المراة في فكرة شهيد المحراب

motmar3

المرأة في فكرة شهيد المحراب

م. م. سهاد الجوهرجي

كلية الآداب – الجامعة الحرة بابل

عام 2008 م

شارك البحث في المؤتمر الفكري الثالث الذي عقدته مؤسسة تراث الشهيد الحكيم (قدس سره) في النجف الأشرف عام 2008م تحت عنوان: (فكر الشهيد الحكيم ودمه الزاكي يضيئان الطريق أمام وحدة العراق ونهضته العلمية).

بسم الله الرحمن الرحيم

 (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)

(الحجرات: 13)

صدق الله العلي العظيم

 الإهداء..

إلى رمز الشهادة والإباء الحسين بن علي (عليه السلام)..

إلى عقيلة الطالبين وعنوان الشهامة والشرف الرفيع..

إلى الذين عبدوا طريق الحرية بدمائهم..

إلى من رفض الذل والهوان..

إلى سماحة السيد شهيد المحراب (قدس سره).

أرفع هذا الجهد المتواضع..

 الباحثة

 المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي ابتدأ كتابه الكريم بحمده حمدا كثيرا كما أراد أن يحمد، والصلاة على خير الخلق وسيد الأنبياء والمرسلين المصطفى محمد، وعلى آله الميامين وصحبه المنتجبين وسلم تسليما كثيرا.

إن المرأة هي عنصر أساسي في الخلق الإلهي للإنسانية، لضمان ديمومة الإنسانية والبناء المجتمعي التكاملي، ومن هذا المنطلق أولت الرسالات السماوية والكتب الإلهية، وكذلك الحركات الإصلاحية والمصلحون، واجتهد العلماء والحكماء والتربويون في التنظير ووضع الدراسات والبحوث في مجال البناء الاجتماعي السليم، والأصل في ذلك هو وضع المرأة موضعها العلمي والتربوي والإنساني الصحيح لجني ثمار المجتمع الحضاري المتطور.

وقد قال شاعر الحكمة:

الأم مدرسة إذا أعددتها   ******   أعددت شعبا طيب الأعراق

وقد كان لآية الله سماحة السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) المفكر والمربي والقائد الاجتماعي والديني الدور البناء في تجسيد الفكر الإلهي الإسلامي والقانون السماوي الخلاق التكاملي، لتحديد مكانة المرأة المسلمة، ودورها في البناء الإنساني والاجتماعي والتربوي والسياسي والعمراني، فكتب البحوث والرسائل في كل ما يتعلق بحياة المرأة سلوكا وتربوية وفقها، فشملت آراؤه الجوانب الحياتية والخلقية الفسلجية منها والبايولوجية، فرسم دورها في الأسرة والتربية والتعليم والوعي الثقافي والفكري، ودورها الجهادي القيادي السياسي.

ومما تميز به الحكيم أنه قرن النظرية بالتطبيق فانطلق في ذلك من عائلته، فكان لها الدور الكبير في بناء الإنسان العراقي الإسلامي الرسالي، وخاصة المرأة الرسالية المؤمنة.

كما تميزت آراء السيد الحكيم بالاعتماد على الأسس الفلسفية (الحكمة) في تشخيص أي مبدأ من مبادئ البناء التربوي الرسالي للمرأة لما يراه من خطورة لدورها في البناء الاجتماعي الحضاري الرسالي.

 وإيمانا بوطنية هذا المفكر مضافاً إلى رساليته العلمية الدينية تصديت لجمع آرائه المبدئية ونظرياته في مجال تربية المرأة وفق الأسس والمبادئ الإسلامية، وحسب منهج مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).

وعمدت لدراسة نتاجه الأدبي والتفسيري والفقهي، وحاولت جاهدة استنباط مبادئه وأفكاره في هذا المجال الحيوي من حياة الإنسان، ونحن نعيش مرحلة الانتقال البنائي بمحو ثقافة وتربية الضلال والتضليل للنظام الفاشي الفاسد، وإعادة تأهيل الإنسان العراقي الجديد تربويا ورساليا بمراجعة الذات والانطلاق منها لتحدي كل الحواجز النفسية والاجتماعية والميدانية، واعتماد النهج الإسلامي في كل ميادين الحياة، فينبغي أن نعتبر السيد الحكيم (قدس سره) واحدا ممن أحيوا شخصية وحقوق المرأة في التأريخ المعاصر للإسلام، فقد أدت آراؤه الإنسانية والعادلة إلى إيجاد تغيرات في الأسس النظرية للأوساط الدينية حول المرأة، وفي هذا البحث سوف نعرض آراء سماحته في هذا المضمار مجردة عن التحليلات الفقهية والدينية، وارتأيت أن يكون تقسيم البحث على المحاور الأساسية التالية:

أولا: شخصية المرأة، وتضمن المباحث الآتية:

أ – المرأة في الأمم غير المتمدنة.

ب – المرأة في الأمم المتمدنة.

ج – المرأة في الأمم الأخرى.

د – المرأة عند العرب قبل الإسلام.

ﻫ – المرأة في الإسلام.

و – المرأة ومكانتها في المنظور القرآني.

ثانيا: حرية المرأة وحقوقها، وتضمن المباحث الآتية:

1) دور المرأة في الحياة العامة.

2) العلاقات ألاجتماعية.

3) بناء الشخصية الإسلامية للمرأة من خلال أبعادها الأساسية: (البعد الأسري – البعد العلمي – البعد السياسي).

ثالثا: تحرك المرأة في رأي السيد الحكيم (قدس سره).

ودرسنا آراءه من الأبعاد الرسالية للتحرك والغطاء الشرعي لهذا التحرك.

رابعا: دراسة الحجاب الإسلامي ومفهومه عند السيد الحكيم (قدس سره) ومن ثم حقوق المرأة كما حددها سماحته.

وختمت البحث بخلاصة للنتائج التي إنتهيت إليها.

آملين من الله تعالى قبول هذا الجهد المتواضع تاركين الباب مفتوحاً لمن يريد أن يكمل ويغني هذا الموضوع المهم.

ونعتذر من قصورنا لأداء حق هذا الموضوع كاملا فهذا ما وسعته معرفتنا. نقدمه عسانا أن نفي بعض الوفاء للمفكر الجليل الشهيد السعيد السيد محمد باقر الحكيم الذي أوقف حياته لخدمة الإنسانية، وخاصة المظلومة منها. ونحن على يقين من قبول هذا الجهد رغم قصوره لما لمسناه من فيض خلقه الكريم رحمه الله.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وآله وصحبه المنتجبين ورحمة الله وبركاته.

شخصية المرأة

 ويمكن تناول شخصية المرأة في مختلف المجتمعات:

1ـ المرأة في الأمم غير المتمدنة

كانت حياة النساء في الأمم والقبائل الوحشية بالنسبة إلى حياة الرجال كحياة الحيوانات الأهلية من الأنعام وغيرها بالنسبة إلى حياة الإنسان.

وبالنظر إلى وجود الرغبة في الملكية والتصرف لدى الإنسان نجده يرى لنفسه الحق في أن يمتلك الأنعام وسائر الحيوانات الأهلية ويتصرف فيها كما يشاء وفي أية حاجة من الحوائج.

وليس لهذه الحيوانات من مبتغيات الحياة وآمال القلوب في المأكل والمشرب والمسكن والراحة إلا ما رضي به الإنسان الذي امتلكها، ولن يرضى إلا بما لا ينافي أغراضه في تسخيرها وله فيه نفع في الحياة[1].

وذلك لأنه يرى وجودها تبعا لوجود نفسه وحياتها فرعا لحياته ومكانتها مكانة الطفيلي.

وبعبارة أخرى: كان ينظر للنساء كتابع من حيث الوجود والحياة للرجال من غير استغلال، فللرجال أن يبيع المرأة لمن يشاء أو يهبها لغيره أو يقرضها لمن يشاء للفراش أو الاستيلاد ويرتزق بلحمها كالبهيمة، وخاصة في المجاعة أو المآدب، وكان له ما ليس للمرأة من مال أو حق خاص كإيقاع المعاملات من بيع أو شراء، وعلى المرأة أن تطيع الرجل – أباها أو بعلها – في ما يأمر طوعا أو كرها، كما كان عليها أن تلي أمور البيت والأولاد وجميع ما يحتاجه الرجل وتتحمل من الأشغال أشقاها كحمل الأثقال وعمل الطين وما يجري مجراها.

2 – المرأة في الأمم المتمدنة

اعتمدت الأمم التي كانت تسودها الأعراف المختلطة بالعادات الموروثة من غير إسناد إلى كتاب أو قانون كالصين والهند ومصر القديمة على أمر مشترك، وهو أن المرأة عندهم ليس لها استقلال وحرية لا في إرادتها ولا في أعمالها، بل كانت تحت الولاية والقيمومة، ولا تنجز شيئا من قبل نفسها ولم يكن لها حق المساهمة في الشؤون الاجتماعية من حكومة أو قضاء أو غيرهما، ومن الواجب عليها أن تشارك الرجل في جميع أعمال الحياة من كسب وغير ذلك، وان تختص بأمور البيت والأولاد، وعليها أن تطيع الرجل في جميع ما يأمرها.

وكان يحق للرجال أن يتخذ زوجات متعددة من غير تحديد، وله تطليق من يشاء منهن، وللزوج أن يتزوج بعد موت الزوجة ولا يجوز العكس غالبا، وكانت ممنوعة عن المعاشرة منهم خارج البيت[2].

ففي (الصين فكان الزواج بالمرأة يعد نوعا من أنواع شراء الزوجة ومملكاته للزوج، وكانت ممنوعة من الإرث ومن مشاركة الرجال حتى أبنائها في تناول الغذاء، كما كان يحق لعدة رجال أن يشتركوا في الزواج بامرأة وأن يتمتعوا بها، وينتفعوا من أعمالها ويلحق الأولاد بأقوى الأزواج غالبا)[3].

أما في (الهند فكانت النساء من تركات أزواجهن ولا يحل لهن الزواج بعد توفي أزواجهن أبدا بل إما أن يحرقن بالنار مع أجساد أزواجهن أو يعشن مذللات) وهن في أيام الحيض أنجاس خبيثات يلزم اجتنابهن وكذلك ثيابهن أو كل ما يلامسها، وهكذا يمكن تحديد مكانة المرأة في هذه الأمم بأنها كالبرزخ بين الحيوان والإنسان يستفاد منها استفادة الإنسان المتوسط الضعيف الذي لا يحق له إلا أن يمد الإنسان بما يحتاجه في الأمور الحياتية، كالولد الصغير بالنسبة إلى وليه غير أنها تحت الولاية والقيمومة[4].

3 – المرأة في الأمم الأخرى

أما لدى الأمم الأخرى فـ«الأقوام الأشورية – شريعة حمورابي – تقضي بتبعية المرأة لزوجها وعدم استقلالها في الإرادة والعمل، كما كان له أن يخرجها من بيته أو يتزوج عليها ويتعامل معها بعد ذلك معاملة ملك اليمين تماما، ولو اخطات في تدبير أمور البيت كالإسراف والتبذير كان له أن يرفع أمرها إلى القضاء فتتقاضى ثم يغرقها في الماء عند ثبوت اقترافها الذنب»[5].

أما «الروم فكان القانون يعطي للبيت نوعا من الاستقلال، ويمنح لرب البيت وهو زوج المرأة وأبو أولادها نوعا من أنواع الربوبية، فله الحق التام والمشيئة التامة النافذة في جميع ما يريده ويأمر به ولا يمكن لأحد أن يعترض على حكمه أو يناقش الأمر، فنساء البيت من زوجة وبنت وأخت أسوء حالا من الأبناء التابعين محضا لرب البيت»[6].

وان التبني وإلحاق الولد بغير أبيه كان معمولا به، كما كان أهل البيت هم الرجال، ولم تكن النساء أجزاء أصلية من الأسرة بل هي تابعة وليس لها قرابة رسمية من الرجال ولا قرابة بينهن أنفسهن كالأم مع البنت والأخت مع الأخت.

وفي «اليونان فكانت المرأة تعاقب على جميع جرائمها إن ارتكبتها بالاستقلال، وإن جاءت بالحسنة لم تشكر عليها، وان المجتمع كان مقوما على الرجال فقط، وان بقاء النسل ببقاء الذكور، فان البيت الذي ليس له ذكر كان محكوما بالخراب، والنسل مكتوب عليه الفناء والانقراض فأنهم كانوا يدعون غير أبنائهم لأصلابهم أبناءً لأنفسهم، وكان الرجل منهم إذا زعم أنه عاقر يدعو أخاه أو أبن أخيه إلى فراش أهله لتحمل منه فتلد ولدا يدعوه لنفسه، وكان هناك نظام تعدد الزوجات في حين واحدة منهن تعتبر الزوجة الرسمية والباقيات غير رسميات»[7].

إذن، كانت حياة المرأة عندهم حياة طفيلية الوجود تابعة في أمور حياتها لرب البيت وهو أبوها أو زوجها يفعل بها ما يشاء ويحكم فيها ما يريد فلربما باعها أو وهبها أو اقرضها أو أعطاها في مقابل حق يراد استيفاؤه منه كدين وخراج ونحوهما.

4 – المرأة عند العرب قبل الإسلام

«إن العرب كان يغلب على عاداتهم الوحشية، ومن بينها شيء من عادات الأمم السابقة، فكان العرب لا ترى للمرأة استقلالية في الحياة ولا حرمة ولا مكانة إلا حرمة البيت والعائلة، فلا تورث، وكذلك يوجد نظام تعدد الزوجات غير محدود العدد، والوضع نفسه في حالة الطلاق بل كان العرب يئد البنات وكانوا يتشائمون إذا ولد للرجل منهم بنت لأنهم كانوا يعتبرون ذلك عارا عليهم»[8] (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ)[9].

ومن الآية الكريمة يتضح لنا مدى استياء الرجل آنذاك من الأنثى حتى انه لا يخرج من بيته إلى الناس كي لا يعاب عليه بها، فهي بمثابة وصمة عار على جبين والدها، وكان يتأرجح الوالد بين أن يدسها في التراب وبين أن يبقيها، لكن من الأولى في رأيه أن يقبرها وهي حية لذلك خاطبهم الله بقوله: (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ)[10]وكان سبب قتلها هو الخوف من الفقر والجوع أو الخوف من العار والفضيحة.

وكانوا يسرون بكثرة الذكور ولو كانوا أبناء زنا، وربما تنازع الرجال في ولد يدعيه كل لنفسه، فكانوا يتعاملون مع النساء بنوع من الازدواجية من أهل المدينة وأهل التوحش والبربرية، وذلك بتحريم الاستقلال في حقوقها ومنع اشتراكها في الأمور العامة والاجتماعية كالحكم وأمر الزواج واستندوا في معاملتهم على فكرة غلبة القوي واستغلاله للضعيف، فقد مرت المرأة بعدة مراحل قبل الإسلام، حيث كانوا يرونها إنسانا في مستوى الحيوان أو إنسانا ضعيفا حقيرا لا يؤمن شره وفساده لو أطلق من قيد التبعية.

فهي عندهم تعد من الاحتياجات التي لا غنى عنها كالمسكن الذي لا يغنى عن الالتجاء إليه وإنها كالأسير في كونها من توابع المجتمع الغالب، فلابد من حرمانها من عامة الحقوق التي يمكن الانتفاع منها بمقدار ما يعود انتفاعها لمصلحة الرجال القوامين عليها، وان التعامل معها على أساس غلبة القوي على الضعيف وإنها إنسان ضعيف الخليقة.

5 – المرأة في الإسلام

«إن المرأة بحسب الرؤية الإسلامية تساوي الرجل في الهوية والشخصية»[11]ولا فرق بين احد وآخر إلا بالتقوى، قال الله (عز وجل) في محكم كتابه الشريف: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[12]فالإنسان مؤلف من تفاضل وذلك بصالح الأعمال، ثم ذكر أن عمل كل واحد من هذين الصنفين غير مضيع عند الله قال تعالى: (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)[13]ولا يبطل في نفسه ولا يعده غيره (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)[14].

إذن، لكل من الذكر والأنثى عمل ما ولا كرامة إلا بالتقوى.

والتقوى لها مراتب ودرجات أعلاها ما وصفه أمير المؤمنين لهمام في خطبة المتقين[15]وأدونها ما صرح به بعض المفسرين من الالتزام بالإحكام الشرعية.

فالمقياس هو الطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر، بل أعطى الإسلام للمرأة مكانة لم يصل لها الرجل تقديرا لجهودها وعرفانا بما تقوم به من دور عظيم في رسالتها، فجعل الجنة تحت أقدامها روي عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال: «الجنة تحت أقدام الأمهات» كما أنها محل لاستجابة الدعاء، ففي يوم ألطف طلب الإمام الحسين (عليه السلام) من زوجته – ليلى أم علي الأكبر – أن تدعو لولدها عند نزوله إلى ساحة المعركة بان يرجع سالما، حيث قال: «سمعت من جدي رسول الله إن دعاء الأم مستجاب في حق ولدها».

كما أعطى الإسلام نموذجاً حياً في رقي المرأة بشخصية الزهراء (عليها السلام)، حيث بلغت من الكمال وتسلق مدارجه وصعود رتبه حتى وصلت إلى أعلى مستويات الكمال والعلم النافع والعقل الرزين والخلق الحسن والصبر والحلم[16]قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[17]وبذلك يكمم الإسلام أفواه من يدعي محدودية المرأة وعدم قابليتها للوصول إلى المراتب العليا.

6 – المرأة ومكانتها في المنظور القرآني

للإسلام فلسفة خاصة فيما يتعلق بالمرأة فجعل اشتراك الرجل والمرأة في الكرامة والشرف الإنساني هو تناسبهما في الحقوق، وهو المطلب الذي ينبغي الإشارة إليه من الوجهة الفلسفية.

قد يقال: مادام الإسلام لم يعارض المساواة بل رعاها ولم يجعل ميزة للرجل على المرأة بل ميزانه فقط التقوى والعمل الصالح, فلماذا القرآن الكريم لم يشابه حقوقهما؟ أليس اختلاف حقوق المرأة عن الرجل نوع من الامتياز؟

الجواب: «تشابه ومساواة حقوق المرأة والرجل» من العناوين الدخيلة على الثقافة الإسلامية, أريد به خلط الحابل بالنابل، وضرب الموازين العقلائية؛ لان نفس هذه الدعوى «التشابه والموساواة» هو إجحاف بحق المرأة وظلم لها، فان الحقوق تابعة للواجبات، وتختلف تبعا لاختلاف الواجبات حتى بين الرجال أنفسهم، فكيف بين الرجل والمرأة؟ فهل يصح أن يدعى التشابه في الأمور الفسليوجية مثل الولادة والحمل والخ… فكذا الحقوق والواجبات تختلف فالخلقة تقضي ذلك[18].

في حين نجد القران الكريم يصرح في آيات كثيرة بان الثواب والقرب من الله لا علاقة له بنوع الجنس وإنما يتوقف على الإيمان والعمل سواء كان من المرأة أم من الرجل (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)[19].

والى جانب كل رجل جليل أو قديس يذكر القران الكريم امرأة كبيرة أو قديسة, وأثنى القران الكريم غاية الثناء على زوجتي آدم وإبراهيم ووالدتي موسى وعيسى، وإذا كان قد أشار إلى زوجتي نوح ولوط كامرأتين غير صالحتين لزوجيهما فان القران ذكر زوجة فرعون كامرأة جليلة ابتليت برجل خبيث.

هكذا حافظ القرآن على التوازن في قصصه، ولم يحصر بطولة قصصه على الرجال فحسب. فكان يخاطب مريم بارق الكلام ونزلت سورة كاملة تتحدث عنها، قال تعالى: (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا)[20].

وفي تأريخ الإسلام هناك نساء قديسات وجليلات كثيرات، فقلما نجد رجل يبلغ منزلة خديجة التي أول ما آمنت برسول الله، ونصرته بمالها ووجودها، كما نزلت سورة كاملة – وهي الكوثر – لأجل امرأة هي خير النساء من الأولين والآخرين «فاطمة الزهراء (عليها السلام)» وكان «الكوثر» هو الهدية التي رضي بها النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال تعالى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)[21] ولم يرد في القرآن عطاء للنبي إلا الكوثر.

ما عاب مفخرها التأنيث أن   ******   على الرجال نساء الأرض

 وهكذا لم يعتبر الإسلام أن المرأة خلقت مجرد آلة بيد الرجل وإنما خلق كل واحد منهما من اجل الآخر (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ)[22].

حرية المرأة وحقوقها

«لقد سبق للحضارات البائدة والقائمة – غير المسلمة – أن جحدت حقوق المرأة وتجاهلت دورها الاجتماعي في بناء الأمة والمجتمع، ولو أخذنا على سبيل المثال المجتمع الغربي المسيحي أو اليهودي لرأيناه أشد المجتمعات نقمة على المرأة، فكانت حقوقها مهدورة وكرامتها مسلوبة لا يقام لها أي وزن ولا يعترف لها بأدنى حق، وضلت المسألة قرونا عديدة بين المد والجزر حتى أساء ذلك المفكرين ورجال الإصلاح ورأوا ما تقاسيه المرأة من عذاب وهوان أمام أعينهم, ونظرا لذلك احتاجت المسألة إلى معالجة جدية لقلب المفاهيم الصارمة وتغيير وجهة التذمر والتعسف المسيطرة على الأمة، ذلك لان المرأة تحسست بظلم رجال الدين لها وجور القادة الكبار ورجال الحكومة والسياسة لذا قامت تطالب بحقوقها وحريتها»[23].

1 – دور المرأة في الحياة العامة

إن الإسلام ساوى بين المرأة والرجل من حيث تدبير شؤون الحياة، وبالإدارة والعمل من حيث تعلق الإدارة، وبما تحتاج إليه البنية الإنسانية في الأكل والشرب واللبس وغيرها من لوازم البقاء، فلها أن تستقل بالإدارة، ولها أن تستقل بالعمل وتمتلك نتاجها، كما للرجل ذلك من غير فرق، فهما سواء فيما يراه الإسلام ويحقه القران، والله يحق الحق بكلماته غير أنه قرر فيها خصلتين ميزها بهما الصنع الإلهي:

إحداهما: إنها بمنزلة الحرث في تكوين النوع ونمائه، فعليها يعتمد النوع في بقائه، فتختص من الأحكام بمثل ما يختص به الحرث وتمتاز بذلك عن الرجل.

والثانية: إن وجودها مبني على لطافة البنية ورقة الشعور والعاطفة، ولذلك أيضا تأثير في أحوالها والوظائف الاجتماعية المكلفة بها[24].

فهذه مكانتها الاجتماعية، وبذلك يظهر دور ومكانة الرجل في المجتمع، واليه تنحل جميع الأحكام المشتركة بينهما وما يختص به احدهما في الإسلام قال تعالى: (وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)[25].

2 – العلاقات ألاجتماعية

نقصد بالعلاقة ألاجتماعية هي مجموعة الواجبات والحقوق والآداب والالتزامات التي تقوم بتنظيم العلاقات ألعامة بين الناس التي يستند عليها المجتمع الإنساني في النظرية الإسلامية، وذلك باعتبار أنهم أفراد وأعضاء في الجماعة الإنسانية، وهي توضح شكل الارتباط والسلوك الإنساني للجماعة بعضها مع البعض. «فنظام العلاقات ألاجتماعية هو عبارة عن الحدود والموازين والضوابط التي يعبر الإنسان من خلالها عن فهمه للحياة الاجتماعية الإنسانية ومسؤوليته التضامنية تجاه الجماعة وتكاملها»[26].

وبذلك يمكن وصف نظام العلاقات الاجتماعية بأنه الإطار أو القاعدة الأساسية التي تستقر عليها بقية الأنظمة الخاصة التي قد تنتج من العقود والالتزامات أو المسؤوليات العامة المشخصة مما قد تمكن تلك الأنظمة الخاصة أن تؤدي دورها المطلوب في الحياة الإنسانية، وهذا ما يوضح أن العلاقات العامة تعالج أصل العلاقة الاجتماعية والروابط الإنسانية، وسنشير إلى بعض هذه الروابط:

أ – الأسرة

النظرية الإسلامية ترى أن الأسرة تمثل وحدة رئيسة ومركزية في بناء المجتمع، ولا يمكن أن يبنى المجتمع الصالح ويتكامل دون أن تبنى الأسرة الصالحة، ومن هنا نجد أن الإسلام طالما أكد ويؤكد عليها، فهي اللبنة الأولى والأساس في النظرية الإسلامية في بناء المجتمع الإنساني الصالح، وكذلك هي في نظر أهل البيت (عليهم السلام)، كما أهتم الإسلام بها ووضع للعلاقات فيها نظاما دقيقا محكما وشاملا ينظم مجموع العلاقات في الأسرة بأدق تفاصيله ومختلف شؤونها.

كما أن الأسرة من وجهة نظر السيد الشهيد (قدس سره) فيها خصوصية وامتيازات تجعلها قادرة على مواجهة جميع المشكلات الاجتماعية ومواكبة جميع التطورات الاجتماعية كما أنها في النظام الإسلامي قد أخذت صيغة متطورة وخاصة خلال التشريعات فللأسرة دور في بقاء النسل وحفظ النوع[27].

وما تعبير القرآن الكريم بقوله: (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)[28] إلا تصوير لجانب من تلك العلاقة العميقة والكبيرة في موضعها، وهناك أحاديث شريفة تؤكد هذا المضمون، مثل قول الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم): «تناكحوا تكاثروا فأني أباهي بكم الأمم»[29]وقد نقل عن الإمام الباقر (عليه السلام) عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «ما يمنع المؤمن من أن يتفقد أهله لعل الله يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا اله إلا الله»[30].

والكتب الحديثية تزخر باستحباب النكاح والتزاوج وتعتبره من السنن المؤكدة حيث ورد عن الرسول الأعظم: «الطيب والنكاح من سنتي ومن رغب عن سنتي فليس مني» بل ذم العزوبة حيث قال: «شرار موتاكم العزاب» ولهذا حديث مستقل لعلنا نوفق له في المستقبل إن شاء الله تعالى.

ب) السكينة والاستقرار

إن من فلسفة خلق المرأة والرجل وأحد والأهداف التي أكد عليها القران الكريم هي حدوث حالة السكينة، وهناك روايات تشير إلى أن الأُنس الروحي هو غاية الزوجين من قبيل الرواية التالية: «ثم ابتدع له حواء… فقال ادم: يا رب ما هذا الخلق الحسن؟ فقد انسني قربه والنظر إليه فقال الله: يا ادم هذه أمتي حواء فتحب أن تكون معك تؤنسك وتحدثك؟ فقال: نعم، يا رب ولك الحمد والشكر ما بقيت»[31]وهذا ما نجده في واقعنا، حيث الأعزب وغير المتزوجة مهما ترقوا بالمناصب وأدوا الإعمال تجدهم يفقدون الاستقرار، والمجتمع أيضا يعاملهم كغير مستقرين إلى أن يحصل الزواج حينئذٍ يتحول من شيء مضطرب إلى شخصية يُعد ويحسب له حساب، وهذا الشعور الغريب والسر الإلهي لم يأت من فراغ بل هو مودوع في النفس الإنسانية من قبل خالقها كما قد تشير إليه الرواية الآنفة الذكر.

ج) مشاركة المرأة ماديا

من الأمور التي تحقق المساواة بالمعنى الإسلامي المشاركة في الحياة المادية بين الرجل والمرأة أي: يعين احدهما الآخر على توفير حياة كريمة تحافظ على كرامة الإنسان في الدنيا والآخرة، ولو بان تحافظ الزوجة على أموال زوجها، أو هي تملك وتعمل، والإسلام لم يحرم هذه المسألة عن المرأة، فجعل لها حق التملك والعمل في التجارة وإجراء العقود والإيقاعات وغيرها من المعاملات ما لم يناف عفتها، وخير دليل على ذلك السيدة خديجة زوجة الرسول وأم البتول كانت تعمل في التجارة، وقد أكدت النصوص الدينية على هذا المعنى: «ثلاثة للمؤمن فيها راحة: دار واسعة تواري عورته… وامرأة صالحة تعينه على أمر الدنيا والآخرة»[32].

3 – بناء الشخصية الإسلامية للمرأة

في النظرية الإسلامية طرحت شروط وصفات يجب توفرها في الزوج والزوجة لكي يصلح الزواج، فمثلا رفض الإسلام الزواج بشارب الخمر والكافر والفاسق، كما اوجب الزواج ممن حسن دينه وخلقه، ولهذا تجد رتّب الإسلام بعض الأمور المعنوية التي ترتقي بالإنسان، مثل قول الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): «من تزوج فقد أحرز نصف دينه» وفي رواية أخرى «ثلثي دينه» ونفس الأمر من جانب الزوجة، فروي عن رسول الله أنه قال: «ليتخذ أحدكم لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وزوجة مؤمنة صالحة تعينه على آخرته» فالزوج والزوجة – وبحثنا عن الثاني – صفاتهما تساهم كثيرا في بناء شخصيتهما الإسلامية، فكما أن صفات الزوجة تساهم في بناء شخصيتها الإسلامية كذلك صفات الزوج تساهم في بناء الشخصية الإسلامية للمرأة، والسيد الشهيد الحكيم اتخذ الزهراء (عليها السلام) أنموذجا لدراسة المرأة في الإسلام وجعلها مثلا في بناء هذه الشخصية من خلال الأبعاد التالية:

أولاٌ: البعد الأسري

«إن في شخصية الزهراء (عليها السلام) صفات لم تتوفر في غيرها من النساء الصالحات التي نص عليها الإسلام، فأن «آسيا بنت مزاحم» أو «مريم بنت عمران (عليها السلام)» لم تتوفر لديهما الظروف الأسرية المتكاملة، فأن الأولى كانت زوجة لرجل طاغٍ ولم يكن لها أولاد، أما الأخرى فلم يكن لها زوج, أما خديجة لقد كان لها دور في الجانب الأسري، فهي زوجة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأم ذريته، ولكن الزهراء (عليها السلام) امتازت عن أمها في الأدوار الأخرى التي مارستها في حياتها، واستطاعت أن تتجلى فيها قضية الموازنة، فهي عنصر في غاية الأهمية لحركة المرأة»[33].

وهذا أمر بالغ الصعوبة فالزهراء (عليها السلام) كانت تحيط بكل جوانب الحياة، فهي وازنت في العبادة، وفي الجهاد النفسي، والقيام بالأعمال الصالحة، ثم الوصول إلى الكمالات العالية، وكذلك الموازنة في الرعاية المنزلية، وفي ترتيب وضع الأسرة، وجعلها أسرة قوية صالحة، ولها دور كبير في التضحية والفداء.

«فالزهراء (عليها السلام) كانت ربة بيت تطحن الحنطة في بيتها وتنظف، وهي في الوقت نفسه المرأة العاملة الفاضلة، والمرأة المجاهدة المدافعة عن مبادئها، وهي التي منحت جميل رعايتها ووافر حنانها لأبنائها، وأعطت لزوجها كامل حقوقه، فما أغضبت عليا لا في صغيرة ولا كبيرة، وأولت لأبيها الاهتمام الوفير حتى كان يكنيها بـ«أم أبيها» وهذا معناه أنها كانت في رعايتها للأسرة والبيت وما يرتبط به في أعلى الدرجات، فلم تكتف برعاية الأولاد والزوج، بل شملت أباها محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى كناها بهذه الكنية التي تنم عن حنانها وعطفها ورعايتها له، وبذلك ضربت المثل الأعلى في هذا البعد، وقد كانت تخلو في محرابها تدعو الله (عز وجل)، كما كان هناك وقت لاستقبال النساء المسلمات ومحاولة تفقيههن في أمور الدين والدنيا، وكذلك حل مشاكلهن، وكانت تجالسهن، وتجيب عن أسئلتهن»[34].

كما أنها المدافع الأول عن الولاية التي هي الركن الأهم في الإسلام كما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): «بني على الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية… والولاية أفضل لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن»[35].

وحمت أمير المؤمنين من القتل وأدت الرسالة بعد أبيها مباشرة، وبين هذا وذاك هي أول مظلوم لحق بالرسول الكريم.

والحديث عن هذه الشخصية لا يمكن إلمامه بمؤلفات، ولكن أردنا الإشارة إلى بعض معالمها المباركة.

ثانياً: البعد العلمي

«إن الزهراء (عليها السلام) ضربت المثل الأعلى في علمها وفضلها ومعرفتها للإسلام وتثقيفها وتعليمها على يد رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد كانت تدون ما تسمعه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المجالس الخاصة التي كان يجالسها ويزورها ويتحدث فيها إليها والى زوجها، وخصوصا الأحاديث التي تدل عن الأوضاع المستقبلية وما سيجري على المسلمين، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) ذكر انه وجد ملك بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحدث الزهراء (عليها السلام) ويسلي غمها فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لها إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي فأعلمته ذلك وجعل أمير المؤمنين (عليه السلام) يكتب كل ما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفا ثم قال: «أما انه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون»[36].

ويطلق على هذا المصحف بـ«صحف فاطمة»[37]كما أنها كانت ملمة بالأحكام الشرعية والشريعة الإسلامية وتفسير القران وكل مفاهيم الإسلام الدقيقة وذلك لقربها من رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فهي بالتالي مصدر ومرجع للشريعة الإسلامية.

ظلم الزهراء (عليها السلام)

لقد تعرضت فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى محن كبيرة كان أخرها غصب حقها «فدك» وهي نحلة والدها الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعندما طالبت أبا بكر بحقها قال أنه سمع الرسول يقول: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» وهو حديث لم يروه غير أبي بكر، وهو يتعارض مع نص القرآن الكريم حيث قال تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)[38] وقال: (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)[39] «فقد غضبت الزهراء (عليها السلام) على أبي بكر وعمر وأعلنت ذلك صراحة فوضعت خمارها على رأسها واشتملت جلبابها وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة، ثم أنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء وارتج المجلس ثم مهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم افتتحت كلامها بالحمد لله عز وجل والثناء عليه والصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قالت: عودا على بدء لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليكم ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. فأن تعزوه تجدوه أبي دون أبائكم وأخ ابن عمي دون رجالكم. ثم استرسلت في خطبتها إلى قولها: انتم ألان تزعمون لا ارث لنا, يا ابن أبي قحافة أترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا فدونكها مخطومة مرجولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله والزعيم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون ثم أنكفات إلى قبر أبيها محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي تقول:

قد كان بعدك أنباء وهنبئة لو كنت أهدها لم تكثر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابلها وغاب مذ غبت عنا الوحي والكتب[40].

وإن هذا الموقف إنما هو دليل على مدى العلمية التي تميزت بها هذه الشخصية الفذة.

فالأمة تعتقد بالزهراء (عليها السلام) وتؤمن بها وتسير بسيرتها وترى صحة موقفها، وهذا الموقف له الأثر الكبير في بيان الجانب الجهادي والعلمي للزهراء، فالجهاد موقف وليس مجرد نشاط وفعل يقوم به الإنسان كأن يقاتل فيقتل ويستشهد أو يتحمل الآلام، وإنما يعبر عن رؤية لهدف معين وواقع سياسي قائم وموقف تجاه هذا الواقع من أجل تغييره.

ثالثاً: البعد السياسي

لو أردنا أن نتخذ القران الكريم مصدرا لنرى من هي المرأة التي يثني عليها؟ وما هي طبيعة الثناء الذي يقره؟ وهل أقر دخولها في الميدان السياسي؟ لوجدنا أنه أشار إلى مجموعة من النساء تمكنت من ذلك كله فزوجة فرعون مثلا اعتبرها بمثابة مثال وشاهد بارز على أن المرأة تستحق الثناء لقدرتها على التحلي بصفات لا وجود لها لدى الكثير من الرجال[41].

وكذلك ذكر بلقيس ملكة سبأ فان الصورة التي رسمها القرآن الكريم عن ملكة سبأ تتصف بما يلي:

1- إنها كانت ملكة على بلدها.

2- اعتمادها على مبدأ الشورى في حكمها.

3- تعاملت مع كتاب سليمان باحترام وتقدير.

4- أجرت اختبار لسليمان (عليه السلام) من خلال إرسال هدية له وأرادت أن تستكشف هل هو نبي أم ملك.

5- أكد القران صحة تحليلها لخصال الملوك وطباعهم.

6- عدولها عن عبادة الشمس بعبادة الله (عز وجل) عندما تأكدت من نبوة سليمان (عليه السلام).

7- عندما رأت عرشها عند سليمان (عليه السلام) وسألها هل هذا عرشك؟ فأجابت (أضنه) وهذا الجواب متعقل ودقيق من غير جزم بالتأكيد أو النفي.

إذن، من ذلك نستنتج أن للمرأة القدرة على الدخول في الجانب السياسي من وجهة نظر القرآن، حيث صور لنا المرأة إنسانة تمتلك عقلها ولا تخضع لعاطفتها وان لها شخصية قوية عاقلة قادرة على إدارة شؤون البلاد[42].

و«أن معركة الزهراء (عليها السلام) التي خاضتها لإثبات الحق وبيانه حيث دعت الأمة إلى نصرتها، ونشرت الوعي الفكري، وطالبت بحقها المغصوب فأفصحت عما في فكرها من القول الصواب، وهذا يمثل الجهاد والبطولة، فعلى الرغم من كونها بنت الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وزوجة الإمام علي (عليه السلام) وأنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وأطهر النساء وأبعدهن عن الدنس إلا أن ذلك لم يعق كونها متابعة للحركة السياسية والحركة الاجتماعية وأنها كانت تواجه جميع صور الانحراف والظلم، فأنها قامت بدور بطولي يمكن أن تقول عنه: إنها لو لم تقم به لكان من الممكن أن تخفى معالم الإمامة على الأجيال التي جاءت بعد علي (عليه السلام) ويبقى المسلمون في ضلال وبعيدين عن الواقع الذي جاء به رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)»[43].

وهكذا كان للزهراء (عليها السلام) دور عظيم في حفظ الإسلام واثبات الحقائق الإسلامية وترسيخ المذهب الصحيح الذي توارثناه عن أهل البيت (عليهم السلام).

إذن، فان للزهراء (عليها السلام) دورا سياسيا مشهودا ممتدا في الفترة بين رحلة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ورحلتها، حيث قامت بعمل سياسي قيادي تمثل في الاتصالات التي أجرتها مع معظم الشخصيات من المهاجرين والأنصار بعد وفاة أبيها، وهكذا العمل بمستوى ما يمارسه رئيس الدولة.

هذه هي البطولة السياسية التي خاضتها الزهراء (عليها السلام) والمعركة السياسية التي حققت بها الانتصارات الكثيرة، وهي وإن لم تسترجع ما أخذه القوم، ولكنها رجعت وقد ظهر الحق، ولا يزال الحق معها، ومن يملك القدرة والإحاطة بالشرعية ويقول الحق يقول: إن فاطمة هي الصدق وهي الصادقة في دعواها فقد خرجت وهي تمتلك من الطاقات الكثيرة ومسلحة بالبيان والقران والسنة والفكر، ووقفت مدافعة عن حق عظيم وظلامة كبيرة، ولو سكتت لضاع حقها وحق بعلها وحق الأمة في مستقبلها.

 وبالإضافة إلى دور البضعة الطاهرة، فقد أوكلت عقيلة حيدر الحوراء زينب (عليها السلام) سليلة الرسول جانبا قياديا وسياسيا كان مكملا لثورة أبي الأحرار الحسين (عليه السلام) فرافقته في كل مراحل نهضته وثورته تحمي عياله… ترعى أطفاله وتواسي نساء الشهداء… تحكي أمير المؤمنين في خطب عصماء أمام الظالمين سيدة الركب ركب سبايا رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)

إذن، للمرأة دور فعال، وقد حددت الأبعاد لهذا الدور: البعد القتالي, البعد السياسي, لبعد الإعلامي، البعد الإنساني، والبعد الأخلاقي والمعنوي العام، وهي ادوار رئيسية ومهمة نهضت بها المرأة في هذه الثورة الخالدة»[44].

تحرك المرأة في رأي السيد الحكيم (قدس سره)

نستمد من المعركة التي خاضتها سيدة نساء العالمين في إثبات الحق إنموذجا للمرأة في كل عصر وزمان، فخرجت تطالب بشي ثمين، وعليه تتوقف مصلحة الأمة في المستقبل القريب والبعيد، ومن اجل ذلك خرجت فاطمة (عليها السلام) من دارها قاصدة المسجد، واحتجت على القوم، والأفكار تتزاحم عندها والعبارات سريعة على لسانها، والقرآن يتدفق على شفتيها، وهي في هذا الموقف بطلة تحمل عزم أبيها محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يستطيع أي رجل أن يقف هذا الموقف الرهيب، وحققت بذلك انتصارا في موقفها وخطبتها والنقلات السياسية والاحتجاجات المنطقية، وخروجها مباح وليس فيه أي شبهة شرعية، فعندنا أبعاد رسالية للتحرك، وخط شرعي، وهذان تمثلا في حركة الزهراء (عليها السلام):

أ) الأبعاد الرسالية للتحرك

إن الزهراء (عليها السلام) شخصية فذة فريدة من نوعها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولقد لعبت دورا مهما في حياة المسلمين، لذلك كان إحساسها وشعورها بالمسؤولية ليس كغيرها، فأنها كانت تؤكد في خطبها وأحاديثها السياسية والتغيرية على جانب رئيسي، وهو لو أن عليا قاد الحكم والمسيرة بما عرف من إخلاصه وعدله وصبره وصموده لجعل الأمة تتجه نحو التكامل، وهذا واضح في القرآن الكريم (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)[45].

ولا يمكن للناس أن يدركوا مدى هذه المظلومية ولكن يدركها أهل البيت (عليهم السلام) وهم مستعدون للتضحية ليدفعوا هذا النوع من المظلوميات عن المجتمع الإسلامي، ولذلك نجد الزهراء (عليها السلام) قد التزمت الخط الذي يحول المظلومية إلى قوة وانتصار.

ب) الغطاء الشرعي

إن هناك تشابها بين الظروف التي واجهت الزهراء (عليها السلام) والظروف التي واجهت الحسين (عليه السلام) وذلك لوجود نقض للبيعة التي أخذها الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من المسلمين ممن بايع عليا ووجود تسلم حكم جديد بطريقه أو بأخرى.

فقامت الزهراء (عليها السلام) بواجب شرعي انطلاقا من تحملها المسؤولية الشرعية والعقائدية حيث إن موقفها يرتبط ارتباطا وثيقا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك ما قام به الإمام الحسين (عليه السلام) من تثبيت القيم والمبادئ والفكر الإسلامي وان ثورته مرتبطة ارتباطا وثيقا بقضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولابد للمسلمين الشيعة أن يهتموا لارتباط شهادتهما بقضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وموقفهما مرتبط ببعد عقائدي مهم أساسي، وهو الدفاع عن الإمامة، وهي قضية عقائدية مبدئية ذات علاقة بالرسالة الإسلامية وخصائصها وامتيازاتها التي ميزتها عن باقي الرسالات السماوية[46].

الحجاب في الإسلام

الحجاب لغة واصطلاحا:

الحجاب: الستر، وحجبه: منعه عن الدخول، واصطلاحا هو: الغطاء «الخمار» الذي شرعته الرسالة السماوية لضمان عفة المرأة وحصانة لها، فالإسلام يعتبر المرأة لؤلؤة فريدة ينبغي أن تستر في صدف الحجاب وتحفظ في حصن الحياء والعفة لتكون في مأمن عن غير المحارم ومن في قلوبهم مرض[47].

إن الحجاب الذي يأمر به الإسلام للمرأة ليس البقاء في الدار وعدم الخروج، فليس في الإسلام ما يدعو إلى حبس المرأة، بل هو عبارة عن ستر بدنها عند اختلاطها بالرجال وان لا تتبرج أو تتزين أمام الأجنبي.

ولاشك أن قانون الحجاب الإسلامي يقلل من معدلات المفاسد الاجتماعية أو يقوي العلاقة الأسرية ويضفي على مناخها الداخلي صفاء ومحبة وودا ايجابيا.

الحجاب في القرآن

لما جاء الإسلام ورأى أن الذين في قلوبهم مرض قد أستهووا النظر إلى النساء، وحملوا بشهواتهم الاستمتاع في العين والتمني في القلب، وما لهذا الأمر من نتائجه السيئة وعواقبه الوخيمة نرى قد وضع القرآن الكريم حدا له، وحرم ما إبراز ما يؤدي إلى تلك النتائج المهلكة للمجتمع بصورة عامة، وأباح ما دون ذلك كالإسفار عن الوجه واليدين، والإباحة بهذا التحديد يصور لنا مقدار حاجة المرأة لهما في معاملاتها مع الآخرين ضمن إطار التكافل الاجتماعي وحاجة المجتمع في بناء الرابطة الزوجية المقدسة، وكيفية الوصول إليها أو تهذيبها تحت شعار الأخلاق السامية والعفة والطهارة التي جاء بها الإسلام[48].

ووردت في القرآن الكريم آيات عدة حول الحجاب منها قوله تعالى (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)[49].

(وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)[50].

وقد أراد الله (عز وجل) إقامة مجتمع سام نظيف مطهر من كل دنس ولا سبيل فيه لإثارة وهياج الشهوة ولا مجال لإثارة الغرائز الجنسية حتى يطمع فيها القريب والبعيد من الرجال والنساء.

ومن خلال قراءة دقيقة لآراء الحكيم رحمه الله سنقف على حقيقة رأيه في حجاب المرأة، فهو يرى أن حدود الإيمان هو أن تطبق الغطاء «الخمار» الشرعي والذي يسمح بإظهار دائرة الوجه والكفين ويستر مفاتن المرأة حتى لا تكون سلعة لإغراء الآخرين وسحق إنسانيتها وتقديم الحاجة الغريزية على القيم الإنسانية، وقد أباح رضوان الله تعالى عليه – تبعا للرؤية الإسلامية – التحرك للمرأة في كل ميادين الحياة بما يتناسب وطاقاتها الجسدية والعقلية وعدم تعطيلها أبدا، دون النيل من عفتها وشرفها سواء كان في الميدان السياسي والاجتماعي والقيادي والميداني[51].

دواعي الحجاب

«يتساءل الكثير عن أسباب تشريع الحجاب… الم يكن تقييدا لحرية المرأة؟ والجواب: – إضافة لما تقدم – فيه ثمرات منها:

1 – ديمومة المحبة الزوجية بفعل حفظ المرأة عفتها عن غير زوجها وحفظه في غيابه، وبقاء الانشداد بين الزوجين ببقاء بعض الأسرار فيها عن الآخر.

2 – الحفاظ على الحياة الزوجية بسبب توفر القناعة لدى كل طرف بالآخر بسبب الاحتجاب عن الأجانب.

3 – توقي الانحرافات الجنسية التي يخلقها الانفتاح والاختلاط والتحلل من الضوابط السلوكية.

4 – الابتعاد عن الشكوك والظنون التي تبعد الشقة بين الزوجين وقد تؤدي إلى فشل الحياة الزوجية.

5 – إيجاد الاحترام المتبادل بين الزوجين ويوقر بعضهم البعض.

6 – يحقق النضج في التعامل ويساعد على بناء الحياة الأسرية الراقية.

7 – يقوي شخصية المرأة، أي: تجد المرأة صاحبة الإرادة القوية الملتزمة بحجابها تتصف بشخصية قوية تساعدها على الخلق والبناء والإبداع، فنجدها امرأة فاعلة مسهمة في بناء الحياة الحضارية المتطورة خلاف المرأة ضعيفة الإرادة[52].

الخلاصة

 استطعنا الوقوف على مكانة المرأة في العصور المتقدمة وعند الأمم المتمدنة وغير المتمدنة وعند الأمم الأخرى، ثم وقفنا على شخصية المرأة قبل الإسلام والأنظمة التي تحكم دورها وحركتها وعلاقتها بالرجل، وبعد ذلك تعرفنا على مكانتها في الإسلام الدين الحنيف الذي ارتقى بالمرأة إلى إنسانيتها وحقق كرامتها بما يتناسب وحقيقتها الخلقية والنظرة الإلهية لها والتي تجسدت في المنظور القرآني من حيث بنيتها الفسلجية وتركيبتها السايكولوجية وعطاءها المهني والعقلي والفني ودورها الريادي في بناء المجتمع الصالح.

وبحثنا حرية المرأة وحقوقها كما رسمها الإسلام وحددها وحدد أحكامها بما يمكنها أن تأخذ دورها كاملا في البناء الاجتماعي والعمراني وفي نفس الوقت يحفظ عفتها وكرامتها وقد اشتملت الدراسة الجوانب الآتية:

دور المرأة في العلاقات الاجتماعية وسموها وديمومة التناسل وتحقيق الاستقرار والسكينة ومشاركة المرأة في الحياة المعنوية والبناء الحضاري ومتابعة التطور العصري عبر الأزمنة ثم مشاركتها في الحياة المادية بكل أبعادها مثل: البعد الأسري، والبعد العلمي، والبعد السياسي.

اعتمدنا مثلين أو نموذجين للمرأة في هذا البناء هما «ملكة سبأ وسيد نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام)» ودورها في إظهار حقيقة قدرات المرأة وإمكانياتها القيادية فيما جسدته في الحنكة والحكمة والقيادة الناجحة. وما قدمته الزهراء (عليها السلام) من تحليل ومعالجة لواقع السياسي والاجتماعي الذي يعيش حالة الغليان بعد الانقلاب الذي حدث بعد استشهاد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذلك اعتمدنا في عرض دور الزهراء (عليها السلام) من قراءتنا لآراء السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره).

وبعدها درسنا رأيه رضوان الله عليه في تحرك المرأة من خلال الأبعاد الرسالية والغطاء الشرعي لهذا التحرك، وقد حدد سماحته وفق الأطر والأحكام الإلهية التي حددتها الشريعة من خلال القران الكريم والسنة المباركة، وبعدها القينا النظر على آراء السيد الحكيم (قدس سره) في الحجاب الإسلامي وكيفية التوفيق بينه وبين أدائها لرسالتها اجتماعية والشرعية، ثم استنبطنا حقوق المرأة كما حددها سماحته وفق الأسس والثوابت الإسلامية والعلمية فتأكد لنا انه مكنها من أن تأخذ دورها الكامل بالمساهمة في رسم الحياة المتطورة الخلاقة بكل طاقاتها مع توفير الاستحقاقات الكافية لضمان سلامتها وسلامة قيمها وآدابها ومكانتها السامية الكريمة، وهكذا نكون قد ثبتنا بعض الحقائق التي تشكل الثوابت الأساسية لهذا الموضوع الحيوي الهام الذي يتعلق بنصف المجتمع الإنساني، بل بالمجتمع كله، والمنهج العلمي يحكمنا بان ندع الباب مفتوحا للباحثين الأفاضل ليغنوا هذا الموضوع ويحفوه بأفكارهم ومعرفتهم بما يحقق الخير والصلاح للإنسانية جمعاء وللإنسان العراقي خاصة لتستجلي ما حوته عقول أعلامنا الأجلاء أمثال آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) ونجني ثمار عطائهم الفكري والعلمي أكثر فنحقق رسالتنا السماوية المقدسة بخلافة الله جل وعلا في خلقه. آملين السماح ممن سيطلعون على بحثنا هذا عن تقصيرنا في إيفائه حقه لا من حيث هو ولا من حيث الرمز الإنساني الإلهي الحكيم الجليل، فنحن نقر بعجزنا عن احتواء أو قراءة كل ما حواه عقله العظيم، فعذرا وألف عذر له ولكل باحث علمي تطفلنا عليه وتطاولنا فحشرنا أنفسنا بعالمهم الكبير عالم العلم والعلماء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله سبحانه، والصلاة والسلام على المصطفى واله الطاهرين وصحبه المنتجبين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[1] العلامة الطباطبائي، المرأة في الإسلام: ص6 بتصرف.

[2] المرأة في الإسلام: ص7 بتصرف.

[3] عبد الرسول عبد الحسين الغفار، المرأة المعاصرة، الطبعة الرابعة، مطبعة مهر، ص42 بتصرف.

[4] المرأة المعاصرة: ص43، بتصرف.

[5] المرأة في الإسلام: ص9، بتصرف.

[6] المرأة المعاصرة: ص42، بتصرف.

[7] المرأة في الإسلام: ص11، بتصرف.

[8] المرأة المعاصرة: ص28، بتصرف

[9] النحل: 19.

[10] التكوير: 8  – 9.

[11] وبشر الصابرين، شهيد المحراب: ص4.

[12] الحجرات: 13.

[13] آل عمران: 195.

[14] المدثر: 38.

[15] نهج البلاغة، خطبة المتقين.

[16] الزهراء (عليها السلام) أهداف، مواقف، نتائج: ص23، بتصرف.

[17] النحل: 97.

[18] نظام حقوق المرأة في الإسلام: ص140  – 152، بتصرف.

[19] النحل: 97.

[20] مريم: 24  – 26.

[21] الضحى: 5

[22] البقرة: 187.

[23] المرأة المعاصرة: ص110، بتصرف.

[24] المرأة في الإسلام: ص16، بتصرف.

[25] النساء: 32.

[26] السيد محمد باقر الحكيم، دور أهل البيت (عليهم السلام) في بناء الجماعة الصالحة: المجلد الأول، ص465  – 467.

[27] دور أهل البيت (عليهم السلام) في بناء الجماعة الصالحة: المجلد الأول، ص102 بتصرف.

[28] البقرة: 223.

[29] بحار الأنوار: ج17، ص259، بتصرف.

[30] وسائل الشيعة: ج14، ص3، بتصرف

[31] وسائل الشيعة: ج2، ح1.

[32] المصدر السابق: ج14، ص24، ب2ح41.

[33] الزهراء (عليها السلام) أهداف، مواقف، نتائج: ص33 بتصرف.

[34] فاطمة الزهراء: ص46.

[35] البرقي، المحاسن 2: 18، ح5.

[36] الكافي: ج1، ص24.

[37] مأساة الزهراء: ج1، ص109، بتصرف.

[38] النمل: 16.

[39] مريم: 6.

[40] ملحمة قوافل النور في سيرة النبي وأهل بيته (عليهم السلام): ص143، بتصرف.

[41] الزهراء (عليها السلام) أهداف، مواقف، نتائج: ص34، بتصرف.

[42] المرأة المعاصرة: ص28، بتصرف.

[43] فاطمة الزهراء (عليها السلام): ص235، بتصرف.

[44] الزهراء (عليها السلام)، أهداف، مواقف، نتائج: ص47.

[45] الأعراف: 96.

[46] فاطمة الزهراء (عليها السلام): ص218.

[47] مسألة الحجاب: ص66، بتصرف.

[48] المرأة المعاصرة: ص47، بتصرف.

[49] الأحزاب: 53.

[50] الأحزاب: 33.

[51] أقراص ليزرية تتضمن محاضرات لسماحة السيد الحكيم (قدس سره)، بتصرف.

[52] الحجاب درع واقي: السيد محمد الشيرازي، بتصرف: أحكام النساء: السيد صادق الشيرازي: بتصرف، ص76  – 77.

اكتب تعليق

كافة الحقوق محفوظة لمؤسسة تراث الشهيد الحكيم، ولا يجوز الاستفادة من المحتويات دون إذن خطي.

الصعود لأعلى