شهيد المحراب (قدس سره) وريادته لحقوق الإنسان في العراق
بحث شارك في المؤتمر الثاني لإحياء التراث الفكري والعملي للشهيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم
الباحث: أحمد الحمد الخزعلي
باحث وناشط في مجال حقوق الانسان ـ بغداد
التوطئة
إنَّ مصطلح حقوق الإنسان مصطلح جديد النشأة في المجتمع الدولي الحديث، وان كانت جذوره تمتد إلى أعماق التاريخ لتصل بأفكار وفلسفات و تطبيقات قديمة، واليوم أصبح لهذا المصطلح دور فعال في إزالة حكومات فاشية مستبدة وبناء حكومات وطنية ديموقراطية على أنقاضها، والشواهد كثيرة في هذا المضمار كما حدث مع دكتاتور رومانيا نيكولاي تشاوتشسيكو، ودكتاتور صربيا ميلوفيتش، ودكتاتور العراق صدام حسين وغيرهم، لذا نهضت حقوق الإنسان بتحمل هذه الأعباء لإنقاذ الشعوب المستضعفة من نير الدكتاتورية البغيضة الى نور التحرر و الإنعتاق.. وعملت المنظمات الدولية العاملة في هذا الإطار على إسناد تلك الشعوب في هذا المجال بإصدار لوائح و مواثيق لتأييد هذه الحقوق وصيانتها منها «الشرعة الدولية»، فأمسى بذلك مقياساً لوطنية هذه الحكومة، أو عكسها، لذا عملت بعض الحكومات المتردية على تدجين هذه المسألة لصالحها دون مراعاة مصالح الشعب الحقيقية، و شعبنا العراقي المظلوم كان من بين تلك الشعوب المقهورة و المغلوبة على أمرها، من هنا أدرك شهيد المحراب الغالي آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) في وقت مبكر أهمية هذه المسألة من بين قادة المعارضة العراقية، ومنذ خروجه من البلاد عام 1980م، بمحاضراته القيّمة وتوجيهاته البنّاءة ودعمه وإسناده لإنشاء مؤسسات عديدة بهذا الخصوص، وتأكيده على خوض هذا الميدان وأن نرفع سلاح حقوق الإنسان في العراق لندافع عن حقوقنا المهدورة وفق المصطلحات والأسس الحديثة والمعمول بها في أوساط الأمم المتحدة و لجانها و مؤسساتها، و بذا أصبح شهيد المحراب الرائد في ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في العراق، و إرساء قواعدها بين الجماهير، من الوجهتين (الإسلامية العريقة ـ والعالمية الحديثة)، وما أنجزه أو ينجزه الشعب مستقبلاً من ممارسات الديمقراطية وبناء مؤسسات المجتمع المدني و المؤسسات الحضارية ما هو الّا من ثمار تلك الجهود و التضحيات الجسام التي قدّمها شهيد المحراب (قدس سره) منذ نعومة أظفاره، لاسيما خلال سنوات المهجر من 1980م ـ 2003م، وأخيراً توّجت تلك التضحيات الجسام بإستشهاده الأليم مع عشرات المصلين بعد صلاة الجمعة بانفجار سيارة مفخخة عند مرقد جده أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) بأيدي ثلة تكفيرية إرهابية قذرة، في النجف الأشرف يوم 29 /8/ 2003م المصادف 1/ رجب 1424 ﻫ، وهو في معترك مهامه الوطنية وأوج مسؤولياته الدينية والإنسانية لبناء عراقنا الجديد، و الأمة بأمسِّ الحاجة الى وجوده المبارك بين ظهرانيها، وما نلاحظه في هذا البحث المتواضع، دليل على ذلك، والقاء الضوء على تلك الجهود والتحركات التي بذلها سماحته لتعزيز هذه المسألة و النهوض بها الى المستوى المطلوب، لإنقاذ شعبنا الجريح من بين براثن الطاغية المستبد في بلادنا، الى الحياة الانسانية الكريمة.
لقد كان الهاجس الدائم لسماحة السيد شهيد المحراب (قدس سره) تحقيق السُبل الكفيلة بانقاذ الشعب العراقي من ظلم نظام صدام. وكان هذا الهاجس واضحاً كل الوضوح في تفكير وحركة سماحته، فهو لم يغفل لحظة واحدة عن بيان المأساة التي يعانيها هذا الشعب في ظل نظام صدام، وكان يرفع صوته ويبرق برسائله ومذكراته الى الامم المتحدة وأمينها العام، وملوك ورؤساء البلاد العربية والإسلامية في كل مناسبة، يطالبهم فيها باتخاذ التدابير اللازمة برفع الظلم عن الشعب العراقي وتمكينه من التمتع بحقوقه المشروعة وفق الموازين الشرعية و المواثيق الدولية.
إضافة إلى ذلك كان يسعى دائماً إلى إيجاد قنوات لتحمل أعباء هذه المسؤولية الإنسانية، فتم فعلاً تأسيس وإنشاء وعقد عددٍ من المراكز والمؤسسات والندوات بهذا الخصوص؛ لنلاحظ مبادرات سماحته (قدس سره) في هذا المضمار الإنساني، وريادته لحقوق الإنسان، وما بانت لتلك التحركات من نجاحات باهرة و أصداء مهمة في تفعيل القضية العراقية و إفهام المجتمع الدولي عما يدور في بلادنا العزيزة وما تفعله ماكنة الانتهاكات من خروقات فظيعة لحقوق الإنسان في العراق، فظهرت بذلك نتائج حسنة لتلك الفعاليات ـ سنذكر قسماً منها لاحقاً ـ نحو تحرير الإنسان من بين براثن الجور و الإستبداد إلى عالم النور والتحرر.
شهيد المحراب وحقوق الإنسان
مما لا شك فيه أن السيد شهيد المحراب (قدس سره) كان مفكراً إسلامياً كبيراً و سياسياً بارعاً مهيبا، وكان له برنامج متكامل ومفاهيم واضحة لإنقاذ عراقنا الحبيب من لججِ الظلم وتباريح الجور الى برِّ الأمن والأمان؛ وأمسى إسمه مرادفاً لتطبيق تلك المفاهيم بالتضحية والفداء والإيثار نحو يوم الخلاص من الطاغوت الجاثم على صدر الشعب منذ أكثر من ثلاثة عقود من الكبت وهدر الحقوق المشروعة، واقتضام الدستور، والأعراف المحلية والدولية.
وبذا سما السيد شهيد المحراب (قدس سره) إلى أرقى درجات الدفاع عن حقوق الإنسان في العراق بغرسه تلك المفاهيم وتطبيقاتها في أعماق الجماهير بعد تطبيقه العملي لها، وحتى جاءت النتائج سليمة ومؤثرة، وتحملها بكل هدوء ورحابة صدر بفقد الأحبة الأعزاء، وآلام الغربة، وقبلهما الإعتقال وألوان التعذيب (سيأتي مفصلاً في مادة تجربتي مع حقوق الإنسان)، فأرسى شهيدنا الغالي السيد الحكيم (قدس سره) بذلك قواعد حقوق الإنسان في بلادنا على أسس سليمة بطابع حضاري مع الاحتفاظ و الاعتزاز بالموازين الإسلامية الأصيلة. هذا ما نراه في مواد بحثنا المتواضع هذا، الذي يتكون من خمسة موارد رئيسية، وهي:
المورد الأول: شهيد المحراب و آراؤه في حقوق الإنسان
بنى شهيدنا الغالي السيد الحكيم (قدس سره) نظرته في حقوق الإنسان في العراق على ثلاث آليات رئيسية:
ألف: الآلية العمومية
كان شهيد المحراب (قدس سره) ينظر إلى الشعب العراقي نظرة عمومية ككل، وكجسد واحد بجميع مكوناته، دون تمييز طائفي أو قومي أو مذهبي لنيل حقوقه المشروعة، كان يؤمن (قدس سره) بضرورة احترام الأقليات القومية والدينية وحقوقها العامة وضمان وحدة العراق وبالطرق الدستورية، ويؤمن بضرورة إعطائها حقها في ممارسة معتقداتها الدينية، كما انه يدعو إلى الوحدة الإسلامية بين المذاهب والطوائف الإسلامية وهو يقف ضد كل جهد يدعو إلى الطائفية السياسية أو الدينية، إذ يقول بوضوح نظرته العلمية لبناء العراق المستقبلي ذي الأطياف المتنوعة الجميلة:
(من حق الكردي أن تحترم ثقافته، والعربي من حقه إحترام ثقافته، والشيعي من حقه أن تحترم ثقافته ومذهبه في المناطق الشيعية، و تدرس في مدارسهم و يعلم أبناؤهم، كما أن من حق السني أيضاً أن تحترم ثقافته في مناطقه و بلاده، والمسيحي في مدارسه ومجتمعاته، هذه الخصائص والمكونات لابد من أخذها بنظر الاعتبار في الحكم المستقبلي)؛ ثم يقول في مجال آخر ودفاعاً عن حقوق الأقليات بما فيهم المسيحيون وما أصابهم من سياط النظام البائد و هضم حقوقهم:
(المسيحيون عاشوا في العراق أربعة عشر قرناً و ليس يوماً أو يومينِ، و بقوا يحتفظون بشخصيتهم ووجودهم، و عندما جاء النظام المستبد العنصري الطائفي الحاكم المباد حكم خمسة وثلاثين عاماً مما اضطر أكثر الشعب المسيحي إلى الهجرة والخروج من العراق بسبب القمع والمطاردة التي تعرض لها المسيحيون، فالنظام قمع الجميع و منهم المسيحيون)، من هنا شجع سماحته على إرسال الشهود و الضحايا و الوثائق المرتبطة بالسجناء والمعذبين إلى مؤسسات الأمم المتحدة المعنية بشأن حقوق الإنسان، وبذلك تحركت الوفود على منظمات حقوق الإنسان في البلدان الأوربية وفي بعض البلدان الآسيوية، وكانت هذه الوفود من مختلف شرائح المجتمع العراقي منهم: العرب، والأكراد، والتركمان، والمسيحيون، والشيعة، والسنة أي كل إنسان عراقي منتَهك حقه و تساعده الظروف على السفر لطرح مظلوميته على الجهات المعنية بحقوق الإنسان، وذات تأثير على المتغيرات الدولية، فكانوا يرون الدعم الكامل من قبل سماحته في هذا المجال على الصعيدين الشخصي و المؤسساتي[1] من منطلق قوله: (علينا أن تتكاتف أيدينا لنبني عراقاً واحداً نشترك فيه جميعاً، و تتحقق فيه حقوق الجميع و لا يكون عراقاً دكتاتورياً أو طائفياً أو عنصرياً)، ويذكر في مكان آخر بنداء جميل منبعث من صدر أبوي رحب: (أدعو جميع أبناء الشعب العراقي سنّة و شيعة ؛عرباً و أكراداً، صابئة و مسيحيين إلى: رفع شعار الوحدة الوطنية و الاسلامية و الوقوف امام محاولات التفرقة بحكمة و موعظة حسنة و إرادة قوية، و لابدّ أن نعبئ أبناء الشعب العراقي في حركة واسعة لكي يطالبوا بحقوقهم المدنية و السياسية و الدينية والشخصية).
كما ان سماحته كان يولي اهتماماً خاصاً بقضايا اللاجئين العراقيين في كل مكان لا سيما في جمهورية إيران الاسلامية والمملكة العربية السعودية ودول المنطقة و العالم، و أهتم أيضاً بالأسرى العراقيين في الجمهورية الاسلامية في إيران. «الذين سيقوا الى أتون الحرب قسراً» لقضاء حوائجهم و غمرهم بالحنان الأبوي حباًً و إرشاداً، لذا كانوا يرون في شخصه المبارك الأمل والمنقذ لهم في تحريرهم من أسوار الأسر خارجاً؛وإنقاذ أهليهم من براثن الدكتاتورية البغيضة داخل العراق.
ب) الآلية الإسلامية
في كل مقطع و مشروع تحرك فيه آية الله الشهيد السيد الحكيم (قدس سره)، كانت مصلحة الإسلام هي العنوان الرئيسي و الأول الذي يتحرك من أجله؛ و الرئة التي يتنفس من ثناياها، و بذا كان يؤمن بان الإسلام هو الإطار الأفضل الذي يمكنه أن يوحد حركة الشعب العراقي، ويضمن الحقوق الكاملة لجميع القوميات والمذاهب والأقليات، وانه يمثل هوية الشعب العراقي الذي حافظ على وجودها منذ الصدر الأول للإسلام وحتى اليوم. انظر كتابه (حقوق الإنسان من وجهة نظر إسلامية)، ومن محاضراته القيمة في هذا المجال محاضرة (كرامة الإنسان) ألقاها في مؤسسة الشهيد الصدر (رضوان الله عليه) عام 1983م[2] منطلقاً من الآية الكريمة: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً )[3] ومؤكداً على ذلك بقوله الرائع في هذا المجال: (لابدّ أن يكون الإسلام ركناً أساسياً في النظام المستقبلي و لا يمكن التنازل عنه مهما استخدمت من مصطلحات لأنّه ركن يرتبط بهوية الشعب العراقي)، وما يتمتع به شعبنا الأصيل في ظلال الديمقراطية من ممارسات حقوقه المشروعة بعدما إكتسح هديره أوكار الإستبداد و القمع بثوراته الثلاث البنفسجية إلا من ثمار ذلك الرجل العظيم الخالد الذي ضحى بنفسه وأهله من أجل هذا اليوم البهيج،فالدستور العراقي الجديد مفعم بروح الإسلام وينبض بطيب أهل البيت (عليهم السلام) وبعبير السيد شهيد المحراب (قدس سره) والذي كان بحق من الدعاة الأوائل لوضع دستور يحقق آمال و طموحات الشعب العراقي باجمعه في حياة كريمة، ممارساً حقوقه المشروعة بما فيها حرية الرأي والعقيدة والتدين، والتمتع بها وممارسة طقوسه وشعائره الدينية دون وجل ودون رقيب، ونتذكر قوله المبارك: (نريد عراقاً تسوده العدالة والاحترام والمحبة والألفة والمودة، لنتمكن أن نخرج العراق من هذا المأزق وهذه المشكلات المعقدة إلى عراق آمن مستقر مزدهر)، وهذا ما يطمح إليه كلّ إنسان نبيل يعيش في أرض الأنبياء، والعتبات المقدسة، والجبال الزاهية، وليثمر قوله الرائع في احترام الإنسان و قيمة الموروثة إذ يقول:
(نحن نريد حكماً يحترم الإسلام، ولا نكتفي بهذا، بل ويحترم قيم الإسلام، فلا يمكن أن تتحول مدننا العراقية ذات الغيرة و التاريخ الإسلامي، هذه المدن المقدسة بقدسية وجود أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وأئمة المذاهب الأخرى، إلى مدن متحللة).
ج: الآلية الدولية
يعتقد السيد شهيد المحراب (قدس سره) بضرورة التحرك على اللجان المختصة التابعة للأمم المتحدة، والمنظمات المعنية بمسألة حقوق الإنسان، لإطلاع العالم على هدر حقوقنا من قبل النظام البائد من جهة والضغط عليه «أي على النظام» من قبل تلك الجهات لإنهاء هذا الوضع المأساوي في عراقنا أو التقليل من وطأة تلك الانتهاكات الجسام عن كاهل شعبنا المظلوم من جهة أخرى، وقد تحقق جزء من ذلك بإرسال الوفود المختصة إلى الهيئات الدولية المعنية، ومخاطبة الأمم المتحدة، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة الشرق الأوسط بإرسال المذكرات، والبيانات، والرسائل المستعجلة وبناءً على ذلك فقد تم تعيين مقرر خاص لمتابعة حقوق الإنسان في العراق، بقرار لجنة حقوق الإنسان المرقم 1991/74 والمؤرخ في 6/ 3/ 1991 والمعنون (حالة حقوق الإنسان في العراق)، وكان أول رئيس لهذه اللجنة السيد ماكس فان دير شتويل وزير خارجية هولندا الأسبق[4].
وشرع سماحته (قدس سره) ينادي و يستفسر من كلَّ الضمائر الحيّة في العالم وبحرقة وإباء، ليضعهم أمام واقع مرير لما يجري في عراقنا: (لماذا لا يكون هناك موقف جاد وفاعل ومتحرك وجدي من قبل المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، والدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي والدول الإسلامية من أجل مساندة الشعب العراقي وإنقاذه من هذه المحنة).
وهنا نذكر جانباً من حركة سماحته (قدس سره) السياسية الدولية لأجل إنقاذ الإنسان العراقي من كوابيس الظلم و الاضطهاد، فقد تحرك بشكل واسع من اجل هدف سامٍ وهو إسقاط نظام صدام البائد، ونجاة الشعب العراقي من هذه المحنة الطويلة التي يعاني منها، فتحرك على مؤسسات الأمم المتحدة والتقى بالأمين العام الأسبق (خافيير بيريز ديكويلار) كما اهتم بدول الجوار فزار المملكة العربية السعودية، وسوريا، ودولة الكويت والتقى الملوك والرؤساء فيها والتقى رئيس الوزراء التركي، ورئيس الوزراء السوداني، وتحادث مع الملك حسين وولي العهد الأمير حسن بن طلال (آنذاك)، فضلاً عن علاقاته ولقاءاته المتميزة مع قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما زار بريطانيا استجابة لدعوة العراقيين هناك وسويسرا، ولبنان، وإلتقى سفراء دول المجموعة الأوروبية عدة مرات لدعم هذا التحرك الدولي، لدعم القضية العراقية.
وفي كل مكان كان يذهب إليه سماحته تكون مأساة الشعب العراقي وقضيته هي القضية الجوهرية الأولى التي تدور حولها المباحثات جميعاً.
كما أرسل الوفود والمبعوثين للمنظمات الدولية والدول المعنية في مناسبات عديدة لنفس الغرض.
ويستقبل في مكتبه في طهران عادة عشرات السفراء للدول الأوربية والعربية والإفريقية، ومراسلي الصحف العالمية ومسؤولي المنظمات الإنسانية على كافة الأصعدة؛ كما بعث في هذا المجال عدة رسائل ومذكرات إلى الجهات الدولية المعنية بقضايا حقوق الإنسان، كان أهمها:
1) رسالة إلى اللجنة الخاصة لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة؛ لخّص فيها انتهاكات حقوق الإنسان في العراق في 23 /1/ 1986م [5].
2) وإيماناً منه بالتأثير الدولي على إسقاط النظام بالطرق السلمية أبدى سماحته استعداده للإدلاء بشهادته أمام القضاء عند محاكمة صدام حسين كمجرم حرب في محكمة دولية، لكونه من ضحايا العنف الصدامي، وانتهكت حقوقه المشروعة على أيدي النظام، قال ذلك أمام وفد من منظمة «اندايت» [6] المختصة بمحاكمة صدام أثناء زيارتهم لطهران أوائل عام 2003م وقبل إنهيار النظام البائد بأسابيع، وكان الشيخ الدكتور همام حمودي حاضراً في ذلك اللقاء، كما كان لي شرف الحضور فيه أيضاً ممثلاً عن المركز الوثائقي لحقوق الإنسان في العراق [7].
المورد الثاني : شهيد المحراب من ضحايا حقوق الإنسان
تعرض السيد شهيد المحراب (قدس سره) في عمره الشريف إلى مجموعة من الانتهاكات لحقوقه المشروعة على أيدي أزلام النظام البائد من أعتقال، ومنع من السفر، وألوان التعذيب، ومحاولات إغتيال [8]، وها هو سماحته يسرد فصلاً من ذلك بعنوان «تجربتي الشخصية مع حقوق الإنسان في العراق» خلال بحثه القيم الذي ألقاه أمام الملأ في المؤتمر الخامس للفكر الإسلامي المنعقد في طهران عام 1987م، والتجربة مريرة، بل هي وثيقة تاريخية لما فيها من الحقائق الدامغة على وحشية النظام و إبتعاده كلياً عن مفاهيم الحضارة و الإنسانية، والمغايرة تماماً لما يُمارس مع رأس النظام البائد في قفص الإتهام و هو الجاني السيء والمسيء، من معاملة أصولية من قبل قضاتنا المعروفين [9] في عهد النور و التحرر، يقول شهيد المحراب عن تلك التجربة [10]: (تم اعتقالي في 11 شباط 1977 صفر 1397ﻫ بتهمة التحريض على أحياء الشعائر الحسينية والسير مشياً على الأقدام لزيارة الحسين (عليه السلام) من النجف الأشرف إلى كربلاء في منطقة صحراوية. وبعد الاعتقال تعرضت للتعذيب النفسي والجسدي الذي أستعمل فيه الضرب على اليدين والرجلين ورفع الجسم عن طريق شد اليدين إلى الأعلى من الخلف والوضع على الكرسي الحديدي والضغط على الجمجمة بجهاز خاص، والعصا الكهربائية، وإطفاء السكائر في البدن بالإضافة إلى اللكمات على الوجه والرأس وبقية البدن والسب والشتم للمعتقدات «الدين، الرب، الرسول، الأئمة الأطهار، العلماء، المذهب» والوضع في زنزانات انفرادية صغيرة لا يتوفر بها أبسط الأمور الصحية ولا يعرف فيها الليل من النهار والتهديد والاعتداء على العرض وبالموت… كل ذلك من أجل الضغط لانتزاع اعترافات غير واقعية وقد صمدت أمام التعذيب ورفضت التهم السخيفة التي وجهت لي[11].
وبعد حوالي ستة وثلاثين يوماً 19 آذار 1977 أبلغت بصدور الحكم علي بالسجن المؤبد من قبل ضابط في دائرة الأمن العامة دون محاكمة أو أخذ إفادة أو توكيل محامي دفاع أو السماح بالدفاع عن النفس، وعلمت أن الحكم تم إعلانه من قبل ذلك في يوم 25 شباط من الإذاعة والتلفزيون ونشر في الصحف. وقيل ـ كذباً وزوراً ـ في الصحف عند نشره أن المحاكمة كانت مواجهة، ونقلت إلى ثلاثة سجون، وقد تم قتل حوالي عشرة أشخاص دون محاكمة أصولية في هذه القضية، وقد تم عزل عضوي المحكمة الخاصة الحزبية التي شكلت لهذا الغرض من جميع مناصبهما لأنهما رفضا إصدار الحكم المذكور وهما وزير الصحة عزت مصطفى «طبيب»[12]، ووزير الصناعة فليح حسن الجاسم «معلم»[13] والذي رفض الحضور في الجلسة الوحيدة التي تم فيها إعلان الحكم فقط، وهما عضوان قياديان في حزب البعث.
وهذه بعض محطات إنتهاكية من تلك الفترة القاسية، من أيام المحنة و الصمود :
ـ كما تم إصدار الحكم بالسجن المؤبد بنفس الطريقة والقضية على خمسة عشر شخصاً آخرين.
ـ وتم اعتقال وتعذيب أكثر من عشرة آلاف شخص في هذه القضية وتم أخذ اعترافات كاذبة وملفقة تحت التعذيب. ـ وتم تهديد المرجع الديني الأعلى للشيعة الإمام الخوئي (قدس سره) في النجف بأن النظام سوف يقتل أكثر من مائة شخص إذا لم يقم بإرسال رسالة استرحام إلى رأس النظام أحمد حسن البكر يلتمس فيها العفو عن المعتقلين.
ـ ولم يتم ضبط إفادة ولا تهيئة ملف بهذه القضية ولا حتى تسجيل الأسماء العادية، كما تم حرماني من الحقوق المدنية ومنعي من السفر دون أي مبرر بعد إطلاق سراحي بمهزلة العفو العام بعد مرور سنة ونصف من السجن.
ـ وعندما إنتصرت الثورة الإسلامية قام النظام المجرم باعتقال وقتل المئات من صفوة أبناء الشعب العراقي ومنهم أستاذي ومعلمي وصديقي آية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر وأخته العالمة الفاضلة بنت الهدى دون محاكمة حيث تم اعتقاله بعد عشرة أشهر من الاحتجاز في البيت وتحت رقابة مكثفة من قبل رجال الأمن ومنع دخول الناس عليه أو الاتصال به، وسلمت جثته الطاهرة بعد الاعتقال بثلاثة أيام دون السماح بإجراءات عادية للدفن أو التشييع أو العزاء ودون السماح لمعرفة الخبر أو التحدث به لأقاربه ودون أي إجراءات قانونية أو أصولية، وتم نفي الخبر في بداية الأمر حتى ذاع وشاع بين الناس تدريجياً فاعترفت به بعض الصحف المحلية وبشكل جانبي.
ـ كما أنه تم قتل سبعة عشر شخصاً من عائلتي [14] من المجتهدين والعلماء والأساتذة وهم أسرة المرجع الأعلى للطائفة الإمامية السيد محسن الحكيم من سنة 1960 ـ 1970 واعتقال الباقين من الذكور الذين يزيدون على خمسين شخصاً ومصادرة أموالهم غير المنقولة لمجرد إنني تمكنت من الخروج من العراق إلى بلاد المهجر بدون إذن السلطة المجرمة وبصورة سرية وقمت بنشاطات سياسية في المهجر ضد النظام البائد [15].
مشاﻫد غريبة
إن هناك المئات من الحوادث التي شهدت ـ ها ورأيتها عن قرب أو سمعت تفاصيلها في السجن وخارجه يقف لها شعر الإنسان هولاً، فقد قام النظام في عام 1973م بقتل أكثر من سبعة الاف كردي في مدة شهرين ـ حسب رواية سمعتها من أحد السجانين في قسم الإعدام حيث قال انه كان يعمل لمدة أربع وعشرين ساعة (جهازان) للإعدام ولمدة شهرين علماً بأن إعدام الشخص الواحد يحتاج مدة عشرين دقيقة ـ هذه كانت بعض الإنتهاكات التي تعرض لها شهيد المحراب خلال فترة إعتقاله، أما محاولات الاغتيال التي تعرض لها فهي كثيرة، ويمكن الاطلاع عليها من خلال سيرته الذاتية.
المورد الثالث: المؤسسات الثقافية التي أنشأها شهيد المحراب
أولى سماحة شهيد المحراب (قدس سره) الى جانب نشاطاته السياسية الكبيرة اهتمامات بالغة في المهجر لتأسيس مؤسسات إسلامية، ثقافية، وإنسانية، وخدمية عوناً للإنسان العراقي في المهجر و نواة صالحة لخدمة الشعب العراقي جميعاً مستقبلاً بعد التحرير، و تصب روافدها كلها نهاية الأمر في مسألة حقوق الإنسان، ففي الجمهورية الإسلامية كان له دور كبير في إنشاء مؤسسات إسلامية منها عالمية، ومنها عراقية، نذكر عدداً من تلك الانجازات التي قام بها سماحته (قدس سره).
1) تأسيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق في أواخر عام 1981 م ـ 1401ﻫ وانتخب سماحته ناطقاً رسمياً له، حيث اوكلت اليه مهمة ادارة العمل السياسي فيه، وتمثيله له، ثم احتل موقع الرئاسة عام 1986م بعد انتخابه بالإجماع، إلى حين استشهاده الأليم، ومن ثم تم تغيير إسمه إلى (المجلس الأعلى الإسلامي العراقي) في دورته التاسعة (دورة شهيد المحراب) المنعقدة من 10 ـ 11/ 5/ 2007م.
2) تأسيس المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية حيث كان يحتل موقع رئيس المجلس الأعلى لهذا المجمع إلى حين استشهاده الأليم.
3) تأسيس المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) حيث كان يحتل موقع نائب رئيس المجلس الأعلى لهذا المجمع، إلى حين استشهاده الأليم.
4) مباركته و دعمه لتأسيس المركز الوثائقي لحقوق الإنسان في ربيع عام 1986م، وبإشراف سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد عبد العزيز الحكيم (حفظه الله)[16].
5) تأسيس مركز دراسات تاريخ العراق الحديث ومقره في مدينة قم المقدسة/ إيران..
6) تأسيس قوات فيلق بدر في عام 1403ﻫ، تحول بعد التحرير عام 2003م إلى منظمة بدر للأعمار والتنمية .
7) تأسيس مؤسسة «دار الحكمة» التي تضم مدرسة دينية حوزوية ومركزاً للنشر، ومركزاً آخر للبحوث والدراسات، ومكتبة علمية تخصصية.
8) تأسيس مجمع الكوادر الإسلامية لتربية الكوادر الإسلامية والقيام بالنشاطات الثقافية والسياسية.
9) إقترح على منظمة الإعلام الإسلامي تشكيل مكتب متابع قضايا حقوق الإنسان في العالم الإسلامي و الدفاع عنها .
10) إقترح على الكفاءات العلمية إنشاء تجمع لهم في المهجر أثناء ندوة عام 1995 (التعليم العالي والبحث العلمي) التي أقامها المركز الوثائقي في العراق، تحت إشرافه (قدس سره).
11) تأسيس مؤسسة التبليغ الإسلامي للثقافة والإعلام بعد عودته المباركة إلى أرض الوطن في 10/ 5/ 2003م، وبعد استشهاده الأليم سميت ﺑـ (مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي).
المورد الرابع: شهيد المحراب والمؤتمرات والندوات الخاصة بحقوق الإنسان
في هذا المورد أودّ أن أنقل ما عايشته وشاهدته بنفسي من حضور آية الله السيد شهيد المحراب (قدس سره) في المؤتمرات والندوات والمحاضرات والمجالس دعماً لقضية حقوق الإنسان و تعزيزاً لها تارة، ودعمه و مباركته لولادة منظمات ومؤسسات جديدة بهذا الخصوص، أو مشاركة للجماهير العراقية في محنتهم تارة أخرى، وفعالياته كثيرة في هذا المضمار ولا يمكن رصد جميعها بسهولة و لكن نذكر هنا ما تيسر منها:
أولاً : المؤتمرات و الندوات
أ) مؤتمر جرائم صدام الذي اقيم في طهران عام 1983.
ب) مؤتمر نصرة الشعب العراقي الذي اقيم في طهران عام 1986، وكان من مبادراته الدؤوبة.
ج) مشاركته في المؤتمر الخامس للفكر الإسلامي ببحثه القيم: (حقوق الإنسان من وجهة نظر إسلامية ) عام 1987.
د) مشاركته في ملتقى قوى المعارضة العراقية الدولي، بمناسبة اغتيال العلامة السيد محمد مهدي الحكيم (رضوان الله عليه) عام 1988م في السودان .
ﻫ) مشاركته ودعمه الفعال في عدة نشاطات قام بها المركز الوثائقي لحقوق الإنسان، منها:
ـ ندوة التعليم العالي و البحث العلمي ـ الواقع و آفاق المستقبل 1995م.
ـ ندوة الآثار السياسية و الاقتصادية والاجتماعية و القانونية لتنفيذ القرار 986 «النفط مقابل الغذاء» 1996م .
ـ إفتتاح معرض جرائم صدام الذي أقيم في قاعة سورة في طهران عام 1992م
ـ مشاركته بكلمته القيمة في مؤتمر الأكراد الفيليين الذي أقيم في مدينة إيلام عام 1996م.
ثانياً: دعمه ومباركته لولادة منظمات و مؤسسات جديدة مهتمة بحقوق الإنسان وبالشأن العراقي، منها:
أ) منظمة الدفاع عن الأكراد الفيلية
ب) منظمة الدفاع عن حرية الرأي و العقيدة
ج) منظمة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية
د) منظمة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) للدفاع عن سجناء الرأي و العقيدة.
ﻫ ) حركة الوفاء للتركمان.
و) منظمات حقوق الإنسان في الخارج منها: لندن/ باريس / هولنده/ ألمانيا/ النمسا و غيرها.
ثالثاً: حول إغتيال السيد محمد الصدر (قدس سره):
قام شهيد المحراب (قدس سره) بجملة احتجاجات فور سماعه نبأ اغتيال آية الله العظمى السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره) منها:
أ) حضوره في تظاهرة احتجاجية والقاؤه كلمة قيمة بالمناسبة المذكورة في طهران و أمام مكتبه يوم 20 /2/ 1999م.
ب) بعث سماحته بتاريخ 21 /2/ 1999م رسائل بعين المناسبة إلى كلٍّ من:
ـ الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان
ـ رئيس منظمة المؤتمر الإسلامي السيد محمد الخاتمي.
ـ الأمين العام للجامعة العربية السيد عصمت عبد المجيد
رابعاً: إقامته مؤتمراً سنوياً في مكة المكرمة أثناء موسم الحج لدعم القضية العراقية، و ثم زياراته المتواصلة لقوافل الحجاج العراقيين القادمين من المهجر، سنوياَ للاطلاع على أحوالهم وقضاء حوائجهم، وكان لكلمته الرائعة في مؤتمر عام 2002م أصداء واسعة.
خامساً: رسائله ولقاءاته الدولية
أ) لقاء سماحته مع الأمين العام للأمم المتحدة السابق خافيير بيريز ديكويلار في جنيف عام1991م و طرح القضية العراقية بما فيها مسألة حقوق الإنسان.
ب) رسالته إلى الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان حول تطبيقات قرار النفط مقابل الغذاء 1996 / 986
ج) رسالته إلى المقرر الخاص لحقوق الإنسان في العراق السيد أندرياس ما فروماتيس حول فظاعة انتهاكات النظام البائد، و آثارها الاقتصادية و الاجتماعية على المجتمع العراقي.
سادساً: مشروع محاكمة صدام:
ـ هناك عدة مشاريع ظهرت على السطح لمحاكمة صدام كمجرم حرب، و لكن ما يهمنا في هذا البحث ما نما منها بدعم سماحته (قدس سره) نذكر عناوينها فقط :
ـ مشروع مكتب سماحته في 30 /3/ 1992م.
ـ مشروع رئاسة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق 14 /12/ 1992م.
ـ مشروع المركز الوثائقي لحقوق الإنسان في العراق 1995.
المورد الخامس: أقوال شهيد المحراب في حقوق الإنسان
هذه باقة مختارة من آراء و أقوال شهيد المحراب (قدس سره) في مسائل حقوق الإنسان؛ ولنتمعّن جيداً في متونها لما فيها من إهتمام بالغ وحرص كبير وشديد على قضية الإنسان وحقوقه المشروعة في بلادنا من قبل سماحته:
(1) الأصل في العمل التغييري هو الحوار
يعتبر آية الله شهيد المحراب (قدس سره) ان الأصل في العمل التغييري هو الحوار والعمل الثقافي والسياسي وابلاغ الرسالة بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن خلال البلاغ وحرية الرأي والفكر، ولا يصح اللجوء الى العمل المسلح الا في حالات الدفاع عن النفس تجاه ظلم الأنظمة الدكتاتورية التي تحاول ان تفرض وجودها وبقاءها بالقوة وبالاعتداء على الحقوق الأساسية للإنسان ومصادرة حريات الشعب، وتمارس التصفية الجسدية للمعارضة، ولا يصح أن يطال العمل المسلح الأبرياء في هذه الحالة.
وان المرحلة الفعلية التي يعيشها الشعب العراقي هي مرحلة المقاومة المسلحة لان النظام قد حارب الإسلام باستخدام القوة وقتل الأبرياء والدعاة إلى الله وشرد الآلاف من الناس ويقتل على قول كلمة الحق، ولا يسمح بالعمل السياسي والإعلامي الحر ولا يمكن مواجهته إلا بأسلوب المقاومة المسلحة.
(2)حول القضية الكردية:
يرى ضرورة حل المشكلة الكردية في العراق حلاً سلمياً على أساس منح الحقوق المشروعة لهم في اطار الأخوة الاسلامية بين العرب والاكراد وبقية القوميات، ووحدة الارض العراقية، والمصالح الوطنية المشتركة، ويمكن أن يتم ذلك في صيغة الحكم الذاتي الحقيقي أو الفيدرالية الادارية وبقرار من الشعب العراقي عندما يملك حرية الاختيار.
(3) مكانة المرأة:
يؤمن سماحته بان للمرأة دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية، فهي إلى جانب كونها تؤدي دور التربية للاجيال وتنشئتهم النشأة الصالحة، فإنها أيضاً تستطيع أن تقف إلى جانب الرجل في مجمل الحركة الاجتماعية والسياسية وفق الضوابط والأصول التي حددها الإسلام لحركتها على هذا الصعيد.
(4) توحيد الحياة الإنسانية:
يعتقد سماحته ان النظام الدولي يجب ان يتجه نحو توحيد الحياة الإنسانية وإنهاء جميع الفوارق العنصرية أو الطبقية أو ممارسة الاستغلال والهيمنة، واحترام الحقوق الأساسية للإنسان والمبادئ والقوانين والمواثيق الدولية، وكذلك احترام الحقوق الدينية للأديان السماوية والبنية الاجتماعية للإنسان القائمة على أساس الأسرة والحقوق المتساوية والمتبادلة بين الرجل والمرأة، وان تقوم العلاقات مع الحكومات على أساس المصالح المتبادلة والاحترام المتقابل واحترامها لحقوق الإنسان تجاه شعوبها ومقدار تمثيلها لهذه الشعوب، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وضرورة معاقبة المعتدي، ومحاكمة مجرمي الحرب ومجرمي الشعوب، وأهمية حسن الجوار بين الدول والعمل على الغاء الفوارق بين الشمال والجنوب، واحترام إرادة الشعوب، ونصرة المضطهدين والمحرومين، والوقوف إلى جانب حركة التحرر العالمي وقضايا المحرومين وقضايا حقوق الإنسان.
(5) الانتفاضة الشعبانية ثورة الجميع
الإنتفاضة ثورة مظلومة لشعب مقهور، إنها في البدء والمنتهى ثورة شعب يعاني من الاستبداد و الهوان طيلة 23 عاماً، وكان الجميع ضحاياه: «السنة والشيعة، والعرب والأكراد والتركمان».
(6) صيانة الحقوق الأساسية للإنسان
يعتقد ويؤمن بضرورة صيانة الحقوق الأساسية للإنسان، كالحرية الفكرية والسياسية وحرية الرأي، والحرية الشخصية، ضمن الضوابط الإسلامية، وكذلك الدور المتوازن للفرد والدولة في الاقتصاد، وله في هذا المجال بحوث فكرية وبيانات سياسية، وجهها الى الجهات العالمية المهتمة بحقوق الإنسان، وقد كان له دور خاص في تأسيس وإسناد منظمات حقوق الإنسان في العراق، والتحرك في مجال اللجان المختصة التابعة للأمم المتحدة.
النتائج
كان من نتائج تلك الحركة الدؤوبة والجهود المضنية، وذلك الضغط المتواصل على الصعيد الدولي إيجاد حالة جديدة من كشف الحقائق المرّة لواقع الشعب العراقي المضطهد في ظل نظام الاستبداد و القمع .. بحيث لا يمكن غض النظر عنها.. مما أدى الى اجبار الامم المتحدة على الاستجابة للاصوات المطالبة بايقاف القمع عن العراقيين و إيلاء قضية الشعب العراقي ومعاناته أهمية خاصة ترجمت بشكل علني من خلال البيانات والنداءات التي أصدرتها الامم المتحدة في مواقع متعددة تتعلق بإدانة انتهاكات النظام الحاكم لحقوق الانسان في العراق (آنذاك)، وصدور إدانة سنوية للنظام البائد من قبل عدد كبير من المؤسسات و الجهات المعنية بحقوق الانسان على كافة الصعد، وكذلك صدور توجيهات بهذا الشأن من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة منها:
أ) أدانة سنوية للنظام من لجنة حقوق الانسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي في دورته التي تنعقد في جنيف كل عام .
ب) إدانة سنوية للنظام من قبل المنظمات ذات العلاقة، منها:
1 ـ منظمة مراقبة الشرق الأوسط.
2 ـ منظمة العفو الدولية.
3 ـ المنظمة العربية لحقوق الانسان.
4 ـ الاتحاد الدولي لحقوق الانسان.
5 ـ التقرير السنوي للكونكرس الأمريكي.
ج) إنشاء منظمة (اندايت) لمحاكمة صدام كمجرم حرب برئاسة البريطانية السيدة آن كلويد، و العمل على جمع الوثائق و الأدلة و الشهادات لدعم العمل في هذا المجال.
د) إنشاء منظمة (اغاثة عمار) برئاسة البريطانية السيدة إيما نيكلسون بعد زياراتها للمؤسسات و التجمعات العراقية في المهجر.
ﻫ) زيارة مئات الوفود من الجهات المعنية بحقوق الإنسان، والمنظمات الإنسانية، ووسائل الأعلام المختلفة، و أعضاء من السلك الدبلوماسي المتعاطفين مع مظلومية الشعب العراقي و غيرهم.
و) طبع مئات الكتب و البحوث و المقالات التي كتبت عن القضية العراقية، و هدر حقوق الإنسان في بلاد الرافدين و بلغات مختلفة، والعشرات من المقابلات الصحفية مع رجال المعارضة العراقية بالشأن العراقي ظهرت على شاشات التلفاز في العالم.
ز) إتاحة الفرصة للمعارضة العراقية للمشاركة في الندوات و المؤتمرات العالمية الخاصة بحقوق الانسان،كما حدث في مؤتمر بكين للمرأة.
ح) إنشاء عشرات المنظمات والمؤسسات والمواقع على الشبكة العالمية، للدفاع عن حقوق الانسان في العراق.
الخاتمة
بذلك خرجت القضية العراقية ب ـ ما فيها مسألة حقوق الانسان من الدائرة المحلية والإقليمية إلى الدائرة الدولية، وما سقوط الوثن الصدامي في بغداد 9 /4 /2003م إلا من ثمار تلك الجهود المضنية طيلة ما يقارب ربع قرن من الجهاد و التضحيات و الغربة في سبيل تحرير الانسان العراقي من سطوة الطاغية.و كانت الريادة في كل تلك الأعمال تعود الى شهيدنا الغالي آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)، و بذا يحق لنا أن نضيف الى أعماله و إنجازاته العملاقة ريادته حقوق الانسان في العراق. لقد جمع بشخصيته الموسوعية الريادية بين العلم و الشهادة و حبّ الانسان فازداد عزّاً و علوّاً و سؤدداً و اعتلى ذروة المجد و فاز كأجداده الكرام و اخوته البررة بجائزة الشهادة العظمى التي لن ينالها الا عباد الله المخلصَون، (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ)، و ليس لي غير أن أردد [17]:
علوٌّ في الحياةِ و في المماتٍ لحقّاً أنتَ إحدى المعجزاتِِ
عليكَ تحـيّةُ الرًّحمــن تَتْـــرى برحماتٍ غوادٍ رائحـــــــــــاتِ
المصادر
القرآن الكريم.
حقوق الانسان : مجموعة صكوك دولية / الامم المتحدة /نيويورك 1993م.
حقوق الانسان من وجهة نظر اسلامية ـ آية الله السيد الحكيم (قدس سره).
خطابات السيد شهيد المحراب (قدس سره) بعد العودة.
قرابين المرجع المظلوم ـ المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق.
اصدارات المركز الوثائقي لحقوق الانسان في العراق.
آية الله السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) تعريف موجز / الاستاذ محمد هادي.
التقرير الاولي للمقرر الخاص لحقوق الانسان في العراق : ماكس فان دير شتويل /الامم المتحدة/ 1992م
رسالة السيد شهيد المحراب (قدس سره) إلى المقرر الخاص لحقوق الانسان السيد اندرياس مافروماتيس .
منظمة العفو الدولية / بيان عام 1983م.
العراق: الواقع و آفاق المستقبل/ د. وليد الحلي
إعدام واضطهاد آل المرجع الديني الراحل السيد الحكيم (رضوان الله عليه) / المركز الوثائقي /بحث مقدم لمؤتمر حقوق الانسان و غياب الديمقراطية المنعقد في لندن / 1991م.
صدام مجرم حرب /دراسة قانونية في مشروع تقديم صدام لمحاكمة دولية / السيد محسن السيد عبد العزيز الحكيم/ 1998م.
القضية الكردية من وجهة نظر إسلامية / من مؤلفات شهيد المحراب (قدس سره)، لعام 1991م
مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي / النجف الاشرف .
مشاهداتي الخاصة.
الملاحق:
ملحق رقم1
وثيقة إلقاء القبض على أفراد أسرة شهيد المحراب (قدس سره).
ملحق رقم2
بيان منظمة العفو الدولية حول إعدام عدد من أسرة الإمام محسن الحكيم (قدس سره).
ملحق رقم 3
رسالة الاتحاد الدولي لحقوق الانسان/ بعنوان عائلة الحكيم من وجهة نظر دولية.
ملحق رقم 4
تعريف المركز الوثائقي لحقوق الانسان في العراق.
[1] انظر سجلات المركز الوثائقي لحقوق الإنسان في العراق، ومكتب سماحته.
[2] راجع: كتاب «قتل العلماء في العراق يجسد الظاهرة الفرعونية» لشهيد المحراب (قدس سره).
[3] سورة الإسراء: 70.
[4] السيد ماكس فان دير شتويل و استخلفه اليوناني أندرياس مافورماتيس.
[5] يمكن مراجعة الرسالة المؤرخة في 23 /1/ 1986م.
[6] «اندايت» منظمة بريطانية مختصة بمحاكمة صدام كمجرم حرب ترأستها السيدة آن كلويد، مهمتها جمع الأدلة والوثائق التي تدين النظام البائد، وقامت بعدة زيارات للتجمعات والمؤسسات العراقية لهذا الغرض.
[7] انظر الملحق رقم (4) موجز عن المركز الوثائقي لحقوق الإنسان في العراق.
[8] تعرض سماحته لأكثر من ثمان محاولات أغتيال.
[9] كتب البحث أثناء محاكمة رئيس النظام البائد صدام حسين عن جريمتي الدجيل والأنفال. برئاسة عدد من قضاتنا المعروفين.
[10] مستل من كتاب حقوق الإنسان من وجهة نظر إسلامية / لشهيد المحراب.
[11] ما ينافي القواعد النموذجية الدنيا معاملة السجناء، وحسب ما ورد في اتفاقية حقوق الإنسان في مجال إقامة العدل لحماية الأشخاص الخاضعين للاحتجاز والسجن.
[12] أمسى مصيره مجهولاً بعد الفصل.
[13] بعد أقالته اغتيل من قبل مخابرات النظام في الشارع العام بين بعقوبة ـ المقدادية صيف عام 1982م، وكان من صدف الأقدار أن كنت في طريقي إلى خانقين وشاهدت ضجيجاً عند محطة تعبئة الوقود في الشارع العام، فسألت ما الخبر؟ قيل: قتل فليح حسن جاسم، و هو من أهالي المقدادية / محافظة ديالى.
[14] لقد وصل العدد من شهداء الاسرة الكريمة للامام الحكيم الى (22) رجلاً وامرأتين وطفلٍ، مضافاً الى ثمانية عشر مفقوداً لا يعرف لهم أثر، لحد ذلك التاريخ وهو عام 1987م.
[15] انظر الملحق رقم (3) عائلة الحكيم من وجهة نظر دولية.
[16] القضية الكردية من وجهة نظر إسلامية / شهيد المحراب (قدس سره) لعام 1991م.
[17] البيتانِ للشاعر ابن الانباري.