رؤية شهيد المحراب للدستور العراقي وانعكاساتها على الدستور الدائم عام 2005م

tt

بحث شارك في المؤتمر الثاني لإحياء التراث الفكري والعملي للشهيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم

الباحث: المحامي جمال ناصر جبار الزيداوي

            بغداد

المقدمة

يُعد شهيد المحراب أية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) أحد أبرز الشخصيات الدينية والسياسية في العراق والعالم الإسلامي، لما يمثلهُ سماحتهُ من مفكر وسياسي وقائد مجاهد ومرجع ديني واكب الحركة الإسلامية في العراق منذ بدايات تأسيسها، وعاصر ثلاثة من أعظم المراجع في العراق، بدءاً من مرجعية والدهِ المرجع الديني آيةِ الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس سره)، حيث لازم والدهُ طيلة فترة مرجعيتهُ، وكان يمثلهُ في العديد من الأمور السياسية والمناسبات الإجتماعية، كما وعمل مع الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره)، ولازمه كتلميذ وصديق، وقد استلهم من فكره ومبادئه، وقد عبر عنه الشهيد الصدر بـ (عضدي المفدى)، وكان يمثل استمراراً لمسيرته الجهادية والدينية بعد استشهاده.

كما عمل مع الإمام الخميني (رضي الله عنه) مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي وصفهُ بـ (الإبن الشجاع للإسلام) تقديراً لمواقفهُ الجهادية والسياسية، وألقت هذه التجربة الطويلة بظلالها على سماحتهِ (قدس سره)، أكسبتهُ فكراً نيراً ورؤيةً ثاقبةً في الأمور الدينية والسياسية والإجتماعية أنعكست على حركتهِ المباركة طيلة فترة عملهِ الجهادي منذ أيام المعارضة وحتى بعد سقوط النظام البائد، وإنطلاقاً من موقعهِ (كعالم ديني عاش كل الحركة السياسية منذ أكثر من (50) عاماً) كان السيد الحكيم (قدس سره) ومنذ دخولهِ للعراق في مايس 2003 يضع المبادئ الأساسية والخطوط العامة للنظام الجديد في العراق، وما ينبغي عليه أن يكون الوضع في العراق، ويشرح القضايا السياسية التي ينبغي الإلتفات إليها والإهتمام بها، والتي من أبرزها (الدستور)، إذ كان لسماحتهِ رؤية خاصة في موضوع الدستور تميز بها عن كل من عاصرهُ، وهذه الرؤية تستلهم روح الإسلام ومبادئهُ ولا تفرضهُ على الأخرين، وهي رؤية معتدلة تُرضي الجميع من دون إستثناء الإسلاميين والعلمانيين، وكان يطرحها سماحتهُ من خلال منبر الجمعة في الصحن الحيدري الشريف وفي لقاءآتهِ وأحاديثهِ العامة، حيث كان يتناول القضايا الأساسية والمبادئ الرئيسية لهذا الدستور وخطوطه العامة، ويترك التفاصيل لمن سيقوم بكتابة الدستور. وسنتناول في هذا البحث الموجز رؤية سماحةِ شهيدِ المحراب للدستور وتصوراتهِ لفقراته، وما الذي تحقق من هذه الرؤيا في الدستور الدائم الذي تم التصويت عليه من قبل أبناء الشعب العراقي في تشرين الأول من عام 2005؟

ولا يخفى على القارئ الكريم تقصيرنا في هذا البحث، لأن سماحتهُ كان كياناً عظيماً وكوكباً نيراً وبحراً زاخراً لا يسع قلمنا القاصرُ أن يغرفَ من علمه إلا النزرَ اليسيرَ، ونسأل الله سبحانهُ وتعالى التوفيق في ذلك.

أولاً: أهمية الدستور في فكر السيد الحكيم (قدس سره)

لاشك أن الدستور يُعد أهم وأخطر وثيقة في كيان الدولة؛ كونهُ يمثل الأساس الذي تبنى عليه كافة مؤسساتها، ويمثل المصالح العليا لأبناء الشعب، ويعكس تطلعاتهم وطموحاتهم، ويضع المبادئ والقواعد الأساسية في ممارسة السلطة، وينظم العلاقة ما بين الحاكمين والمحكومين من أبناء الشعب.

وكان سماحة شهيد المحراب (قدس سره) يؤكد على أهمية الدستور في حياة الشعب، وكان يعده القضية الأولى في بناء العراق الجديد، حيث يقول: «من أهم الموضوعات التي تواجهها ساحتنا العراقية هو موضوع الدستور».

وفي موضع أخر أعتبره قضية مركزية ورئيسية؛ وذلك بقولهِ: «أيها الأعزاء، يا أبناء الشعب العراقي، نساءً ورجالاً، أيها المؤمنون، أعلموا أن قضية الدستور هي أهم قضية تواجهكم في هذه المرحلة، بعض الناس يعتقد أنها هامشية، ولكنها القضية المركزية الرئيسية». حيث إن العديد من الإتجاهات السياسية الأخرى كانت تؤكد على قضايا ومشاكل أخرى ترى أنها يجب أن تحتل موقع الصدارة في الأهتمام، منها قضية الأمن أو الخدمات، أو إنعدام القانون، أو قضية الإحتلال، إلى غير ذلك من القضايا التي كانت سائدة في تلك الفترة، إلا أنهُ رغم ذلك كان سماحتهُ يؤكد على قضية الدستور بأعتبارها القضية الستراتيجية الأولى التي يتوقف عليها مستقبل العراق ومصيرهِ، وليس معنى ذلك أن سماحتهُ لم يكن ينظر إلى القضايا الأخرى بعين الإهتمام، بل على العكس، كان يؤكد عليها في كل مناسبة وعلى ضرورة حلها والإهتمام بها، ولكن أراد سماحتهِ تنبيه الأمة وتوجيه الشعب العراقي نحو قضية الدستور بإعتبارها القضية الأساسية؛ إذ تتوقف عليها كافة المسائل الأخرى التي كان يعاني منها الشعب العراقي، ورغبتة من سماحته لئلا تُضيع أهمية قضية الدستور من قبل قوات الإحتلال أو من جهات أخرى لا تريد خيراً للعراق، وبالتالي سيُسن دستور على خلاف إرادة الشعب العراقي ومبادئه؛ مما يؤدي إلى ضياع حقوقهِ.

وقد شدد سماحتﻫ في موضع أخر ـ على ضرورة أن تكون هنالك حملة شعبية وتوعية عامة لقضية الدستور، إذ أن الدولة العراقية ومنذ تأسيسها في عام 1920 لم يكن يحكمها أي دستور تم وضعهُ من قبل الشعب، بل كانت كافة الدساتير تسن وتشرع بعيداً عن مصالح الشعب العراقي وتخدم الفئات الحاكمة فقط، وعلى الشعب الطاعة والإذعان لها، فأزاد سماحتهُ تنبيه الأمة ـ على خلاف ما أراد المحتل ـ في جعل التوعية من مسؤولية العلماء والمثقفين وذلك بقولهِ (ولابد أن نقوم بحملة توعية واسعة من أجل بيان أهمية هذه القضية، فالعلماء والشعراء والخطباء والكتاب والمثقفون مسؤولون عن القيام بحملات توعية في بيان أهمية الدستور، وأهمية المراقبة الدقيقة وضرورتها من قبل الشعب العراقي؛ لأن قضية الدستور لو تم إقرارها بصورة صحيحة فسوف نتمكن ـ بأذن الله من بناء مجتمع عراقي صالح، وإهمالها يؤدي إلى نتائج وخيمة على أبناء العراق).

ونلاحظ أن سماحتهُ يحذر من إهمال قضية الدستور وبالتالي عودة الوضع إلى ما كان عليه سابقاً، فيأتي حكم دكتاتوري أخر ليحكم العراق من جديد، لذلك كان يؤكد على أن هذا الدستور لابد أن يتم إقرارهُ بصورة صحيحة، إذ كانت لديهِ خشية أن لا يتم صياغة هذا الدستور وفقاً لمصالح الشعب العراقي.

ثانياً: آلية صياغة الدستور

إن الأسلوب الأمثل لصياغة الدساتير في أغلب دول العالم هو: بإنتخاب جمعية تأسيسية من قبل أبناء الشعب تتولى القيام بصياغة نصوص الدستور، ثم يتم عرضها على الشعب في إستفتاء عام؛ لينال موافقة الشعب حتى يكون دستوراً رسمياً للدولة.

لذلك فقد رفض شهيد المحراب (قدس سره) التصورات والطروحات التي كانت الولايات المتحدة الأمريكية وقوى التحالف تحاول فرضها على الشعب العراقي، إذ قامت هذه القوات بطرح فكرة أن تتم صياغة الدستور الدائم للعراق بواسطة تأسيس مجلس معين يتولى القيام بمهمة تدوين الدستور، ثم يتم طرحهُ على الشعب.

رفض سماحتهُ (قدس سره) هذا الطرح من قبل سلطة الإحتلال، حيث قال في ذلك «هذا طريق نحن نعتقد بعدم صحتهُ، والمراجع يعتقدون ويصرحون أنهُ طريق غير سليم وغير صحيح، وموقفنا هذا نابع من قوة الشرع والقانون الدولي، ومن موقع العزة والكرامة الإنسانية والوطنية».

ولقد رفض هذه الفكرة؛ لأنهُ لا يضمن أن يقوم هذا المجلس الذي يتم تعينهُ من قبل سلطة الإحتلال بكتابة دستور يضمن حقوق وحريات الشعب العراقي ويحافظ على هويتهِ، وبعد ذلك أخذ يفصل في أسباب رفض هذا الطرح:

1. «من الناحية الشرعية، الشرع يقول: يجب الرجوع إلى العراقيين في تشخيص المجلس، وإنتخابهِ من ذوي الخبرة الذين يمكن أن يضعوا القانون».

2. «وكذلك القانون الدولي بنص قرار مجلس الأمن الدولي (1483) الذي تتمسك بهِ قوى التحالف، حيث ينص على أن الشعب العراقي هو الذي يقوم بتشكيل إدارة تقوم بهذه العملية ـ عملية الإنتخابات ـ التي يقوم بها الشعب العراقي، الذي ينتخب من يدون هذا الدستور، ويطرحهُ على الشعب والناس».

3. «وكذلك العزة والكرامة، لماذا دستورنا يكتبه الآخرون ويفرضونهُ علينا؟!».

ثم يبين سماحتهُ أن ألية كتابة الدستور الدائم للعراق ينبغي أن تكون ألية صحيحة، وهي بإنتخاب المجلس الدستوري الذي يكتب الدستور، ثم يُطرح على الناس في إستفتاء عام، وذلك بقولهُ:

«نحن نعتقد أنهُ من الضروري جداً أن يكون هنالك مجلس للخبراء القانونيين ينتخبهُ العراقيون بأنتخابات حرة، هذا المجلس يدون الدستور، ثم يُطرح هذا الدستور للتصويت العام، حتى يمكن أن يكون دستوراً عراقياً يدونهُ العراقيون».

وكان يشدد سماحتهُ على ضرورة الإنتخابات في صياغة الدستور ويعتبرها الطريق الصحيح والوحيد لبناء مستقبل العراق، كما رفض سماحتهُ كافة المبررات التي ساقها الإحتلال في عملية رفض الإنتخابات وكتابة الدستور وهي:

1. إن تعيين المجلس السياسي أو المجلس الدستوري يكون بالتشاور مع القوى السياسية والمحافل الشعبية، وقد رأى سماحتهُ أن مجرد المشاورات لا تكفي، والتعيين لابد أن يكون من قبل الشعب العراقي والقوى النافذة، وكان يؤكد على أنهُ: «لا يمكن لسلطات الإحتلال أن تعين مجلساً سياسياً أو تفرض هذا المجلس على الشعب العراقي أو يقوم بتعين مجلس دستوري».

2. أن الإنتخابات أمر غير ممكن في الوقت الحاضر؛ لأن الشعب العراقي غير مهيأ لإجرائها.

غير أن سماحتهُ كان يرى «أن الإنتخابات أمر ممكن لو تحققت النية الصادقة لها، ورأى سماحتهُ أنهُ لابد من إجراء إنتخابات مباشرة تقوم بإنتخاب مجلس يتولى تدوين الدستور من أجل طرحهُ على الشعب للتصويت عليه، وينبغي أن يضم هذا المجلس خبراء من العلماء، والفقهاء، والقانونيين الذين يتمكنون من تدوين الدستور».

ونلاحظ من سماحتهُ تأكيدهُ على ضرورة أن يضم المجلس الدستوري فقهاء وعلماء إلى جانب القانونيين المختصين بالصياغة القانونية، إذ أن صياغة الدستور ليست قانونية بحتة دائماً، بل تشمل قضايا سياسية وشرعية، ولابد من تظافر كل الجهود لأجل صياغتهِ.

وكانت لهذه الرؤية العظيمة لصياغة دستور العراق أن تتحقق، وذلك بقيام الإنتخابات العامة ولأول مرة في تاريخ العراق في الثلاثين من كانون الثاني، التي أسفرت عن إنتخاب الجمعية الوطنية الإنتقالية، التي قامت بتشكيل لجنة دستورية ـ من بين أعضائها ـ عهدت إليها مهمة كتابة الدستور، ثم عرض مسودة الدستور على الشعب العراقي في الخامس عشر من تشرين الأول 2005، ليتم التصويت عليها من قبل الشعب العراقي وبنسبة (80%) من المصوتين، ونسبة مشاركة بلغت أكثر من (60%) من الناخبين العراقيين.

ثالثاً: شكل نظام الحكم في الدستور

بعد سقوط النظام البائد ودخول سماحة السيد الحكيم (قدس سره) إلى العراق عن طريق محافظة البصرة قادماً من إيران أخذ يحدد نوع نظام الحكم المستقبلي في العراق، وقد ربط سماحتهُ شكل نظام الحكم بوجود الدستور، حيث لا يمكن أن يتم إيجاد هذا النظام دون أن يوجد دستور دائم يضمن وجود هذا النظام، حيث كان يقول: «ألان ـ وفي هذه الأيام بصورة خاصة ـ نواجه قضية أساسية ومركزية ورئيسية، هي قضية تشخيص النظام المستقبلي للعراق، الذي يمكن أن يتم من خلال تدوين دستور للبلاد».

وكان يؤكد كذلك على ضرورة أن يكون هذا النظام متأتياً من خلال إرادة الشعب، وليس مفروضاً عليه، حيث يقول: «نريد تحكيم إرادة الشعب العراقي في قيام نظام ينتخبهُ أبناء الشعب العراقي بسنتهِ وشيعتهِ، وأكرادهِ، وتركمانهِ، وحتى أقلياتهِ الدينية».

فهو لم يقبل أن يأتي هذا النظام بناءً على إرادة الإحتلال أو من يعينهُ الإحتلال، بل يجب أن يكون هذا النظام قائماً على إنتخابات عامة يشترك فيها جميع أبناء الشعب العراقي.

ورؤية سماحة السيد الحكيم للنظام المستقبلي لشكل الحكم في العراق تقوم على ضرورة توافر الأركان التالية :

الركن الأول:

أن يكون هذا النظام منبثقاً عن إرادة الشعب العراقي، بحيث يساهم العراقيين من خلال إنتخابات حرة نزيهة لإنتخاب أي حاكم أو حكم، وهو الذي يُعبر عنهُ بالمصطلحات السياسية بالديمقراطية.

الركن الثاني:

الإسلام لابد أن يكون ركناً أساسياً، ولا يمكن التنازل عنهُ مهما إستخدمنا من مصطلحات.

لم يطالب السيد الحكيم (قدس سره) عند دخولهِ إلى العراق بدولة إسلامية، كما كان الجميع ينظر إلى ذلك ويُثير قلق الكثير من الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، بل قد طرح سماحتهُ طرحاً جديداً لم تألفهُ جميع القوى السياسية الأخرى، حيث طالب بنظام ديمقراطي يحترم الإسلام ويحافظ على الهوية الإسلامية للشعب العراقي، وقد ألزمهم بما ألزموا به أنفسهم، فأمريكا تتمسك بالديمقراطية وتنادي بها فيجب أن نلزمها بالديمقراطية في اختيار شكل نظام الحكم في العراق، كما وأكد على خصوصية التجربة العراقية وعدم الرغبة في إتباع التجارب الأخرى، حيث يقول: «نحن قلنا، ونقول، ونؤكد أننا لا نريد أن نستنسخ نسخاً للحكم الإسلامي في هذا البلد أو ذاك البلد، يوجد حكم إسلامي في إيران، ويوجد حكم إسلامي يحكم بأسم الإسلام في المملكة العربية السعودية، وهكذا حكم أخر يرفع شعار الإسلام ويقول أنهُ حكم إسلامي في السودان وغير ذلك من المناطق، نحن نريد حكماً يحترم الإسلام ولا نكتفي بهذا، بل ويُحترم فيهِ الإسلام».

فهو لم يقل نريد حكماً إسلامياً أو حكماً دينياً رغم كونه رجل دين وسياسي إسلامي ويتخذ من الإسلام منهجاً لهُ في جميع نواحي الحياة، بل كان يطرح طرحاً يلائم الظروف التي يمر بها الشعب العراقي ولا يُثير أي نزاع أو مشكلة في ظل تلك الظروف التي يمر بها العراق.

الركن الثالث:

كان يؤكد سماحتهُ (قدس سره) على ضرورة أن يقوم هذا النظام على أحترام خصائص الشعب العراقي، حيث يقول: «الكردي من حقهِ أحترام ثقافتهُ، والعربي من حقهِ احترام ثقافتهُ، والشيعي من حقهِ أن تُحترم ثقافتهُ ومذهبهُ في المناطق الشيعية وتدرس في مدارسهم ويعلم أبناؤهم، كما ومن حق السني أيضاً أن تُحترم ثقافتهُ في مناطق بلادهُ، والمسيحي في مدارسهُ ومجتمعاتهُ».

ونظرتهُ كانت تشمل جميع مكونات الشعب العراقي، فلا يقتصر على مكون معين أو طائفة معينة، كان يريد هذا النظام شاملاً لكل أبناء الشعب العراقي، ومحترماً لخصوصياتهم وثقافاتهم.

الركن الرابع:

كان السيد الحكيم دائماً يؤكد على وحدة الشعب العراقي، وضرورة المحافظة على هذه الوحدة، وكان يرفض الأفكار التي يروج لها البعض أن سقوط نظام صدام يعني التقسيم والتجزئة للشعب العراقي، وكان يقول: «نحن ندعو الى عراق واحد، وحكومة واحدة، وشعب واحد، وأرض واحدة، ولا نسمح ولا نقبل أن يتجزأ العراق، أو يتفكك، أو يصبح دويلات، ومن هنا كنا نرى أن الحل الصحيح هو الفيدرالية، بطريقة تعبر عن هذه المضامين وهذه الخصوصيات، وهي نظام معروف في العالم».

ونلاحظ أن سماحتهُ يؤكد على ضرورة أن يكون شكل نظام الحكم نظاماً فيدرالياً، وبطريقة تضمن وحدة العراق مكوناً وشعباً وأرضاً، وسنتعرف على رأي سماحة السيد في الفيدرالية في موضع لاحق في البحث.

تلك هي الأركان الأساسية والتصورات العامة لشكل نظام الحكم الذي كان يراهُ سماحة شهيد المحراب (قدس سره) الذي يجب أن يسود في العراق، وهو بذلك لم ينطلق من رؤية خاصة بهِ، بل هي رؤية للشعب العراقي بأكملهِ «في حديثنا عن مستقبل العراق لا نريد أن نتحدث عن رؤية سياسية خاصة بنا رغم أن لدينا مثل هذه الرؤية التي نؤمن بها ويعتز بها شعبنا في العراق، وإنما نريد أن نتحدث عن رؤية سياسية تخص العراقيين جميعاً؛ لأننا نريد أن يكون العراق للعراقيين جميعاً».

ومن أهم النصوص الدستورية التي إستلهمت هذه الرؤية لسماحتهُ (قدس سره) والتي وردت في الدستور الدائم لسنة (2005) في شكل الحكم في العراق وهي :

أ) المادة (1) من الدستور التي تنص على: (جمهورية العراق دولة إتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي ديمقراطي، وهذا الدستور ضمان توحيد العراق).

ب) المادة (2) الفقرة (ثانياً): (يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كالمسيحيين، والأيزيدين، والصابئة المندائيين).

ج) يتم تداول السلطة سلمياً عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور.

رابعاً: موقع الإسلام في الدستور

من أهم الأمور التي تناولها سماحتهُ هو التأكيد على الإسلام ودورهُ في العراق (فالعراق البلد الثاني الذي دخلهُ الإسلام بعد الجزيرة العربية) لذلك كان يرى في أن الدستور الدائم للشعب العراقي لابد أن يؤكد على جملة من الأمور المهمة والمتعلقة بالإسلام، وسنأتي على ذكرها بالشكل الأتي:

أ) يكون دين الدولة الرسمي الإسلام

من أهم الأمور التي ينبغي أن ينص عليها الدستور هو الدين الرسمي للدولة، وقد أكد سماحتهُ في أكثر من مرة على أن العراقيين «(95%) منهم مسلمون رغم إختلافهم وتنوعهم في قومياتهم ومذاهبهم إلا أن الجامع لهم والموحد لهم هو الإسلام».

بل حتى المسيحيون في العراق يحترمون الإسلام أيضاً ويعتبرونهُ الظل الظليل لهم ـ على حد تعبير سماحته ـ.

لذا فلابد أن يكون الدين الرسمي للدولة العراقية هو الإسلام، وأن ينص على ذلك في صلب الدستور.

ب) أن تُحترم القيم الإسلامية

أيضاً أكد على ضرورة أن يقوم الدستور على أحترام القيم الإسلامية للشعب العراقي ويكون ذلك بالنص على (الهوية الإسلامية للشعب العراقي في صلب الدستور) حتى يضمن المحافظة على هذه الهوية وعدم ضياعها وإستلابها في ظل هذه الفترة وفي خضم التغيرات التي طرأت على الشعب العراقي، لذلك فقد كان يرفض أن توجد هنالك تجارة بغاء مثلاً على غرار ما موجود في الدول الأوربية إذ كان يرى سماحتهِ: «أن الدول الأوربية لها ثقافتها والمسلمون لهم قيمهم وثقافاتهم وهذه الثقافة لا يمكن أن يقيمها المسلمون».

وسماحتهُ أراد بذلك أن يضمن أن تكون الهوية الحقيقية للشعب العراقي هوية إسلامية، وليس مجرد نص يذكر أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، بل يجب أن يتجسد ذلك بالواقع العملي في حياة المجتمع.

ج) أن تُحترم الشريعة الإسلامية

تنص العديد من القوانين في العراق على إعتبار الشريعة الإسلامية أحد مصادر التشريع، بحيث إذا لم يوجد هنالك نص يمكن تطبيقهُ فيمكن اللجوء أولاً للعرف ثم للشريعة الإسلامية.

ولكن سماحتهُ أكد على ضرورة النص على أن: «الشريعة الإسلامية لابد أن تكون مصدراً أساسياً في قانون هذا البلد، فلا يمكن أن يكون قانوناً لا يحترم الشريعة والقرآن وسنة النبي الواضحة وغير ذلك من القضايا.

ونلاحظ هنا البعد الستراتيجي لرؤيتهِ في علاقة الشريعة بالقانون فهو لم يقل (المصدر الوحيد للتشريع) أو المصدر الأساسي بحيث تكون كل القوانين المشرعة مستمدة من الشريعة الإسلامية، ومما يمكن أن يلقى معارضة من الإتجاهات والتيارات العلمانية التي ترى في ذلك تعارضاً مع منهجها السياسي والفكري، وكذلك فأنه لم يقل (أحد مصادر التشريع) بحيث يكون في ذلك هدر وتفريط بالشريعة الإسلامية وما تحتويهِ من قيم ومبادئ تضمن الحياة الكريمة والسعادة الدنيوية والأخروية، بل أختار رأياً وسطاً بين الأمرين وقال: (مصدراً أساسياً) إدراكاً منهُ لأهمية هذا الموضوع بالنسبة للجميع، وحتى لا تسبب هذه المسألة مشكلة بين التيارات السياسية الفاعلة في الساحة العراقية، وفي ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها العراق، وهو بذلك كان ينطلق من رؤية تشمل جميع العراقيين وتنظر لهم بعين المساواة، ولا تقتصر على رؤيته الخاصة أو منهجه السياسي.

لذلك فقد وضع سماحتهِ صيغة توافقية بين جميع الآراء التي يمكن أن تطرح في مسألة موقع الشريعة الإسلامية من القانون.

وكان لهذه الأفكار التي طرحها سماحة شهيد المحراب (قدس سره) لموقع الإسلام في الدستور صداها في دستور العراق الدائم لسنة 2005 وفي المواضيع التالية:

أولاً: ما نصت عليه المادة (2) الفقرة (أولاً) من الدستور بقولها «الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساسي للتشريع»:

أ. لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام.

ثانياً: ما نصت عليه أيضاً المادة (2) الفقرة (ثانياً) «يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والأيزيديين والصابئة المندائيين».

خامساً: الفيدرالية

يتميز العراق بتنوعهُ القومي والديني والمذهبي، وبأمتداد هذا التنوع على مختلف مناطق العراق، والسيد الحكيم (قدس سره) كان يرى في هذا التنوع صفة إيجابية وحسب قولهُ: «لاشك بوجود تركيبة خاصة للشعب العراقي يتميز فيها عن كثير من الدول والشعوب العربية والإسلامية، وهي تركيبة تعبر عن صفة إيجابية في هذا الشعب، وتقدم النموذج الصالح للتعايش على مستوى الشعب بين القوميات والمذاهب والأديان».

وسماحتهُ كان يرى أن العراق كان يُدار ومنذ أيام الدولة العثمانية بطريقة مركزية وتمايزية بين مكوناتهِ، وذلك من خلال فئة صغيرة تتحكم بجميع مناطق العراق وتضطهد المكونات الأخرى التي تنتمي إلى الشعب العراقي.

وكان يرى في الفيدرالية كأسلوب لإدارة العراق هو حل أمثل وضمانة لحقوق جميع العراقيين، حيث يقول: «أما تشخيص الفيدرالية كحل، فان الفيدرالية الإدارية هي أسلوب معروف وصحيح في إدارة الحكم ويستمد مقوماتهِ النظرية إسلامياً من نظام الولايات الذي عرضتهُ في أحدى محاضراتي كحل أفضل للمشكلة الكردية، وقد يكون بتعميمهِ إلى بقية المناطق مفيداً وعملياً وناجحاً».

ويلاحظ على هذا الطرح مايلي:

1. أن سماحة السيد قد حدد الأساس الشرعي للفيدرالية وأعتبارها مسألة مقبولة شرعياً، بل أنها كنظام يستمد أساسهُ من النظام الإسلامي في إدارة الولايات في أيام حكم الدولة الإسلامية.

2. أنهُ حدد نوع الفيدرالية الذي يجب أن يعتمد ألا وهو (الفيدرالية الإدارية)، وليس فيدرالية تكون مبنية على أسس طائفية أو قومية.

3. أن الفيدرالية وأن كانت حلاً للمشكلة الكردية التي لم تجد لها حلاً طيلة تعاقب الحكومات في العراق، إلا أن هذا الحل يجب تعميمهُ على كافة مناطق العراق فلا يوجد مانع يحول دون ذلك.

كما ورفض الآراء التي كانت ترى في الفيدرالية مقدمة للتقسيم أو التجزئة وذلك بقولهُ: «ولا تعني الفيدرالية التقسيم أو تجزئة العراق بطبيعة الحال، ولكنها تُثير الكثير من المخاوف الداخلية والإقليمية ولذا لابد من التعامل معها بحذر».

إذ كان يرى ضرورة التعامل مع مسألة الفيدرالية بحذر؛ وذلك لأنها وبحسب تعبيرهُ تثير الكثير من المخاوف الداخلية والإقليمية فالعديد من الدول وخصوصاً الدول المجاورة للعراق ترفض فكرة النظام الفيدرالي في العراق، وترى في الفيدرالية مقدمة للتقسيم والتجزئة، وتتخذ من ذلك ذريعة للتدخل في الشأن العراقي بحجة حماية الأقليات المضطهدة ومن جانب أخر فأن العديد من القوى السياسية في داخل العراق أيضاً ترفض الفيدرالية؛ بسبب مخاوفها من أن الفيدرالية ستمنحها مناطق فقيرة في حين ستكون المناطق الغنية من حصة الآخرين، لذلك نرى أن شهيد المحراب قد أكد على أن يتم صياغة الفيدرالية بصورة صحيحة ولا تثير أي طرف.

ومع ذلك فأن سماحتهُ (قدس سره) قد وضع ثلاث شروط للفيدرالية وهي:

1. أن يجري تعديل حقيقي على الأسس والسياسات العامة التمايزية بين فئات الشعب العراقي.

2. أن تكون نظاماً إدارياً إجتماعياً ضمن الوحدة العراقية الكاملة.

3. أن تكون مقبولة من أبناء الشعب العراقي بكل قومياتهُ في إستفتاء عام يضمن فيهِ حرية التعبير عن الرأي بعيداً عن التدخل الخارجي أو الإكراه.

وبدون هذه الشروط الثلاثة، فأن مسألة الفيدرالية لا يمكن قبولها بحسب وجهة نظر سماحتهُ، وإن كان يرى أمكانية نجاح الفيدرالية في العراق ذلك لوجود التلاحم الإجتماعي بين مكونات الشعب العراقي، وبحسب قولهُ: «ولا شك أن أرضية الأخوة الإسلامية في العراق بين الشيعة والسنة والعرب والكرد والترك والعلاقات الإجتماعية الشعبية تعطي فرصة جيدة لوجود حكم قوي وحقيقي ومتماسك يقوم على أساس المساواة والعدالة في الحقوق العامة لجميع أبناء الشعب والأحترام المتبادل بالحقوق الثقافية والإجتماعية والدينية لجميع القوميات والمذاهب والأديان وليكن ذلك بصيغة الولايات والفيدرالية أو بأي صيغة أخرى مناسبة».

والدستور العراقي الدائم قد نص على الفيدرالية وأعتبار العراق دولة فيدرالية كما نصت على ذلك:

1. المادة (الأولى) بقولها (جمهورية العراق دولة إتحادية واحد مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي برلماني ديمقراطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق).

2. المادة (116) التي نصت على «يتكون النظام الإتحادي في جمهورية العراق من عاصمة وأقاليم ومحافظات لا مركزية وإدارات محلية».

3. المادة (117) التي نصت على:

أولاً: يقر هذا الدستور عند نفاذهِ إقليم كردستان وسلطاتهِ القائمة أقليماً اتحادياً.

ثانياً: يقر هذا الدستور الأقاليم الجديدة التي تؤسس وفقاً لأحكامهِ.

وكذلك بقية المواد الأخرى التي نصت على المؤسسات الفيدرالية والإتحادية ومن ذلك طرق تشكيل الأقاليم وتوزيع الإختصاصات بين السلطات الإتحادية وسلطات الأقاليم وبقية المواد الأخرى.

سادساً: الإنتماء إلى الأمة العربية

تعتبر مسألة هوية العراق العربية والإسلامية من المسائل المهمة التي كان سماحتهُ (قدس سره) يرى وجوب تثبيتها في صلب الدستور العراقي، وذلك بقولهِ: «هنالك قضايا مركزية ومهمة في الدستور لابد من الأهتمام بها وهي الإنتماء إلى الأمة الإسلامية والعربية، فالعراق أكثريتهِ الساحقة عربية وعضو في الجامعة العربية».

وأنهُ أراد من خلال ذلك التأكيد على أن العراق دولة عربية ينتمي للحاضرة العربية ويجري عليه ما يجري عليها، وذلك من اجل عدم إنسلاخ العراق عن هذا المحيط العربي، ومن اجل عدم فسح المجال للمشككين بهوية وانتماء العراق بعد سقوط نظام صدام البائد الذي كان يتستر بأسم بالعروبة زوراً وبهتاناً وينقض الإدعاءات التي كانت تقول ان النظام الذي سيقوم في العراق بعد الإطاحة بهذا النظام الفاسد سيكون ولاؤه ليس للأمة العربية بل إلى دول أخرى ليست عربية بطبيعة الحال.

صحيح أنهُ توجد هنالك قوميات أخرى في العراق كالكرد والتركمان، ولكن سماحتهُ كان يرى أن الأكثرية الساحقة من الشعب هي عربية فلابد إذاً من الأنتماء إلى الأمة العربية، كما أن العراق هو عضو مؤسس في الجامعة العربية ولابد من تأكيد هذه الحقيقة في الدستور بل والتأكيد أيضاً على أنتماء العراق ـ بكونهِِ بلداً مسلماً ـ إلى العالم الإسلامي والأمة الإسلامية وعدم تجريدهِ من هذه الهوية، خصوصاً وكما ذكرنا سابقاً من أن العراق البلد الثاني الذي دخلهُ الإسلام، وان غالبية الشعب العراقي من المسلمين.

ومن هنا نجد أن الدستور الدائم لسنة 2005 تضمن نص على هذا الأمر، وذلك بموجب المادة (3) منهُ التي نصت على مايلي: «العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو عضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية وملتزم بميثاقها، وهو جزء من العالم الإسلامي».

سابعاً: الحرية والعدالة وحقوق الأقليات

ومن القضايا الأخرى المهمة التي أكد عليها سماحة شهيد المحراب (قدس سره) هي مسألة الحرية وحقوق الأقليات وأحترام خصوصيات مكونات الشعب العراقي، وان يُصاغ الدستور بشكل يضمن العدالة للجميع، وسنأتي على بعض من هذه المسائل.

أ) الحرية

تعتبر قضية الحرية من القضايا المهمة والمركزية التي يجب أن يضمنها الدستور في نصوصهِ من وجهة نظر سماحة السيد الحكيم (قدس سره) وذلك حسب قولهُ «الحرية لابد أن تدون في الدستور».

وهذه الحرية قد إعتبرها من القضايا المهمة، نتيجة الظلم والإضطهاد الذي عانى منهُ الشعب العراقي طيلة الفترات السابقة، لذلك أكد سماحتهُ على ضرورة أن تكون في صلب الدستور.

ويلاحظ أن سماحتهُ (قدس سره) لم يتعرض في موضوع الحرية إلى القضايا التفصيلية والجزئية للحرية، فهو لم يتحدث عن الحرية السياسية أو الحرية الأقتصادية أو حرية ممارسة الشعائر أو حرية التملك والعمل وألخ … ولكن سماحتهُ تعرض للمفهوم بشكل عام تاركاً التفاصيل إلى المشرعين الدستورين الذين سيقومون بصياغة نصوص الدستور.

ومع ذلك فأن الحرية التي كان ينشدها هي حرية ملتزمة، تستلهم معاني الشريعة الإسلامية ولا تخرج عن الحدود والأطر الشرعية، ولا تكون سبباً في التناحر والإختلاف بين أبناء الشعب الواحد وقد نص الدستور الدائم على موضوع الحرية في المادة (15) التي نصت على: (لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقيدها إلا وفقاً للقانون وبناءً على قرار صادر من جهة قضائية مختصة).

وكذلك نص عليه الفصل الثاني من الدستور في المواد التالية:

1. المادة (37) المبدأ «حرية الإنسان وكرامتهُ مصونة».

2. المادة (38) التي نصت على الحريات التالية:

Ÿ أولاً «حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل».

Ÿ ثانياً «حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر».

Ÿ ثالثاً «حرية الإجتماع والتظاهر السلمي».

3. المادة (39) التي نصت على الحرية السياسية.

4. المادة (40) التي نصت على حرية الإتصالات والمراسلات البريدية.

5. المادة (41) التي نصت على حرية العراقيين في الإلتزام بأحوالهم الشخصية حسب مذاهبهم أو معتقداتهم.

6. المادة (42) التي نصت على حرية الفكر والضمير والعقيدة.

7. المادة (43) التي نصت على حرية ممارسة الشعائر الدينية والشعائر الحسينية.

8. المادة (44) التي نصت على حرية التنقل والسفر للعراقيين.

ومن المواد المهمة في موضوع الحرية والتي نص عليها الدستور هي المادة (46) التي نصت على: (لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناءاً عليه على أن لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية).

ب) العدالة

وأكد السيد الحكيم كذلك على ضرورة العدالة في الدستور، إذ كان يقول: «لابد أن يصاغ الدستور بصياغة تحقق العدالة».

وهو في طرحهُ لمفهوم العدالة أيضاً أشار لمفهوم عام ولم يتطرق إلى تفاصيل هذه العدالة وفي أية مجالات أقتصادية أو سياسية وإنما ترك ذلك للمشرعين، ولكنهُ ذهب إلى أعتبار النظام اللامركزي أو الفيدرالي أحد المسائل التي تحقق العدالة للمحافظات العراقية، حيث يقول: «لا معنى أن يكون حكم مركزي بحيث يكون شخص في بغداد يتحكم بكل شؤون العراق ولا رأي للعراقيين في بلادهم، ليكن هنالك رأي للعراقيين في هذه المحافظة وفي تلك المحافظة، يختارون محافظهم ومجلس المحافظة ويخططون لشؤون المحافظة، وتكون المركزية في القضايا الرئيسية الأساسية كالدفاع والخارجية والنفط والثروات العامة وما أشبه بذلك من أمور أساسية أم التفاصيل فلكل محافظة شأنها، ولابد أن تُعطى لها هذه الحرية حتى تحقق العدالة بالنسبة للمحافظات».

وكما هو معروف فقد نص الدستور على أعتبار العراق دولة إتحادية فيدرالية ووزع الإختصاصات ما بين السلطات الإتحادية وسلطات الأقاليم وبطريقة تضمن تحقيق العدالة بالنسبة لجميع الأقاليم أو المحافظات الغير منتظمة في إقليم.

وقد نص الدستور على موضوع العدالة كذلك في المادة (14) منهُ التي نصت على: (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الأقتصادي أو الإجتماعي).

ج) حقوق الأقليات

كان السيد الحكيم (قدس سره) يحترم جميع مكونات الشعب العراقي وينظر لها بعين المساواة، وخصوصاً بالنسبة للأقليات الدينية، إذ كان يرى: «أن التعرض لهم أو الأعتداء عليهم يُعد عدواناً لا تسامح معهُ» لذلك فأن موضوع حماية هذه الأقليات وأحترام خصوصياتها من الأمور المهمة في الدستور وبتعبيرهُ (قدس سره) يُعتبر من القضايا الأساسية المركزية فيهِ، حيث يقول: «لابد أن يكون هنالك أحترام لخصوصيات شيعة أهل البيت، واحترام لخصوصيات أهل السنة، واحترام لخصوصيات الأقليات الدينية والأعتراف بها، حتى يمكن أن يتعايش العراقيين بعضهم إلى جانب بعض».

والدستور العراقي قد ضمن لجميع هذه الأقليات حقوقها، إذ نص في المادة (2) البند (ثانيا): (كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والأيزيديين والصائبة المندائيين).

الخاتمة

من خلال ما تقدم في البحث نرى التأثير الواضح لفكر سماحة السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) على الدستور الدائم ومواضيعهُ الأساسية، وذلك من خلال خطبهِ ولقاءآتهِ العامة والخاصة وتوجيه الأمة وتنبيهها لأهمية الدستور في مستقبل العراق، وكذلك من خلال تأثيرهِ على من سار على نهجهِ (قدس سره) وتأثر بتصوراتهِ النظرية للدستور سواء من المشرعين الدستوريين أو القادة السياسيين .

وقد عرفنا من خلال البحث أن من أهم المسائل التي أُستلهمت من رؤية السيد الحكيم (قدس سره) للدستور، هي أن يُصاغ الدستور بواسطة ممثلي الشعب، وأن يُطرح على الشعب في إستفتاء عام ليتم التصويت عليه، وكذلك في نوع الحكم الذي ينبغي أن يسود في العراق وهو حكم ديمقراطي وفيدرالي يحترم الإسلام ويحترم الهوية الإسلامية والعربية للشعب العراقي، وكذلك في علاقة الدين بالدولة وعلاقة الشريعة بالقانون، وصياغة الدستور وفقاً لمبادئ الحرية والعدالة للجميع وضمان حقوق الأقليات.

هذا على الرغم من الفاصلة الزمنية ما بين إستشهادهِ رضوان الله تعالى عليه وتاريخ صياغة الدستور الدائم لسنة 2005.

فسلامٌ عليه يوم ولد وسلامٌ عليه يوم أستشهد وسلامٌ عليه يوم يُبعث حيا.

المصادر

1. الأربعة عشر، مناهج ورؤى، خطب الجمعة المباركة للسيد الحكيم، مؤسسة تراث الشهيد الحكيم (قدس سره)، الطبعة الأولى، 2004.

2. حوارات، المرجع الديني السيد محمد باقر الحكيم، منشورات دار التبليغ الإسلامي.

3. شروط الحرية والإسلام، المرجع الديني السيد محمد باقر الحكيم منشورات دار التبليغ الإسلامي.

4. قبسات من حياة وسيرة شهيد المحراب، السيد منذر الحكيم.

اكتب تعليق

كافة الحقوق محفوظة لمؤسسة تراث الشهيد الحكيم، ولا يجوز الاستفادة من المحتويات دون إذن خطي.

الصعود لأعلى