الحركة الاسلامية والتغييرات التكاملية في فكر الشهيد الحكيم
بحث شارك في المؤتمر الأول لإحياء التراث الفكري والعلمي للشهيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم
الباحث : الدكتور رياض السيد حسين أبو سعيدة
مؤسسة المكتبة الوثائقية
الحركة الإسلامية والتغييرات التكاملية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الهادي وآله الهداة الطاهرين.
يعد الحضور المتميز في الساحة العلمية الذي تشهده الحياة الفكرية لمدينة النجف الأشرف موضع التعلم والتعليم، ومكان الدرس والتدريس، بنهوض مدرستها برسالتها المقدسة، وتواصل ماضيها العلمي بحاضرها الزاهر، استمرارا طبيعيا لموقف الإسلام المفتوح من معطيات العلم في آفاقه، واستكمالا للدعوة إلى إعادة تشكيل العقل الإسلامي؛ من أجل أن يكون أكثر قدرة على استيعاب المتغيرات، وتطوير الحياة الإسلامية، وحمايتها في الوقت نفسه من التفكك والعدوان.
من الممكن للنهضة الفكرية أن تبرز في أي مجتمع، إذا ما توافرت لها ظروف وعوامل تفاعلها أساسا لذلك البروز، ومن المعروف أن أهم تلك العوامل هو الإنسان.
إن ما تميز به فكر أتباع مدرسة الإمامة، مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، من ثوابت قائمة على أسس الحركة الإسلامية وأطروحاتها الدينية، متخذا من الإيمان بالإنسان وحريته منطلقا لاهتمامه بالعمل المعرفي؛ ليقدم بذلك طرحا متقدما من الفكر الإسلامي، موضع اعتزاز ومفخرة ليس للمسلمين فقط وإنما للإنسانية جمعاء، لما تقدم من عطاء علمي مفحم بالآراء النيرة؛ لأجل أن ينطلق التيار الإسلامي في اندفاعه نحو الحياة؛ ليصبح الواقع الجديد للعالم؛ وليجعل الإسلام في حركته معادلة جديدة في حركة السياسة الدولية بديلا عن السياستين العالميتين.
ومن الضرورة بمكان استيعاب أطروحات أولئك المفكرين والمتأخرين خاصة، وإبراز معالم الحقيقة لتلك الأفكار؛ لما تحمل من عمق في الطرح، وعلمية في الأسلوب؛ لتكون علامات مضيئة لكل حركة تغيير حقيقية.
كانت محاولتنا هذه للوقوف عند أطروحات أحد رواد هذه الحركة الإسلامية سماحة الشهيد السعيد آية الله المجاهد السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) في قراءة مفهوماتية لما يحفل به فكره العظيم من شمولية في الموضوع، وطرح دقيق من نظريات وأسس علمية لحركة الإسلام التكاملية نحو عملية التغيير الاجتماعي بما يتضمن من أطروحة إسلامية وقيادة دينية، متناولين إيمانه (قدس سره) بالإنسان، وببناء الجماعة الصالحة، وصوّر ذلك الإيمان في فكره النير، بأربعة محاور، هي:
- الإسلام والتحديات المعاصرة ـ أسلمة الدولة والنظرة الغريبة ـ
- الإطار الديني للأطروحة الإسلامية.
- المحتوى الروحي والأخلاقي بين الحكم وعملية التغيير الاجتماعي.
- المرتكزات العقائدية لحقوق الإنسان في الإسلام.
- التغييرات التكاملية لحركة الإسلام في ضوء حقوق الإنسان.
- الحرية بين مستوى الممارسة ومعناها التوحيدي.
الإسلام والتحديات المعاصرة
أسلمة الدولة والنظرة الغربية
بعد انتهاء الحرب الباردة وزوال الخطر الشيوعي، أصبح الغرب يعد الإسلام أعظم خطر داهم، يهدد كيانه وحضارته وهيمنته على العالم، إذ يرى الغرب أن الإسلام ليس مجرد دين يحدد علاقة الإنسان مع خالقه فحسب، وإنما يحدد ـ أيضاً ـ علاقة الإنسان مع الإنسان، ويشمل نظاما يتحدى كافة الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة في العالم[1].
فقد قام الغرب في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وبعد سقوط الدولة الإسلامية، بتنفيذ خطة واسعة الأبعاد، هدفها التأكيد على نقطة مركزية مهمة، هي:
«زرع اليأس والقنوط من أمكانية تطبيق الإسلام وقدرته على معالجة المشكلات المختلفة التي يواجهها الإنسان في عالمنا اليوم، مستغلين إلى أبعد الحدود حالة الانحطاط التي شدتها الدولة الإسلامية في أواخر حياتها من ناحية والأمة الإسلامية من ناحية أخرى»[2].
وبذلك يتحقق هدفهم بإبقاء المسلمين تحت سيطرة القوى الكبرى في مجال الحضارة الإنسانية والفكر والثقافة، فضلا عن الهيمنة السياسية والعسكرية.
يتطرق السيد شهيد المحراب (قدس سره) إلى كل هذه الحقائق، عندما يربط ذلك بفتح الطريق أمام التصور بالنسبة لقضية البعثة والرسالة المحمدية، بإشارته (قدس سره) إلى ما تواجهه الرسالة اليوم من حالة شبيهة بالحالة التي واجهتها في بدايتها، حيث ان الفرس والرومان فقدوا أرادتهم وقدرتهم على المواجهة، ولم يكونوا قادرين على أن يحلوا المشكلات المستعصية في بلادهم.
وعندما جاءت الرسالة الجديدة كانت الرسالة المنقذة والمنجية والقادرة على أن تعيد للإنسان أرادته وعزمه وإيمانه، ويؤكد سماحته (قدس سره) أن هذه الحقيقة يمكن أن نراها من خلال حركة الإسلام الواسعة التي تنتشر يوما بعد يوم، وتتوسع وتتبلور في وقت يتراجع العالم الغربي أمام هذه الحركة[3].
ونتج عن ذلك مجموعة التحديات الإسلامية التي تواجهها الحركة الإسلامية مدعين أن الإسلام يقف عاجزا أمام هذه التحديات: لأسبابٍ مختلفة ترتبط بالنظرية الإسلامية، أو بالوضع الاجتماعي الذي يعيشه المسلمون، أو بالأوضاع والعلاقات الدولية، أو الإمكانات والقدرات التي تملكها قوى الكفر والضلال، أو بالتطور الحضاري والمقولات الحضارية والمثل والقيم الجديدة التي شهدتها الإنسانية طيلة القرون الماضية»[4].
من الأجدر بمكان التوقف عند هذا النص، لنلمس ميل السيد شهيد المحراب (قدس سره) إلى إعطاء الأهمية، بل الأولوية لمصلحة الإسلام، ففي كل مقطع ومشروع تحرك فيه سماحته، كانت مصلحة الإسلام هي العنوان الرئيسي الأول الذي يتحرك من أجله[5].
يدلل إيمان الشهيد السعيد (قدس سره) المبني على مقدمات ومعطيات واقعية وموضوعية، وهو ما أظهره في أطروحته بشكل واضح، استمرار تلك المعطيات لتكون منفذا لكل تغيير حقيقي نحو الغايات والأهداف النبيلة.
فللإيمان أثره، فيما يتعلق ببناء الجماعة، في تحقيق غايات الإنسان الموضوعية، مع ما لديه (قدس سره) من منطلقات تؤمن بالإنسان، وتطلعات مستقبلية تتوقف عليه، من «حق، وعدل، وحرية، ومساواة»[6]. ولقد صرح الشهيد السعيد (قدس سره) بذلك بقوله: «فإن قيمنا وأخلاقنا وحضارتنا الإسلامية الأصيلة تدعو إلى الحق والعدل والسلم والأمن وكرامة الإنسان والمساواة»[7].
ويظهر تأكيد الشهيد السعيد (قدس سره) على (مصلحة الإسلام) جليا عند تناوله معطيات الحركة الإسلامية، وإدراكه لضرورة صب الجهود كلها من أجل تحكيم الإسلام في الحياة الاجتماعية للأمة.
ونلمس مفردات حرصه (قدس سره) على الإسلام فيما يتعرض له من تحديات، بما تتناوله أطروحاته (قدس سره) لمجموعة التحديات الأساسية التي تواجه الحركة الإسلامية، وتأكيده على مجتمع التقوى القائم على أساس الإيمان بالعدل الاجتماعي بين الناس. يتضح ذلك في ضوء ما أشار إليه من ضرورة الاعتماد على الحكم الشرعي والقوانين الإسلامية بما يضمن استقامة الحكم، مشددا على محورين أساسيين هما: الفقيه بمسيرته الطويلة المتضمنة الارتباط الروحي والمعنوي والسياسي مع ذلك الفقيه، أما الجانب الثاني فكان محور اهتمامه هو أفراد الأمة الصالحة، منطلقا (قدس سره) من العناصر المشتركة لتطلعات الإنسان نحو الحق والعدل والحرية الحقيقية والبناء عليها وقد صرح بذلك، إذ: «في بعض الحالات قد يكون وضع الناس وآراء الناس وميولهم ليست مع الحق، ومن ثم فالفكر الإسلامي يرى أن المُتَبع والحاكم بين الناس هو الحق»[8].
يتطرق السيد شهيد المحراب (قدس سره) في تناول مفردات هذا التحدي، لمجال نظام الحكم الإسلامي، على ثلاثة محاور هي:
- التحدي على مستوى القيم والمثل الإنسانية الحضارية.
- التحدي على مستوى الصيغة النظرية وتفاصيل الشريعة الإسلامية لشكل الحكم.
- التحدي على مستوى التطبيق والانسجام مع الظروف الموضوعية التي يعيشها الإنسان في مرحلته المعاصرة. ومدى إمكانية انسجام الحكم الإسلامي الأصيل على مستوى التطبيق مع ما انتهت إليه حضارة الإنسان، وما يضج به «عالمنا اليوم من مفاسد وإنحرافات، حيث تبدلت القيم والمثل، وأصبحت السياسة والحكم في هذه المرحلة الزمنية يعني: التضليل والخداع والغش والفساد والظلم والعدوان والطغيان وهتك الحرمات وهدر الكرامات، كما نشاهده في الحكومات المعاصرة، بحيث أصبح الانحطاط الأخلاق والفساد والظلم ظاهرة ملازمة للحكم في هذا العصر»[9].
إن أبرز صور الشك التي تبناها أعداء الإسلام والمخدوعون بمفاهيم الحضارة الغربية، في قدرة الحكم الإسلامي على تحقيق القيم والمثل الإنسانية، يظهر تصدي الشهيد السعيد لها في أطروحاته عند تناوله بحوث وكتابات المستشرقين وتلامذتهم العلمانيين. وتتأكد أولوية ذلك في فكره (قدس سره) عندما يصدر عباراته التي تتبنى هذا التحدي، نحاول الإشارة إلى أبرزها فيما يلي:
أشار (قدس سره) وأكد على مجموعة من المواصفات والأركان التي تكفل إسلامية الحكم وعدالته.
فقد أتخذ من مجتمع التقوى القائم على أساس الإيمان بالله، والعمل الاجتماعي بين الناس الذين يتساوون في نظر الإسلام، منطلقا لربط الحياة الدنيا بالآخرة: «لتحقيق التكامل في مسيرة الإنسان ومحاربته للظلم والعدوان والتسلط»[10]. ويتجلى ذلك بوضوح من خلال تأكيده على الحكم الشرعي والقوانين الإسلامية الهادفة إلى تحقيق المثل والقيم الإنسانية الضامنة للحكم وأستقامته. يتبين ذلك من تركيز الشهيد السعيد (قدس سره) على الجوانب العملية، والاهتمام بها وشموليتها، فبعد أن أعطى الأركان التي تكفل إسلامية الحكم وعدالته أهمية خاصة، وجّه عنايته إلى مساهمة الأمة في الحكم من خلال مرتكزيين رئيسيين، يمثل اختيار الولي الفقيه، أولهما: من خلال المسيرة الطويلة والدرجة العالية من المواصفات عبر التجربة والمعاناة. والثاني: يظهر بإشارته (قدس سره) إلى أفراد الأمة الصالحين، وتقديمهم المشورة الصالحة والخبرة العملية والعلمية عبر أجهزة وتشكيلات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
يتضح مما تقدم، أدراك الشهيد السعيد (قدس سره) لمواطن الأقتدار، ولمسه ومعاينته للمعطيات الموضوعية الدالة على ذلك الأقتدار، مع ما لديه من منطلقات مرجعية تؤمن بأحقية الأطروحة الإسلامية وقيادتها الدينية. يظهر ذلك بوضوح من تأكيده على هذا البعد وأولويته عنده بصياغته التحليلية النادرة التي تبلغ من عمق الطرح وروعة البيان، المتصف بها فكر هذا الرجل الرسالي العظيم.
صحيح، إن مديات التطور الاجتماعي والسياسي والفكري والثقافي لمجتمع ما باتت في الفترة الأخيرة تقاس بمقاييس ذات طبيعة سياسية بعيدة عن الموضوعية، والظرف الذي يمكن أن يفرض واقعا يمكن أن يبتعد أو يقترب من هذه الحقوق حسب طبيعة الظرف، ولكن الثوابت في هذا الميدان ـ بعيدا عن التحليل السياسي ـ تظل قائمة باعتبارها مصدرا من مصادر الفكر الإنساني المتفاعل على مدى التاريخ. ولأن القيم والمبادئ السامية من الكيانات الممتدة في الزمن، ذات الصور الموحدة، مما يوفر لها الحضور الدائم في حياة الإنسان في كل زمان، فقد أتخذ السيد شهيد المحراب (قدس سره) من إيمانه بـ(العدل) صور متعددة، ورغم أن الجانب الاجتماعي كان له الحظ الأوفر في إشارته إلى ضرورة الحكم الإسلامي والقوانين الإسلامية، إلا أنه من الواضح أيضا، أن الإيمان بالحرية الحقيقية في ضوء النظرة الإسلامية لقضية الحق والعدل ـ إذ أن المصالح ترتبط بالعدل والحقائق ترتبط بالحق ـ كان مرتكزا رئيسيا قائما بذاته في فكره العظيم، فالفكر: «الإسلامي قائم على أساس حكومة الحق والعدل، وليس على أساس الرأي والهوى والميول والرغبات»[11].
من المجدي أن ننفذ في دلالات مفردة«العدل» التي تختزن معاني ثرّه يغني بها فكر الشهيد السعيد بطرحة واقعا علميا عبر نظرة شمولية تتسع لها ألوان الطمأنينة في النفس من خلال تأمل أفاق رؤى هذا الرجل الرسالي.
سواء في رؤيته لقيمة الإنسان، أم علاقة الإنسان مع الله تعالى، أقام الإسلام جميع نظامه على أساس عقيدة العدل في نظرة أهل البيت (عليهم السلام).
فبعد أن مثّل الإنسان ـ بوصفه فردا من أبناء المجتمع ـ نظرية الالتزام في المجتمع بالعلاقات الاجتماعية بما تتصف به من منهج عادل غايته الإنصاف للجميع، عبرت هذه النظرية عن الخلفية العقائدية في النظرية الإسلامية فيما يجب أن تقوم عليه العلاقة الاجتماعية كونها تمثل أحدى الجوانب المهمة في النظام الإسلامي.
ويرى (قدس سره) ارتباط كل من الفكر الإسلامي والسياسة الإسلامية، وكل ما يرتبط بالقضية الإسلامية، بقضية الحق والعدل: «فما يكون حقا وما يكون عدلا يكون هو الحاكم في نظر الإسلام»[12].
الإطار الديني للأطروحة الإسلامية
تعاملت الأطروحة الإسلامية في الصدر الأول للإسلام، من خلال معاناتها، مع الجماهير التي وجدت في الدين منقذا لها من كل هذه المعاناة التي كانت تعايشها في الجاهلية.
بما أن الإطار الديني يتميز بعمق إستراتيجي يمثل بعدي الإنسان الفطريين، فأنه يستأثر بإطار إنساني إلهي، لا يفرق بين إنسان وآخر، ولا يرتبط بطبقة إجتماعية معينة أو مستوى أقتصادي معين: «لأن حاجات الجسد والنفس حاجات تتماثل فيها الطبقات والفئات إلى حد بعيد، وبالتالي يمكن أن يشملها هذا الإطار، ولا يقف عند فئة أو طبقة معينة»[13] وينظر السيد شهيد المحراب (قدس سره) إلى تساوي الأفراد في الأمتداد الأخروي للإنسان، فضلا عن ذلك فأنهم «يطمعون إليه جميعا، وهو في متناول الجميع؛ لأن مقياسه الإخلاص والتقوى والعمل من أجل القضايا المطروحة لوجه الله سبحانه»[14].
فضلا عن القضايا المصيرية، تتبنى الأطروحة الدينية الوجه الأصيل للدين، الملتزم مصالح الشعوب بشكل صادق وواع.
يؤكد السيد شهيد المحراب (قدس سره) وضع الدين ـ الجانب الإلهي الممتد عبر السماء ـ إلى جانب الحالة الإنسانية بعد أن يصل الحياة الدنيوية مع الحياة الأخروية، إذ يجد الدين في تبني مصالح الشعوب وقضايا المحرومين والمستضعفين والدفاع عنها، طريقا إلى الله والآخرة.
يتضح من ذلك، أن الإطار الديني في فكر الشهيد السعيد (قدس سره) وفق ما تناوله من نصوص تجديدية أصيلة في عمله الرسالي، أخذ يتجسد في الربط الوثيق بين المصالح الدنيوية للإنسان ـ هذه المصالح التي تمثل فيه جانب الحس الوجداني ـ وحاجات الجسد الملحة التي يتعامل معها كل حين و: «جانب المصالح الأخروية، والأهداف الكبيرة، التي تسمو بالإنسان وترتفع عن كل ما هو أرضي، ويندفع إليها الإنسان بفطرته، فتحول كل مشاعره وعواطفه إلى طاقة هائلة لا يمكن أن يقف في وجهها أي شيء»[15].
مع رسوخ أسس الحركة الإسلامية فيما أشار إليه الشهيد السعيد من صور متعددة، تعكس خصائص الإطار الديني لهذه الأطروحة، فإنه أعطى النظرية الإسلامية في عبارته وتناولاتها أولوية خاصة متمثلة في تنظيم وترتيب لمضامين الشريعة، وشرح وبيان لها؛ للإلتفات إلى هذا التنبيه والذي صرح به (قدس سره) من الأهمية بمكان، أن يكون منطلقا لكل من يسعى إلى التطوير في بناءات النظرية الإسلامية.
من الواجب الإشارة إلى أبرز مضامين عبارته (قدس سره) المتقدمة فيما يتعلق بخصائص القيادة الدينية للأطروحة الإسلامية وإطارها الديني. فما تميز به الإطار الديني ممثلا بقيادته وفق الخط العام، جعله مؤهلا لهذا الدور الفعّال، وقد أشار السيد الشهيد إلى مرتكزات إسلامية لكل الخصائص، منها: الارتباط الجماهيري الواسع، مؤكدا ضرورة مشاركة جميع الطبقات، وحتى تلك القوى السياسية التي لا تؤمن بالأطروحة الدينية.
وقد أبدى الشهيد السعيد (قدس سره)، لخصوصية كسب الجماهير لصف هذه القيادة، عناية خاصة وأهتمام جاد في فكره المتميز بشمولية النظرة، نتيجة قناعة وتطور كمي وكيفي بالارتباط بها في ضوء مجموعة من الشروط الموضوعية، وهذه الخصوصية هي التي: «تعطي هذه القيادة القدرة الفريدة في تحريك هذه الجماهير التي أرتبطت بها؛ لأن أرتباطها بها ليس عفويا أو طارئا أو عاطفيا، بل هو أرتباط وثيق قائم على المعاناة والفحص الذي يقوم به هذا الإنسان المؤمن ليتحقق به الارتباط مع الله سبحانه وتعالى»[16]، مؤكدا سماحته، أن هذا ما جعل مسيرة التنظيمات غير الإسلامية وراء هذا الخط من القيادة: «النظيفة المخلصة، التي لا تهادن ولاتناور، وتمضي في طريقها بعزم وتصميم، ولا يمكن لها أن تتراجع أو تنحرف عن القضية، أو تتاجر بها»[17].
يظهر بشكل جلي تناسب المقاصد والمعاني بعد أن أئتلفت الألفاظ والمباني، في فكر السيد شهيد المحراب (قدس سره)، عند تسليط الضوء على ما أتصف به هذا الفكر من إشارات مضيئة والتفاتات فذّه، في مجال الأطروحة الإسلامية وإطارها الديني، نجده قد أكد على أسس النظرية الإسلامية وخصائصها التي لابد أن تكون بالاستنباط الصحيح وكل إضافة معتبرة فقد أشار (قدس سره) إلى دائرة الاهتمام، بإيجاد التنظيم السياسي الإسلامي الذي يكفل حضور القدرة على مستوى التحرك السياسي المدروس، ويهدف ردم الهوة بين الأطروحة وإطارها الديني، ممثلا بالقيادة الدينية والشرائح الاجتماعية المثقفة، حيث كان هناك شعور بالحاجة لتنظيم إسلامي يتبنى النظرية الإسلامية الأصيلة المستوحاة من خط الإمامة ونهجها النير ومدرستها المعطاء من جهة، ولمواجهة التنظيمات غير الإسلامية التي أسست على أسس الحضارة الغربية أو الشرقية من جهة أخرى. الأمر الذي يؤكد إيمانه (قدس سره) القائم على استمرار تلك المعطيات المبنية على مقدمات مستوحاة من اعتقاده بالقضية وبالجماهير والقيادة، لتكون مَنْفَذا لكل تغيير حقيقي نحو الهدف المنشود، وهذه هي الصفة الرسالية في هذا الإنجاز.
يوجّه السيد الحكيم (قدس سره) عنايته إلى ذاتية القيادة، فيما يتعلق بخصائص القيادة الدينية للأطروحة الإسلامية وإطارها الديني، إذ يمثل الجانب الذاتي للقيادة في فكره السلوك والالتزام لدى هذا الخط القيادي على مرِّ التاريخ الإسلامي. وقد عرف الشعب المسلم هؤلاء القادة، وتأكد من رؤيتهم وأستقامتهم و: «أنهم أبعد الناس عن الدنيا ومصالحها وأغراءاتها، وأكثر الناس موضوعية وصدقا في التعامل مع القضايا المطروحة، وبالتالي فلا ترقى إليهم الشبهات في الخيانة أو الغدر، أو الالتفاف على مصالح الناس وقضايا الشعب والأمة» ففي عصر المصالح الاستعمارية، وهو ما أشار إليه (قدس سره)، في عصر: «يواجه فيه الإنسان كل يوم لونا جديدا من الخداع أو الغدر والمكر وراء المخططات التي يتبناها رجال يتظاهرون بالصلاح والإخلاص» فأن هذه الخصوصية تعد: «من أهم الخصائص في مجال الحكم والسياسة»[18].
يتمثل مفهوم دور الإيمان في عملية البناء الذاتي للإنسان من خلال تأثير السلوك الخارجي في الفكر الإسلامي، على الإيمان بالله سلبا أو إيجابيا، فبتكامله يكمل الإنسان، وبتسافله يتحول الإيمان إلى نفاق، ومن منطلق إيمان الشهيد السعيد (قدس سره) بالنخبة الصالحة ودورها في الأطروحة الإسلامية والقيادة الدينية، نجده يؤكد على الأرتقاء في الإيمان إلى المراتب العالية المقرونة بالتضحية والفداء. وفي ذلك كله إشارة بليغة وتأكيد صريح على وعي الأمة وأقترابها من غاياتها الحقيقية، فضلا عن ذلك فأن الإيمان المنشود وآثاره الإيجابية في الواقع الإسلامي هي ظاهرة، فأن: «المسلمين جميعا يقفون في صف واحد ضد الإرهاب[19]، والوعي السياسي لهم لا يسمح بان يسوّق هذا الشعار ضد المستضعفين والمسلمين، كما تسوّق الشعارات الأخرى ضدهم»[20].
ويرى (قدس سره) ـ من خلال فكره الواسع المتصف بعمق النظرة ـ أن الأطروحة التي تمثل حكم السماء، وتتبنى المصالح البشرية وقضايا الشعوب الأساسية، فضلا عن علاجها تمثل حاجات أساسية، منها: الحرية، والحياة الكريمة، والعلاقة البشرية المتوازنة، والعدل الاجتماعي، يتمثل بها الأنسجام والتلاحم مما يجعل من: «الأطروحة والقيادة قضية واحدة وقوة حقيقية للتفاعل مع الجماهير»[21].
يتضح من ذلك، أن تأكيد السيد شهيد المحراب (قدس سره) على الأطروحة الإسلامية والإطار الديني، كان لأجل التغيير الحقيقي الذي يظهر جليا في أطروحاته بالشكل الذي تجدر الإشارة إليه في قوله (قدس سره) بالنظرية الإسلامية لا باعتبارها إضافات وضعية أو صور موضوعية متقدمة على الشريعة، وإنما باعتبارها شكلا من أنظمة ترتيب مضامين الشريعة، المعتمدة على الاستنباط الصحيح المعتبر شرعا، فتراه (قدس سره) يؤكد ويوصي بالالتفات إلى: «اهتماماته باستنباط معالم النظرية بالاستناد إلى المصادر الأساسية: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والنصوص المعتبرة التي وردت عن أهل البيت (عليهم السلام)»[22].
فمن الواجب القول: إن هذا التحليل في مسيرة الإسلام والإنسانية، لهو من أروع الإشارات الحقيقية إلى مجالات الاقتدار على مستوى الحدث والتاريخ.
المحتوى الروحي والأخلاقي بين الحكم وعملية التغيير الاجتماعي
إن تأكيد الشهيد السعيد (قدس سره) على الإيمان بالإنسان يظهر بوضوح في أطروحاته وتناولاته، ويتجلى أبرز صور ذلك الإيمان بعبارته: «من الإنسان تبدأ عملية التغيير»[23].
يذهب (قدس سره) إلى أن الإنسان يُعُدُّ المحور الأساس في هذه العملية، والإنسان بمحتواه العقلي والعلمي والروحي والأخلاقي، يعطيه الإسلام أهمية خاصة في هذه العملية في المجتمع[24]، وتتأثر كل الأوضاع الاجتماعية الأخرى بهذا الجانب.
رغم تأكيد السيد الحكيم (قدس سره)، الذي يصوره ويشير إليه في عباراته وتناولاتها على المحتوى الروحي والأخلاقي للإنسان لأجل التغيير الحقيقي، إلا أنه يعطي (قدس سره) أولوية خاصة ودور أساسي لما يمنحه القران الكريم[25] للإنسان، بما ينسجم مع مرتكزات أساسية في التصور الإسلامي، نحاول الإشارة إلى أبرزها فيما يلي:
الأولى: يشير فيها (قدس سره) إلى أن الحياة الدنيا تمثل جانب اللهو واللعب في حياة الإنسان الأبدية، وان: «المحتوى الداخلي أو الجانب النفسي، هو العنصر الأهم في مصير الإنسان»[26].
الثانية: يتمثل المرتكز الثاني، في ان الله سبحانه وتعالى خلق الأرض وما فيها:«للإنسان كي ينتفع بها وخلق له السماوات والأرض كي يبتليه، ويمتحن إرادته في اختيار الحق والصواب أو طريق الباطل والضلالة»، ويرى (قدس سره) في ضوء إيمانه بالإنسان، تكامل الأخير: «من خلال هذا الامتحان»
الثالثة: نلمس في عبارات السيد الحكيم (قدس سره)، انطلاقا من اعتقاده بقدرة الفرد وإيمانه بالإنسان ودوره في عملية التغيير، حتمية قيام الإنسان في الأرض بما تقتضيه مسؤلية خلافته لله، التي يمثلها الإنسان في وجوده على الأرض، بعد أن: «عّلمه الله الأسماء ومنحه القدرة والكفاءة لعلمية الاستخلاف هذه» وتأكيد على ما سبق، نجده (قدس سره) يصرح بالقول: «وبالتالي فهو قادر على ان يخضع هذه الأرض لإرادته بإذن الله»[27].
بعد ان تناولت أطروحات الشهيد السعيد (قدس سره) التنظيم والترتيب لمضامين الشريعة، والشرح والبيان لها، في ضوء النظرية الإسلامية، مشيرا من خلال عباراته إلى ضرورة السعي إلى التطوير في بناءات هذه النظرية، ومشدداً على دور الإنسان عاملا أساسيا في عملية التغيير، أعطى (قدس سره) أولوية خاصة للأفراد في هذه العملية التي يجب ان تبدأ بهم، إلى أن هدف هذه العملية الأسمى: هو الفرد، ومتخذا من عمل الأنبياء (عليهم السلام) في ممارسة عملية التغيير هذه، دليلا وشاهدا له على ذلك، حيث كان الأنبياء يبدأون من الأفراد ليصلوا بعد ذلك إلى مرحلة عملية تغيير المجتمع الإنساني
و«جهاز الحكم الذي يدير شؤون الجماعة. ولم يكن الأنبياء يبدأون بالتخطيط لاستلام الحكم لتغيير الجماعة كلها»[28].
يظهر أن ما تبناه السيد الحكيم حول العلاقة الطبيعية بين الحكم والأمة، من خلال إشارته إلى صور متعددة لذلك. ورغم أنه يرى الدور الفاعل للحكم في التأثير بالقاعدة الاجتماعية وتوجيهها، وفق الخط العام في النظرية الإسلامية، «كما تؤكد على ذلك التجربة الاجتماعية والتاريخية والنصوص الإسلامية «القرآن الكريم والسنة والنبوية»، إلا إننا نجده يؤكد على عدم إمكانية الفصل بين الحالة الإنسانية والحكم، إذ كانت تلك الالتفاتة مرتكزا رئيسيا قائما بذاته في فكرة العظيم، حيث إن الحكم ـ أيضا ـ يعبر: «بشكل من الأشكال عن نتاج طبيعي تكويني للحالة الإنسانية، ومع قطع النظر عن الموقف التشريعي، ولكنه في الوقت نفسه، له دور في التأثير فيها؛ ولذا أعطاه القرآن الكريم أهمية خاصة». الأمر الذي يدلل على حقيقة أن «الحكم له دور الفصل والتأثير في الحالة الإنسانية، وليس مجرد حالة انفعالية وظاهرة انعكاس مرآتيه للحالة الإنسانية»[29].
أمتد ما ركز عليه السيد شهيد المحراب (قدس سره) في الاهتمام بالجانب العملي حتى القضايا الشاملة، فنجده بعد أن لحظ الجانب الاجتماعي والإنساني وما للحكم من تأثير في ذلك، يوّجه عنايته (قدس سره) إلى ما يمكن أن يعطيه القرآن الكريم من دور أساسي في الهداية والإصلاح، أو الضلالة والانحراف للإمامة والحكم «كما أن الأنبياء بما لهم من دور واقعي في التاريخ يمثلون أئمة الهدى والصلاح، ويعملون على تحقيق العدل والخير للبشرية وأما المجرمون والمستكبرون والطغاة والشياطين، فهم يمثلون أئمة الفساد والانحراف والضلالة». ومن هنا نجد: «القرآن الكريم جعل وراثة الأرض التي وعد الله بها عباده الصالحين، مقرونة بالحكم والإمامة، إذ بدون هذا الحكم والإمامة لا تتحقق هذه الوراثة»[30].
يظهر من إشارات السيد الحكيم (قدس سره) وأطروحاته حول سيرة الحكم وطريقة ممارسته عنايته بمحورين رئيسيين هما: حتمية سيرة الحكم باتجاه تحقيق المثل والقيم الإلهية في إطار الشريعة الإسلامية، والثاني: أن يمارس الحكم الإنسان الصالح المرتبط بالسماء (الأنبياء، والربانيون الأحبار): «وأن يعمق صلته وعلاقته بالأمة»، ويرى (قدس سره) أن الإسلام أعطى الحاكم مهمة مسؤلية: «النظارة والتربية والتزكية والتطوير للأمة باتجاه الأهداف السامية و الكمالات الإلهية، وبذلك يصبح دور الحكم «حلقة الوصل وأداة الارتباط بين الأرض والسماء، وبين الإنسان والله تعالى. ويتفرع على ذلك أن الطاعة للحاكم الإسلامي قضية ترتبط بالإيمان أكثر من أي قضية أخرى في سلوك الإنسان»[31].
يرى السيد الحكيم (قدس سره) وجود ظاهرة الدولة والحكم على يد الأنبياء، حيث أهتموا بها، وعملوا من أجلها، ويشير إلى أنها ظاهرة إلهية ونبوية، حسب النظرية الإسلامية في تفسير التأريخ، كما أنها ظاهرة «إلهية نظريا؛ لأنها تمثل الخلافة لله على الأرض، وأراد الله لها أن تقوم بدورها الخاص في حياة الإنسان في تحقيق العدل وهداية الإنسان إلى الكمالات الإلهية..» ولابد أن يجسد الإنسان في هذا الحكم، عندما يقوم به «منطق الخلافة الإلهية من العدل والرحمة والتكامل الروحي والاجتماعي»[32].
نخلص مما تقدم إلى الرؤيا الواضحة التي تبناها الشهيد السعيد (قدس سره) من خلال نظرياته وأطروحاته، والتي تتمحور حول دور الحكم في توطيد دعائم الإيمان والإسلام في كل التأريخ، عندما ننظر إلى أعمال الأنبياء وأعمال الطغاة، فللإيمان المبني على مقدمات واقعية أثره فيما يتعلق ببناء الجماعة، في تحقيق الغايات الموضوعية للإنسان من «حق وعدل وحرية ومساواة»[33]. مع تأكيده (قدس سره) على الدور الذي كان يقوم به الحكم عبر التاريخ في نشر الرسالة، وتحقيق إيمان الناس بها.
كما ويرى (قدس سره) من خلال إقامة الحكم الإسلامي فضلا عن كسر حاجز الطغاة، سببا لانتشار الرسالة في الأرض، والمنع من تأثير الهوى في الناس، فالرسالة «وان كانت تنسجم دائما مع الفطرة الإنسانية إلا ان الطغاة والمستكبرين يمنعون الناس من الإيمان بها». ويشير (قدس سره) إلى التجربة التاريخية في مسيرة البشرية، وكذلك إلى سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) «إنما تمكن من نشر رسالته في الجزيرة العربية، ومن ثم القدرة على الانتشار في مختلف أنحاء الدنيا، بعد أن أقام الدولة الإسلامية، وجاهد[34] من اجل كسر القيود والأغلال التي فرضتها الأنظمة الطاغوتية على البشرية»[35].
المرتكزات العقائدية لحقوق الإنسان في الإسلام
- التغيرات التكاملية لحركة الإسلام في ضوء حقوق الإنسان
- الحرية بين مستوى الممارسة ومعناها التوحيدي
صحيح ان مديات التطور الاجتماعي والسياسي والفكري والثقافي لمجتمع ما باتت في الفترة الأخيرة تقاس بمقاييس ذات طبيعة سياسية بعيدة عن الموضوعية والظرف الذي يمكن ان يفرض واقعا خاصا يمكن ان يبتعد أو يقترب من هذه الحقوق حسب طبيعة ذلك الظرف… ولكن الثوابت في هذا الميدان ـ بعيداً عن التحليل السياسي ـ تظل قائمة باعتبارها مصدرا من مصادر الفكر الإنساني المتفاعل على مدى التاريخ.
يبدو من الضرورة الإشارة إلى ما أبداه الشهيد السعيد (قدس سره) من صياغات تحليلة، وعمق في الطرح، وما أفاد به (قدس سره) في أطروحاته من بيان لإشارات مضيئة في مجال حقوق الشعوب في الاستقلال من الهيمنة الخارجية، والإرادة المستقلة في تقرير المصير، واختيار الأصلح، والاعتماد على النفس والذات دون وصاية خارجية وهيمنة أجنبية[36].
ولأجل تحقيق التغيير الحقيقي، نتيجة إيمانه بدور الإنسان في هذه العملية، يظهر جليا في أطروحات السيد شهيد المحراب (قدس سره) تبنيه لمسألة حقوق الإنسان المرتبطة أساسا بالفرد ـ الإنسان ـ والتي لا يمكن أن تبرز وتأخذ مداها الحقيقي إلا في مجموع الأفراد في المجتمع.
مما تجدر الإشارة إليه في مجال حقوق الإنسان، هو عدم الاكتفاء عادة بالإعلان عن كون هذا المجتمع أو هذه الدولة تعتنق أيديولوجية حقوق الإنسان، أو تعتقد بها، باعتبارها لصيقة بالإنسان، وتؤمن بضرورة احترامها، بل لابد من التعرف على حقيقة الممارسات اليومية والفعلية، فضلا عن القناعات المتبلورة في أدبيات وقوانين وقواعد السلوك العام للدولة[37]، كما ان مدى التطور الاجتماعي والسياسي والفكري لمجتمعٍ ما أو للدولة، ما بات في الفترة الأخيرة يقاس بمستوى القناعة، ليس فقط بوجود حقوق الإنسان، وإنما باحترامها من جانب السلطة، وهو ما أكد عليه السيد الحكيم (قدس سره)، من التزام طريق الجهاد والتضحية لتحقيق الأهداف، فان تحقيق العدل في العالم كله «لا يمكن ان يتم إلا من خلال ذلك؛ لان التجربة التأريخية التي يعرضها القرآن الكريم لمسيرة الإنسان، وقضية العدل والظلم والحرية والعبودية والتكامل الإنساني تدلل على ضرورة أن يخوض الإنسان الصراع مع الجبابرة والطواغيت الذين يفرضون الذل والعبودية والظلم والفساد في الأرض، كما يخوض الصراع مع ميول النفس وشهواتها، والضغوط الداخلية التي يواجهها الإنسان في حياته»[38].
إن إقرار هذه الحقوق في فكر الشهيد السعيد (قدس سره)، والوقوف بحزم إلى جانبها، لم يأت انطلاقا من نظرة سريعة مرحلية أو تكتيكية، إنما هو نظرة ثابتة ومبدئية في سلّم الأهداف الكبرى التي نادى بها، من حرية، واستقلال، وعدالة[39]، منطلقة من فهم واسع لهذه الحقوق، ومدى تأثير تلك المرتكزات العقائدية لهذه الحقوق التي تمثل الخطوط الرئيسية والأسس العامة التي يعدها الإسلام حقائق ثابتة في حياة الإنسان وعلاقاته الاجتماعية «وأسساً للتشريع الإسلامي، بحيث لا يمكن أن يتجاوزها أو يهملها»[40].
من الواجب الإشارة إلى أبرز صور هذه المضامين المتعلقة بالمرتكزات العقائدية، في ضوء ما تبناه السيد شهيد المحراب (قدس سره)، من أن تمسك الأمة بإيمانها بالله تعالى هو خير دليل موضوعي على رقيها، موضحا هذه العقيدة، ومؤكدا عليها باعتبارها محورا للنضال والتضحية[41]، وذلك في جانبين هما:
* التغييرات التكاملية لحركة الإسلام في ضوء حقوق الإنسان.
* الحرية بين مستوى الممارسة ومعناها التوحيدي.
من الغايات الأساسية في حركة الإسلام التغييرية والتكاملية، في ضوء ما تبناه الشهيد السعيد (قدس سره) هو التفكير في«الوسائل والأساليب والنشاطات التي يجب إتباعها أو الالتزام بها، وتربية الأمة على ممارستها في سبيل تطبيق الحقوق الأساسية للإنسان في عالمنا اليوم»[42].
ويرى (قدس سره) أن الجانب الأهم الذي لابد أن تتبناه حركة حقوق الإنسان في الإسلام هو تبني «القضايا الأساسية في حركة الإسلام والأديان في تطبيق هذه الحقوق اجتماعياً وإنسانياً» فضلاً عن توضيح الصورة الناصعة للشريعة الإسلامية وتبنيها قضايا حقوق الإنسان الأساسية وقضايا العدل والحرية والإصلاح للإنسان في هذا العالم في مقابل «التشويه الذي تعرضت له الشريعة الإسلامية والأديان بشكلٍ عام على يد الحركات السياسية الإلحادية»[43].
ترتبط مدلولات حقوق الإنسان الاجتماعية والروحية والسياسية، بشكل أساس بالجانب العقائدي، بما في ذلك الخلفية الثقافية لهذه الحقوق. إذ من الواضح «ان هناك تبادلاً مطرداً بين الممارسة الخارجية للإنسان والخلفية العقائدية والثقافية لتلك الممارسة في حياة الإنسان»[44].
ويبرهن السيد شهيد المحراب (قدس سره) على أن الخلفية العقائدية التي تنطلق منها ممارسة الحرية، هي: الإيمان بالله، ورفض كل المؤثرات الداخلية والخارجية على سلوك الإنسان، والاتجاه «نحو الكمال المطلق وهو الله»، لها أثارها النفسية والروحية «على حياة الإنسان نفسه، حيث يصبح الإنسان في هذه الأرض مستخلفا لله تعالى»، ويشير إلى أن اختلاف هذه الممارسة عن الحرية الشخصية المنطلقة من خلفية عقائدية مفادها: افتراض ملكية الإنسان لكل شؤون حياته ووجوده بشكلٍ مطلق، مما يؤكد جانب (الأنا) في الإنسان: «ويجعله يتجه بشكلٍ طبيعي لاستثمار كل الأشياء لإشباع غرائزه أو أحاسيسه، وتوظيف إمكاناته وقدراته للتعبير عن هواه ولتأكيد هذه (الأنا)»[45] ويصبح للحرية ـ وفق ما يراه (قدس سره) ـ معنى آخر يختلف، على مستوى الممارسة عن معناها التوحيدي.
ويفرّق الإمام (قدس سره) فيما أبداه من نظرةٍ شموليةٍ لكل من سعى إلى التطوير في بناءات النظرية الإسلامية، والسير قدما نحو عملية التغيير، بين الحرية المتجهة إلى ضبط العواطف والشهوات، المبنية على أساس التوحيد والصمود أمام الآلام والمعاناة، والحرية التي تطلق العنان للشهوات والغرائز، المبنية على أساس (الأنا) والتي تضعف أمام الآلام والمعاناة.
ينّبه السيد الشهيد (قدس سره) إلى جوانب ونقاط يعتقد بتأثيرها المباشر على فهم حقوق الإنسان، في مجال العلاقة بين الجانب العقائدي وحقوق الإنسان، لعل من أبرزها:
* رؤيته (قدس سره) اختلاف الكثير من مداليل الحقوق التي يؤمن بها الإنسان فطريا. فان دور الإنسان، الذي تربط بين وجوده ومسيرته في الحياة عقيدة التوحيد (بالله تعالى)، في الأرض هو: «دور الخلافة (لله) تعالى يجسد فيها عبوديته وتبعيته وأخلاقه، ويمارس فيها إرادته واختياره لتتطابق مع إرادة الله، ويتعرض فيها للامتحان والاختبار». مما يترتب عليه السير إلى مراتب (الكمال الإلهي)، وهو (الهدف) من وجود الإنسان في هذا الكون. فالإنسان «خلقه الله من اجل ان يكون خليفته في الأرض يجسّد فيها أخلاقه وإرادته سبحانه وتعالى وفضله على الملائكة الذين تطوعوا للتسبيح والتقديس، لما وهب الإنسان من خصائص وميزات تمكنه من الوصول إلى أعلى مراتب الكمال»[46].
* تفرض المتطلبات التي يتصف بها الإنسان المتميز بمجموعة من الخصائص، إيجاد هذه الخصائص التي تميز بها على الكثير من المخلوقات في هذا الكون، تحقيقا للهدف من خلقه، كالإرادة، والاختيار، والعلم بالحقائق، والقدرة على استكشافها وتركيبها.
يؤكد سماحة السيد شهيد المحراب (قدس سره)، على الدور الكبير في فهم الحقوق المترتبة على ما جبل به الإنسان، من مجموعة الاتجاهات «والهدايات والمدركات الفطرية والغرائز والأحاسيس والمشاعر سواء كانت ترتبط» بالجانب المادي من وجوده المتمثل بـ«الغريزة الجنسية والحاجة إلى الأكل والشرب والمسكن والملبس والأموال» أم الارتباط بالجانب المعنوي (الروحي) المتمثل بـ«حب الذات[47] و(الأنا) وحب الجاه والسلطان (الهوى) والميل لبعض الأشياء واستحسانها، مثل: (العدل)، والإحسان، والأمانة، أو النفور من بعضها الأخر..»، وما يمكن ان تلعبه من دور كبير بخصوص ذلك[48].
ينظر سماحة الإمام (قدس سره) إلى الخصائص المشار إليها؛ كونها تمثل طاقات أودعها الله تعالى في الإنسان تضمن له القدرة والقوة على التحرك نحو الأهداف «التي وضعها الله تعالى لوجود هذا الإنسان. وليبتليه بها؛ ليراه كيف يستخدمها في طريق الكمالات أو ينساق معها فيصبح أسيراً لها»[49] وهذا هو ـ وفق رأي سماحته ـ الفهم الإسلامي لهذه الخصائص الإنسانية (الغرائز والأحاسيس والمشاعر والحاجات).
يعطي الشهيد السعيد (قدس سره) الغرائز التي تعد عناصر ثابتة في وجود الإنسان، أهمية خاصة تظهر من خلال إشاراته الواضحة والمتكررة، بما تفرضه من حقوق معينة في علاقات الإنسان مع الكون أو مع أخيه الإنسان وحتى مع نفسه، ويؤكد سماحته أن فهمنا لطبيعة الغرائز والأحاسيس، يعد مجرد «طاقة محركة باتجاه الهدف تحفظ للإنسان قدرته وحيويته واستمراره في هذا الاتجاه الصحيح» ويفقد الإنسان حقوقها المفروضة «إذ استخدمها في الاتجاه الأخر[50] المضاد للهدى»[51].
ينظر الشهيد السعيد (قدس سره)، إلى أن الوسيلة لمعرفة الهدف والغايات السياسية ودرجات الكمال والطريق إلى الله الواحد، يمثلها العلم والادراكات الفطرية، و«بدون ذلك لا يمكن للإنسان أن يعرف هدفه من هذه الحياة»[52].
ويشير (قدس سره) إلى انه من هنا يمكن أن نفهم «حثّ القرآن الكريم على الاستفادة من العقل واللب والتدبر في حياة الإنسان، وتأكيد ان الدين هو من مدركات فطرة الإنسان وان العلم هو الطريق لمعرفة الله وخشيته»[53].
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[54].
(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)[55].
ويرى (قدس سره) أن هذا العلم يحصل من خلال وسيلتين: ذاتية، وخارجية، تتمثل الأولى «في الفطرة السليمة، والعقل والإدراك اللذان يهديانه إلى الله تعالى، والى كل القضايا الأساسية، كالوحي والعدل والبعث والنشور». أما الكتب التي بعث الله بها الأنبياء والرسل، مما يرسم «للإنسان طريقة إلى هذه الأهداف، وتدله عليها»[56] فضلا عن الحكمة والشريعة، فأنها تمثل الوسيلة الثانية.
فضلا عن حفظ التوازن بين مقتضيات الفطرة و «ارتقاء مدارج الكمال المطلق» أي: الهدف من وجود هذا الإنسان في هذه الأرض، يؤكد السيد شهيد المحراب (قدس سره) على أن محاولة وضع القوانين والأحكام التي جاءت من خلال هذه النظرية العقائدية والمعرفة لحقيقة الحياة التي يكون من أهدافها: «حفظ التوازن بين مقتضيات الغرائز والحاجات الفطرية ومتطلباتها من جانب، ومقتضيات مسيرة الكمال من جانب آخر» وتصبح بذلك «قضية ضرورية، وحقاً للإنسان في هذه الحياة أوجبه الله على نفسه»[57].
يشير ما تبناه السيد الحكيم (قدس سره) من خلال عباراته من رأي علمي مدروس، إلى أن انسجام هذا الحق الطبيعي مع الحكمة الإلهية، يعبر عن حقائق في حياة الإنسان تمثل مصالحه، وتسير به في طريق الكمال والرقي في الدنيا والآخرة، ولا «تعبر عن حاجة المولى لهذه النشاطات، أو الحدود؛ لان الله تعالى هو الغني» (وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ)[58].
يؤكد السيد شهيد المحراب (قدس سره) مسألة واقعية هذه الحقوق، وعدم كفايتها لكي يصبح الإنسان قادرا على إدراك حدودها، ولهذا «احتاج الإنسان إلى الشريعة والوحي الإلهي»[59]. ومن خلال مضامين عبارات سماحة السيد شهيد المحراب، وما افرزه فكره العظيم من أولوية خاصة، وحضور دائم في حياة الإنسان، تتضح الإجابة على التساؤل، من ان اعتماد الإنسان على التجربة الاجتماعية، وإدراكه العقلي والفطري لمعرفة حدود هذه الحقوق بتصديه، من خلال هذه المفاهيم العقائدية والحقائق الفطرية، بوضع القوانين الخاصة بها. أو بدل هذا الاعتماد، يكون بحاجة إلى الوحي الإلهي، القانوني الشرعي لها
وجهّه سماحة السيد الحكيم (قدس سره) عنايته إلى ضرورة الوحي الإلهي، وإرسال الأنبياء، وعلاقة ذلك بما سبق من تساؤل، فضلا عن توضيح الفرق بين التجربة الاجتماعية والتجربة الطبيعية للإنسان التي يمكن من خلالها ان يكتشف الحقائق الطبيعية، ويضع الحدود والقوانين لحفظ التوازن بينها ومعالجة مشكلاتها[60].
يؤكد الشهيد السعيد (قدس سره) على أبعاد ثلاثة رئيسية لحقوق الإنسان في الإسلام، متخذاً من الحقوق المرتبطة بالغاية من وجود الإنسان على الأرض، موضوعاً للقسم الأول، وقد حدّد حقوقاً معينة يمكن للإنسان من خلالها أن يحقق هذه الأهداف من وجوده، لعل من أبرزها:
* عّد السيد الشهيد (قدس سره) حق العبادة واجباً عقلياً، وإحساساً فطرياً يعبر عن الشعور بالحاجة لله تعالى والفقر الذاتي الذي يحس به الإنسان، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[61]، ونوّه إلى ان أعظم ألوان الظلم هو: «حرمان الإنسان من هذا الحق»[62].
* وشدد (قدس سره) على الحق في الحرية الواقعية، التي بدونها يصبح الإنسان عبداً مملوكاً فاقداً لإرادته وقدرته على الاختيار للأمر الحسن، ويرى حرية الإنسان من جميع الضغوط والمؤثرات الداخلية والخارجية، وتأثير الشهوات والعبودية للآخرين[63]. فضلا عن ذلك نجد الشهيد السعيد يشير في الوقت نفسه ويشدد إلى وجود الفارق الأساسي والرئيس في النظرية الإسلامية تجاه الحرية «بين الفهم النظري للرأسمالية واللبرالية الغربية، وذلك انه فكر يقوم على أساس ضرورة وجود تعدد سياسي، وصراع فكري وسياسي بين أطراف المجتمع» في حين أن الفكر الإسلامي قائم على أساس حكومة الحق والعدل، وليس أساس الرأي والهوى والميول والرغبات[64]. ويؤكد (قدس سره) بان النظرية الإسلامية هي: «تعددية محدودة في مساحتها، وتعددية مؤطرة بإطار الحق والعدل. هذا إطارها وهذه هي حدودها».[65]
* نلحظ في فكره (قدس سره) مسألة حق التكامل للنفس الإنسانية، والوصول بها الى (الجنة) من خلال جهاد النفس وجهاد أعداء الله، وذلك بالتأكيد على ممارسة الأخلاق الإسلامية، مثل: (الانفاق، الإيثار، الإحسان..). هذا الى حق العلم بالله، ومعرفة الحقائق الكونية، وحق التفكير والتأمل والتجربة والعلم بالدين والشريعة.
يتمثل الجانب الثاني من الحقوق التي تناولها الإمام الحكيم (قدس سره)، بما يرتبط بأصل وجود الإنسان على الأرض من حقوق، كالحق بالحياة، والحق في الأكل والشرب والعمل مما تفرضه سنة الحياة، والحق في الزواج والأسرة والعلاقات الجنسية، وجميع الحقوق ذات العلاقة بالاسرة، ويذهب (قدس سره) الى ان التمتع بخيرات الارض واستثمارها واعمارها، من جملة حقوق الإنسان على الأرض.
يجب التوقف عند نقطة هامة يلتفت اليها الشهيد السعيد (قدس سره) من خلال نظرته الشاملة لهذه الحقوق، تتعلق لما نشأ من حقوقٍ جديدة أخرى، بعد تطور وجود الإنسان على الارض، من الحالة البدائية الفطرية التي تتحكم فيها الفطرة الإنسانية الى الحالة الاجتماعية، لهذا الإنسان؛ نتيجة لما حصل من تطورات. ويتجسد ذلك بشكل واضح في إشارته (قدس سره) وتأكيده على وعي الامة، واقترابها من غاياتها الحقيقية، بما للايمان من أثرٍ فيما يتعلق ببناء الجماعة، وصولا الى تحقيق الغايات الموضوعية للانسان من «حق، وعدل، ومساواة» واعتبارها – أي هذه الحقوق – حقوقاً اساسية تستند عليها ممارسة الكثير من حقوق الإنسان الاخرى، فضلا عن كونها تتضمن نمو شخصية الفرد في ظل نظام موحد يسري على الجميع دون تمييز معين، سواء تعلق الأمر بالحقوق أم بالالتزامات. وهو ما تناوله (قدس سره) في القسم الثالث من الحقوق المرتبطة بأصل وجود الإنسان على الأرض.
يتقدم الحقوق التي تطرق لها السيد شهيد المحراب (قدس سره) «المساواة بين الناس في الإنسانية، ولا فرق بين رجل وأنثى، أو ابيض واسود، أو عربي أو أعجمي..» ويرى أن نسبة الناس بالأصل إلى المجتمع ومسؤلياته نسبة واحدة متساوية تتكافئ فيها الحقوق مع الواجبات[66]، ويشير (قدس سره) إلى أن حاجة الإنسان ظهرت في زحمة التطور الاجتماعي إلى الاختصاص ببعض الثروات بصورة أوضح، فكانت الملكية التي هي في الوقت في نفسه شئ فطري في الإنسان.
ويؤكد (قدس سره) على ضرورة تطابق هذه الحقوق دائما مع مصالح الناس، فالحكم الشرعي الذي يعبر عن الحق: «هو حكم واحد، نابع ومنبثق عن المصلحة الواقعية في السلوك الإنساني الفردي أو العام، وليس منفصلا عنها». وبنظرة شاملة وثاقبة، نجده يعطي أولوية خاصة بتحديده للمصلحة الواقعية، بقوله: «وما يكون مصلحة لجميع الناس هي المصلحة الواقعية في القضايا الاجتماعية العامة». بعد أن أكد (قدس سره) على حق تقرير المصير في الجانب السياسي، نجده يعطي أهمية خاصة إلى الجانب الاقتصادي الذي بدونه يتم إفراغ حق تقرير المصير السياسي من أي معنى ايجابي ينعكس على حياة الشعوب، ويرى ضرورة تعميق الوجه الاقتصادي لهذا الحق[67].
* انطلاقا من إيمانه (قدس سره) بمسألة حق تقرير المصير في وجهها الاقتصادي، التي تعني الاستقلال الاقتصادي بكل ما يتطلبه من نضال من جانب الشعوب لمقاومة الاستعمار الاقتصادي، والسيطرة على الثروات الأساسية للشعوب ومواجهة كل الوسائل، التي تعوق عمليات التنمية الاقتصادية، نجد أن حق تقرير المصير وممارسته يبرز بوضوح في فكر السيد الشهيد الحكيم (قدس سره) باعتباره ليس فقط مبدأ أساسيا ذا بعد سياسي أو اقتصادي يرتبط بحياة ومستقبل الشعوب، وإنما باعتباره حقا ثابتا يرتبط لعدد من المبادئ الأساسية.
كما ان سماحة الإمام (قدس سره) يرى أن التطور النوعي في الأبحاث والدراسات حول هذا الجانب يجب أن يهتم اهتماما خاصا باكتشاف وتفسير جميع أبعاد دور هذا الحق، السياسية والاقتصادية من ناحية، والتركيز على جانب علاقة هذه الأبعاد بالنظرية الإسلامية من ناحية أخرى.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين.
المصادر والمراجع
ـ القرآن الكريم.
ـ الأسدي، محمد هادي، سماحة آية الله المجاهد السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)، مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي، النجف الاشرف، 1420ﻫ.
ـ بركات، بشير، المستشرقون والصحوة الإسلامية، دار المستقبل، فلسطين، 1999م.
ـ الحكيم، آية الله السيد محمد باقر (قدس سره)، الرسول الأعظم، ط1، مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي، النجف الاشرف، 1424ﻫ.
ـ الحكيم، آية الله السيد محمد باقر (قدس سره)، دور أهل البيت (عليه السلام) في بناء الجماعة الصالحة ط2، ج1، دار الحكمة، إيران، قم، 1424ﻫ.
ـ الحكيم، آية الله السيد محمد باقر (قدس سره)، الحكم بين النظرية والتطبيق، ط1، مؤسسة المنار، 1992م.
ـ الحكيم، آية الله السيد محمد باقر (قدس سره)، الابتلاء والامتحان، مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي، النجف الاشرف، ب ت.
ـ الحكيم، آية الله السيد محمد باقر (قدس سره)، شروط الحرية في الإسلام، مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي، النجف الاشرف، ب ت.
ـ الحكيم، آية الله السيد محمد باقر (قدس سره)، حقوق الإنسان من وجهة نظر إسلامية، ط1، انتشارات الإمام الحسين (عليه السلام) للطباعة والنشر والتبليغ، قم المقدسة، 2004م.
ـ الحكيم، آية الله السيد محمد باقر (قدس سره)، مسؤولية الفرد في النظرية الإسلامية الاقتصادية في المبين، ع1، 2005م، مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي، النجف الاشرف.
ـ أبو سعيدة، سماحة السيد حسين، «الإسلام وسنن الثقافة» في الأضواء،ع2، 425 ﻫ، مؤسسة المكتبة الوثائقية العامة، النجف الاشرف.
ـ أبو سعيدة، السيد الدكتور رياض السيد حسين، الفكر السياسي الشيعي، النجف الاشرف، ب ت.
ـ الناصر، الشيخ غالب، شهيد المحراب مسيرة العلم والتحدي والشهادة، مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي، النجف الاشرف، ب ت.
ـ بيان سماحة آية الله المجاهد السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) إلى الملتقى السنوي للحجاج مكة المكرمة ـ ذو الحجة الحرام 1423ﻫ.
ـ بيان سماحة آية الله المجاهد السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)، إلى أبناء الشعب العراقي المظلوم بمناسبة حلول شهر محرم الحرام لعام 1424ﻫ.
ـ كلمة سماحة آية الله السيد محمد باقر الحكيم، إلى مؤتمر المعارضة العراقية، 10 /12/ 2002 م.
[1] أنظر بخصوص ذلك: أبو سعيدة، سماحة السيد حسين، «الإسلام وسنن الثقافة» في الأضواء، 2/ 1425 ﻫ، النجف الأشرف، ص 9ـ 13.
ـ بركات، بشير، المستشرقون والصحوة الإسلامية، دار المستقبل، فلسطين، 1999م، ص 3، 19.
[2] أنظر: الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، الحكم الإسلامي بين النظرية والتطبيق، ط1، مؤسسة المنار، 1992م، ص 39.
ـ أبو سعيدة، السيد الدكتور رياض السيد حسين، الفكر السياسي الشيعي، النجف الأشرف، ب ت، ص 8ـ 12.
[3] أنظر: الحكيم، آية الله السيد محمد باقر، الرسول الأعظم، ط1، مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي، النجف الأشرف، 1424 ﻫ، ص 140.
[4] الحكيم، السيد محمد باقر، الحكم الإسلامي، ص 40.
[5] أنظر: الأسدي، محمد هادي، سماحة آية الله المجاهد الشهيد السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)، مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي، النجف الأشرف، 1420ﻫ، ص 63.
الناصر، الشيخ غالب، شهيد المحراب مسيرة العلم والتحدي والشهادة، مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي، النجف الأشرف، ب ت، ص 138 ـ 139.
[6] كلمة سماحة آية السيد باقر الحكيم (قدس سره)، إلى مؤتمر المعارضة العراقية، 10 /12/ 2002م.
[7] الحكيم، السيد محمد باقر، الابتلاء والامتحان، مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي، النجف الأشرف، ب ت، ص 105.
[8] الحكيم، السيد محمد باقر، شروط الحرية في الإسلام، مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي، النجف الأشرف، ب ت، ص20.
[9] الحكيم، السيد محمد باقر، الحكم الإسلامي، ص55.
[10] الحكيم، السيد محمد باقر، الحكم الإسلامي، ص 57.
[11] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، شروط الحرية في الإسلام، ص19.
[12] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، شروط الحرية في الإسلام، ص19.
[13] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، الحكم الإسلامي، ص 25.
[14] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، الحكم الإسلامي، ص 18.
[15] الحكيم السيد محمد باقر (قدس سره)، الحكم الإسلامي، ص17.
[16] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، الحكم الإسلامي، ص 18.
[17] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، الحكم الإسلامي، ص 19، 20.
[18] الحكم، السيد محمد باقر (قدس سره)، الحكم الإسلامي، ص 24.
[19] أنظر: الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، شروط الحرية في الإسلام، ص 77، 78. الناصر، الشيخ غالب، شهيد المحراب مسيرة العلم والتحدي والشهادة، ص 114.
[20] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، الإتبلاء والامتحان، 108.
[21] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، الحكم الإسلامي، ص 25.
[22] الحكيم، آية الله السيد محمد باقر، دور أهل البيت (عليهم السلام) في بناء الجماعة الصالحة، ط2، دار الحكمة، إيران، قم، 1424ﻫ، ج1، ص 23.
[23] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، الحكم الإسلامي، ص 141.
[24] للسيد شهيد المحراب (قدس سره)، نظرة ثاقبة، فيما يتعلق بالعامل المؤثر الواحد في عملية التغيير:
(على خلاف التصور الماركسي الذي يعطي وسائل الإنتاج وتطورها الدور الأساسي في عملية التغيير.
أو النظريات الأخرى التي تعطي للطبيعة الدور الأساسي في التغيير والتكيف الاجتماعي، بحيث يكتسب الإنسان المواصفات الخاصة خلال الحياة التي تفرضها الطبيعة على شخصيته، كما يفهم ذلك من نظرية (داروين).
أو يكون للعرق دور خاص في التغيير والتطور الاجتماعي، كما في النظرية النازية.
أو يكون للغرائز الدور الأساسي، كغريزة الجنس، كما هو رأي (فرويد) أو غيرها من الغرائز، كغريزة التملك أو التسلط، كل هذه النظريات وما أشبهها يرفضها التطور الإسلامي في العامل الواحد المؤثر في عملية التغيير) «أنظر: الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، الحكم الإسلامي، ص142»
[25] سورة الروم: أية (41)، الأنفال: 52 ـ 53، أل عمران: 120 ـ 186، الطلاق: 2، 4، 5، 10، 11، يونس: 63 ـ 64.
[26] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، الحكم الإسلامي، ص 143.
[27] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، الحكم الإسلامي، ص 144.
[28] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، الحكم الإسلامي، ص 145.
[29] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، الحكم الإسلامي، ص 147، 148.
[30] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، الحكم الإسلامي، ص 149، 150.
[31] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، الحكم الإسلامي، ص 152.
[32] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، الحكم الإسلامي، ص 153.
[33] انظر: بيان سماحة آية الله المجاهد السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) إلى أبناء الشعب العراقي المظلوم بمناسبة حلول شهر محرم الحرام لعام 1424ﻫ.
[34] للسيد الشهيد نظرة ثاقبة لما يمتاز به الجهاد من خلفية دفاعية، إذ لولا هذه الميزة لاندرست معالم الدين وشعائره، ويرى (قدس سره) وفق ما يبدو من مسيرة الرسالة الإسلامية، ان الجهاد الدفاعي هو أصل نظرية الجهاد والقتال في الإسلام. فبعد أن تعرض المسلمون لمختلف أنواع العدوان من قبل أعداء الإسلام بدأ الجهاد، وكان رداً لعدوان يتعرض له المسلمين. وأوجب (قدس سره) على المؤمن وضع نفسه، في حالة التعرض للدين أو الإسلام سواء على المستوى الاجتماعي العام أم الخاص، في مقام المدافع عن الدين ببذله ما يملك من مال أو نفس لأجل الدفاع عن العقيدة التي تعد القضية الأولى من منظور إسلامي.
[35] الحكيم، السيد محمد باقر الحكيم، الحكم الإسلامي، ص 155/156.
[36] انظر: بيان سماحة آية الله المجاهد السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) إلى أبناء الشعب العراقي المظلوم بمناسبة حلول شهر محرم الحرام لعام 1424 ﻫ.
[37] انظر في ذلك، الأبعاد الدولية لحقوق الإنسان ـ اليونسكو ـ 1980
[38] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، حقوق الإنسان من وجهة نظر إسلامية، ط1، انتشارات الإمام الحسين (عليه السلام) للطباعة والنشر والتبليغ، قم المقدسة، 2004م، ص20 ـ 21.
[39] أنظر: بيان سماحته آية الله المجاهد السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) إلى الملتقى السنوي للحجاج، مكة المكرمة ـ ذو الحجة الحرام 1423ﻫ.
[40] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، حقوق الإنسان من وجهة نظر إسلامية، ص12.
[41] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، الابتلاء والامتحان، دار الحكمة، قم المقدسة، ب ت، ص103.
[42] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، حقوق الإنسان من وجهة نظر إسلامية، ص15.
[43] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، حقوق الإنسان، ص 15.
[44] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، حقوق الإنسان، ص 19.
[45] الحكيم. السيد محمد باقر (قدس سره)، حقوق الإنسان، ص 20.
[46] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، حقوق الإنسان، ص21.
[47] يؤكد سماحته ما تبناه السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) في كتابه (فلسفتنا) ص45، من نظرية حول علاقة الدين بالفرد في ضوء مقياسين هما: المقياس الخلقي، والمقياس الفطري الذي يتمثل بحب الذات.
[48] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، حقوق الإنسان، ص 23.
[49] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، حقوق الإنسان، ص 23 ـ 24.
[50] يؤكد السيد شهيد المحراب (قدس سره) قيام الفكر الإسلامي على أساس حكومة الحق والعدل
و «ليس على أساس الرأي والهوى والميول والرغبات» وانطلاقا من العناصر المشتركة لتطلعات الإنسان نحو الحق والعدل والحرية الحقيقية، يظهر ميله (قدس سره) جليا، إلى إعطاء الأهمية لربط الفكر الإسلامي والسياسة الإسلامية بقضية الحق والعدل (انظر: الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، حقوق الإنسان، ص19).
[51] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، حقوق الإنسان، ص24.
[52] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، حقوق الإنسان، ص26.
[53] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، حقوق الإنسان، ص 26 ـ 28.
[54] الروم: 30.
[55] فاطر: 28.
[56] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، حقوق الإنسان، ص 26.
[57] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)
[58] الروم: 26.
[59] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، حقوق الإنسان، ص 37
[60] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، حقوق الإنسان، ص 38.
[61] الذاريات: 56.
[62] الحكيم: السيد محمد باقر (قدس سره)، حقوق الإنسان، ص 47.
[63] انظر بيان سماحة آية الله المجاهد السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) إلى الملتقى السنوي للحجاج مكة المكرمة ـ ذو الحجة الحرام 1423ﻫ.
[64] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، شروط الحرية في الاسلام، ص 14.
[65] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، شروط الحرية في الاسلام، ص 27.
[66] الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، حقوق الإنسان، ص 57.
[67] ـ انظر بخصوص ذلك: بيان سماحة آية الله المجاهد السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) إلى أبناء الشعب العراقي المظلوم بمناسبة حلول شهر محرم الحرام لعام 1424ﻫ.
ـ الحكيم، السيد محمد باقر (قدس سره)، مسؤلية الفرد في النظرية الإسلامية الاقتصادية، في المبين، ع1/ 2005، مؤسسة شهيد المحراب لتبليغ الإسلامي، النجف الاشرف، ص 7 ـ 31.