شهيد المحراب أمتداد أصيل لمنهج الامام الحسين (عليه السلام)

tt

بحث شارك في المؤتمر الثاني لإحياء التراث الفكري والعملي للشهيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم

الباحث: الاستاذ المساعد د. منعم مجيد الموسوي

                     كلية الاداب ـ جامعة البصرة

تواطئة

لقد استوقفتني كثيراً ملامح توشح بها عطاء جهادي يندر مثيله في زمننا المعاصر لجبل شامخ هو اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره). حيث اعتمد الاسس المبدئية لثورة الأمام الحسين (عليه السلام) مستلهماً من تلك الثورة العظمى ـ وهي أعظم ثورة ضد الظلم والطغيان في التاريخ الانساني ـ دروسها الشمولية في أن الشهادة تمنح الحياة للشعوب والامم، فجعلها منهاجاً في مسيرة الجماعة الصالحة عموماً؛ لتجسد الشعار الحسيني العظيم (هيهات منا الذلة).

ولايخفى على المنصف ما لنهضة الأمام الحسين (عليه السلام) من أثر واضح المعالم في حركة ألتاريخ الاسلامي، بحيث كانت معطياتها الميدانية في تأريخ الامة سبباً لحفظ الدين الاسلامي الحنيف ومبادئه من مخاطر الانحراف والرذيلة التي تبنتها الدولة الاموية من اجل السلطة واطماعها الدنيوية. فقطعت ثورة سيد الشهداء (عليه السلام) على يزيد الظلم والانحراف رسالته الخبيثة. لترتفع مبادئ العدل والحق التي جاءت على لسان نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أن يظهر قائم ال محمد (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وقد حمل لواء هذه الثورة أئمة اهل البيت (عليهم السلام) وتوارثته من بعدهم الجماعة الصالحة على مراحل التأريخ.

وطغى يزيد العصر في العراق فانطلقت بوجهه صرخة مدوية على لسان شهيد المحراب (قدس سره): هيهات منا الذلة لتعيد الألق لثورة الحق والعدل بوجه الظالمين والطغاة.

سائلين المولى العلي القدير أن يثبتنا على قول الحق وفعله.

والله من وراء القصد..

قضية الأمام الحسين (عليه السلام) أطروحة آلهية

اعتبر شهيد المحراب (قدس سره) قضية الأمام الحسين (عليه السلام) أطروحة آلهية غيبية ـ بتأريخ الإنسانية جمعاء ـ متشابهة إلى حد ما مع أطروحة الأمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، التي شاء الله أن يختم بها تأريخ البشرية بقيام حكومة العدل والقسط الإلهي الكامل، حيث بشر الأنبياء بهذه الحكومة وهذه الأطروحة، كذلك أطروحة الأمام الحسين (عليه السلام) ذكرت على لسان الأنبياء السابقين ونبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل حدوثها، كما ورد عن الأمام الرضا (عليه السلام) فيما جرى بين النبي إبراهيم (عليه السلام) وربه حينما تله للجبين فأمر الله أن يفدي ولده بكبش انزله عليه لأنه جزع وحزن على مقتل الأمام الحسين (عليه السلام) وتمنى على الله أن يفجعه بولده ذبحاً كما سيفجع نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بولده الحسين (عليه السلام) مذبوحاً ولم يجزع لذبح ولده.

إن الجماعة الصالحة كانت ولاتزال تقيم مجالس العزاء الحسينية تأسياً بأهل البيت (عليهم السلام)، وكما ذكر عن الأمام الصادق (عليه السلام) «احيوا امرنا رحم الله من احيا امرنا» وكان الحديث يدور عن مظلومية اهل البيت (عليهم السلام) وخصوصاً ما جرى يوم الطف على الأمام الحسين واهل بيته (سلام الله عليهم) من ظلم كبير وتعدٍ على حدود الله من قبل الطغمة الاموية الفاسدة. ولذلك سميت الأماكن التي تقام بها هذه المجالس بالحسينيات، واصبحت هذه الحسينيات بعد ذلك مؤسسات ثقافية لنشر الثقافة الاسلامية من خلال إقامة الشعائر الحسينية وجعلها منهجاً للحياة تتحرك على اساسه الجماعة الصالحة.

اننا حينما نقول إن قضية الحسين (عليه السلام) أطروحة الهية غيبية فاننا نؤكد على ما أسس له الائمة (عليهم السلام) في جعل قضية الإمام الحسين (عليه السلام) القدوة والأسوة من خلال إقامة الشعائر الحسينية التي بقيت مستمرة ـ بجذوتها عبر المراحل التأريخية ـ ومؤثرة في مسار التأريخ بما يحفظ للامة الاسلامية أصالتها؛ لأنها اساليب توارثناها من أصحاب الشريعة الحقيقيين، وهم اهل البيت (عليهم السلام) فامتازت بالشرعية التي يفتقر لها الاخرون.

فديننا أخذناه عن القرآن الكريم والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة (عليهم السلام) لامتلاكهم الشرعية التي يتميزون بها دون غيرهم من الناس.

وقد تمثلت هذه الشعائر بالبكاء، والزيارة، ومجالس التعزية تحديداً، وبذلك يصبح الامر فيها واجباً. وقد يطلق بعضنا العنان لعواطفه ليعبر عن حبه لآل البيت (عليهم السلام) باكثر من ذلك فلا باس بالمستحب.

أما شعيرة البكاء على الحسين فقد اقامها واسسها امامنا زين العابدين (عليه السلام) لتصبح منهجاً اسلامياً لايعبر عن العواطف والاحاسيس التي عاشها شخصياً فقط بل ليؤكد عمق وهول المصيبة التي جرت على أهل البيت (عليهم السلام)؛ لتبقى تعيشها الامة الاسلامية، وتتحرك على أساسها الجماعة الصالحة، وقد اعطى أئمة اهل البيت (عليهم السلام) عمقاً ثالثاً لهذه الشعيرة عندما طرحوه اسلوباً لتعظيم شعائر الله، بل تحّول إلى عبادة يمارسها الانسان بطريقة فردية أو جماعية لها أهمية للثواب المترتب عليها، فالبكاء على الحسين (عليه السلام) محبوب لله تعالى، ويشبه البكاء من خشية الله.

إن الفلسفة التي طرحها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) للبكاء لها بعد سياسي، فهي طريقة مثلى لاستنكار الظلم والتعبير عن المأساة والمظلومية التي تعرض لها الأمام الحسين (عليه السلام) واهدافه النبيلة.

كما يجسد تفاعلاً ذاتياً واخلاقياً مع مأساة كربلاء مما أعطى أهل البيت (عليهم السلام) من خلالها القدرة على أن يحفظوا في الجماعة الصالحة أخلاقية الانضمام والوقوف إلى جانب الحق ومواجهة الظلم، رغم الضغوط التي يمارسها الطغاة ضدهم. كما أن البكاء يمثل منهجاً في تزكية النفس وتطهيرها من الادران ورفع درجة احساسها بالآلام الانسانية والوعي لقضايا الظلم والعدل مما يؤثر في يقضة الضمير ووعي الوجدان لعملية الغدر والخيانة التي تعرض لها الأمام الحسين (عليه السلام) حتى من أتباعه، باستثناء النخبة التي ثبتت معه واستشهدت.

وخير دليل على ذلك العدد الكبير من الناس الذين بايعو الحسين (عليه السلام) على يد مسلم بن عقيل (عليه السلام)، فكانوا يقينا يحبونه، ولكنهم باعوا دينهم بدنياهم، وكما قال الفرزدق حين التقى الحسين (عليه السلام): «قلوبهم معك وسيوفهم عليك» كما أن هناك صورة اخلاقية سيئة تمثلت بالخيانة والغدر في اخلاق عمر بن سعد وكذلك عبيد الله بن زياد الذي شابه أباه في تحوله إلى كلب من كلاب يزيد لمجرد أن اغدق عليه الاموال، وقد فعلها أبوه مع معاوية، فقتل حجر بن عدي واصحابه.

فالبكاء يطهر الوجدان وينقّيه ويجعله يتحسس الظلم، ويعرف معنى العدل، ومعاني الانسانية التي ثار من اجلها الأمام الحسين (عليه السلام). لذلك يجب أن نجهد انفسنا عندما نجلس في هذه المجالس بالبكاء لان في ذلك ثواباً عظيماً إلى جانب أنه يبقى الظمير يقضا حيا على الدوام.

وهذا هو أحد الآثار الاساسية في وجدان وضمير هذه الجماعة التي استلهمت من ضمير الأمام الحسين (عليه السلام). و هذه القضية الاخلاقية لا تتحدد بمعرفة المظلوم، والوقوف معه ضد الظالم، وانما هي قضية تربوية كبرى توارثناها من ائمتنا الاطهار، كما عالجها القرآن في مواطن كثيرة من خلال إنتقاده لقسوة القلب، وتمجيده لرقة القلب وخشوعه. فالبكاء يمثل أفضل وسيلة لغسل درن القلب وتهيئة الارضية الصالحة للتفاعل والتأثر؛ لهذا جاء الحث الشديد من الشارع المقدس على البكاء من خشية الله تعالى، فتساوت العين الباكية من خشية الله بالعين التي تكف عن محارم الله أو التي تسهر في سبيل الله، كما ورد في الحديث النبوي الشريف وبذلك، يكون للبكاء بعد روحي ووجداني بالاضافة للبعد السياسي والاخلاقي والثقافي.

أما شعيرة الزيارة فقد كانت بالاساس حضوراً إلى جانب قبر الأمام (عليه السلام) بعد استشهاد أبي عبد الحسين سلام الله عليه، ثم اتخذت بعدا اوسع في تعظيم اهل البيت (عليهم السلام) فاصبحت مطلوبة في مختلف الاوقات ولو من مكان بعيد لتشمل زيارة المشاهد المقدسة لجميع الائمة الاطهار والصالحين من اولادهم وأتباعهم.

وتجدر الاشارة إلى أن أول من قام بزيارة قبر الأمام الحسين هو الأمام زين العابدين (عليه السلام) في يوم الاربعين من شهادته عند رجوعه من الشام، وتوالت بعد ذلك زيارة اهل البيت (عليهم السلام) لقبر الأمام الحسين (عليه السلام) حتى اصبحت فريضة على من يؤمن بأمامته كما ورد في حديث الأمام الصادق (عليه السلام) بل ترتقي بالثواب والاجر العظيم حتى فضّلت على الحج والعمرة.

ولهذه الزيارة المباركة عدة أبعاد. منها: إنها شعار يعبر عن الابعاد التي تعبر عنها شعائر الحج في النظرية الاسلامية، ولكن في إطار خاص وهدف محدود، وهو أن شهيد المحراب أراد تربية الجماعة الصالحة والخط الاصيل المتمثل باتباع اهل البيت (عليهم السلام) على مضمون نهضة الحسين (عليه السلام) ويتم ذلك على مستوى الولاء لهذا المحور الاسلامي وهو الحسين (عليه السلام) والتلبية لندائه باعتباره داعياً إلى الله (لبيك ياداعي الله إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك فقد اجابك قلبي وسمعي وبصري. سبحان ربنا أن وعد ربنا كان مفعولا) أو على الصعيد الثقافي والسياسي والاقتصادي أيضا. هذا من جانب ومن جانب آخر فقد ربط شهيد المحراب حركة الكتلة والخط الاسلامي الاصيل بهذا المحور الاسلامي وموافقة الشرعية، متمثلاً بالخط الثابت لآل البيت (عليهم السلام) في مسيرتهم لخدمة المذهب بوضوح، وهو خط الرفض للطغيان والظلم الذي اعلنه الأمام الحسين (عليه السلام) وتحدث عنه في أول خطبة ألقاها على أهل الكوفة ليخط نهجاً انتهجه أئمة اهل البيت (عليهم السلام) وطريقاً لا لبس فيه من خلال التركيز على محور زيارة الأمام الحسين (عليه السلام) وتجديد البيعةُ له والولاء باصرار يندر نظيره في التأريخ.

وتثقيف الجماعة الصالحة على الالتزام بالمفاهيم العقائدية والاخلاقية والسياسية التي تضمنتها نصوص الزيارات التي وردت للحسين (عليه السلام) في الأيام المخصوصة المختلفة كمفاهيم اوجدت خطاً ثقافياً واعياً وثابتاً في وسط الجماعة الصالحة للتعبير السياسي والاجتماعي عنهم، وفتح الابواب أمام بقية المسلمين للالتحاق بحركتهم الحثيثة والواثقة لتتصل بحركة الأمام الحسين (عليه السلام).

وهذه الحقيقة تفسر ظاهرتين بارزتين في تأريخ وجود هذه الزيارة: الاولى تشمل في الممارسات القمعية العدوانية التي كانت تمارسها السلطات الجائرة والطغاة المجرمون بحق ابناء الإسلام الذي كانوا يتوافدون على زيارة المرقد الشريف للامام الحسين (عليه السلام) حيث كان يتعرض هؤلاء الزوار إلى القتل، أو فرض الاتاوات، أو التنكيل بقطع الايدي، والمطاردة في بعض الادوار، حتى تعرض القبر إلى الهدم المتعمد كما حصل في زمن المتوكل العباسي. أو الوهابيين عندما هاجموا العراق في أواخر القرن الثالث عشر الهجري أو حكومة العفالقة في العراق في العقد الاخير من القرن الرابع عشر الهجري. الثانية: تأكيد أئمة اهل البيت (عليهم السلام) على شيعتهم بضرورة ممارسة هذا الشعار بالرغم من المخاطر التي كانت تحف بالزائرين، وبالرغم من نهج التقية الذي إلتزموا به، وحرص الائمة (عليهم السلام) على المحافظة على شيعتهم وتجنيبهم مختلف المخاطر والآلام، بحيث تكاد أن تتحول الزيارة في نظرهم إلى قتال في سبيل الله؛ لأنها تعبر عن ارتباط الزائر بالحسين (عليه السلام) وهو واجب شرعي فرضه الله على عباده، حيث قال: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى). كما أنها تثقف الانسان المؤمن على المبادئ والقيم والمفاهيم التي ثار من اجلها الأمام الحسين (عليه السلام) وبذلك أصبحت الزيارة تعبيراً صادقاً عن عزة وكرامة المؤمنين من خلال وحدتهم وعظم جماعتهم، كما نجد ذلك متجسداً في أمر الله سبحانه وتعالى في موضوع حج بيت الله الحرام، وهذه نبذة من الاسرار التي تفسر لنا تأكيد اهل البيت (عليهم السلام) على زيارة الأمام الحسين (عليه السلام) والبحث في المداليل السياسية والاخلاقية والاجتماعية والروحية لهذه الشعيرة العظيمة.

أما الشعيرة الثالثة فهي إقامة المجالس الحسينية التي يقيمها اتباع اهل البيت (عليهم السلام) في ايام المصيبة العظمى من شهر محرم وصفر، حيث يتداولون فيها حوادث مأساة كربلاء واهدافها واثارها مع اظهار الالم والحزن العميق لمصاب الأمام الحسين (عليه السلام) وعظم ما اصابه واهل بيته الاطهار من جانب، والوحشية التي اتسمت بها الطغمة الاموية الحاكمة، وبالخصوص الطاغية يزيد لعنه الله عليه.

وقد بدأت هذه المجالس منذ الأيام الاولى للمأساة في الشام عندما بدأ يزيد بالتراجع أمام بدايات الوعي الجماهيري لابعاد المصيبة من خلال التوعية التي قامت بها العقيلة المخدرة زينب الكبرى (عليها السلام) والامام زين العابدين (عليه السلام) عند ورود موكب السبايا إلى الشام وحضورهم مجلس يزيد بن معاوية، كما اقامت بعض زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كأم سلمة مجالس العزاء في المدينة عند رجوع عيالات الأمام الحسين (عليه السلام) وبقي اهل البيت (عليهم السلام) يعقدون هذه المجالس كلما اتيحت لهم الفرصة، وخصوصاً في ايام عاشوراء، ويحثون شيعتهم ومواليهم على عقدها لتكون سنة ارادها الله سبحانه وتعالى على لسان اهل البيت (عليهم السلام).

ولاقامة المجالس الحسينية ابعاد مهمة، منها:

اولاً: المحافظة على هذا الحدث المهم الذي يمثل أطروحة آلهية لتوعية الامة الاسلامية لحفظ الرسالة الاسلامية من الضياع والتشويه والانحراف، حيث إن السلطة الاموية الغاشمة حاولت منذ البداية أن تضيع الحقيقية حينما طرحت قضية الحسين (عليه السلام) على انها عملية خروج على السلطة الشرعية، واطلقت عليهم (الخوارج)، وهم يعرفون مقام الأمام الحسين (عليه السلام) وعمق الجريمة التي ارتكبوها من جانب، ومن جانب آخر حاول يزيد في بدايات الامر أن يتنصل من مسؤولية هذا الحدث ويلقي تبعته على ابن زياد.

ولكن التخطيط الواعي لاهل البيت (عليهم السلام) من خلال المجالس الحسينية تمكن من حفظ معالم هذه الثورة من الضياع بجميع تفاصيلها وخصوصياتها.

ثانياً: ابقاع الحدث حياً وفاعلاً ومؤثراً في الجماعة الصالحة خاصة، والحياة الاسلامية عامة، من حيث الجانب الوجداني لضمير الانسان المسلم، والوعي السياسي للاحداث التي تمر بها الامة التي تميزت به الجماعة الصالحة إلى جانب الرؤية الاسلامية الصحيحة للحكم الاسلامي ومقوماته والمحافظة على العلاقات الانسانية والاجتماعية بين أفراد الجماعة الصالحة، ناهيك عن نشر الثقافة الاسلامية الصحيحة المتمثلة بمدرسة اهل البيت (عليهم السلام) التي واجهت عبر الادوار التأريخية محاولات الحظر والارهاب الفكري والجسدي، فاصبحت هذه المجالس الحسينية المدرسة الثقافية المتحركة في المجتمع. فضلاً عن كونها من أفضل الإعمال التي يتقرب بها اهل البيت (عليهم السلام) إلى الله انطلاقاً من آية المودة.

فإقامة المجالس الحسينية لا تقتصر على المصاب فحسب، وانما تشمل إحياء الإسلام وترسيخ دعائمه، وحث الناس على التقوى والورع، والالتزام بالشريعة الاسلامية، ومواجهة الظلم والطغيان كشعار رفعه الأمام الحسين (عليه السلام) لثورته التأريخية ليكون المضمون هو إحياء أمر اهل البيت (عليهم السلام) من خلال هذه الشعائر وفق الاساليب المعروفة؛ لان المجلس الحسيني هو الحق الناطق.

أهمية الشعائر الحسينية في فكر شهيد المحراب

إن الشعائر الحسينية قضية تعيشها الجماهير في ضميرها حتى الذين لايلتزمون بالإسلام التزاماً كاملاً، بل تعيش في نفوس كثير من الذين لايؤمنون بالإسلام ابداً، لأنها قضية إنسانية تنسجم مع ضمير الانسان وواقعه في كل مكان، وهنا لابد أن نؤكد اوجه أهمية هذه الشعائر فيما يلي:

1 ـ مركزية الشعائر الحسينية، وذلك يتجلى من خلال أن قضية الأمام الحسين (عليه السلام) أصبحت قضية مركزية تعيش في ضمير الانسان المسلم الواعي، بل إنها كانت محوراً اساسياً لتحرك علمائنا الاعلام وما انتقال الشيخ الطوسي (قدس سره) من بغداد إلى النجف ليؤسس حوزة النجف الاشرف إلّا بسبب هذه القضية المركزية.

هذا من جانب ومن جانب آخر وفي تأريخنا المعاصر كان أعداء الإسلام الذين يريدون الكيد بالإسلام يستهدفون هذه القضية بالذات؛ لانهم يدركون مدى تأثيرها على ضمير المسلم، بحيث تدفعه باتجاه أهداف الحسين (عليه السلام) وباتجاه بُعد العقيدة الاسلامية وبعد مبدء رفض الذل والظلم. وهذا يعني أن هذه الشعائر تعيش في ضمير الانسان المسلم السائر على خط اهل البيت (عليهم السلام) ولا يمكن أن يحصل مثل هذا التأثير في النفس والضمير إلّا اذا كان وراءه قوة إلّهية ومشروعية إسلامية في كل عصر وزمان.

إن لثورة الحسين وشعائره (عليه السلام) دوراً كبيراً في تعبئة الامة، وذلك حينما يتم ذكر مضمون الثورة الحسينية ومقارنته مع الاوضاع السياسية التي يعيشها الناس من خلال ربط الخطيب الحسيني للماضي بالحاضر المعاش فعلاً ربطاً اسلامياً حقيقياً؛ لان اعداء الإسلام كانوا يحاولون إفراغ الشعائر الحسينية من مضمونها وجعلها مجرد ممارسات شكلية، وهذه المحاولات قام بها المستعمرون عندما دخلوا العراق على مر التأريخ. ومن جانب آخر محاولة ضرب هذه الشعائر وجعل الناس ينسونها، وهذا ماقام به النظام البائد في العراق ومن شابههم في مناطق مختلفة من العالم الاسلامي.

إن لهذه الشعائر دوراً في طهارة القلب وتنقيته من الادران من خلال الدعاء وتقوى الله سبحانه وتعالى وتعظيم شعائره؛ لأنها من تقوى القلوب.

إن الشعائر الحسينية اذا ما فهمت كما ارادها أئمة اهل البيت (عليهم السلام) بحيث يكون الابتكار فيها متجانساً معها فتحقق اهدافها في:

1 ـ التكامل العاطفي بين الأمام الحسين (عليه السلام) ومحبيه عموماً وقد تأكد ذلك من خلال المنهج الذي اتبعه اهل البيت (عليهم السلام) من اهتمامهم بعواطف واحاسيس الناس ومن جميع المذاهب.

2 ـ تربية الانسان المسلم على الثقافة الاسلامية من حيث العقائد والاخلاق والاحكام الاسلامية التي حققت أمرين مهمين هما: حفظ الإسلام وبناء القاعدة الاسلامية المتمثلة بالكتلة الصالحة، وهي كتلة أتباع اهل البيت (عليهم السلام) مستنداً على تأسيس المرجعية الدينية وبنائها، وهذا منهج خاص شرع من أيام الأمام الباقر (عليه السلام) واستمر إلى يوما هذا. وكان له دور كبير في حفظ الكتلة الصالحة لاتباع اهل البيت (عليهم السلام) فضلاً عن الدور الكبير الذي لعبه المنبر الحسيني في هذا المجال.

3 ـ الرؤية السياسية، وهي تعد الهدف الأساس والهدف الاول والثاني يمثلان نتيجة له. فقد كان عنواناً بارزاً لثورات العالم، بل إن اهل البيت (عليهم السلام) كانوا يقارنون بين الحسين (عليه السلام) والطواغيت الذين يحكمون في زمانهم، ويطلبون من شيعهم أن يتأسوا به (عليه السلام) كمنهج سياسي لرفض الظلم والطاغوت. وكان ائمتنا (عليهم السلام) يهتمون بالعاطفة؛ لأنها الطاقة المحركة للانسان ولا يتمكن بدونها أن يثور ويقتحم ويصبر ويستشهد كما فعل اصحاب الأمام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء على قلّة العدد وخذلان الناصر.

من خلال ما تقدم نخلص إلى انه لو كانت الشعائر الحسينية مجرد عواطف شكلية ولا تتحمل مضموناً سياسياً وثقافياً لما تعرضت لهذا المقدار من العدوان هذا من جانب، ومن جانب آخر كان اتباع اهل البيت (عليهم السلام) هم الاوعى والافهم بما يدور حولهم، وخير دليل على ذلك انتصار الثورة الاسلامية في ايران وانتفاضة التاسع من محرم عام 1969م في النجف الاشرف بوجه البعثيين، وكذلك انتفاضة العشرين من صفر عام 1977م، والانتفاضة الشعبانية عام 1991 ولذلك لابد من التأكيد على الجانب المأساوي والتضحوي والاخلاقي لحركة الحسين (عليه السلام) لاحياء الجانب الوجداني في مشاعر الامة، كالبكاء، ولبس، السواد واظهار الحزن والاسى، كما ورد في روايات اهل البيت (عليهم السلام) مما يستوجب أن نتفانى فيها، كما كان يؤكد ذلك شهيد المحراب (قدس سره) على ضرورة احترام الشعائر الحسينية من جانب، وترسيخ مبدأ بناء شخصية الانسان على رفض الظلم والذل والخنوع والاستسلام.

والانتباه والحذر من مخططات اعداء الشعائر الحسينية والوقوف بحزم في وجههم للحفاض على الإسلام ومبادئه الحقة.

إن المؤمنين بحاجة إلى أن يجسدوا في هذه الشعائر المجال الذي يعبرون فيه عن ولاء ومحبة بعضهم البعض في إطار الله سبحانه وتعالى وفي إطار الأئمة (عليهم السلام) وحبهم وحب جميع العلماء والمراجع العظام والمنبر الحسيني والمجالس الحسينية من خلال توثيق الروابط والعلاقات والتعاون على البر والتقوى وتفقد عوائل الشهداء والمفقودين والمحرومين والفقراء والعاجزين وإشراك النساء، فلا نجعلهن بعيدات عن مضمون الثورة الحسينية والثقافية الحسينية.

والله الموفق….

المصادر

1 ـ شهيد المحراب (قدس سره) من النجف إلى النجف فقاهة، جهاد، شهادة/ ت ـ وفاء جواد الجياشي.

2 ـ شيعة العراق تأريخ.. مواقف/ ت ـ شهيد المحراب آية الله العظمى محمد باقر الحكيم.

3 ـ المنهاج الثقافي السياسي الاجتماعي/ ت ـ شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم.

4 ـ في رحاب المنتديات أحاديث نشرت بمناسبة استشهاد شهيد المحراب.

5 ـ أبحاث المؤتمر الأول لإحياء التراث الفكري والعلمي للشهيد آية الله محمد باقر الحكيم.

6 ـ موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية، الجزء الرابع الشهيد الصدر./ ت ـ شهيد المحراب.

7 ـ الطريق إلى الله /الحب في الله/ ت ـ شهيد المحراب.

8 ـ الشعائر الحسينية/ ت ـ شهيد المحراب.

9 ـ المجتمع الإنساني في القرآن الكريم/ ت ـ شهيد المحراب.

10 ـ الطريق إلى الله/ التوبة / ت ـ شهيد المحراب.

11 ـ دور الفرد في الاقتصاد الإسلامي/ت ـ شهيد المحراب.

12 ـ الحج/ تاريخ ـ أبعاد ـ أحكام./ ت ـ شهيد المحراب.

13 ـ موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية الجزء الأول ـ الحوزة العلمية / ت ـ شهيد المحراب.

14 ـ رفض الطغيان/ ت ـ شهيد المحراب.

15 ـ الزهراء (عليها السلام) اهداف، مواقف، نتائج./ ت ـ شهيد المحراب.

16 ـ الاصالة والمعاصرة / ت ـ شهيد المحراب.

17 ـ موسوعة الحوزة العلمية الجزء الثالث / الأمام الحكيم. شهيد المحراب

18 ـ سماحة اية الله العظمى المجاهد الشهيد السيد محمد باقر الحكيم/ اطلالة على السيرة الذاتية / ت ـ محمد هادي.

19 ـ منهج البحث العلمي لدى شهيد المحراب قدس / ت ـ أ.م .د. منعم مجيد الحمادة الموسوي.

اكتب تعليق

كافة الحقوق محفوظة لمؤسسة تراث الشهيد الحكيم، ولا يجوز الاستفادة من المحتويات دون إذن خطي.

الصعود لأعلى