موقف آية الله العظمى الشهيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) من الإحتلال الأجنبي للعراق

motmar1

بحث شارك في المؤتمر الأول لإحياء التراث الفكري والعملي للشهيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم

الباحث: الدكتور ظاهر محمد صكر الحسناوي

            كلية التربية / ابن رشد جامعة بغداد

موقف آية الله العظمى الشهيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) من الاحتلال الأجنبي للعراق

المقدمة

يحتار المرء كيف يمكن أن يكتب عن سيرة أو فكر أو نضال رجل أمضى حياته كلها مفكراً ومناضلاً، مثل: السيد الشهيد آية الله العظمى محمد باقر الحكيم (قدس سره) فمهما كتبنا، ومهما سنكتب لن نوفي بحقه.

ولكن من خلال هذا البحث نحاول الإمساك ولو برف شعاع من أشعة شمسه الساطعة التي لن تغيب.

وهكذا اخترت موضوع (موقفه من الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق) ليكون محاولة متواضعة للتعرف على نفحة من عبق سيرته العطرة، وومضة من ومضات فكره النير.

ولم يكن أمامي من المصادر الموثقة عن هذا الموضوع سوى الرجوع إلى خطب الجمعة التي ألقاها سماحته في الصحن الحيدري الشريف بعد عودته من مهجره إلى وطنه الحبيب في 11 /5 / 2003 بعد سقوط نظام الطاغية بشهر واحد تقريبا.

لقد ألقى سماحته أربع عشرة خطبة خلال الفترة من 30/ 5/ 2003 ولغاية يوم استشهاده في الجمعة الأخيرة من حياته يوم 29 /8 /2003 أي على مدى ثلاثة أشهر متواصلة. تناول فيها كل القضايا الساخنة التي كانت تشغل بال العراقيين فيما يتعلق بتطورات الأوضاع فيه في ظل الاحتلال، وقد وجدنا ان هاجس الاحتلال كان هو الهاجس الذي استحوذ على اهتمامه في هذه الفقرة.

فما هو موقفه من الاحتلال؟ وما هي الوسائل الكفيلة بتخليص العراق من هذا الاحتلال حسب وجهة نظره؟ هذه هي الإشكالية الرئيسية في موضوع بحثنا هذا. والتي تناولناها عبر المحاور الآتية:

أولاً: تحديد الموقف الشرعي من الاحتلال.

ثانياً: دعوة المجتمع الدولي.

ثالثاً: التطور الدستوري هو طريق الاستقلال.

  • العنف المسلح أم المقاومة السلمية.
  • تشكيل مجلس الحكم.
  • التحديات التي تواجه مجلس الحكم.
  • قضية الدستور.

رابعاً: موقفه من الإرهاب.

خامساً: الجمعة الأخيرة.

ومن حسن حظنا أن مؤسسة تراث الشهيد الحكيم (قدس سره) كانت قد جمعت الخطب في كتاب واحد مستقل يحمل عنوان (الأربع عشرة مناهج ورؤى) صدر سنة 2004 وقامت مشكورة بتزويدنا نسخة منه.

وأكاد أقول: انه المصدر الوحيد الموثق الذي يتناول بالجمع والتوثيق سيرة ومواقف شهيد المحراب (قدس سره) ونتاجه ومواقفه السياسية من خلال تلك الخطب خلال الفترة المحصورة بين عودته إلى العراق وبين استشهاده. وقد تعذر علينا الحصول على مصادر أخرى عن نشاطه السياسي والفكري خلال هذه الفترة من حياته. ولذلك فقد كان كل اعتمادنا في هذا البحث على هذا المصدر. وأخيراً لابد ان اعترف ان سيرة شهيد المحراب (قدس سره) ونضاله الطويل ونشاطه الفكري والثقافي والسياسي سيبقى اكبر من كل الكتابات.

                                                                                                                 د. ظاهر الحسناوي

                                                                                                                 1 /10/ 2005

                                                                                                                    بغداد

أولا: تحديد الموقف الشرعي من الاحتلال

في خطبة الجمعة الأولى التي ألقاها في 30 أيار 2003 تحدث سماحته في موضوع الاحتلال قائلاً: إن العمليات العسكرية التي شنت على النظام البائد، هي: عمليات يراد منها الإطاحة بهذا النظام، حيث سميت: عمليات حرية العراق. ولا شك أن هدف الإطاحة بهذا النظام كان هدفاً لجميع الشعب العراقي، ولذلك استبشر أبناء الشعب بهذه الإطاحة، وزوال هذا النظام، بالرغم من كل المنغصات التي اقترنت مع هذه القضية، إذ أكد سماحته ان هذه النتيجة بالرغم من كونها نعمة من الله سبحانه وتعالى، لكن وضع العمليات العسكرية من الناحية القانونية أصبحت عمليات احتلال، وبناءً على ذلك دعا سماحته إلى دراسة هذا الموضوع دراسة قانونية من قبل رجال القانون والمختصين.

وكذلك يجب ان يبحث من قبل السياسيين والقوى السياسية في البلاد؛ لبلورة الموقف من الاحتلال والآثار المترتبة عليه في المجتمع والقانون الدوليين ـ تعريف الشعب بمدلول سلطة الاحتلال ومعناها ـ ثم شرح شهيد المحراب قراءته لقرار مجلس الأمن 1483 فقال: إن هذا القرار يؤكد على استقلال العراق وعلى سيادته وعلى ضرورة إنهاء الاحتلال في اقرب فرصة ممكنة ـ وعلى العراقيين تحمل مسؤلية وإدارة أمورهم؛ لان سلطة الاحتلال وعلى وفق ما جاء من هذا القرار ليست مسؤولية عن إدارة شؤون العراقيين. بل هناك ما ينص في عدة مواضيع من القرار: إن العراقيين هم المسؤلون عن ذلك[1].

العنف المسلح أم المقاومة السلمية

في خطبة الجمعة الخامسة التي ألقاها شهيد المحراب في الصحن الحيدري الشريف في 27 حزيران 2003 بيّن بالتفصيل إيضاح الموقف الشرعي والسياسي والاجتماعي من الاحتلال، فذكر سماحته: إن العمليات العسكرية (المقاومة) ضد القوات المحتلة في الوقت الحاضر، والتي كانت من البداية تسمى قوات الائتلاف. ثم تحولت إلى قوات احتلال. هذه العمليات العسكرية لابد من التعرف على الموقف تجاهها شرعياً وسياسياً. وأوضح أن هناك ثلاثة أبعاد لهذه العلميات أو المقاومة، وهي:

البعد الأول: يتعلق بتفسير وتحليل هذه العمليات، ومعرفة الأسباب التي تكمن وراءها. فقوات الاحتلال ترى بان هذه العمليات يقوم بها أزلام النظام السابق وبقاياه.

أما الشهيد فقد تساءل فيما إذا كان هذا التفسير يعبر عن حقيقة القائمة على الأرض، وهل أن كل الحقيقة عملية عسكرية ضد الاحتلال مرتبطة بالفعل بالنظام السابق، أم أن هناك شيئا آخر على الأرض؟ ثم بيّن وجهة نظره في ذلك، فيقول: إن هناك خمسة عوامل ذات علاقة بهذه العلميات هي:

1 ـ تزايد الاستياء العام، وعدم الرضا والغضب في أوساط أبناء الشعب العراقي، من الظلم والطغيان.

ثم بعد ذلك تحولت هذه القوات قوات احتلال، فبدأ أبناء الشعب العراقي يشعرون بالضيق، ثم تحول هذا الشعور إلى عدم الرضا، ثم بدأ يتحول إلى الغضب، ثم أخذ المواطن يشعر بالعزة الوطنية الإسلامية؛ لأنه يريد بحكم انتمائه الوطني أن يكون هذا الوطن حرا ومستقلا. وبحكم انتمائه الديني وعقيدته فهو لا يريد الهيمنة الأجنبية على مقدراته. وهذا هو احد الأسباب الرئيسة التي لا يجب تجاهلها أو إغفالها.

2 ـ ردود الفعل العفوية غير المنظمة لدى الأوساط الشعبية التي تعرضت إلى أعمال العنف من قبل قوات التحالف، أو عندما تمارس هذه القوات أعمالا تتسم بالعنف واللامبالاة، وتخل بالتقاليد والآداب الاجتماعية، فبطبيعة الحال ستواجه ردود فعل عفوية قد تتسم بطابع العنف من قبل بعض الناس.

3 ـ وجود نظريات سياسية ذات جذر فقهي تؤمن بها بعض الأوساط الإسلامية، وهذه النظريات تتسم بالعنف. تقوم على أساس أن الاحتلال لا علاج له إلا استخدام العنف. فالاحتلال والسيطرة الأجنبية يثير لدى هؤلاء الشكوك في وعود المحتلين ونواياهم.

ويرى سماحته أن المسلمين لا يؤمنون جميعا بهذه النظرية، ولكنها – أي نظرية مقاومة الاحتلال – موجودة في جميع إنحاء العالم، باعتبارها حقا مشروعا للشعوب المحتلة، سواء في الشرق أم عند اليمين أم اليسار.

أما بالنسبة للإسلام فهناك قلة من المسلمين يسمون بأهل الظاهر في الفقه الإسلامي يأخذون بهذه النظرية ويبشرون بها.

4 ـ وجود أزلام النظام والمجموعات التي تمثل بقاياه، حيث يستهدف هؤلاء المؤسسات المدنية التي تربك الحياة العامة للناس، والقيام بأعمال عنف لإبقاء الوضع الأمني في العراق مضطربا، وهدفهم من ذلك هو:

أولاً: تدمير العراق، وتحويله إلى خراب مطلق؛ عملا بمقولة صدام المخلوع: من أنه سيترك العراق أرضا بلا شعب.

ثانياً: دفع الناس إلى حالة اليأس من التحول الجديد في العراق؛ كي يثبتوا لهم أن الأوضاع في عهد صدام كانت أفضل من الأوضاع الحالية، سواء على صعيد تدهور الخدمات العامة، أم على صعيد انتشار البطالة، وتردي الوضع العام.

5 ـ قيام وسائل الأعلام العربية بممارسة دور كبير في إثارة الحرب النفسية على الشعب العراقي؛ لجره إلى الصدام المسلح مع قوات الاحتلال، والدخول معها في معارك ضارية لا أول لها ولا آخر[2].

البعد الثاني: وهو يتعلق بالموقف الشرعي من الاحتلال، ويحاول سماحته الإجابة على هذا السؤال من خلال النظرية العامة للإسلام، حيث تقوم هذه النظرية على مبدأين أساسيين:

1 ـ رفض العدوان والهيمنة الأجنبية؛ انطلاقا لما جاء في القرآن الكريم: (وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (النساء:141). وكذلك (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) (البقرة: 194).

2 ـ القدرة، حيث يجب النظر إلى هذا المبدأ بصورة دقيقة من الناحية الشرعية بغض النظر عن الموقف السياسي؛ وذلك لان الواجبات الشرعية مرهونة بعاملين رئيسيين هما:

عامل القدرة: فلا واجب شرعي خارج قدرة الإنسان؛ لان الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، كما انه لم يجعل في الدين من حرج.

والعامل الأخر هو المصلحة: فالحكم الشرعي في النظرية الإسلامية لأهل البيت (عليهم السلام) تابع للمصالح والمفاسد. فهو ليس حكما مجردا عنهما.

ويخلص سماحته إلى القول: من هنا لابد لنا من الحذر في موقفنا الشرعي. وهذا الحذر لابد أن يتسم بالرجوع إلى المجتهد العارف بالشرع، وبالظروف والأحوال التي يعيشها المجتمع، كي يتمكن من الجمع بين النصوص الشرعية وبين المصالح التي تكون وراء الحكم الشرعي، ومعرفته بقدرة المسلمين على ممارستهم لواجباتهم ومسؤلياتهم[3].

ومن ذلك يخلص شهيد المحراب إلى تحديد الموقف الشرعي من الاحتلال بقوله: (إن المواقف السياسية من الناحية العامة يجب الرجوع فيها إلى المجتهد العادل الخبير في الأوضاع السياسية والاجتماعية.

البعد الثالث: تنفيذ الموقف الشرعي

قبل تطبيق الموقف الشرعي على الحالة القائمة في العراق الآن لابد من معرفة الأمور الآتية:

1 ـ يجب بذل كل الجهود المشروعة ذات الطابع السلمي لإنهاء الاحتلال؛ لان الشرع المقدس يقول: لا يعمد الإنسان إلى استخدام العنف والسلاح والقوة إلا بعد ان يبذل الجهود في استخدام الدعوة إلى الله والحكمة والموعظة الحسنة والعمل السياسي حتى يصل إلى استخدام القوة. ويستشهد سماحته بسنة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) انه بقي ثلاثة عشر عاما يدعو إلى الله، ولم يستخدم القوة ولا مرة واحدة، حتى أقام الحجة الكاملة على الناس. عندئذ عمد إلى استخدام القوة والسلاح والعنف.

فالإسلام يرى أنه ما دامت باب الوسائل السلمية مفتوحة فلابد أن تتبع حتى تقام الحجة بصورة كاملة، وعندئذ يتحول الإنسان إلى استخدام القوة والقدرة.

ويؤكد شهيد المحراب رأيه بهذا الصدد فيقول: (ونحن نعتقد أنه لم تستنفذ جميع الوسائل السلمية، ولابد من استنفاذها بصورة كاملة، وان تبذل الجهود السلمية من أجل إنهاء الاحتلال).

2 ـ يجب ضبط النفس في هذه المرحلة، وتفويت الفرصة على الذين يريدون جر العراق إلى حرب ضروس لا يعلم أحد مداها. فضبط النفس قضية مهمة جدا في الحكم الشرعي.

3 ـ ممارسة كل وسائل الاحتجاج والتعبير عن استنكار التصرفات الخاطئة التي تتسم بالعنف واللامبالاة واللامسؤلية التي ترتكبها قوات الاحتلال ضد الناس الأبرياء، مثل: السرقة، والاعتداء، والإخلال بالآداب والقيم الاجتماعية.

4 ـ الاستمرار في الحوار المنطقي الصحيح الذي يعبر عن موقف الشعب.

ودعا سماحته جميع العراقيين بقواهم السياسية والشعبية ومنظماتهم إلى الاتحاد في هذا الموضوع، وان يقفوا موقفا واحدا في التعبير عن ضرورة إنهاء الاحتلال بأسرع وقت.

وحدد سماحته قرار مجلس الأمن المرقم 1483 أساساً لهذا الحوار. والمبادئ الواردة فيه، وهي:

أ) الدعوة إلى التأكيد على سيادة العراق.

ب) الدعوة إلى سرعة إنهاء الاحتلال.

ج) الدعوة إلى مساعدة العراقيين على تشكيل الإدارة العراقية المؤقتة.

د) الدعوة إلى اتخاذ الإجراءات العملية السريعة لإجراء الانتخابات العامة لتشكيل مجلس أو جمعية وطنية تتولى مهمة كتابة الدستور الدائم[4].

كانت هذه الميادين الأربعة ـ في نظر شهيد المحراب ـ كافية لان تكون أساساً للحوار مع قوات الاحتلال لإعادة السيادة للعراق. وكان سماحته يرى أنها الطريق الصحيح لمواجهة العنف المتصاعد في العراق، وفي ختام الجمعة الخامسة سأل الباري عز وجل (ان يجعلنا قادرين على الصبر والصمود والاستمرار في طريق المقاومة، حتى نحقق الحرية الكاملة والاستقلال الكامل لشعبنا) وهو دعاء له دلالته العميقة، حيث ميّز فيه سماحته بين طريق العنف الذي بدأ يظهر في العراق وبين طريق المقاومة السياسية لتحقيق أهداف الشعب في التحرر والاستقلال وتحقيق العدالة.

ثانيا: دعوة إلى المجتمع الدولي

كان لسماحته نظرة سياسية ثاقبة اتسمت بالشمولية والواقعية، وإدراك عميق لأهمية الموقف الدولي من قضيتنا. ومن هذا المنطلق دعا سماحته في الخطبة السادسة التي ألقاها في الصحن الحيدري الشريف بتاريخ 4 تموز 2003 إلى إشراك الأمم المتحدة بفعالية في الحوار الذي كان جاريا في ذلك الوقت بين سلطات الاحتلال والمرجعيات الدينية والقوى السياسية العراقية، وطالب بأن يكون للأمم المتحدة دور حقيقي في هذا الحوار. والذي آخره قرار مجلس الأمن رقم 1483 لاسيما الفقرة السابعة منه، التي نصّت على قيام الممثل الخاص للأمم المتحدة وبعثتها إلى العراق بتقديم المساعدة إلى العراق في سياق تنفيذ ولايتهما، وفقا بما تسمح به الظروف لمساعدة الشعب العراقي والحكومة العراقية. وبيّن سماحته أهمية دخول الأمم المتحدة طرفا ثالثا في الحوار الذي كان جاريا أنذاك بشان مستقبل العراق ومصيره، وإنهاء الاحتلال، وإقامة الإدارة العراقية المعترف بها دوليا؛ لأن المشاركة بنظره تعني أن قضية العراق ستصبح قضية ليست بيد قوات الاحتلال فقط، بل تتحول إلى قضية تحت الرقابة الدولية، وتحت نظر المجتمع الدولي، وبالتالي سيجد الشعب العراقي في القوى السياسية الدولية الأخرى نصيرا له في تحقيق أهدافه باستعادة السيادة والسرعة في إنهاء الاحتلال، وتشكيل الإدارة العراقية المستقلة[5].

ثالثاً: التطور الدستوري هو طريق الاستقلال

اعتبارا من خطبة الجمعة السابعة التي ألقاها بتاريخ 11 تموز 2003 بدأنا نلمس تحولا طفيفا في موقفه مما كان يجري في العراق، حيث أشار إلى الفراغ السياسي والإداري والأمني الذي يشكو منه العراق منذ إنتهاء الحرب وسقوط الدكتاتور، وبيّن أن أشهرا عديدة مضت ولم يتم ملء هذا الفراغ، بالرغم من الجهود السياسية الكثيرة التي بذلتها القوى السياسية قبل الحرب وأثنائها وبعدها. وأشاد بالمبادرات الفردية والشعبية التي ظهرت هنا وهناك لملء هذا الفراغ. إلاّ أن ذلك لم يكن كافيا لسدِّ الفراغ السياسي والإداري والأمني من البلاد، وتنبأ سماحته بتدهور الأوضاع بصورة فضيعة إذا ما بقيت الأمور بهذا الشكل. وحَذّر من عواقب هذا الأمر؛ لان صبر الناس وانتظارهم سوف ينتهي إلى حد معين. وقد يتحول إلى انفجار جماعي، ويؤدي إلى كوارث. ثم نوّه إلى أن هناك جهودا حثيثة كانت تبذل في ذلك الوقت لملء هذا الفراغ.

إن تحذير سماحته في تدهور الأوضاع، ونفاذ صبر الناس قد يؤدي إلى انفجار ثورة عارمة بوجه الاحتلال، هو بداية التحول في موقفه من المقاومة السلمية، وسياسة التفاهم والحوار مع الاحتلال إلى سياسة التحذير، أو التنويه بالمخاطر وتوجيه النقد لسياسته. وكانت أولى البوادر المطروحة لسدِّ الفراغ السياسي هي تشكيل مجلس الحكم.

أ) تشكيل مجلس الحكم: وقد طرح سماحته الشروط والمواصفات التي يجب أن تتوفر في هذا المجلس؛ ليكون قادرا على القيام بدوره المطلوب في تنفيذ المهام الآتية:

  1. ملء الفراغ السياسي.
  2. إنهاء الاحتلال.
  3. تدوين الدستور العراقي الدائم، على أن يكون دستورا يحضى بالقبول من جميع أبناء الشعب العراقي.
  4. تطوير الأوضاع الاجتماعية والمدنية والسياسية في العراق تمهيدا لنقل البلاد إلى الوضع المستقر الدائم بعد الفترة الانتقالية.

بعد ذلك تحدث سماحته عن المواصفات التي يجب أن تتوفر في هذا المجلس، وهي:

1 ـ أن يتولى العراقيون أنفسهم تشكيل هذا المجلس؛ لتمثيل الهوية العراقية والواقع العراقي. أما إذا تشكّل بإدارة غير عراقية فسيكون مطعونا فيه وغير مؤهل للقيام بمهامه، وغير معترف به من قبل الشرع أو القانون الدولي.

2 ـ أن يتمتع هذا المجلس بصلاحيات تمكنه من القيام بواجباته، وتحمل مسؤلياته أمام الشعب، وبدونها لا يمكن لهذا المجلس أن يؤدي الدور المطلوب منه، وسيفقد هذا المجلس صفته الشرعية إذا كان مجرد مجلس استشاري لقوات الاحتلال أو الأمم المتحدة… وقد التزمت القوى السياسية والدينية بهذا المبدأ في حوارها مع قوات الاحتلال.

3 ـ يجب أن يكون أعضاء المجلس على درجة مناسبة من الانسجام؛ حتى يتمكنوا من اتخاذ القرارات المناسبة في هذه المرحلة المعقدة.

4 ـ أن يحظى هؤلاء الأعضاء بقبول حقيقي وحضور شعبي في المجتمع العراقي؛ ليتمكنوا من الحصول على الإسناد الكافي من قبل أبناء الشعب.

5 ـ أن يكون هذا المجلس ممثلا للتركيبة العراقية الطبيعية بمكوناتها العرقية والدينية والطائفية المختلفة.

ودعا شهيد المحراب أن تسرع القوى السياسية العراقية إلى تولّي زمام المبادرة لتشكيل هذا المجلس وملء الفراغ، متسائلا: إلى متى يبقى العراق بهذا الشكل؟ وهناك فوضى في كل المستويات، وثروة العراقيين تبدد، وتدخل في مجاهيل الأعمال والمشاريع دون الحصول على مكاسب، بدعوى انه ليس هناك من يمثل العراقيين، ولا توجد حكومة تمثل إدارة العراقيين، وشدد سماحته على المطالبة بذلك بقوة، وعدّه مسؤليةً وواجباً شرعياً وإنسانيا وسياسيا تتحمله القوى السياسية. وحذّر من سقوط القوى بنظر الشعب عندما لا تقوم بدورها المطلوب، وحثّها على أن تبادر بسرعة إلى تشكيل مجلس الحكم ضمن المواصفات التي عرفها من أجل ان يخطو العراق خطوة جديدة، والعمل بعد ذلك بجدٍّ لإنهاء سلطة الاحتلال والوصول إلى حالة الاستقرار الكامل في البلاد[6].

إن إصرار السيد الحكيم (رضوان الله عليه) على سرعة تشكيل مجلس الحكم كان يهدف من ورائه أمرين:

الأول: تكوين مؤسسات العراق الدستورية، وتشكيل حكومة عراقية منتخبة قادرة على سد الفراغ السياسي، ونقل السلطات الإدارية والسياسية إليها من قبل قوات الاحتلال.

والثاني: إيجاد المبرر القانوني والشرعي لإنهاء الاحتلال نفسه، وتحقيق الاستقلال الوطني، وكان لاهتمامه الكبير بقضية مجلس الحكم أثر واضح في تشكيل هذا المجلس في 13 تموز 2003 وكانت هذه الخطوة الأولى على طريق الاستقلال.

ففي خطبة الجمعة الثامنة التي ألقاها سماحته في 18 تموز 2003 بالصحن الحيدري الشريف تحدث أيضا عن مجلس الحكم. وقال في سياق تقييم هذا المجلس: بأن هذا الأمر مازال يحتاج إلى بعض الوقت لوضع تقييم دقيق وكامل له. وأكد على وجوب الأخذ بنظر الاعتبار في هذه الحالة نقطتين:

الأولى: هي أن المجلس يضم شخصيات معروفة إلى حد كبير في المجتمع العراقي على المستوى السياسي، ولكن البعض الأخر لم يكن معروفا بالمقدار نفسه في أوساط الشعب العراقي، ولذلك فان الحاجة تدعو إلى تعريف الشعب بهذه الشخصيات السياسية.

الثانية: إن بعض فئات الشعب العراقي غير ممثلة في المجلس، مثل: الكرد الفيليين، وكذلك التركمان الذين لديهم ممثل واحد فقط في المجلس قد لا يمثل جميع التركمان في العراق، فطالب بمعالجة مثل هذه القضايا الحساسة بصورة دقيقة، ولو على مستوى مؤسسات الدولة الأخرى والوزارات. وعدَّ مثل هذا التمثيل العادل وسيلة للخروج من السياسات السابقة التي قامت على الاستئثار بالحكم.

التحديات التي تواجه مجلس الحكم

بالنسبة إلى التحديات التي يواجهها مجلس الحكم، فقد أكد هذه التحديات تتمثل في نقطتين رئيسيتين:

الأولى: الاستقلال.

والثانية: الإعلام العربي وبذور الفتنة الطائفية.

أولا: الاستقلال

أشار سماحته إلى سؤال مطروح عراقيا وإقليميا ودوليا يقول: هل هذا المجلس مستقل في وجوده وفي ولادته أم انه إدارة بيد سلطة الاحتلال؟ وبالرغم من قناعته لوجود مؤشرات تدل على استقلالية هذا المجلس في بداية تشكيله. حيث كان قد ساهم بدور فعال في ذلك إلاّ أنه يعتقد بان ذلك ليس كافيا. بل إن هناك أموراً أخرى أساسية يجب الأخذ بها من قبل أعضاء المجلس لتحقيق هذه الاستقلالية، وهي:

1 ـ اهتمام المجلس بمصالح العراق وشعبه بالدرجة الأولى قبل مصلحة أي جهة أخرى، مثل: التعبير عن إرادته واستقلاله والاهتمام بقضية الإسلام؛ لأنها هوية الشعب العراقي.

2 ـ إن قرارات المجلس هي قرارات عراقية بحتة، ويجب ان تكون قابلة للإجراء والتنفيذ لا أن تكون حبرا على ورق. لذلك فان منح سلطة الاحتلال حق النقض لقرارات هذا المجلس يقف عائقا يحول دون تنفيذ تلك القرارات.

وأكد سماحته حق النقض هذا لا أساس له من الناحية القانونية؛ لأن قرار مجلس الأمن رقم 1483 ينص على أن سلطة الاحتلال هي سلطة احتلال، وليس سلطة شرعية حتى يكون لها النقض، ويترتب عليها ما يترتب على الغاصب، ومن ثم ليس لها حق النقض لقرار يتخذه أبناء البلد وأصحاب الحق فيه. ويعد هذا التصريح العلني الذي يرى ان سلطة الاحتلال سلطة مغتصبة هو نقطة تحول مهمة في الموقف من قوات الاحتلال، فأعلن سماحته: إن حق النقض لا معنى له، وعلى المجلس أن يواصل إصدار قراراته باسم الشعب العراقي، وعليه أن يسعى لتنفيذها بكل ما لديه من إمكانيات، أما إذا اختارت قوات الاحتلال استخدام القوة والقدرة في نقض قرارات المجلس فهذا باب آخر[7].

3 ـ أما الأمر الأخير الذي يجب أن يتمسك به المجلس ليعبر عن استقلاليته، فهو إنهاء سلطة الاحتلال، طبقا لقرار مجلس الأمن رقم 1483 الذي نصَّ على أن تشكيل مثل هذا المجلس يعد الخطوة الأولى لإنهاء الاحتلال في العراق. ومن ثم لابد للمجلس أن يسعى من الآن في وضع خطة لإنهاء الاحتلال، تقوم على أساس جدول زمني ووفق مراحل محددة… وهذا من مهام هذا المجلس وأهدافه الرئيسية، وبذلك عبّر السيد الشهيد عن رؤيته بشكل واضح في كيفية التخلص من الاحتلال بصورة سلمية، وعلى وفق القرارات والقوانين الدولية.

ثانيا: وحدة العراق والتحدي الطائفي

وهنا كان السيد الشهيد سبّاقا في التنبؤ بهذا الخطر المحدق بالشعب العراقي، فقد استشعره منذ وقت مبكر…قبل أن يكشف دعاة التكفير عن أحقادهم الدفينة على شيعة آل البيت، وقبل أن يشنَّ هؤلاء حربا مكشوفة بالأحزمة الناسفة، والعبوات المتفجرة والسيارات المفخخة، والهاونات والاغتيالات على الشيعة في العراق. وممارسة الزرقاويين وبقايا الصداميين أبشع الأساليب من قتل، وذبح، وسلب، وخطف، وانتهاك الأعراض بحق الأبرياء والعزل من الشيعة… وفي هذا الإطار أثار سماحته أن النظام الصدامي السابق كان نظاما دكتاتوريا وعنصريا وطائفيا، أضطهد جميع فئات الشعب العراقي، ولذا فإن على مجلس الحكم أن يواجه هذا التحدي، ويقضي على الدكتاتورية والعنصرية والطائفية.. وبَيّن سماحته بأننا عندما ندعو إلى القضاء على الطائفية والاضطهاد الطائفي. إنما نطلب المساواة مع الآخرين في كل الأمور، سواء في الكفاءة، وفي الفرصة، وفي القدرة والاحترام المتبادل، ولا نريد تحويل العراق إلى دولة طائفية يحكمها الشيعة.

وذكر أن الإذاعات والفضائيات والسياسات التي وراءها تحاول أن تقول: إن الشيعة باعتبارهم الأكثرية يحاولون اضطهاد السنة ومعاداتهم وتقليص الفرص أمامهم، ورداً على تلك الأقاويل قال سماحته: (نوضح ونؤكد، وقد أكدناه منذ اليوم الأول، وقدمنا الدماء من اجله، وهواننا لا نريد دولة طائفية شيعية. نحن نريد أن يكون شيعة أهل البيت (عليهم السلام) في العراق يعاملون معاملة عادلة تتعلق بحقوقهم وندافع عن تلك الحقوق)[8].

لقد أكد سماحته أن الحفاظ على وحدة العراق هو من أهم التحديات التي تواجه مجلس الحكم. وبيَّن أن هناك عملاً سياسياً واسعاً في الداخل من قبل بعض النواصب، وبعض السياسات الموجودة في المنطقة؛ من اجل زرع الخلاف والنزاع والصدام بين السنة والشيعة، بحيث تتحول المعركة إلى معركة أخرى، وقال: نحن نحتاج إلى وحدة الكلمة، وهذه الوحدة هي بالاحترام المتبادل، وتكافؤ الفرص، وقيام الدولة والمجتمع على أساس المواطنة والكفاءة والمشتركات، ومنها الإسلام.

ويجب أن نتعاون جميعا من اجل الوصول إلى الهدف الكبير، وهو: أن يكون عراقنا حراً مستقلا لا هيمنة للأجانب وللآخرين عليه.

ومن خطبة الجمعة التاسعة بتاريخ 25 تموز 2003، واصل شهيد المحراب حديثه عن موضوع وحدة الشعب العراقي، باعتباره واحداًَ من أهم التحديات التي كانت تواجه مجلس الحكم، فركز سماحته على أهمية الوحدة التي بدونها سوف تتفتت قوة الشعب، ويتسلط عليه الأعداء، ودعا إلى نظام يكون فيه العراق واحدا في حكومته وشعبه وأرضه. وعدَّها واجبا من الواجبات الشرعية، وليست مجرد هدف سياسي أو رغبة، بل هي من الواجبات الشرعية الأكيدة التي دعا إليها القرآن الكريم والنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام).

وتوسع سماحته بشرح الأسس التي تقوم عليها الوحدة الإسلامية وآلياتها والمؤمرات التي تحاك ضدها لتدميرها بمحاولات إثارة الفتنة الطائفية، سواء من قبل أزلام النظام السابق، أم من قبل النواصب والتكفيريين، أم من قبل المحتلين أنفسهم، ومما يثير الانتباه أن السيد الشهيد وضع المحتلين ضمن الأعداء الذين يعملون على زرع الفتنة في العراق، وقال: إنهم يحاولون أضعافنا، فنراهم يقومون كل يوم بالعدوان على جماعة أهل البيت (عليهم السلام) بأساليب مختلفة، كالعدوان المقرون بالسرقة والاستهانة بالحرمات، والاعتداء على مقرات المجلس الأعلى ومقرات الأحزاب الإسلامية العراقية، ويرى أن قوات التحالف ليست هي القوات العسكرية فقط، بل هناك الأجهزة السرية التي تعمل باستمرار على إضعاف وتفتيت قدرة الشعب العراقي لإيجاد مبرر من أجل بقائهم في العراق بدعوى أن العراقيين مختلفون ومتنازعون، وفي حالة انسحابهم من العراق فان حربا أهلية ستشب في العراق. وإنهم حتى لو خرجوا من العراق فسيبقون على هيمنتهم السياسية والاقتصادية عليه، فيما إذا كان الشعب العراقي ضعيفا ومفككا. ومن ضوء هذه الرؤية بَيّن سماحته موقفه من الاحتلال قائلا: (نحن مع هذه القضايا نتعامل بدقة وبحكمة ودراية، ولا نرى الآن من المصلحة أن ندخل في مواجهات عسكرية، ولكن لدينا لساناً ومنطقاً وإرادة وصبراً) ثم دعا الشعب العراقي لان يعبر عن رأيه؛ ليظهر بمظهر الوحدة والقوة في مواجهة هذه الأساليب، وكذلك الوقوف بوجه محاولات التفرقة بحكمه وموعظة حسنة وإرادة قوية. وكذلك الوقوف بوجه من أسماهم بالجهال والمضللين، وكشف المندسين والمتسللين إلى صفوف العراقيين[9].

لقد دأب شهيد المحراب على إيضاح رؤيته للموقف من الاحتلال في كل مناسبة، ذلك لان موضوع مثل مقاومة الاحتلال بالقوة أو التعامل معه بالطرق السلمية أصبح يشغل اهتمام العراقيين في كل مكان، وظهر على الساحة العراقية والعربية من يزايد على ما يسمى: بالمقاومة، باعتبارها حقاً مشروعاً للشعوب.

وفي خطبة الجمعة العاشرة في الأول من آب 2003 أعاد سماحته التأكيد على موقفه السابق من هذه القضية فطالب (أن تكون هناك حرية ومنطق في الحديث والحوار، لا أن يكون المنطق هو القهر واستخدام العنف والقوة، لابد أن نعرف هذه الحقائق، وعندئذ يمكن أن نصل بإذن الله إلى أهدافنا. وأما إذا استخدمنا العنف فالآخرون أكثر قدرة على العنف)[10].

كان السيد الشهيد يراقب تطورات الأوضاع السياسية في العراق عن كثب، ويرصد موطن الخلل والتقصير فيها، وكان يستغل منبر الجمعة لتأشير ذلك الخلل والتقصير بصورة علنية، ويدعو إلى تصحيحها، ويضع الحلول المناسبة لها. ولم يقتصر دوره في المشاركة الفّعالة في صنع العملية السياسية في العراق آنذاك، وإنما أيضا كان يمارس دور الرقيب والناقد والموجّه لها. كان كل همه أن تسير تلك العملية بطريقها الصحيح لتحقق هدفها النهائي، وهو: إنها الاحتلال.

وهكذا جاءت خطبة الجمعة الحادية عشرة في 8 آب 2003 مليئة بمثل تلك الملاحظات. لاسيما ما يتعلق منها بمسيرة مجلس الحكم. فقد وجّه سماحته نقداً لاذعا لمواقف الدول العربية، والجامعة العربية، والأمم المتحدة، والمؤتمر الإسلامي السلبية من مجلس الحكم، وكانت هذه الجهات قد عبّرت عن موقفها الرافض للاعتراف بهذا المجلس باعتباره لم ينتخب من قبل الشعب العراقي انتخابا حرا وديمقراطيا، بينما لا تتوانى لحظة في الاعتراف بأولئك الذين اغتصبوا الحكم في الليالي المظلمة، وبقوة السلاح، مثل: النظام الصدامي السابق. ثم يتساءل سماحته عن الأسباب التي أدت إلى تأخير تشكيل الوزارة المؤقتة بالرغم من مضي عدة أسابيع على تشكيل مجلس الحكم، نظرا لأهمية مثل هذه الوزارة.

ومن جهة أخرى طالب ان تكون هذه الوزارة معبرة عن العراقيين، وأن يكون هؤلاء الوزراء على مستوى عال من الكفاءة والجدية في تحمل المسؤلية في تلك الظروف الصعبة التي كان يمر بها العراق، وأن يكون ذلك هو المعيار الذي يتم بموجبه اختيار الوزراء، وليس الانتماء السياسي… وأن يضع هؤلاء الوزراء نصب أعينهم المصلحة العامة للشعب العراقي. وليس مصلحة الجهة التي ينتمون إليها. وأن يتصف هؤلاء بالنزاهة والصلاح والإخلاص في العمل…

ودعا جميع العراقيين والقوى السياسية لممارسة رقابة حقيقية على أعمال مجلس الحكم، واقترح اشتراك الفئات التي لم تمثل بشكل صحيح في مجلس الحكم بالوزارة لتلافي هذا النقص[11].

وفي 15 آب 2003 ألقى سماحته في الصحن الحيدري الشريف – أيضا – خطبة الجمعة الثالثة عشرة، حين واصل فيها الحديث عن موضوع مجلس الحكم، وقد أسهب سماحته في بيان الأسباب التي تدعو الأطراف العربية والدولية إلى الإحجام عن الاعتراف بمجلس الحكم وقال:

(إن لدى هذه الأطراف هواجس، بعضها مبرر وصحيح، وبعضها الأخر غير مبرر:

ومن هذه الهواجس: مسألة الهوية الإسلامية والعربية للشعب العراقي، حيث أكد سماحته أن هذا الشعب متمسك بهذه الهوية إلى أبعد الحدود.

 أما الهاجس الثاني: فهو موضوع وحدة العراق. والتخوف من احتمالات تقسيمه؛ إذ إن هذا التقسيم سيحدث اضطراباً واسعاً في المنطقة، وأكد سماحته تمسك العراقيين بموحدة بلادهم.

أما الهاجس الثالث: فهو موضوع الاستقلال، وهل أن مجلس الحكم مستقل أم خاضع للاحتلال؟

والهاجس الرابع: هو موضوع العدالة والحرية في إدارة البلاد، دون أن يفرض أحدا عليها فرضا.

 أما الهاجس الخامس: فهو قضية تمثيل الشعب العراقي في المجلس، وهذه يثيرها البعض في الخارج، وهي قضية غير مشروعة.

 أما الهاجس السادس: فهو موضوع المصالح، حيث تسمى بعض الأطراف الدولية إلى استمرار النهب لثروات العراق)[12].

ب) قضية الدستور: انتقل سماحته لمعالجة قضية من أهم القضايا التي يجب معالجتها والبحث فيها. ألا وهي قضية الدستور الدائم الذي ستتولى الجمعية الوطنية العراقية المنتخبة مهمة كتابته، وعدها قضية مركزية لابد أن يعبأ العراقيون بكل إمكانياتهم لبيان أهميتها. فقد ذكر سماحته أن قضية الدستور لو تمَّ أقرارها بصورة صحيحة فسوف نتمكن بإذن الله من بناء مجتمع عراقي صالح، وأن إهمالها سيؤدي إلى نتائج وخيمة على أبناء العراق. وأكد على وجود قضايا مركزية في الدستور لابد من الاهتمام بها، مثل: قضية الهوية الإسلامية والعربية، ولابد أن يؤكد كذلك على موضوع الحرية، وأن يصاغ بطريقة تحقق العدالة، ويجب التأكيد فيه على الحكم اللامركزي، وأن تكون المحافظات مستقلة في إدارة شؤونها مع احترام خصوصيات الشعب العراقي؛ كي يتمكن العراقيون من التعايش بعضهم مع بعض.

أما آلية كتابة الدستور فقد أشار سماحته إلى ضرورة انتخاب مجلس أو جمعية وطنية تتولى هذه المهمة. وبعد انجازه يعرض هذا الدستور للتصويت عليه من قبل الشعب العراقي باستفتاء عام. وهذه هي الوسيلة الفضلى لتجنيب الطعن فيه من أي طرف كان[13].

رابعاً: موقفه من الإرهاب

في 19 آب 2003 تعرض مبنى الأمم المتحدة في العراق إلى هجوم بسيارة مفخخة أدى إلى مقتل 23 شخصا من بينهم البرازيلي (سيرجيو فييرادي ميلو) رئيس البعثة. فكان هذا الحادث استحوذ على اهتمام السيد الشهيد في خطبة الجمعة الثالثة عشرة التي ألقاها بتاريخ 22 آب 2003 وبعد أن أشاد سماحته بدور (دي ميلو) في مساعدة العراقيين لإنهاء الاحتلال، فقد حمّل الأمم المتحدة المسؤلية في الحادث؛ لأنها لم تفعل شيئا لتغيير السياسة الأمنية الفاشلة التي تتبعها سلطات الاحتلال في العراق. وبيّن سماحته أن هذا الحادث يدلل على أن من يقف وراءه قد بلغ حد القنوط واليأس في تحقيق هدفه، فاتجه إلى هذه الأعمال الجنونية، شأنها شأن الأعمال الأخرى، مثل: ضرب البنى التحتية من مؤسسات نفطية أو كهربائية أو مياه أو خدمات عامة، وأشار على أن من يقف خلف هذه الأعمال هو خط سياسي يمكن وصفه بخط الإرهاب والتطرف. وبذلك وضع سماحته يده على العلة الحقيقية التي عانى منها العراقيون فيما بعد بوقت مبكر، ولم يتوان السيد الشهيد من إدانة قوات التحالف صراحة؛ لأنها تخلت عن حماية الأهداف الإستراتيجية للشعب العراقي، واكتفت بحماية نفسها وقواتها دون أن تولي الشعب العراقي أية أهمية في هذا المجال، وقد حمّل أزلام النظام السابق مسؤلية هذه الجريمة، وأتهم قوات التحالف بالتهاون معهم وبتقصيرها في الدفاع عن مصالح الشعب العراقي. بل تهتم بمصالحها فقط، وأشار إلى أن الشعب العراقي غير مستعد للتعاون مع هذه القوات بوصفها قوات احتلال، وطالب هذه القوات أن تبدل أسلوبها وسياستها تجاه العراقيين، وأن تكون بالفعل قوات تحالف وليس احتلال. وطالب السيد الشهيد ـ وبشكل غير مسبوق ـ بان يتولى العراقيون والقوى العراقية الدور الرئيسي في الأمن، لاسيما القوى الوطنية التي يهمها التحولات الجديدة في العراق، واستبعاد أولئك الذين لديهم نوايا سيئة تجاه الشعب العراقي.

ثم تناول بالحديث عمليات إلقاء القبض على أزلام النظام السابق، مثل: طه ياسين رمضان، وعلي حسن المجيد من قبل قوات التحالف مشيرا إلى الجرائم البشعة التي ارتكبها كل منهما بحق أبناء الشعب العراقي. وطالب قوات التحالف بعدم التكتم على اعتقال هؤلاء، والكشف عن عمليات الإبادة والاضطهاد والتدمير الذي مارسه هؤلاء المجرمون. ونوّه إلى وجود عملية مشبوهة غامضة تقوم بها قوات التحالف تجاه الموضوع كله. ومن الواضح أن السيد الشهيد شنّ هجوما عنيفا على أركان النظام السابق، وعلى قوات التحالف التي تتستر على التحقيقات معهم، وتوفر لهم الحماية، بينما يتعرض العراقيون إلى القتل على يد هؤلاء المجرمين بالسيارات المفخخة، والعبوات الناسفة، والاغتيال دون أن تستطيع هذه توفير الأمن اللازم لهم. ولذلك كانت هذه الخطبة ـ التي طالب فيها الشهيد بان يتولى العراقيون مسألة الأمن بدلا من قوات الاحتلال ـ نقطة تحول خطيرة في موقفه من هذه القوات[14].

خامسا: الجمعة الأخيرة

في يوم الأحد 24 آب 2003 تعرض المرجع الديني آية الله العظمى محمد سعيد الحكيم إلى محاولة اغتيال، وهو في طريق عودته من الصحن الحيدري الشريف إلى منزله ظهر ذلك اليوم. بتفجير عبوة ناسفة قرب منزله. وأتُهِم بذلك البعثيين السابقين وأعوان صدام بتدبير هذه المحاولة الفاشلة بهدف إشعال نار الفتنة بين السنة والشيعة. وبموجب القوانين الدولية تتحمل القوات الأمريكية مسؤلية الحفاظ على الأمن باعتبارها قوة الاحتلال. وبين متحدث باسم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية لمحطة (BBC) أن السلطات العسكرية الأمريكية كانت قد رفضت أكثر من طلب لتوفير الأمن لشخصيات دينية بارزة.

من خطبة الجمعة الرابعة عشرة ـ أي الجمعة الأخيرة الدامية في حياة شهيد المحراب (قدس سره) يوم 29 آب 2003 ـ كان موضوع العدوان المتكرر على المرجعيات الدينية في النجف هو الموضوع الرئيسي في هذه الخطبة، وبَيّن أن هذا العدوان يمثل ظاهرة من أخطر الظواهر التي تواجهها في هذه المرحلة من الناحية السياسية والاجتماعية؛ لان هذا العدوان اخذ يستهدف مركزاً مقدساً في مجتمعنا العراقي.

ثم استعرض سماحته العمق التاريخي لهذه المرجعية التي تمتد إلى أكثر من اثني عشر قرنا، وبَيّن كيف استهدف نظام البعثيين الصداميين المرجعيات الدينية في النجف منذ توليته السلطة. بدءً بالاعتداء على مرجعية السيد محسن الحكيم، واعتقال ولديه حجتي الإسلام السيد عبد العزيز والسيد مهدي في سنة 1969. ثم انتهى الأمر إلى قتل المراجع الواحد بعد الأخر، مثل: آية الله العظمى الشيخ البروجردي في (22 نيسان 1998) وآية الله الشيخ الغروي (في 19 حزيران 1998) وآية الله السيد محمد الصدر وولديه (في 19 شباط 1999)[15] والمحاولة الفاشلة الأخرى لاغتيال آية الله العظمى الشيخ بشير النجفي بمكتبه (في أوائل عام 1999).

وبعد سقوط النظام السابق استمرت عمليات الاعتداء على المرجعيات الدينية، فحمّل سماحته قوات الاحتلال مسؤلية هذه الجرائم لعدم قيامها بواجباتها القانونية في حماية المرجعيات والعتبات المقدسة، وأدان بكل صراحة هذا التقصير من جانبها. وكرّر ما قاله في خطبته السابقة من مطالبة صريحة: بان يتحمل العراقيون وقواهم الوطنية المسؤولية الأمنية لحماية المراجع والعتبات المقدسة. ولكن قوات الاحتلال كانت تمارس الضغط والعدوان ونزع الأسلحة عن أفراد الحماية الخاصة بالمراجع والأماكن المقدسة، ودعا إلى تشكيل قوة عراقية متدينة مؤمنة ملتزمة لتتولى هذه المهمة بدلا من قوات الاحتلال التي لا تستطيع الاقتراب من الأماكن المقدسة.

وأضاف سماحته أن الأمن مفقود في هذا البلد، وأن قوات الاحتلال فشلت في تحقيقه. ولا يوجد طريق لمعالجة هذا الموضوع إلاّ من خلال إعطاء السيادة الكاملة للعراقيين في تشكيل حكومة عراقية ذات سيادة كاملة. وأن تحول المسؤلية الأمنية إلى العراقيين؛ لأنهم الادرى بما في بلدهم، وهم غير مستعدين للتعاون الا مع الأجهزة الأمنية العراقية.

ثم دعا قوات الاحتلال ومجلس الحكم والقوى السياسية العراقية والمجتمع الدولي والدول العربية والإسلامية إلى تظافر الجهود من اجل تحقيق هذا الهدف أي تحويل السيادة الى العراقيين.

وبعد أن تحدّث عن تشكيل الوزارة العراقية المؤقتة وشروط تشكيلها ـ التي اشرنا اليها في خطبة سابقة – انتقل الى الحديث عن الوضع الطائفي، وما تروج له وسائل الأعلام العربية من أن الشيعة استحوذوا على الحصة الاكبر في الدولة.

فقد ذكر سماحته: بأنه سبق أن دعا إلى الوحدة الإسلامية، وما زال يصر عليها، كما انه دعا إلى وحدة العراق شعبا وأرضا، وانه يرفض زعزعة هذه الوحدة، وان النظام الطائفي يعرضها للخطر شأنه شأن النظام العنصري قائلا:

(نحن لا نؤمن بالنظام الطائفي، ونعتقد بان الوزارة يجب أن تمثل كل اطيافنا،ونأخذ في هذه المرحلة على اقل تقدير المصالح العامة للشعب العراقي).

ودعا الى وضع الطائفية جانبا والاهتمام بمصالح الشعب، والى اليقظة والحذر من مخططات الاعداء التي تهدف الى تعطيل مشروع بناء العراق الجديد قائلا:

(اننا نخشى أن تغتال حركتنا وقضيتنا بيد الاعداء الذين يخططون لاغتيال حركتنا)[16].

وهكذا كان الشهيد يدرك المخاطر التي يخطط لها الأعداء، ويحذر من مكائدهم لزرع الفتنة الطائفية، ويحمّل قوات الاحتلال ما يجري في البلاد من اضطراب أمني على أيدي أزلام النظام ودعاة الطائفية التكفيرية.

وطالب بتحقيق السيادة ونقلها إلى العراقيين كاملة وان يتولى أبناء البلاد المخلصين المسؤلية الأمنية فيها.

وبالتأكيد أن مثل هذا النهج الوطني التحرري والوحدوي الإنساني المتوزان كان يثير القلق لتلك القوى الخفية في الداخل والخارج التي تعمل على تدمير هذا البلد ونهبه وتمزيقه والهيمنة على مقدراته.

كانت محاولة اغتيال السيد محمد سعيد الحكيم هي النذير، وهي نقطة الانطلاق في المشروع الدموي الجديد الذي اعدته قوى الظلم والظلام للنيل من المراجع العظام، وكان سماحته يعي تلك الدسائس، ويحذر منها، ولكن هو نفسه لم يحذر؛ لانه كان يعد نفسه مشروعا مفتوحا للشهادة، وهو مشروع مفتوح للشهادة، وهو مشروع آل البيت (عليهم السلام) الدائم والابدي، فبعد خروجه من الصحن الحيدري بعد انتهاء صلاة الجمعة تعرض موكبه لعملية تفجير آثمة قامت بها زمر النظام السابق مع قوى الاجرام والظلام بواسطة سيارة مفخخة أدت الى استشهاده. وبذلك انطفأ نور من الانوار المحمدية الاصيلة. وخسر العراق والعالم الاسلامي مفكرا فذا ارتفع فوق النوازع الطائفية الصغيرة، ونادى بالوحدتين العراقية والإسلامية حتى اللحظات الاخيرة في حياته، كما خسرنا مناضلا صلبا شجاعا قارع النظام الصدامي سنينا طويلة، والعراق في أمسِّ الحاجة اليه في تلك الظروف.

الخاتمة

واليوم بدأنا نجني ثمار نهجه السياسي النير وموقفه المتوازن من الاحتلال، حيث أثبت صواب هذا النهج، وعمق الفكر الاستراتيجي لدى الشهيد، وبعد مرور سنتين على استشهاده بدأت قوات الاحتلال بالانحسار تدريجيا، حيث تسلمت القوات العراقية المسؤلية الأمنية في محافظتي النجف الاشرف وكربلاء من تلك القوات، وستتبعها محافظات أخرى في الوسط والجنوب. وكان سماحته سبّاقا في التحذير من الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة، والتي يسعى إلى إشعالها الصداميون والزرقاويون، وقد اثبت نهجه الداعي إلى تفويت الفرصة على هؤلاء صحة وسلامة هذا النهج، الذي كان يوصي العراقيين دائما للتمسك به؛ حفاظا على وحدة العراق وشعبه.

لقد واكب سماحته التطورات الدستورية في العراق لحظة بلحظة بدءاً من تشكيل مجلس الحكم، ثم تشكيل الوزارة المؤقتة، فكان يلاحق كل صغيرة وكبيرة، ويبدي بشأنها المشورة والرأي السديد، سواء في الواجبات الملقاة على عاتق كل منهما، أم فيما يتعلق بمواصفات الأشخاص الذين سيختارون للمشاركة فيهما. واضعا نصب أعينهم مصلحة العراق أولا وقبل كل شيء. كما وضع الإطار النظري لكتابة دستور العراق الدائم. وكان هاجسه في ذلك هو العمل على تشكيل مؤسسات دستورية عراقية تستطيع سد الفراغ السياسي، ونزع السيادة من قوات الاحتلال، وهي الوسيلة المثلى بنظره للتخلص من هذا الاحتلال.

لقد ميّز سماحته تمييزا واضحا بين العنف الذي تحول إلى إرهاب، وبين المقاومة السلمية للاحتلال. وأدان بشكل صريح وواضح العمليات الإرهابية التي طالت المراجع العظام والأماكن المقدسة والبنى التحتية في الدولة. وتفجير مبنى الأمم المتحدة.

وكان أصبع الاتهام عنده يشير دائما إلى ضلوع الصداميين بهذه العمليات، وقد أثبتت الأيام صحة ما ذهب إليه، حتى كان هو نفسه ضحية الإرهاب الأسود الذي اخذ يستبيح اليوم دماء وإعراض كل أتباع آل البيت (عليهم السلام) على الهوية والاسم بلا رحمة وبلا وازع من ضمير أو دين.

وخلاصة القول: إن موقف الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) من الاحتلال الأجنبي للعراق قد تجسد بوضوح من خلال هذا البحث، والذي اعتمد على مواقفه الحية والمعلنة من خلال خطب الجمعة التي ألقاها في الصحن الحيدري الشريف خلال الفترة من 30 أيار – 29 آب سنة 2003. حيث تبيّن من خلالها انه لم يكن راضيا أو صامتا عن هذا الاحتلال، بل كان يوجه له النقد واللوم العلني في كل مناسبة، ولكنه لم يكن يدعو إلى استخدام القوة والعنف ضده، بل دعا إلى استنفاذ كافة الوسائل السلمية في ذلك، ومنها: العمل على بناء المؤسسات الدستورية العراقية لسد الفراغ السياسي والإداري تمهيدا لرحيل هذا الاحتلال عن البلاد.

[1] الأربع عشرة مناهج ورؤى، خطب الجمعة للمرجع الديني شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)، الطبعة الأولى، (النجف الاشرف، مؤسسة تراث الشهيد الحكيم 2004) ص 56 ـ 60.

[2] المصدر نفسه، ص 147 ـ 150.

[3] المصدر نفسه، ص 151 ـ 152.

[4] المصدر نفسه، ص 152 ـ 154.

[5] المصدر نفسه، ص 171.

[6] المصدر نفسه: ص 200 ـ 204.

[7] المصدر نفسه، ص225 ـ 227.

[8] المصدر نفسه، ص228 ـ 232.

[9] المصدر نفسه، ص246 ـ 253.

[10] المصدر نفسه، ص 285.

[11] المصدر نفسه، ص300 ـ 304.

[12] المصدر نفسه، ص 320 ـ 232.

[13] المصدر نفسه، ص 324.

[14] المصدر نفسه، ص 340 ـ 347.

[15] وفشل محاولة اغتيال آية الله العظمى السيد علي السيستاني في أوائل عام 1999.

[16] المصدر نفسه، ص 368 ـ 357.

اكتب تعليق

كافة الحقوق محفوظة لمؤسسة تراث الشهيد الحكيم، ولا يجوز الاستفادة من المحتويات دون إذن خطي.

الصعود لأعلى