الوحدة الإسلامية في منظور السيد شهيد المحراب (قدس سره)

motmar1بحث شارك في المؤتمر الأول لإحياء التراث الفكري والعملي للشهيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم

الباحث: أ ـ د ـ فاخر جبر مطر 

        كلية التربية ـ أبن رشد 

الوحدة الاسلامية في منظور شهيد المحراب

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن دعوة السيد شهيد المحراب محمد باقر الحكيم (قدس سره) لبناء وحدة المجتمع الإسلامي لم تأت من فراغ، بل جاءت من نظرة فاحصة لتاريخ الأمة الإسلامية، وما أفرزته الأحداث التاريخية منذ العصر الأول للرسالة وحتى عصر الشهيد، إذ كانت رؤاه للأحداث تتجلى في دراسته لواقع المجتمع الإسلامي، والبحث عن العلاقات السائدة من خلال حركة المجتمع بمختلف الاتجاهات التي كان يسير فيها، المشرقة والمظلمة؛ من أجل الكشف عن الحقائق المنشودة لبناء مجتمع الوحدة الإسلامية الذي تسوده العلاقات الإنسانية والأخلاقية على وفق الحرية الفكرية والسياسية التي تبنتها نظرية أهل البيت (عليهم السلام) المنبثقة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، الذي يدعو الناس إلى التوحد، ونبذ الإختلافات الجانبية التي تؤدي به إلى الهاوية.

لقد تنبه السيد شهيد المحراب (قدس سره) على هذا الأختلاف الذي حدده باختلاف رؤى المسلمين للإسلام عبر الزمن، إذ وجد بعضهم يبادر إلى تأويل الآيات الكريمة، والصحيح مما بأيديهم من الحديث الشريف على وفق رؤيتهم للإسلام، وأدّى بهم ذلك إلى القطيعة فيما بينهم، وعدم إستماع بعضهم إلى آراء البعض الآخر، وإلى تكفير بعضهم بعضا.

وكان هذا نتيجة عوامل كثيرة، منها: المصادر التأريخية التي دخلها التزوير والتحريف والوضع من أطراف تريد هدم الإسلام، من أمثال المنافقين والزنادقة والمبشرين من علماء اليهود والنصارى تحت اسم المستشرقين، وما للاستعمار في العصر الحديث من أثر في تفريق المسلمين.

لقد مرّ السيد شهيد المحراب على بعض المسائل التي تخص الفرد المسلم، مثل: إسبال اليدين في الصلاة الذي تراه مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) والمالكية خلافا للأحناف والحنابلة الذين يرون وجوب التكتف، ومثل: الإختلاف في غسل الرجلين أو مسحهما في الوضوء، مما يتيسر للفرد المسلم أن يعمل بموجب ما ثبت لديه حكمه إجتهادا او تقليداً، ويستطيع الفرد الآخر المخالف له في الرأي أيضا أن يعمل بموجب ما ثبت لديه حكمه، ويمكن لهما مع ذلك أن يعيشا في وفاق في مجتمع إسلامي واحد.

إن كثيرا من القضايا والأختلافات بين المذاهب الإسلامية، وكثيرا من المعتقدات الراسخة لا يمكن السكوت عنها في نظر السيد شهيد المحراب (قدس سره)؛ لأن السكوت لن يحقق وحدة بين المسلمين ولا تقاربا ولا تفهما، بل يعمق جراح المسلمين، ويوسع شقة الخلاف، ويطيل أمدها.

إن السيد شهيد المحراب (قدس سره) في طرحه لموضوع الوحدة الإسلامية تبنى نظرية أهل البيت (عليهم السلام) التي تعد تجسيدا واقعيا ومنطقيا للنظرية الإسلامية في الوحدة الاجتماعية، التي تؤكد أن يد الله مع الجماعة، وأن الشاذ من الناس للشيطان، وأن الشاذ من الشاة للذئب، وأن المسلمين يجب أن يتعايش بعضهم مع بعض؛ لأن المسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يخونه، وأن المسلم كفؤ المسلم فلابد له أن يحترمه، لذلك نجد مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) قد تنازلت عن الكثير من القضايا الخاصة في سبيل حفظ وحدة المسلمين والدفاع عن العقيدة الإسلامية والمجتمع الإسلامي[1].

لقد أعتمد السيد شهيد المحراب (قدس سره) في طرحه لمضمون الوحدة الإسلامية على جملة من أسس ومعالم نظرية أهل البيت (عليهم السلام)، ومنها: الإيمان بوجود هامش للإختلاف والتعدد بين المسلمين، يمكن أن يستوعب الإختلاف في الفهم والإجتهاد والمواقف مع قطع النظر عن مدى صحة هذه الإجتهادات والمواقف، ومدى إنسجامها مع الحق والصواب، ذلك أن المجتمع الإسلامي الواسع إذا أريد له النمو والتطور والقدرة على الإستيعاب والشمول والتعايش بين جماعاته وأقوامه، فلابد من وجود هذا الهامش الذي قد يتسع أو يضيق بحسب الظروف والأوضاع التي يعيشها المجتمع الإسلامي.

وكان السيد شهيد المحراب (قدس سره) ينظر إلى هذا الهامش كونه صيانة ووقاية للوحدة الإسلامية ودرعا يجنبها الأزمات والأختلافات، ويحفظها من تحول هذه الأختلافات الطبيعية ـ بسبب الضغوط ـ إلى متفجرات تنسف الوحدة أو تمزقها أو تشوه صورتها[2].

لقد وجد السيد شهيد المحراب (قدس سره) الإنفتاح على الآخر من خلال المرونة في التعامل يمثل امتيازا في النظرية أهل البيت (عليهم السلام) لذلك نجده قد بنى موقفه في الوحدة الإسلامية على ذلك؛ لأنه وجد النظريات الأخرى في التاريخ تختلف عن نظرية أهل البيت (عليهم السلام)، إتسمت تلك النظريات بالعنف والجور لفرض الرأي الواحد على الأمة، بحيث تتحول الوحدة مفهوما إلى وحدة مفروضة من الخارج على الأمة بالقوة والعنف.

وقد بيّن السيد شهيد المحراب (قدس سره) حدود هامش التحرك في نظرية أهل البيت (عليهم السلام) من اجل أن لا يبقى مفتوحا من دون حدود، وإلاّ لتحول المجتمع الإسلامي إلى النزاع والصراع، والإتجاه إلى النظرية التي تؤمن بالفرقة والتمييز بين جماعات المسلمين. وهذه الحدود يجب أن تتضح سواء على مستوى المجالات، أم على مستوى الممارسة الفردية والجماعية[3].

وقد أشار السيد شهيد المحراب إلى مجالات الهامش التعددي، وهي:

1 ـ الحرية الفكرية والعقائدية.

2 ـ الاجتهاد في إستنباط الأحكام الشرعية الفقهية.

3 ـ القبول بالتعددية السياسية.

أما الحدود الموضوعية والضوابط عند السيد شهيد المحراب (قدس سره) لحركة هذا الهامش فهي:

1 ـ ضوابط التعدد الفكري والعقائدي.

2 ـ ضوابط التعددية في إطار الفقه والاجتهاد.

3 ـ حدود التعددية السياسية[4].

النظرة العامة للوحدة الإسلامية عند السيد شهيد المحراب (قدس سره)

إن نظرة السيد شهيد المحراب (قدس سره) للوحدة الإسلامية نظرة عالمية، إذ يرى أن وجود نظام إنساني واحد للبشرية جمعاء هدف مقدس، وأمل كبير يعيشه البشرية منذ العصور الأولى للتأريخ، وقد بشّرت به الرسالات الإلهية، على أن يكون التحرك بشكل تكاملي يحقق أهداف البشرية في تكاملها من خلال أرتباطها بالله سبحانه وتعالى، وإلتزامها بعهودها ومواثيقها، وتجسيدها لفطرتها الأصيلة، وحبّها للخير والعدل والصلاح والرقي والتقدم والأستقرار والأمن والعلاقات الإنسانية التي تسودها المحبة والود[5].

إن الوحدة الإنسانية العالمية لا تتحقق في نظر السيد شهيد المحراب (قدس سره) إلاّ بقيام علماء الإسلام والمفكرين، وقادة الحركات الإسلامية وغيرهم من حواري هذه الأمة بحملة تعبوية واسعة على المستوى السياسي والإعلامي والثقافي لطرح نظام عالمي جديد متكامل، يقوم على أساس العقيدة الإلهية ومبادئ الإسلام الحنيف المستنبطة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، يخاطب البشرية جمعاء، ويحل مشكلاتها، ويملأ فراغها وخواءها، ويطلب منها الإيمان به، والالتزام بأسسه وقوانينه[6].

إن الحلول التي طرحها السيد شهيد المحراب (قدس سره) لقيام الوحدة العالمية لابد من إيصال إبلاغها للبشرية كلها.

وتعد قضية النظام الإنساني الواحد عند السيد شهيد المحراب (قدس سره) من أهم التحديات المعاصرة التي يواجهها الإنسان المسلم، وتواجهها الحالة الإسلامية، وتكتسب أولوية في مجمل هذه الحالة[7].

كيفية معالجة التحديات

يطرح السيد الشهيد (قدس سره) سؤالا عن كيفية معالجة التحديات الحضارية وقضية النظام العالمي الجديد، بعد أن طرح قضية الصراع بين الإستكبار والإستضعاف، إذ يطالب بأن تتحول الحالة الإسلامية من حالة الدفاع وامتصاص الهجمات المتوالية التي تشنهّا قوى الإستكبار العالمي ضدها ـ بوصف إن الحالة الإسلامية كانت تعيش ضمن دائرة وماسحة الإستضعاف العالمي ـ إلى حالة المبادرة، وتقديم الأطروحات المناسبة لحل مشكلات الإنسان، أو الوقوف في الأقل في المواجهة مع الأستكبار دفاعا عن كل مستضعفي العالم الذين سيقعون لقمة سائغة هينة في يد الإستكبار العالمي المتفرد، إذ لا يوجد من يدافع عن حالة الإستضعاف غير الأمة الإسلامية والحالة الإسلامية[8].

إن الإجابة عن ذلك عند السيد شهيد المحراب تأتي من خلال قضية الوحدة الإسلامية التي وضع أسسها القرآن الكريم، وعالجها أهل البيت (عليهم السلام) وهذه المعالجة تأخذ بعدين: نظري وعملي، فالبعد العملي يأتي من خلال الإقتداء والتأسي بمسيرة الأنبياء والربانيين والصالحين. أما البعد النظري فيجد السيد شهيد المحراب معالمه في الحرية الفكرية والسياسية التي تبنتها نظرية أهل البيت (عليهم السلام) في الوحدة الإسلامية، حيث يمكن على المستوى الفكري العودة إلى دراسة المصادر والمنابع الإسلامية، والتعرف على عناصر القوة فيها، واستنطاق هذه المصادر للجواب عن المشكلات الأساسية ضمن القوانين والضوابط الشرعية، وفتح باب الأجتهاد الصحيح، ونفض غبار الماضي عن النصوص الإسلامية، وكذلك فسح مجال الممارسة السياسية الحرة المقننة والمشروعة على المستوى الاجتماعي، والإتصاف بسعة الصدر في فهم واحترام آراء العلماء من جميع المذاهب الإسلامية ونظرياتهم ودراستها بشكل موضوعي، فإن كل ذلك أمور ضرورية في مواجهة هذه التحديات الحضارية[9].

الوحدة الإسلامية والصراع الحضاري

تعد الوحدة الإسلامية عند شهيد المحراب من أهم مستلزمات الوقوف في وجه الصراع الحضاري التي يجب على المسلمين جميعا، والحركة الإسلامية بشكل خاص الإهتمام بها، وتوفير ظروفها، وتبيين مناهجها وأساليبها والعمل على تحقيقها. والوحدة الإسلامية كما يراها السيد شهيد المحراب (قدس سره) هي الأرضية والقاعدة التي يمكن أن تقوم عليها جميع المستلزمات.

إن أعداء الإسلام والأمة الإسلامية يعملون بإستمرار من أجل إظهار نقاط الخلاف، وإبراز معالم التناقض والفرقة بين أبناء الأمة. وإن الرد على مثل هؤلاء بأن يعمل المسلمون على الوحدة الإسلامية بتحويل الشعارات والعواطف والمشاعر الجياشة إلى عمل هادف، له مبرراته ومجالاته والواضحة؛ لأن الوحدة الإسلامية كما يراها السيد الشهيد ليست مجرد رغبة، بل هي عمل واجب من الناحية الشرعية والإسلامية، وهي ضرورة من ضرورات الحياة الإسلامية، وشرط من شروط القدرة على المواجهة في الصراع الحضاري[10].

ظاهرة الاختلاف في المجتمعات الإنسانية

إن ظاهرة الاختلاف في المجتمعات الإنسانية بعد توسعها وتكاملها وتعدد الحاجات والمتطلبات أصبحت محكومة في جميع أطوارها بقانون الاختلاف، وقد أستدل السيد الشهيد على ذلك بقوله تعالى: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)[11]، وكان السيد ينظر إلى هذا الاختلاف على أنه واقع خارجي كان موجودا وقائما في مختلف المراحل التأريخية، وهو نتيجة طبيعية لقانون آخر وضع الله تعالى البشرية في إطاره، وهو قانون الامتحان والاختبار[12]. قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)[13]. وأسباب الاختلاف عند السيد شهيد المحراب (قدس سره) ترجع إلى أمور:

1 ـ تأثير الهوى الذي أودعه الله عز وجل في النفس البشرية كقوة جاذبة توازن في عملية الإرادة والاختيار قوة العقل والفطرة الإنسانية.

والهوى يدعو عمليا إلى إطلاق العنان للغرائز والشهوات، ويدعو أيضا إلى الاهتمام بالمصالح الخاصة الذاتية من خلال رؤية الإنسان لذاته وحركتها في هذه الحياة الدنيا فقط، التي قد تضيق وتتسع حسب فهم الإنسان لهذه الحياة.

وفي مقابل ذلك يوجد العقل الذي يدعو إلى السيطرة على الغرائز وأخضاعها إلى الضوابط والقيود، وتوجيهها في السلوك على وفق ما تقتضيه المسيرة الطويلة للتكامل الإنساني الشامل، وكذلك يدعو العقل إلى الاهتمام بالمصالح الإنسانية العامة والخاصة من خلال رؤية الإنسان لذاته وحركتها في الحياة الدنيا والآخرة معاً، حيث يصبح حب الذات، الذي هو من الأمور الفطرية والغريزية في الإنسان[14].

ولا يوجد الاختلاف في نظر السيد الشهيد إلاّ عندما يتبع الإنسان الهوى، ويخرج عن توجيه العقل، بسبب عدوان أصحاب الهوى على الناس والكون، والتناقض بين المصالح والإرادات، والتنافس غير الشريف على الجاه والسلطة والشهوات بين الناس.

وقد بدا للسيد شهيد المحراب (قدس سره)[15] من القرآن الكريم أن هذا النوع من الاختلافات هو أول الأنواع التي ظهرت في التأريخ الإنساني التي توقعتها الملائكة من خلال طبيعة خلق هذا الإنسان، كما يتحدث القرآن الكريم، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)[16].

2 ـ الاختلاف بسبب العقائد[17]

بنى السيد الشهيد هذا السبب على السبب الأول، وذلك لتطور الحياة الإنسانية التي تحتاج إلى نظام يدير حياتها، فتفضل الله سبحانه وتعالى على عباده بإنزال الكتب والرسالات السماوية وإرسال الأنبياء؛ ليرشدوا هؤلاء الناس إلى طرق الهدى والصلاح؛ وليحكموا في الخلافات والنزاعات بينهم بالحق والعدل، كما تؤكد ذلك آيات الذكر الحكيم، قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ…)[18].

3 ـ الاختلاف بسبب الجهل والطغيان

وهذا السبب ناتج عن سبب الهوى، وفيه يرى السيد شهيد المحراب تحول بعض الممارسات السلوكية إلى عادات ثابتة أو تقاليد مقدسة، لوراثتها عن الآباء والأجداد، وبفعل الاجتهادات والتغيرات القائمة على الهوى والأغراض الشخصية، أو الظنون والأوهام، الأمر الذي أدى إلى إنقسام الناس إلى جماعات متعصبة وأحزاب متفرقة، يقتل بعضهم البعض الآخر، ويُشّرده من دياره، أو يستبعده ويستغله من أجل مصالحه وحاجاته وأرضاءً لرغباته وشهواته[19]. قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[20].

وهناك المئات من الآيات الكريمة التي تناولت معالم الفساد والانحراف في العقائد والسلوك والاجتهادات، وتحدثت عن مفردات الهوى وزخارف الدنيا وآثارها في الحياة الإنسانية.

وقد شرّع الإسلام الدعوة إلى الله، والبلاغ بالهدى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله لمواجهة هذه الأنواع من الاختلافات بحسب مستوياتها وطبائعها، كما تنص على ذلك الآيات الكريمة الكثيرة[21].

الاختلاف والوحدة بين الديانات الإلهية

الوحدة بين أبناء البشر عند السيد شهيد المحراب (قدس سره) لا تتحقق إلاّ بقواسم مشتركة تكون منطلقا لهذه الوحدة، وهذ القواسم من وجهة نظر القرآن الكريم يمكن تحديدها على مستوى البشرية على أساس أمرين:

الأول: الإيمان بالله تعالى والوحي والرسالات واليوم الآخر.

والآخر: القبول بالعزة والكرامة الإنسانية والاحترام للإنسان وحريته في العقيدة والفكر والعمل[22].

ويستنتج السيد الشهيد من خلال رؤية ثاقبة أن هناك حواجز تحول دون تحقيق الوحدة ذكرها القرآن الكريم، منها:

1 ـ الحاجز بين الجماعة المؤمنة والجماعة الكافرة، إذ لا مجال للوحدة في نظر القرآن الكريم بين المؤمنين والكافرين في مجتمع واحد حقيقي، فقد يجمعهم مكان واحد ووطن واحد وتكون بينهم (الهدنة) ولكنهم لا يمكن أن يكونوا مجتمعا واحدا من وجهة نظر الإسلام، فلا يمكن في الوحدة التنازل عن هذا الأمر؛ لأن الشرك ظلم عظيم، ويغفر كل ذنب دونه، قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً)[23]. فالفاصل بين الجماعة المؤمنة والجماعة المشركة يمثل حاجزا نفسيا وتناقضا اجتماعياً مظلما لا يمكن التجاوز عنه، بل يمثل التمزق والاختلاف بين الناس على أساس التعدد في التدبير، بخلاف التوحيد الذي يمثل الوحدة الحقيقية في الكون والمجتمع.

2 ـ الحاجز بين الطغاة والمساكين، والمتجبرين والمستضعفين، والظالمين والمظلومين، فقد يجمعهم مكان واحد ووطن واحد، ولكنهم ليسوا مجتمعا واحدا في نظر الإسلام، بل يتحول إلى مجتمع ممزق ومتفرق في واقعه، قال تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)[24]. بل إن الإسلام فرض القتال على المستضعفين عندما يكونون قادرين على ذلك، والقتال هو النزاع والاختلاف والفرقة, قال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ ﻫذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً)[25].

ومن منطلق القرآن الكريم هذا الذي عالج بشكل خاص قضية الوحدة والاختلاف بين المسلمين وأهل الكتاب (أهل الديانات الإلهية) يرى السيد شهيد المحراب (قدس سره) أن هناك قاسما مشتركا بينهما، فالقران الكريم في البداية دعا أهل الكتاب إلى دين الحق وهو الإسلام، وحثهم على الدخول فيه[26]، وقد أستشهد بقوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[27].

إطار الوحدة بين الديانات الإلهية

من خلال النظرة المتفحصة والموضوعية لواقع أصحاب الديانات الإلهية، في ضوء ما جاء في القرآن الكريم من مفاهيم للوحدة يرى السيد شهيد المحراب (قدس سره) أنّ القرآن الكريم وضع إطارا بين التأريخ والديانات الإلهية إلى جانب محاولته لمعالجة مجمل الإنحرافات التي أصابت الأمم والجماعات التي آمنت بهذه الرسالات، وذلك من أجل إبقاء العلاقة النفسية والروحية بين المسلمين وأتباع هذه الديانات، وتهيئة الأرضية للتعايش الاجتماعي والسياسي بين هذه الديانات من ناحية، وإيجاد صف واحد للمؤمنين بالله واليوم الآخر في مواجهة قوى الوثنية والشرك والإلحاد.

وقد حدّد السيد شهيد المحراب (قدس سره) معالم هذا الإطار وأبعاده في النقاط الآتية[28]:

النقطة الأولى: الإيمان بالله الواحد، والوحي الإلهي، واليوم الآخر، والكتب والرسالات، حيث يمثل هذا الإيمان الأساس المشترك لهذه الديانات كلها.

ويستعرض السيد الشهيد الآيات القرآنية التي عرضت لمواقف طوائف أهل الكتاب وأنحرافاتهم، وما يجب على المسلمين من مواقف تجاههم. وإنطلاقاً من هذا التصور يجد السيد الشهيد أن القرآن الكريم يدعو أهل الكتاب إلى كلمة التوحيد بوصفها الكلمة الجامعة التي تمثل القاسم المشترك بينهم وبين المسلمين. قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)[29].

النقطة الثانية: التأكيد على وحدة الرسل والرسالات، فالأنبياء وما جاءوا به من الوحي إنما هو من مصدر واحد، وهو الله سبحانه وتعالى، وهم يتحملون مسؤلية من نوع واحد، وهي مسؤلية إبلاغ رسالات الله، وإصلاح البشر، ودعوتهم إلى الخير والهدى والصلاح، وتحذيرهم من الشر والضلال والفساد.

وقد أكد القرآن الكريم هذه الوحدة بأساليب متعددة، من خلال إستعراض مسيرة الأنبياء ودعواتهم، قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)[30].

النقطة الثالثة: الدعوة إلى تطبيق الأحكام الإلهية المشتركة الثابتة في التوراة والأنجيل؛ ليتضح مدى التقارب والوحدة بين هذه الديانات، خصوصا وأن هذه التشريعات يُكمّل بعضها البعض الآخر.

ووجد السيد شهيد المحراب (قدس سره) القرآن الكريم تناول هذا الموضوع بأساليب متعددة، منها:

أ) أشار إلى الأحكام التي كانت ثابتة في الديانات السابقة، كما تّم ذلك في الصوم والقصاص والربا وغيرها.

ب) المطالبة بالرجوع إلى التوراة والإنجيل في فصل الاختلافات التي تواجه أهل الكتاب، وتشخيص الأحكام المقارنة بينها وبين ما هو موجود في التوراة والإنجيل.

ج) أسلوب الدعوة إلى أهل الذكر والمعرفة من علماء أهل الكتاب، لتبيّن الحقائق التي جاء بها الإسلام بعد تذكيرهم بها، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)[31].

النقطة الرابعة: الدعوة إلى التسليم والقبول بالرسالة الإسلامية وأصولها الإلهية، وأحترام النبي الأميّ العربي المتمثل برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث إنّ الإسلام يعترف بشكل طبيعي بالرسالات السابقة والأنبياء السابقين، ومن ثمَّ بأقوامهم وأتباعهم الذين آمنوا بهم، وبوصفه الرسالة الخاتمة فلابد من تصديق الرسالات السابقة في الوقت الذي يمثل الهيمنة عليها وإكمالها، وتصحيح الانحرافات التي طرأت عليها من خلال التراكم الزمني والتاريخي والرواسب والمخلفات الاجتماعية والقومية والأنحطاط الأخلاقي.

وقد وجد السيد شهيد المحراب (قدس سره) هذه الدعوة في القرآن الكريم بأساليب متعددة[32]، منها:

أ) إرجاع الإسلام إلى الأصل الإبراهيمي، والتأكيد على موقع إبراهيم (عليه السلام) في الرسالة الإسلامية بوصفه أباً لأنبياء بني إسرائيل، والنبي الذي تلتقي به الرسالات السماوية، ومن هنا جاء التأكيد على أن أسم الإسلام كان من إبراهيم (عليه السلام) وأنه كان مسلماً حنيفا، ولم يكن يهودياً ولا نصرايناً. قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)[33].

ب) دعوة أهل الكتاب للاعتراف بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسالته من خلال التأكيد على بشارة الأنبياء والكتب السماوية به، حيث تمت الإشارة في القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في عدة موارد:

منها: ما ورد في سورة الأعراف[34] في سياق الحديث عن موسى ودعائه لله تعالى، وجوابه تعالى له.

ومنها: ما ورد في سورة الصف[35] من قوله تعالى على لسان عيسى بن مريم بعد الإشارة إلى موقف قوم موسى وقوم عيسى منهما.

ج) مناقشة الأفكار المختلفة والمهمة عند أهل الكتاب، وإرجاعها إلى أصولها الصحيحة، وتذكيرهم بما يخفون من الكتاب، كما هو الحال في فكرة ولادة المسيح من غير أب التي كانت سببا لإثارة الإتهام تجاهه عند اليهود، والإعتقاد بأنه تجسيد للإله عند النصارى، قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ)[36].

النقطة الخامسة: الاعتراف بالوجود الديني والاجتماعي لأصحاب هذه الديانات ضمن المجتمع الإسلامي، على مستوى علاقات المواطنة أو العلاقات الأقتصادية أو علاقات الأسرة والروابط الاجتماعية، كما تدل على ذلك بعض الآيات الكريمة، ويؤكده التعامل السياسي في الدولة الإسلامية، وإتفاقيات المواطنة التي تسمى بالخيرية، وإبقاء وجودهم الديني من المعابد والشعائر الدينية، والأحكام في الأصول الشخصية، وكذلك إبقاء الأراضي المفتوحة عنوة في أيديهم، وفتح الأبواب لهم في مختلف المجالات الاقتصادية والعلمية والثقافية[37]. ويستدل السيد الشهيد (قدس سره) على ذلك بآيات الجزية، قال تعالى: (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)[38].

فالجامع بين الديانات الإلهية كما يقرر السيد الشهيد (قدس سره) قضيتان:

الأولى: الإيمان بالله والقضية الروحية والمعنوية.

والثانية: حقوق الإنسان، حيث جاء الإسلام بالكثير من هذه الحقوق، وكانت الرسالة الإسلامية دعوة عالمية ذات طابع سياسي إنساني جهادي لإحقاق هذه الحقوق[39].

الوحدة الإسلامية في مفهوم السيد شهيد المحراب (قدس سره)

ليس المراد بالوحدة أو التوحد في مفهوم السيد الشهيد (قدس سره) أن يتحول الشيعي إلى سنّي، أو يتحول السني إلى شيعي، ليس المقصود من الوحدة هذا المعنى، فالشيعي يبقى على تشيعه وولائه لأهل البيت (عليهم السلام) وإلتزامه بمذهبه، وهكذا السني يبقى على حاله. وإنما المراد من الوحدة أمران:

الأول: أن لا يتحارب المسلمون فيما بينهم؛ لأن الحرب والمواجهة لابد أن تكون ضد الطغاة والجبابرة والمجرمين، فقد يظلمك أخوك أو جارك ظلما أجتماعياً لا شخصياً، بمعنى أنه من خلال الحكم والقوة يهيمن شخص على المجتمع، ويجعل بقية الناس مستضعفين وأذلاء ومساكين، وهذا هو المقصود من الظلم.

والثاني: أن يكون الموقف السياسي تجاه قضايا المسلمين ومصالحهم موقفاً واحداً.

ففي قضية فلسطين يجب أن يكون المسلمون يداً واحدة وجماعة واحدة في مقابل إسرائيل. وهكذا في كل قضايا المسلمين في العراق، وفي أفغانستان وفي لبنان، وفي كل مناطق العالم الإسلامي، ففي كل القضايا التي تطرح لابد أن يكون المسلمون يدا واحدة في مواجهة أعدائهم، وأن لا يعادي بعضهم الآخر، ولا يضر به، ولا يعتدي عليه[40].

آليات الوحدة في مفهوم السيد شهيد المحراب (قدس سره)

إن تحقيق الوحدة الإسلامية إذا أريد لها ذلك في منظور السيد الشهيد (قدس سره) لابد أن تتحقق مجموعة عناصر تتحد مع بعضها، وقد وردت تلك العناصر في القرآن الكريم، وهي عناصر أساسية ورئيسية يمكن من خلالها تحقيق الوحدة، ومنها[41]:

العنصر الأول: الأعتصام بحبل الله، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ)[42]. وهو يمثل الطريق الذي ينتهي بنا إلى وحدة الصف والكلمة، وعلى جميع المسلمين الاعتصام بحبل الله، ولا سيما المؤمنون والموالون لأهل البيت (عليهم السلام) «إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله عز وجل وعترتي أهل بيتي» (أمالي الصدوق المجلس الرابع والستون ح 15).
فالثقل الأول: هو القرآن، والثقل الثاني: هو العترة. وهذا الحديث متواتر بين المسلمين جميعا. فحبل الله هو القرآن الكريم والرسول الأعظم، والأئمة الأطهار من بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإمتداداً لذلك المراجع العظام الذين أرجعنا أهل البيت (عليهم السلام) إليهم. فهؤلاء المراجع مرجعيتهم وحبلهم باعتبار إتصالهم بأهل البيت (عليهم السلام). وأما العناصر الأخرى فهي مستوحاة من الآية المتقدمة.

العنصر الثاني: إقامة شعائر الله (وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)[43].

والقرآن دائما حينما يتحدث عن الشعائر والواجبات الإسلامية يذكر عنوانين:

أحدهما: الصلاة، والآخر: الزكاة، فإن كل واحد من هذين العنوانين يشير إلى كل الواجبات الإسلامية.

العنصر الثالث: طاعة الله ورسوله، (وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ)[44]. فإن طاعة الله ورسوله تمثل طريقا لهذه الوحدة (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً)[45].

والوحدة عند السيد شهيد المحراب (قدس سره) تمثل القوة الحقيقية التي يمكن أن نواجه بها جميع المشكلات والتحديات التي تواجهنا، ويد الله سبحانه وتعالى مع الجماعة، فلابد أن نحافظ عليها إذا أردنا أن نحافظ على قوتنا، ونحل قضايانا ومشاكلنا[46].

البعد الأول: أسس الوحدة في المجتمع الإسلامي عند السيد شهيد المحراب (قدس سره)

بعد أن تناول السيد شهيد المحراب (قدس سره) ظاهرة الوحدة والاختلاف في التأريخ الإنساني، وتفسير القرآن الكريم لهاتين الظاهرتين وأسبابهما وكيفية معالجتهما إنسانياً، أخذ في دراسة الوحدة الإسلامية والاختلاف في المجتمع الإسلامي في ظل العقيدة الإلهية.

وقد حدد ثلاثة أبعاد أساسية لموضوع الوحدة في المجتمع الإسلامي:

الأول: الأسس التي وضعها القرآن الكريم لوحدة المجتمع الإسلامي، بحيث تقوم هذه الوحدة وتثبت إذا توافرت هذه القواعد والأركان الأساسية لها.

الثاني: الوسائل التي أستخدمها القرآن الكريم، ووضعها أمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبني الإنسان، التي تضمن بقاء هذا البنيان الإلهي وأستمراره والمحافظة عليه وصيانته وتحقيقه.

الثالث: النتائج والآثار التي تترتب على قيام الوحدة وتحققها في المجتمع الإسلامي. وقد ضمّ البعد الأول أسس الوحدة الإسلامية، ومن خلال مراجعة السيد الشهيد للقرآن الكريم ظهرت له مجموعة من الأسس والمنطلقات الرئيسة للوحدة في المجتمع الإسلامي، ومنها:

الأساس الأول: عقيدة التوحيد

وهي أهم الأسس التي تقوم عليها الوحدة في المجتمع الإسلامي؛ لأن نظرية التوحيد هي نظرية وحدوية، بعد أن يكون مركز النظام التكويني والتشريعي هو الأمة الواحدة [47] وليس المهم في نظر القرآن الكريم والإسلام هو مجرد اجتماع المسلمين واتفاقهم على شيء أو أشياء، بل المهم أن تكون هذه الوحدة والاتفاق في الله، ومن أجل الله، وفي سبيل الله.

ويستدل السيد الشهيد (قدس سره) على ذلك بمشاهد من القرآن الكريم[48]:

المشهد الأول: مشهد الوحدة من خلال اعتصام جميع المسلمين بحبل الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا…)[49].

المشهد الثاني: مشهد تأليف القلوب وانسجامها بعضها مع البعض الآخر من خلال العامل الغيبي المتمثل بالنعمة الإلهية والتأييد والنصر الرباني، قال تعالى: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)[50].

المشهد الثالث: مشهد البراءة والعداوة والبغضاء بين أبناء الأسرة الواحدة والقوم الواحد؛ بسبب الكفر بالله تعالى وعدم الإيمان به. قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءاؤا مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)[51].

الأساس الثاني: الطاعة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

تعد الطاعة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والالتزام بأوامره وتعليماته وأحكامه وإتباع مواقفه وقراراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية والقضائية في الدرجة الثانية من حيث الأهمية في تحقيق وحدة المجتمع الإسلامي، فضلا عن الآثار الروحية والمعنوية التي تترتب عليها. وهذه الأهمية تنبع من مجموعة من العوامل والمنطلقات العقائدية والأخلاقية والمصالح السياسية والقضايا الاجتماعية، ومن هذه القضايا التي أوردها السيد شهيد المحراب (قدس سره)[52]:

أ) إن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو المبلغ للرسالة، والناطق بالوحي الإلهي (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[53]. فتمثل طاعته طاعة الله سبحانه وتعالى، والإيمان به إيمانا بالرسالة الإلهية، فهو خليفة الله في الحياة المادية، قال تعالى: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)[54].

ب) إن الرسول يمثل في النظرية الإسلامية جانب الإمامة إلى جانب النبوة والبلاغ، ومعنى ذلك أن طاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تمثل إلتزاما في أحد جوانبها بالكيان السياسي الإسلامي، وهذا يعني أهمية الأثر الذي يعطيه القرآن الكريم والإسلام للكيان السياسي في المجتمع الإنساني، وبطبيعة الحال ينسحب هذا المبدأ على جميع الحالات الأخرى للكيان السياسي الإسلامي الشرعي. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ…)[55].

فإطاعة الرسول أحد الآثار المهمة التي صرح بها القرآن الكريم. وهي تحقق الوحدة بين المسلمين، وتعالج أسباب الخلاف والنزاع.

الأساس الثالث: رعاية القيادة الإسلامية للأمة[56].

إن المركز المهم الذي تتمتع به القيادة الإسلامية في المجتمع الإسلامي يؤهل هذا المنصب القيام بأثر كبير في تحقيق الوحدة بين المسلمين، وهذه القيادة تكون قادرة على تحقيق آثارها في حفظ الوحدة وأستمرارها وبقائها، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم بشكل واضح في بعض الآيات كقوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[57]. ويتحدث القرآن الكريم عن خلق رسوله العالي في قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[58].

الأساس الرابع: الأخوة الإيمانية[59]

إن الأخوة الإيمانية تمثل بنظر القرآن الكريم إطار الوحدة الإسلامية؛ لأنها تعطي الوحدة شكلها الاجتماعي وقيمتها الإسلامية؛ لأن الوحدة بين الأشياء المتعددة تحتاج إلى إطار واحد يجمعها فإما العرق والجنس، أو اللغة والقوم، أو الجغرافيا والأرض والتراب، أو المصالح والمنافع، أو القيم والمثل الإنسانية، والنظرية القرآنية في هذا الإطار الواحد تنطلق من هذا التصور الذي يقول: إن البشرية كلها من أصل واحد. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى)[60] فهي متحدة في أصل وجودها. كما أن المجتمع الإنساني كان واحدا باعتبار وجود هذا الأصل له، وهذه العلاقة الرحيمة.

وإن الاختلاف بين بني الناس بسبب الظروف الحياتية والتعدد الشعوبي والقبلي إنما هو إختلاف طارئ يراد منه تنظيم الحياة الإنسانية والاجتماعية، قال تعالى: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)[61].

وكانت العلاقة الإيمانية والأخوة الإسلامية تمثل الوحدة الحقيقية بين بني البشر جميعاً على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وأقوامهم وقبائلهم وأماكن سكناهم، قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ)[62]. ومن هذا المنطلق وجد السيد شهيد المحراب (قدس سره) القرآن الكريم يقدم هذا الإطار ضمن أبعاد والخطوات الآتية:

1. طرح مفهوم الأخوة الإسلامية بعيداً عن كل أسباب الفرق والاختلاف، غير الفرق والاختلاف على أساس التوحيد لله والالتزام بحدود الله وشرائعه، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)[63].

2. تأكيد قاعدة هذه الأخوة بتطوير العلاقة العقائدية والإيديولوجية إلى علاقة ذات بعد نفسي وروحي وعملي من خلال التعبير عنها بعلاقة الولاء، وتترتب عليها حقوق وواجبات قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[64].

3. إن هذا الولاء بين المؤمنين ينطلق من الولاء لله تعالى ولرسوله، ويرتبط به، وعلى أساسه تتكون الكتلة المسلمة في حركتها السياسية والاجتماعية، فالله سبحانه وتعالى هو مولى المؤمنين، نعم المولى ونعم النصير، قال تعالى: (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ)[65].

4. الدعوة إلى ترك جميع الولاءات الأخرى التي لا ترتبط بالولاء الإيماني، سواء العائلية أم القبلية منها، أم الجماعات الدينية الأخرى، فضلاً على الكفار والمشركين، وهذا الأمر يجعل محور الولاء الأصلي في الحياة الاجتماعية والسياسية هو الولاء الإيماني، أي: ولاء المؤمن لله تعالى وللرسول وللمؤمنين. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً)[66].

5. أبعاد الولاء ومواصفاته، حيث تحدث القرآن الكريم عن هذا المضمون، فأشار إلى ضرورة أن يتصف هذا الولاء بالحب والإيثار والرحمة والتواضع والنصرة، ومن هنا يتحول هذا الولاء من مجرد عاطفة قلبية إلى مضمون روحي واجتماعي وسياسي يصلح لأن يقوم على أساسه المجتمع الإسلامي الواحد، ويمثل رباط الوحدة الإسلامية القوية، قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً..)[67].

الأساس الخامس: القاعدة الأخلاقية[68]

تشكل القضية الأخلاقية في النظرية الإسلامية برؤى السيد شهيد المحراب (قدس سره) قاعدة أساسية في مجمع التصور الإسلامي تجاه مختلف قضايا العقيدة والعلاقات الاجتماعية والسياسية، والتكامل الإنساني الجماعي والفردي في الدنيا والآخرة، وأن محتوى النظرية الإسلامية العام إنما هو محتوى أخلاقي، كما ورد في ذلك الحديث الشريف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»[69].

ويجد السيد الشهيد (قدس سره) معالم القضية الأخلاقية فيما يتعلق بموضوع الوحدة الإسلامية في النقاط الآتية:

أ ـ العهد والميثاق.

ب ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ج ـ الحكم بالقسط والعدل.

د ـ التعاون على البر والتقوى.

ﻫ ـ إشاعة الخير والبر[70].

البعد الثاني: وسائل تحقيق الوحدة الإسلامية[71]:

بعد أن إنتهى السيد الشهيد (قدس سره) من البعد الأول، وهو: أسس الوحدة الإسلامية، إنتقل إلى البعد الثاني، وهو: وسائل تحقيق الوحدة الإسلامية التي شخّصها القرآن الكريم بعد أن شخص الأسس التي تقوم عليها الوحدة في المجتمع الإسلامي، إذ أهتم القرآن الكريم بالأساليب والمناهج والوسائل التي يمكن أن تتبع لتحقيق هذه الوحدة، وبهذا الصدد يشير السيد شهيد المحراب (قدس سره) إلى أن الأسس التي ذكرت في البعد الأول هي وسائل وقائية تمنع أو تسهم في المنع من حدوث الاختلاف والتنازع، فالطاعة لله وللرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأسلوب اللين والرحمة كلها وسائل لحفظ الوحدة الإسلامية.

كما يشير السيد إلى مجموعة من الوسائل التي تحدث عنها القرآن الكريم في مقام تحقيق الوحدة والوفاق بين أبناء المجتمع الإنساني والأسلامي، وهذه الوسائل هي:

1 ـ الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، إذ في كل مراحل قيام الوحدة كانت هناك اختلافات بين الناس؛ بسبب الهوس وتضاد المصالح والمنافع والأهواء الخاصة، وفي مرحلة متأخرة حصل الاختلاف؛ بسبب عدم وضوح الرؤية، فجاءت الرسالات الإلهية والأنبياء لحل هذا الخلاف والنزاع، ثم جاءت مرحلة أخرى فكانت الإجتهادات الخاطئة في تفسير الدين، وحصل الاختلاف بسبب ذلك. وفي كل هذه المراحل كان هناك أثر للطغيان والطغاة في تمزيق شمل الناس، وزرع الاختلافات بينهم.

وقد أعتمد القرآن الكريم والإسلام العظيم في معالجة كل هذه الحالات أساليب ثلاثة رئيسة:

أـ دعوة الإنسان إلى الرجوع إلى العقل والتدبر والتفكير.

ب ـ الاعتماد في الوصول إلى الحقائق على الحجة والدليل والبرهان.

ج ـ الجهاد في سبيل الله لمواجهة الطغاة والجبابرة الذين يستخدمون القوة لقهر الناس على الضلال.

ومن خلال هذه النظرية الكلية إلى موضوع الاختلاف ومعالجة أسبابه يجد السيد شهيد المحراب (قدس سره) أثر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، فإنها تأتي أسلوباً في مخاطبة العقل وإيجاد أرضية التفكير والتدبر، حيث يمكن السيطرة على العواطف والمشاعر والأحاسيس.

2 ـ الصلح والمساعي الحميدة، ويأتي ـ أيضا ـ في صراط الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة المساعي الحميدة التي يمكن أن يبذلها العقلاء والحكماء والمخلصون في سبيل تحقيق الصلح والوفاق والانسجام بين الأطراف المختلف. قال تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا…)[72].

3 ـ العفو والصفح، إلى جانب الأسلوبين السابقين يأتي العفو والصفح بوصفه أسلوبا لحفظ الوحدة، ومعالجة قضايا النزاع والخلاف وأسبابه، ذلك أن الصفح والعفو كما هو قضية أخلاقية كذلك هو أسلوب للمحافظة على الوئام، وإرجاع الأمور إلى أوضاعها الطبيعية، وإعطاء الفرصة مرة أخرى للعودة إلى الأنسجام والتلاحم.

4 ـ الوقوف في وجه العدوان، إن الطغيان والعدوان أحد الأسباب المهمة للأختلاف والفرقة، خصوصا إذا تحول الطغيان إلى حالة اجتماعية عامة من خلال الوضع الثقافي للأمة، والممارسة الطويلة في المجتمع أو من خلال وجود مؤسسة قوية تقوم على الطغيان، كالحاكم الطاغية أو الجيش أو الدولة، الذي يؤدي عادة إلى تمزيق الأمة المحكومة نفسها، أو وجود الاختلافات والنزاعات بين أبناء الأمة أنفسهم، وهذا ما عرفته البشرية في تاريخها من ظاهرة الحروب والمعارك والاقتتال، فضلا على الألوان الأخرى من الطغيان.

وقد تحدث القرآن الكريم عن هذا الموضوع، ووضع له المعالجات المناسبة، سواء على مستوى الجماعات والأمة، أم على مستوى الأمة الإسلامية نفسها.

5 ـ الاعتماد على العلم في معالجة الحوادث، إن أحد أسباب التنازع والفرقة هو الاجتهادات الخاطئة والاعتماد على الشبهات والظنون الآثمة؛ لذا يجد السيد الشهيد (قدس سره) أن القرآن الكريم عالج هذا السبب من الفرقة والاختلاف بالدعوة إلى اعتماد العلم والبينة في معرفة الحقائق، والنهي عن اعتماد الظنون والاحتمالات والشبهات، وأنكر على المشركين والكفار من أهل الكتاب إتباعهم للظنون في معالجة القضايا الحياتية المهمة، ودعاهم إلى أهل العلم والذكر عند عدم العلم. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[73]، وقال تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ *بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ…)[74].

6 ـ التعامل على أساس ظاهر الإسلام، عند السيد الشهيد أن من الوسائل التي أستعملها القرآن الكريم لمعالجة النزاع والخلاف التعامل على أساس ظاهر الإسلام، وعدم التفتيش في العقائد والنيات، وهذا المبدأ يُعدّ من أهم المبادئ التي يمكن من خلالها معالجة قضية الاختلافات المذهبية والعقائدية بين أبناء الأمة الإسلامية، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً)[75].

البعد الثالث: النتائج والآثار

يخلص السيد شهيد المحراب بعد أن بَيّن بعدين إلى بعد ثالث وهو: ما يترتب من نتائج وآثار، فعلى ضوء الاستعراض السابق للأسس التي تقوم عليها الوحدة الإسلامية في المجتمع الإسلامي، والوسائل التي وضعها القرآن الكريم لتحقيق هذه الوحدة، يعرض السيد الشهيد للنتائج والآثار التي يمكن أن تترتب على الوحدة، وأجملها في نقطتين رئيسيتين:

الأولى: إن الوحدة الإسلامية تحقق القوة والمنعة للمجتمع الإسلامي في مواجهة جميع المشاكل والأزمات، التي يمكن أن يتعرض لها المجتمع الإسلامي والجماعة الإسلامية، ولاسيما في مواجهة الأعداء الخراجيين. وكما أن الوحدة هي مصدر وسبب للقوة لذا يرى السيد الشهيد أن الاختلاف يكون سببا:

أ) لهدر الطاقات، والضعف، وذهاب الصولة والقوة والدولة وإشاعة الاضطراب والفساد.

ب) للبعد من الله تعالى والغضب الإلهي والبراءة من الجماعة.

ج) لنزول العذاب من الله تعالى، بل هو لون من ألوان العذاب والانتقام.

الثانية: إن الوحدة الإسلامية تمثل نتاجا طبيعيا للتكامل الإنساني، وتعبيرا عن تطور المجتمع الإسلامي وصلاحه، وفي نظر السيد الشهيد (قدس سره) من خلال حديث القرآن الكريم عن أسس الوحدة ووسائلها أن مجتمع الوحدة هو:

أ) مجتمع التوحيد الخالص لله تعالى.

ب) مجتمع القانون والحكم الشرعي الإلهي والطاعة لله وللرسول.

ج) مجتمع العلاقة والإرتباط الوثيق والولاء الصادق بين الحاكم والحكومة والأمة والقيادة.

د) مجتمع علاقات الود والحب بين المسلمين وتآلف القلوب.

ﻫ) مجتمع الأخلاق الفاضلة، والتكامل الروحي والمعنوي.

و) مجتمع الجماعة التي تتبع منهج العقل والحكمة والعلم.

ز) مجتمع الشعور بالمسؤلية الإلهية والإسلامية والتكامل والتضامن في تحملها، والجهاد من أجل مواجهة الظلم والعدوان وتحقيق المثل والقيم[76].

فالوحدة الإسلامية في مفهوم السيد الشهيد ليست مجرد شعار يطرحه المسلمون لتحقق غاية نبيلة، وخلاص من الأضرار المترتبة على الاختلاف، وإنما تمثل الوحدة من خلال هذه الرؤية هدفا إسلاميا وإنسانياً يرتبط بمجمل الأهداف الأساسية للدين وللرسالة الإسلامية؛ لأن هذه الوحدة لا يمكن أن تتحقق من دون هذه الأسباب والعوامل والأسس والمناهج، فهي تعبير عن المجتمع الإنساني الفاضل الذي دعا إليه الإسلام، وعمل من أجله الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين وأصحابه المنتجبين، وجميع السلف الصالح من المسلمين.

وبذلك تصبح الوحدة ضرورة من ضروريات الحياة الإسلامية وواجبا شرعيا لجميع المسلمين المخلصين[77].

شيعة أهل البيت (عليهم السلام) والوحدة الإسلامية عند شهيد المحراب (قدس سره)

إن لشيعة أهل البيت (عليهم السلام) أثرا في قضية الانسجام والوحدة مع بقية أطراف المجتمع الإسلامي والمسلمين من بقية المذاهب الإسلامية، حيث كانوا يمارسون (التقية) مع هذه الأطراف تحقيقا للانسجام، وترسيخاً لروح التعايش بين المسلمين، وتأكيدا للتماسك بين الجماعات الإسلامية، وأن طرح التقية في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في أحد وجوهها هو تحقيق الوحدة والانسجام في المجتمع الإسلامي؛ من أجل إيجاد روح التضامن والتكافل والوفاء بالعهود والمواثيق مع بقية أطراف المجتمع، ويحثونهم على حسن المعاشرة والجوار والحضور في الجنائز والمساجد وعيادة المرضى مع تأكيد عدم إمكان الاستغناء عن الناس والحاجة إليهم.

وقد التزم أتباع أهل البيت (عليهم السلام) هذه التوصيات، ومارسوها من موقع القوة والقدرة، كما التزموا بها في مواضع الضعف والمطاردة؛ ولذلك لم يعرف عن شيعة أهل البيت (عليهم السلام) أنهم مارسوا عمليات القمع والاستئصال ضد أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى، ولم ينهجوا منهج العنف والإرهاب وأساليب الأغتيال، وأختطاف الرهائن واحتجازها، أو القتل عطشا وجوعا، وإنما تعرضوا لكل هذه الأساليب الوحشية التي تنال الأبرياء والضعفاء من الناس، كالنساء، والأطفال، والشيوخ.

إن خير دليل على ما ذهب إليه السيد شهيد المحراب (قدس سره) هو تفجير النجف الذي راح سماحته ضحيته مع أكثر من ثمانين مؤمنا كانوا يؤدون صلاة الجمعة في حضرة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وتفجيرات الكاظمية وكربلاء ومدن العراق الأخرى وآخرها تفجيرات بلد والحلة التي أودت بحياة أكثر من (100) إنسان بريء من شيعة أهل البيت (عليه السلام) لا ذنب لهم سوى أنهم أتباع أهل البيت (عليهم السلام) لقد دلل السيد شهيد المحراب (قدس سره) على التعايش السلمي بين أبناء المجتمع الإسلامي، وأنهم لا يستغني بعضهم عن بعض بقول الإمام الصادق (عليه السلام): «عليكم بالصلاة في المساجد، وحسن الجوار للناس، وإقامة الشهادة، وحضور الجنائز. بأنه لابد لكم من الناس بأن أحدا لا يستغني عن الناس حياته، والناس لابد لبعضهم من بعض»[78].

الروابط الاجتماعية والأخلاقية في بناء الوحدة الإسلامية

يرى السيد شهيد المحراب (قدس سره) أن وحدة المجتمع الإسلامي لا يمكن الحفاظ عليها إلاّ ببنية المجتمع الإسلامي، ونمو الروابط الاجتماعية القوية بين المسلمين، كعلاقات الحب، والود، والاحترام المتبادل، مع بقية المسلمين بالشكل الذي يحفظ وحدة المجتمع الإسلامي، ويحقق الوحدة والتلاحم بين أبناء الأمة الإسلامية[79].

وهذا مستخلص عند السيد الشهيد من الروايات التي وردت عن أهل البيت (عليهم السلام) التي تؤكد على أتباعهم الاهتمام بهذا الجانب في عموم حركتهم السياسية والاجتماعية، وقد حددها في الأمور الآتية:

1 ـ إن الجماعة الصالحة يجب عليها أن تتعايش وتندمج مع بقية أجزاء الأمة الإسلامية في وحدة عامة متكاملة.

2 ـ قضية الالتزام بآداب العشرة والعلاقات الاجتماعية الإسلامية العامة التي سعى الإسلام من خلالها إلى ترسيخ دعائم المجتمع وتقوية الأواصر بين أطرافه.

3 ـ الالتزام بالعهود والمواثيق والعقود التجارية تجاه بقية أطراف المجتمع، حيث تكوّن هذه الالتزامات القاعدة الأخلاقية والقانونية القوية التي ترتكز عليها هذه العلاقات، وتضع لها قوادها وضوابطها.

4 ـ الالتزام بالسلوك العالي الفردي والاجتماعي بين الناس، بحيث يكون قدوة لهؤلاء الناس، ويكون له أثر التأثير عليهم في الهداية والانسجام[80].

محاولات اغتيال الوحدة في نظر الشهيد

لما كانت الوحدة في مفهوم السيد الشهيد كيانا قائما له شخصيته الاعتبارية، فهي مستهدفة أستهدافا واسعا وكبيرا من أعداء الإسلام الذين يحاولون ضعضعتها، سواء وحدة الشعب العراقي، فيطرحون الصراع بين الشيعة والسنة، وكأنهم ليسوا إخوة في الإسلام وفي العراق وفي الهموم والقضايا المشتركة، أم وحدة أتباع أهل البيت (عليهم السلام) فيحاولون إيجاد الصراع بينهم؛ لأنهم وجدوا فيهم الصبر والصمود والإستقامة والاستعداد للتضحية والفداء والالتزام بالقيم والمبادئ… ولاسيما بعد أن برزت ـ بعد طول الآلام والمحن ـ في صف واحد متماسك في مسيرة كربلاء، وهم يهتفون هتافا واحدا للحسين، وللإصلاح، والنهي عن المنكر، ومقاومة الذل والأستبداد، مما جعل الأعداء ينصبون العداء أكثر فأكثر لهؤلاء[81].

المصادر

1 ـ الأربع عشرة، مناهج ورؤى: خطب الجمعة للمرجع الديني شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)، مؤسسة تراث الشهيد الحكيم، النجف الأشرف 1425 ﻫ ـ 2004م.

2 ـ حوارات مع سماحة آية الله السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره):

إعداد محمد هادي منشورات دار الحكمة ـ القسم الثقافي ـ قم المقدسة د. ت.

3 ـ دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة، للسيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم، المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) 1425 ﻫ.

4 ـ في ظلال أهل البيت (عليهم السلام) (الرسول الأعظم): خطب وأحاديث سماحة شهيد المحراب آية الله السيد محمد باقر الحكيم، مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي ـ النجف الأشرف 1424 ﻫ.

5 ـ المنهاج الثقافي السياسي الاجتماعي: لشهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)، مؤسسة تراث الشهيد الحكيم النجف الأشرف. د.ت.

6 ـ الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين: آية الله السيد محمد باقر الحكيم المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) 1425ﻫ.

[1] الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين 212، 213.

[2] المصدر السابق 181، ودور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة 1/ 42.

[3] الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين 183.

[4] الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين 206، 209.

[5] المصدر السابق 30، 31

[6] الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين 30، 31.

[7] المصدر السابق 31.

[8] المصدر السابق 30.

[9] الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين 32.

[10] الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين 36، 37

[11] سورة هود: 118 ـ 119.

[12] المصدر السابق، 49، 50.

[13] سورة الملك: 2.

[14] الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين 51، 52.

[15] المصدر السابق.

[16] سورة البقرة: 30.

[17] الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين 54، 61.

[18] سورة البقرة: 213.

[19] المصدر السابق 57.

[20] سورة الروم: 41.

[21] الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين 59.

[22] المصدر السابق 62.

[23] سورة النساء: 48.

[24] سورة القصص: 4.

[25] سورة النساء: 75.

[26] المصدر السابق 64.

[27] سورة المائدة: 15، 16.

[28] المصدر السابق 68، 83.

[29] سورة آل عمران: 64.

[30] سورة الأنبياء: 92.

[31] سورة النحل: 43.

[32] الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين 76، 83.

[33] سورة آل عمران: 65، 67.

[34] سورة الأعراف: 156، 159.

[35] سورة الصف: 6.

[36] سورة المائدة: 15.

[37] الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين 79، 83.

[38] سورة التوبة: 29.

[39] الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين 83.

[40] في ظلال أهل البيت (عليهم السلام): 74، 75.

[41] الأربع عشرة 248، 249.

[42] سورة آل عمران: 103.

[43] سورة التوبة: 71.

[44] سورة التوبة: 71.

[45] سورة الأحزاب: 36.

[46] المصدر السابق 249.

[47] الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين 85، 86.

[48] المصدر السابق: 86، 87.

[49] سورة آل عمران: 102، 103.

[50] سورة آل عمران: 103.

[51] سورة الممتحنة: 4.

[52] المصدر السابق 89، 93.

[53] سورة النجم: 3، 4.

[54] سورة النساء: 80.

[55] سورة النساء: 59، 65.

[56] المصدر السابق: 89، 95.

[57] سورة آل عمران: 159.

[58] سورة القلم: 4.

[59] المصدر السابق: 95، 105.

[60] سورة الحجرات: 13.

[61] المصدر السابق: 13.

[62] سورة آل عمران: 19.

[63] سورة الحجرات: 10.

[64] سورة التوبة: 71.

[65] سورة البقرة: 257.

[66] سورة النساء: 144.

[67] سورة الفتح: 29.

[68] المصدر السابق 105، 106.

[69] مستدرك الوسائل 2/ 282.

[70] المصر السابق: 106، 112.

[71] المصدر السابق: 112، 125، والمنهاج الثقافي السياسي الاجتماعي، 195.

[72] سورة الحجرات: 9.

[73] سورة الحجرات: 6.

[74] سورة النحل: 43، 44.

[75] سورة النساء: 94.

[76] الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين: 112، 127.

[77] المصدر السابق: 127، 128.

[78] وسائل الشيعة 8: 399

[79] دور أهل البيت (عليهم السلام) في بناء الجماعة الصالحة: 291.

[80] المصدر السابق: 291، 294.

[81] الأربع عشرة، 249.

اكتب تعليق

كافة الحقوق محفوظة لمؤسسة تراث الشهيد الحكيم، ولا يجوز الاستفادة من المحتويات دون إذن خطي.

الصعود لأعلى