 27.

[23] قصص القران: 59.

[24] يوسف: 111.

[25] التبيان في تفسير القران1/14 22  – ينظر قصص القران: 60.

[26] التبيان في تفسير القران1/14 22  – ينظر قصص القران: 60.

[27] المصدر السابق.

[28] قصص القران: 61.

[29] قصص القران: 62.

[30] المصدر السابق.

[31] المصدر السابق: 75.

[32] قصص القران: 75.

[33] المصدر السابق: 76.

[34] المصدر السابق.

[35] قصص القران: 33.

[36] المصدر السابق: 34.

[37] ينظر قصص القران: 35.

[38] ينظر المصدر السابق: 46

[39] قصص القرآن: 46.

[40] ينظر المصدر السابق.

[41] قصص القران: 47.

[42] يوسف: 3‏.

[43] يوسف: 102.

[44] آل عمران: 44‏

[45] هود: 49.

[46] ينظر المصدر السابق: 50.

[47] النمل: 36

[48] الاحقاف: 9.‏

[49] الأنبياء: 48 – 49.

[50] الأنبياء: 51.

[51] الأنبياء: 74.

[52] الأنبياء: 76.

[53] الأنبياء: 78‏.

[54] الأنبياء: 83‏.

[55] الأنبياء: 85.

[56] البقرة: 3‏.

[57] الروم: 41 – 42.

[58] الأعراف: 94 – 95.

[59] الإسراء: 81

[60] العنكبوت: 14  – 15

[61] العنكبوت: 16  – 17

[62] العنكبوت: 24.

[63] الملك: 2.

[64] الصف: 14

[65] البقرة: 246 – 249

اكتب تعليق

كافة الحقوق محفوظة لمؤسسة تراث الشهيد الحكيم، ولا يجوز الاستفادة من المحتويات دون إذن خطي.

الصعود لأعلى