القيادة والإدارة في خطب الجمعة الأربع عشرة لشهيد المحراب المجاهد آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم دراسة تحليليلة

motmar3

بحث طرح في المؤتمر الثالث القيادة والإدارة في خطب الجمعة الأربع عشرة لشهيد المحراب المجاهد آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم دراسة تحليليلة

م. د. نجاح السيد رسول الجابري

عميد كلية العلوم

جامعة ذي قار

عام 2008 م

شارك البحث في المؤتمر الفكري الثالث الذي عقدته مؤسسة تراث الشهيد الحكيم (قدس سره) في النجف الأشرف عام 2008م تحت عنوان: (فكر الشهيد الحكيم ودمه الزاكي يضيئان الطريق أمام وحدة العراق ونهضته العلمية).

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد المصطفى خير الأنام وعلى آله الطيبين الطاهرين الكرام، وصحبه المنتجبين سبل السلام.

قبل اختيار عنوان البحث وقفت وقفة تأمل أمام شخصية ساهمت الأجواء الفقهية والعرفانية والسياسية في رسم ملامحها…

شخصية كانت رمزا من رموز الكفاح في سبيل العقيدة والوطن، وخسرت بفقدها قوى الوحدة الإسلامية عضدا قويا ومساندا صلبا لقضية الوحدة بين صفوف المسلمين…

شخصية كانت من أشد عناصر المعارضة العراقية وطنية وصلابة وبعد نظر…

شخصية تحضى باحترام كبير يعكس النفوذ الذي تتمتع به في جميع الأوساط…

شخصية كانت لها نظريات وآراء من موقع قيادي في القضية العراقية التي شغلت الرأي العام الدولي فضلا عن الرأي العام العربي والإسلامي…

شخصية علمية جهادية تركت بصمات كبيرة على تأريخ الحركة الإسلامية منذ بداية نهضتها ورسمت طريقا حافلا بالإنجازات…

شخصية قيادية ترسخت ملامح القيادة فيها وفي سلوكها قولا وفعلا من خلال حملها لسمات رجل الدولة وقائد المسيرة ومفجر الطاقات وملهم المؤمنين الصابرين المحتسبين الى الله.

شخصية تنتمي لعائلة عريقة توارثت لمرجعية والاجتهاد الديني لعدة أجيال…

شخصية جامعة ومؤهلة لتلعب دورا كبيرا في مستقبل العراق السياسي لو بقيت على قيد الحياة….

شخصية كانت تساهم في بناء التماسك الاجتماعي للمدن والقرى العراقية، وأن تقود المرجعية الدينية إلى أداء دورها التأريخي في قيادة أبنائها وفي ضرب المثل الصالح لغيرها من القيادات….

شخصية كانت حريصة على حب الناس لها، وكرست حياتها من أجل خدمة المسلمين، وحريصة على تعليم الناس لسيرة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكون نبراسا في حياتهم وتعاملهم فيما بينهم….

تلكم هي شخصية الشهيد السعيد سماحة آية الله العظمى شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)….

كنت متردداً كيف اكتب عن هذه الشخصية لخضم بحرها الزاخر، وفكرها النير، وعقلها الأخاذ، ودقتها في التعبير، وتزاحم علمها الجم… وذلك لكثرة مؤلفات هذا العالم والمجاهد الجليل من جهة، ولكثرة ما كتب عنه بعد استشهاده..

 ولكن ما أن وقعت عيني على «الأربع عشرة مناهج ورؤى»… ذلك الكتاب الذي ضم الخطب التي ألقاها سماحته في الصحن الحيدري الشريف أثناء صلاة الجمعة بعد عودته من منفاه إلى مدينة النجف التي أحبها والى بلده الذي ناضل وجاهد من أجله، ما أن وقعت عيني على ذلك الكتاب حتى أحسست أنني وجدت ضالتي المنشودة…

فوجدت فيه موضوعات كثيرة تصلح لأن تكون عناوين لأبحاث مختلفة… وقرأت ما ورد في تلك الخطب أكثر من مرة…. وأخيرا قررت أن ابحث فيها ما يتعلق بمفهوم الإدارة والقيادة باعتبار أن شهيدنا الغالي يهتم بإدارة البلد وقيادته… ويضع الخطوط العريضة لقيادة وإدارة هذا البلد… كيف هو النظام الإداري؟… وما هو دور الشعب فيه بصورة عامة؟…. وما هو دور المرجعية الدينية الرشيدة؟… وما هو دور العشائر ورجالاتها؟… وما هو دور المرأة؟… وما هو دور الرقابة الجماهيرية؟…

فكان عنوان البحث «القيادة والإدارة في خطب الجمعة الأربع عشرة» لشهيد المحراب آية الله العظمى المجاهد محمد باقر الحكيم (قدس سره) مع ملاحظة أنني لم أتقيد بتسلسل الخطب زمنيا وإنما تعاملت مع العناوين التي اخترتها أثناء متن البحث وأشرت إلى معانيها أينما وردت في تلك الخطب…

آمل أن أكون قد قدمت لهذا القائد الكبير شيئا بسيطا من الوفاء لنهجه الإداري والقيادي الناجح… وأقول له: إن دمك يا أبا صادق لم يكن رخيصا، بل كان حلقة في سلسلة الدماء التي روت شجرة الإسلام، وسلام عليك يا من نذرت نفسك من اجل العراق، ووضعت روحك على كفك متنقلا في المنافي والسجون من اجله…. من اجل الإسلام…. من اجل المستضعفين والمساكين….

وهنيئا لك وقد أعطاك الله ما كنت تحلم به في سني حياتك المريرة… لقد أعطاك ذلك اللقاء… وأي لقاء؟…. لقاء أهل الأرض بأهل السماء، لقاء العاشق لمعشوقه، لقد صدقت الله فأصدقك الله وعده، وأتم عليك نعمته… ورحم الله جسمك الشريف الذي لم يبق منه شيء وكأن الأرض أهدته إلى السماء لاشتياقها له.

أولاً: صلاة الجمعة ودورها في الإدارة

من المعروف أن صلاة الجمعة هي شعيرة من شعائر الدين يمكن من خلالها تفعيل كل ما يتعلق بإدارة البلد وقيادته بالاتجاه الصحيح من خلال ما تتضمنه الخطب التي تلقى أثناء ممارسة هذه الشعيرة، حيث يقول شهيد المحراب (قدس سره) في الجمعة الخامسة / الخطبة الأولى بهذا الصدد: ومن هنا تصبح صلاة الجمعة مؤسسة من المؤسسات ذات العلاقة بالحكم الشرعي الصحيح، والولاية الشرعية والمرجعية الدينية، ولذلك كانت هذه المؤسسة منذ بداية تأسيسها ترتبط بالإمام وولي الأمر والمركز العام الذي يدير المسلمين شؤونهم العامة التي يمكن من خلالها إدارة هذه العملية[1].

وقد أكد (قدس سره) على دورها أيضا في تعبئة الأمة في الجمعة الأولى/ الخطبة الأولى حيث قال: «أن هذه الشعيرة وجدت لتفعيل الجانب الروحي والمعنوي للمؤمنين… مضافاً إلى كل ذلك هناك قضية تعبئة الأمة وجعل هذه الأمة في طاقاتها وتنظيمها وحركتها قادرة على أداء دورها الحقيقي في المجتمع الإنساني، فنحن عندما نتحدث عن توعية الأمة وإعطائها الدور الحقيقي في حركة المجتمع نتحدث عن رؤية شرعية إسلامية لابد أن تكون واضحة لدى الأمة كلها لتقوم بواجباتها وقضاياها الكبيرة تجاه مظلومية المستضعفين وتجاه قضايا الاستبداد والظلم والهيمنة والسيطرة والعولمة والى غير ذلك من القضايا المهمة الرئيسة التي لا يمكن أن يوجهها الإنسان إلا من خلال حركة الأمة»[2].

ثانياً: المرجعية ودورها في القيادة والإدارة

لقد أكد سماحته (قدس سره) على أن المراجع العظام هم القادة الذين يجب الرجوع إليهم، حيث قال في الجمعة الخامسة / الخطبة الثانية: جاء الحديث الشريف في التوقيع المعروف وهو قوله (عليه السلام) «وأما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها إلى رواة حديثنا فأنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله»[3]. وقال في الجمعة الأولى / الخطبة الثانية: «هناك موقف أتصوره أنا وأتحدث هنا عن نفسي، ولا أريد أن أضع الواجبات على الآخرين، لكن اعتقد انه واجب على الجميع وهو أن يتصدى لهذه المشكلات بصورة رئيسية المراجع العظام والعلماء الأعلام، هؤلاء ربما وهبهم الله سبحانه وتعالى من مواقع وقدرة على المعرفة والفهم والتفكير والمتابعة، وما يحصلون عليه من تأييد واسع في أوساط الأمة، يتحملون مسؤوليات كبيرة في مواجهة هذه المشكلات»[4].

ثم يعود في نفس الخطبة ليؤكد على وجوب تصدي العلماء والمراجع العظام لكافة القضايا في البلاد، أي: لإدارة وقيادة البلاد حيث قال: «إذن، فالموقف هو أن يتصدى العلماء والمراجع العظام والشخصيات التي لها وجود في المجتمع من جانب، وتتصدى القوى السياسية من جانب آخر، وتتحمل الأمّة مسؤوليتها من جانب ثالث، فالأمة تبقى المرجع الرئيس في مثل هذه القضايا»[5]

 وفي مكان أخر أكد على دور الربانيين والأحبار والعلماء في إدارة وقيادة البلد حيث قال في الجمعة الثانية/ الخطبة الأولى: «وهذه مسؤولية خاصة يتحملها الربانيون والأحبار، ويتحملها العلماء والخطباء والأدباء الذين لديهم علم ومعرفة، وهؤلاء يتحملون مسؤولية خاصة في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»[6].

ثالثاً: دور العراقيين في الإدارة والقيادة

لقد أكد شهيد المحراب (قدس سره) على أن العراقيين هم أولى بإدارة شؤونهم من غيرهم وعليهم تقع مسؤولية إدارة بلدهم فقال في الجمعة الأولى/ الخطبة الثانية: «قرار مجلس الأمن[7] في قراءتنا له: إن هذا القرار يؤكد على استقلال العراق وعلى سيادته وعلى ضرورة إنهاء الاحتلال في اقرب فرصة ممكنة، وعلى تحمل العراقيين لمسؤولية إدارة أمورهم

هذا القرار يؤكد ذلك، والسلطة المحتلة ليست مسؤولة في قرار مجلس الأمن عن إدارة شؤون العراقيين، بل هناك ما ينص في عدة مواضع من قرار مجلس الأمن: إن العراقيين هم المسؤولون عن إدارة أمورهم وشؤونهم[8].

ثم يعود (قدس سره) ليؤكد على ذلك في موضع آخر من نفس الخطبة، وكذلك يؤكد على وجوب احترام خصوصيات الشعب العراقي للشيعة والسنة والأكراد والترك بقوله: وأنا أقول لكم: إن من أهم مصاديق المعروف في هذا الوقت الذي يجب فيه على العراقيين أن يهتموا به، هو أن يندفعوا بإخلاص ونظام وحكمة وعقل من اجل أن يمسكوا إدارة أمورهم بأيديهم، ولا يتركوا الفرصة للآخرين ليتسلطوا على أمورهم، وان نحترم في هذه الإدارة خصوصيات كل جماعة، فشيعة أهل البيت لابد من احترام خصوصياتهم في بلادهم وشعائرهم وثقافتهم وخصوصيات آدابهم وعلاقاتهم الاجتماعية، كما لابد أن نحترم أيضا في الوقت نفسه خصوصيات إخواننا أهل السنة في بلادهم، لابد من احترامها وعدم نقضها، وكذلك نحترم خصوصيات إخواننا الكرد والترك في بلادهم.

 إن احترام هذه الخصوصيات من أهم الوسائل لإيجاد الوحدة بين أبناء الشعب»[9].

ونراه يؤكد على هذا المضمون ويدعو إلى الانتخابات فيقول في الجمعة الثالثة/ الخطبة الثانية: «ولكننا نعتقد بأن الانتخابات أمر يمكن إجراؤه بشيء من الحكمة والعقل والتدبير والتعاون بين أوساط الشعب العراقي، ومن ثم فلا نعتقد أن المبرر الثاني[10] يسوغ فرض سلطة وإدارة على العراقيين بالتعيين»[11].

وكذلك نراه يعود في مرة أخرى ليؤكد في جمعة لاحقة على دور العراقيين في إدارة شؤونهم حيث قال في الجمعة الرابعة/ الخطبة الثانية: «أنا اعرف أن جميع أبناء الشعب العراقي في كل مواطنهم يدعون إلى الرجوع في إدارة شؤون بلادهم إلى إرادة الشعب العراقي، وانتخاب الشعب العراقي، وهذا هو الطريق الوحيد الذي يوصلنا إلى تحقيق الأمن والاستقرار في بلادنا»[12].

ثم يعود ليؤكد حضور العراقيين في الساحة بقوله في الجمعة الثانية عشرة/ الخطبة الثانية: «اسأل الله أن يوفق أبناء شعبنا بالدرجة الأولى ليكون لهم حضور وتواجد في الساحة السياسية بحيث يعبرون بشكل أو بآخر عن رأيهم»[13].

رابعاً: النظر من جانب إداري للنظام المستقبلي في العراق

لقد كانت لشهيد المحراب (قدس سره) – باعتباره قائداً – نظرة للنظام المستقبلي في العراق، وكيف ينظرون من جانب إداري وسياسي حيث قال في الجمعة الثانية/ الخطبة الثانية: «لابد أن يعرف العراقيون جميعاً التصور المطلوب للنظام المستقبلي وان يعرف العراقيون الآلية التي يمكن أن توصل إلى النظام المستقبلي الصحيح»[14].

ثم يعود (قدس سره) ليشير تحت هذا العنوان إلى ضرورة تشكيل دولة عراقية يشكلها العراقيون، وتشكيل مجلس عراقي يقوم بتدوين الدستور العراقي ويحافظ على الأسس والأركان المطلوبة في النظام الذي يطالب به أبناء الشعب العراقي فيقول في الجمعة الثالثة/ الخطبة الثانية: «حيث إن القوى السياسية العراقية وجماهير العراقيين، والقوى الشعبية، وحتى القوى الدينية والمراجع العظام، كلها تطالب أن تكون دولة يشكلها العراقيون. ومجلس ينتخبه العراقيون، وفي مقابل ذلك تطرح قوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية والمتحالفة معها أمرا أخر هو أن تقوم سلطات الاحتلال بتعيين مجلس سياسي يقوم بتشكيل الإدارة وإدارة شؤون البلاد»[15].

خامساً: قيادة الإسلام للبلاد

لقد كانت طروحاته (قدس سره) دائما هي التأكيد على قيادة الإسلام للبلاد كونه يشكل عامل توحيد لأبناء الشعب وقد أشار إلى ذلك في الجمعة الثانية/ الخطبة الثانية بقوله:

«كما توجد في العراق مذاهب مختلفة، فيه شيعة وسنة، بالإضافة إلى طبقات اجتماعية مختلفة في مستواها وأوضاعها، والجامع الذي يجمع هؤلاء العراقيون حتى المسيحيين منهم هو الإسلام»[16].

سادساً: إدارة الشعب للانتخابات ودور الشخصيات والقوى السياسية

لقد كان الاتجاه السائد آنذاك هو اقتراح الولايات المتحدة بأن تقوم قوات التحالف بتشكيل مجلس تختار هي عناصره، ومهمته تدوين الدستور وطرحه للناس. ولكن السيد شهيد المحراب (قدس سره) وقف بشدة بوجه هذا المقترح اعتقادا منه بعدم صحته، وهو خط المرجعية الرشيدة التي كانت تقول وتصرح بأنه طريق غير سليم وغير صحيح.

وكان موقفه هذا نابعا من موقع الشرع والقانون الدولي ومن موقع العزة والكرامة الإسلامية والوطنية. والى ذلك قال في الجمعة الثانية/ الخطبة الثانية: «فمن الناحية الشرعية يقول الشرع: يجب الرجوع إلى العراقيين في تشخيص المجلس وانتخابه من ذوي الخبرة الذين يمكن أن يضعوا القانون، وكذلك في القانون الدولي ينص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483 الذي تتمسك به قوى التحالف على أن الشعب العراقي هو الذي يقوم بتشكيل إدارة تقوم بعملية الانتخابات، التي يقوم بها الشعب العراقي لينتخب من يدون هذا الدستور ومن ثّم طرحه على الشعب. وكذلك منطق العزة والكرامة يفرض الرجوع إلى العراقيين في ذلك. لماذا يكتب الآخرون دستورنا ويفرضونه علينا»[17].

ثم يعود (قدس سره) ليتحدث عن الانتخابات في خطبة أخرى مشيرا إلى وجود منهجين إسلاميين وكلاهما صحيحٌ وعرفه التأريخ الإسلامي حيث ورد في الجمعة الرابعة/ الخطبة الثانية: «يمكن الاعتماد على القوى السياسية المتصدية في ساحتنا العراقية والوجهاء والشخصيات المعروفة في الأوساط الاجتماعية سواء من رؤساء عشائر أم شخصيات علمية ودينية أم شخصيات مؤسساتية سواء كانت جامعية أم غيرها. وهذا أمر عملي باشرناه وقمنا بإدارته، وتمكنا من تحقيقه بالرغم من كل الجهود التي بذلت لعرقلته»[18].

ثم يأتي (قدس سره) ليؤكد على دور القوى السياسية في هذا الصدد فيقول في الجمعة السابعة /الخطبة الثانية: «إن القوى السياسية عليها أخذ زمام المبادرة، وأن تبادر بأسرع وقت لملء هذا الفراغ السياسي والإداري. إلى متى يبقى العراق بهذا الشكل؟ فهناك فوضى في كل المستويات، وثروة العراقيين تبدد وتدخل في مجاهيل الأعمال والمشاريع دون أن يحصلوا على مكاسب، بدعوى انه ليس هناك من يمثل العراقيين، ولا توجد إدارة تمثل إرادتهم»[19].

سابعاً: دور المرأة في بناء الأسرة

لقد كان شهيد المحراب (قدس سره) من المهتمين بشؤون المرأة، ومن المركزين على دورها في بناء الأسرة، وبالتالي المساهمة في بناء المجتمع والمشاركة في إدارة وبناء عموم البلد، وكان يؤكد على دراسة شخصية الزهراء (عليها السلام) ووجوب أن تقتدي بها المرأة وأن تأخذ دروسا وعبرا من سيرتها فنراه يقول في لجمعة الثامنة/ لخطبة الأولى: «ولذا نحتاج أن نركز على أبرز خصائص شخصية الزهراء الأسرية، ودور المرأة في بناء الأسرة، وأهمية وجودها في المجتمع الإسلامي، حيث إن الأسرة وعلاقات أفرادها فيما بينهم، سواء كانت علاقة الزوج بالزوجة، أم الزوجة بالزوج، أم الوالدين بالأبناء، لها دور فاعل ومهم عندما تتوسع وتتحول إلى عشيرة كبيرة في بناء مجتمعنا الإسلامي»[20].

ثم يخاطب أبناء الشعب والمؤمنين منهم بالذات في جانب آخر من نفس لخطبة بقوله: «أيها الأعزاء، يا أبناء شعبنا المؤمن – وأخاطب المؤمنين بصورة خاصة – عليكم بالاهتمام بدور النساء في المجتمع الإنساني، وإلا فسوف تفقدون نساءكم شئتم أم أبيتم. نحن لابد أن نعطي للمرأة دورا مهما في المجتمع في ظل الضوابط الإسلامية والدينية والشرعية وليس خارجا عنها. فلابد أن نفكر ونخطط في كيفية أخذ المرأة لدورها، ليمكن أن نقيم المجتمع الإسلامي الحق والصحيح الذي ترتفع فيه راية الإسلام والحق ويحكم فيه الشرع»[21].

ثم نجده (قدس سره) يؤكد مرة أخرى على الاهتمام بالمرأة باعتبار أن هذا الاهتمام يشكل جزءا كبيرا من عمل الإدارة؛ لأن المرأة تشكل نصف المجتمع وكانت مغيبة في زمن النظام البائد…. كما نجده ذهب إلى أبعد من ذلك بإعلانه إن يوم ولادة الزهراء (عليها السلام) هو يوم المرأة العراقية حيث قال في الجمعة الثانية عشرة/ الخطبة الأولى: «في هذا اليوم، وبمناسبة قرب مولد الزهراء (عليها السلام) التي أصبحت مثالا وقدوة وعنوانا للمرأة، أعلنا أن يوم ولادتها هو يوم المرأة العراقية، ويوم تكريم هذه المرأة وطلبنا من الجهات المسؤولة في هذا البلد أن تعلن ذلك، وقد تم إقرار ذلك في مجلس الحكم الانتقالي، حيث تم الإعلان أن يوم ولادة الزهراء (عليها السلام) هو يوم المرأة العراقية»[22].

ثامناً: الدعوة لتشكيل جماعات قيادية

لقد كان شهيد المحراب (قدس سره) يستخدم المنطق القرآني بالإشارة إلى قضية الحركة الاجتماعية مصداقا للآية القرآنية (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)[23] وهنا كان يؤكد على أن مثل هذه الواجبات في إصلاح وإدارة المجتمع لا يمكن أن يقوم بها المواطن بمفرده وإنما يأتي من خلال الجماعات، ولذلك قال في الجمعة الخامسة/ الخطبة الأولى: «هذا الموضوع يعتبر من أهم الموضوعات التي لابد من الانتباه إليه، لاسيما في مجتمعاتنا المعاصرة التي تحتاج إلى حركة جماعية حتى تصبح الجماعة عندئذ قادرة على أداء واجبها وتكليفها. ولذلك دعونا وندعو المؤمنين جميعا في مختلف مناطقهم، أن يشكلوا لجانا وجماعات تقوم بالمهمات العامة، سواء كانت هذه المهمات واجبة كإقامة الشعائر الدينية والواجبات الشرعية، أم كانت مهمات مقاومة المنكرات التي يواجهها مجتمعنا»[24].

ويعود (قدس سره) في جانب آخر من نفس الخطبة ليؤكد على دور الجماعة في قيادة المجتمع وإصلاح أوضاعه حيث يقول: «ضرورة إيجاد المؤسسات والتجمعات والكتل الصالحة القادرة على ملاحقة هذا النوع من المنكرات الجماعية، فالفرد الواحد عاجز عن النهي لضعفه أمام المؤسسة الكبيرة المتمثلة بأجهزة الدولة، أو أجهزة ذات طابع غير رسمي، ولكنها تمارس مثل هذا الفساد الاجتماعي أو المنكرات الاجتماعية»[25].

تاسعاً: الدعوة لملء الفراغ السياسي والإداري ومواصفات الوزراء

 من المعروف أن مجلس الحكم الانتقالي الذي تم تشكيله كان قد تأخر في تشكيل الوزارة التي تدير شؤون العراق والعراقيين، ولذلك نرى أن شهيد المحراب (قدس سره) قد أكد على وجوب إسراع المجلس في ذلك لملء الفراغ السياسي والإداري، أما عن الوزراء فقال في الجمعة الحادية عشر/ الخطبة الثانية: «لابد أن يكونوا على درجة عالية من الكفاءة حتى يمكنهم تحمل المسؤوليات الصعبة التي يواجهونها في عراقنا الجريح، وضع العراق ليس عاديا وإنما في غاية الصعوبة، ومحنته عميقة وواسعة، فيحتاج إلى إدارة قوية والى كفاءة عالية، والى جدية في العمل، حتى يمكن معالجة الظروف التي نعيشها. فلابد أن يتم اختيار الوزراء لا على أساس الانتماءات السياسية، وإنما على أساس الكفاءة والقدرة على ممارسة هذا الدور. لا مانع من أن يكون منتميا إلى هذه القوى السياسية أو تلك، لكن لا أن يكون الأساس هو الانتماء، بل يكون الأساس هو أن يكون عند هذا الإنسان الكفاءة والقدرة على القيام بمهماته»[26].

ثم يعود (قدس سره) في جانب آخر من نفس الخطبة ليؤكد على الوزراء بان يكونوا حريصين على مصلحة عموم الشعب بقوله: «لابد للوزراء أن يضعوا نصب أعينهم المصلحة العامة للشعب العراقي، لا مصلحة الفئة أو الجماعة أو الحزب أو الطائفة أو القوم»[27]

ثم يؤكد مرة أخرى في نفس الخطبة على نزاهتهم بقوله: «وأن يتصف الوزراء بالصلاح والإخلاص والنزاهة في عملهم حتى ينجحوا فيه»[28].

وهذه كلها مواصفات القائد الإداري الناجح. وكذلك نراه (قدس سره) كثيرا ما يؤكد على أهمية إدارة الأوضاع السياسية ونوع الوزارة بقوله في الجمعة الثانية عشرة/ الخطبة الثانية: «فلابد من إدارة الأوضاع السياسية من قبل المجلس الحاكم ومن قبل الوزارة المستقبلية – التي طال أمدها ونسأل الله أن يفرج عن العراقيين بتشكيل وزارة صالحة – ولابد لهؤلاء أن يكون عملهم الأساس قائما على إرادة الشعب العراقي وحريته»[29] ثم نراه (قدس سره) يشدد كثيرا على أهمية تلك الوزارة فيقول في الجمعة الدامية/ الخطبة الثانية «هذه الوزارة: «لا ينبغي أن تكون مجرد غنيمة أو إرث وحصص توزع على هذا الجانب أو ذاك، يجب أن تقوم هذه الوزارة على ثلاثة أسس رئيسية وأساسية، دعونا إليها وندعو إليها وأنا اطلب من جميع أبناء الشعب العراقي أن يكونوا على وعي ومتابعة ومراقبة لهذه الخصوصية:

الأساس الأول: أن يكون الوزراء أكفاء قادرين على القيام بمسؤولياتهم الوزارية.

الأساس الثاني: أن يكون هؤلاء الوزراء من المخلصين للعراق والشعب العراقي ومصالح العراق، بل جادين في إخلاصهم لحل مشاكل العراق.

 وهذه مسألة مهمة جدا، نحن نريد بناء عراق جديد وفتح صفحة جديدة تغييرية في أوضاع العراق، فلابد للوزير من إخلاصه لمصالح العراق لا لمصالحه أو مصالح فئة أو مصالح الدول الأجنبية الخارجية.

الأساس الثالث: أن تكون الوزارة معبرة عن أبناء الشعب العراقي بأطيافهم المختلفة بمذاهبهم وقومياتهم وانتساباتهم الدينية والعرقية كي تكون المشاركة مشاركة حقيقية لأبناء الشعب العراقي»[30].

عاشراً: أهمية الحاكم والقائد

 إن الحاكم والقائد يجب أن يكون لكل منهما دور مهم في تمشية أمور البلاد، وكلما كانا صالحين كلما صلحت الأمة، ويجب عليهما الابتعاد عن جميع أنواع الفساد، ولذلك يقول شهيد المحراب (قدس سره) في الجمعة العاشرة/ الخطبة الثانية: «إذن، لابد أن نفهم أن قضية الحكم في أي مجتمع من المجتمعات هي القضية الأساسية المركزية التي ترتبط بها مصائر الناس، فان كان الحكم صالحا فالناس في صلاح، وان كان فاسدا فالناس في فساد، ولذلك أقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحكم في أول يوم دخل المدينة المنورة، وبقي يؤكد عليه، ونصّب عليا (عليه السلام) للولاية من أجل استمرار هذا الحكم في المنهج الصحيح، وعندما إختلت أمور المسلمين، وقف سلمان الفارسي بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «والله لو وليتموها عليا لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم»[31] في إشارة إلى صلاح الحاكم»[32].

احد عشر: دعوة قوات التحالف لمساعدة العراقيين على تشكيل الإدارة

كان شهيد المحراب (قدس سره) يؤكد دائما على أن العراقيين هم أولى بأنفسهم في إدارة بلادهم من غيرهم، ولذلك كان يدعو إلى السرعة في إنهاء الاحتلال والى أن تقوم قوات التحالف بالمساعدة باتجاه إدارة البلد حيث يقول في الجمعة الخامسة/ الخطبة الثانية: «فالعراقيون هم الذين يشكلون الإدارة العراقية المؤقتة، وعلى قوات التحالف أن تساعدهم على ذلك، وهذا ما ينص عليه قرار مجلس الأمن»[33].

اثني عشر: مجلس الحكم هو الإدارة الأولى للبلاد

لقد كان شهيد المحراب (قدس سره) يؤكد على أهمية تشكيل مجلس الحكم ليكون النواة لتشكيلة إدارية تتولى إدارة البلاد، وكان يؤكد على المجلس أن يعرف أن قراره هو قرار الشعب والأمة، وعليه أن يقرر ويسعى لتنفيذ قراراته بكل صورة وبكل ما لديه من إمكانيات، وبهذا الصدد قال في الجمعة الثامنة/ الخطبة الثانية: «إن مجلس الأمن نص على أن هذا التشكيل، وهذه الإدارة، تمثل الخطوة الأولى لإنهاء الاحتلال في العراق، ومن ثم لابد للمجلس أن يسعى من الآن لوضع برنامج لإنهاء الاحتلال، يقوم على أساس توقيت زمني على مراحل مشخصة ومعينة حتى يمكن إنهاء الاحتلال في العراق»[34].

ثلاثة عشر: المرجعية وإدارة العتبات المقدسة ودور مدينة النجف في الإدارة

لقد كانت إدارة العتبات المقدسة حاضرة في ذهن وتفكير شهيد المحراب (قدس سره) والى ذلك أشاد بمبادرة المرجعية الدينية لتشكيل لجنة تهتم بهذا الأمر فقال في الجمعة السادسة/ الخطبة الثانية: «من أهم المبادرات التي قامت بها المرجعية الدينية، وذلك بتشكيل لجنة ترعى العتبة المقدسة في النجف الأشرف، وكذلك لجان ترعى العتبات المقدسة في المناطق الأخرى، ويفترض أن نعرف أن العتبات المقدسة هي شأن مقدس، ولابد أن يكون للمرجعية الدينية دور في رعايتها. فالعتبات المقدسة لا يمكن إدارتها بطريقة فوضوية أو عشوائية، أو لا يكون للمرجعية الدينية أو ذوي الرأي والدين والحكمة والعقل دور في إدارة هذه العتبات المقدسة»[35].

 ثم ذهب (قدس سره) أبعد من ذلك ليؤكد على عمل هذه اللجان، وكيف تخطط لذلك، وما هو السقف الزمني لذلك، حيث قال في جانب آخر من نفس الخطبة: «ضرورة وجود برنامج وتخطيط للعمل تنفذه على شكل مراحل، من أجل إدارة هذه العتبات المقدسة، ولذلك تم تحديد مدة ستة أشهر لهذه اللجنة كي تضع برنامجا محددا الى إدارة العتبة المقدسة، وتكون تحت التجربة»[36].

 أما عن دور مدينة النجف وأهميته في القيادة فقال سماحته في الجمعة الرابعة/ الخطبة الثانية: «هذه المدينة المقدسة التي هي ليست ملكا لسكانها حتى يتصرفوا كما يشاءون. هذه المدينة لجميع محبي أهل البيت (عليهم السلام) ولجميع محبي علي (عليه السلام) هذه المدينة هي ملك لجميع محبي العلم والمعرفة والحوزات العلمية، وهذه الأرواح في مقبرة وادي السلام، وقد نشأت وتوسعت ببركة الإمام علي (عليه السلام) ومحبي العلم والأرواح الطاهرة التي سكنتها»[37].

أربعة عشر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أداة من أدوات الإدارة

لقد كان شهيد المحراب (قدس سره) يؤكد في أكثر من خطبة على أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووجوب ممارسة ذلك من قبل الجميع في كل مجالات الحياة.. وقد جعله أداة من أدوات الإدارة حيث قال في الجمعة الثانية/ الخطبة الأولى: «أيها الأخوة، تجدون الآن حالة من الانفلات في هذا المجتمع سواء على المستوى الأمني أم المستوى الشخصي، وهذا ما انعكس على إدارة الشوارع والساحات والقضايا ذات العلاقة بالنظافة وبسلامة هذا المجتمع، فقد أصبحت إدارة هذا الأمر ذات طابع منفلت بدون أمر بالمعروف ونهي عن المنكر»[38].

خمسة عشر: دعوة لمشاركة الجميع في الحكم والإدارة

 إن مشاركة أبناء الشعب في إدارته أمر ضروري جدا، وقد كان شهيد المحراب (قدس سره) يؤكد على الأمة ودورها في هذا المجال، وكان يقسمها إلى ثلاثة أجزاء، وهم: قادة الأمة أو المراجع، ثم النخبة، وهم الذين يعبر عنهم القرآن الكريم بـ(الصفوة) وأحيانا يعبر عنهم في حالات بعض الأنبياء بـ(الحواريين) أو بـ(الأصحاب)، وأخيرا عامة الناس، وهم طاقة كبيرة مهمة لابد من تنظيمها وتوعيتها بكل ظروفها… وهنا يؤكد سماحته (قدس سره) على مشاركة الجميع فيقول في الجمعة العاشرة/ الخطبة الثانية: «لا أريد أن أقول: انه واجب شرعي، وإنما أقول: هو أمر لازم؛ لفهمي لهذه الحركة، فلابد أن ندخل، ولا بد للنخبة أن تدخل، وجماهيرنا وعشائرنا وكل من لديه نفوذ وقدرة ان يدخل، كي يكون هذا البلد آمنا»[39].

ستة عشر: منهج أهل البيت (عليهم السلام) هو منهج الحكمة والقيادة والإدارة

 إن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وآل بيته الأطهار (عليهم السلام) كانوا ولا يزالون قدوة للجميع في منهجهم بتصريف أمور الحياة، حيث أسسوا لنا أساسا قويا بهذا الاتجاه فهم أهل العقل، وأهل الحكمة، وهم القادة، وكانت لديهم المقدرة في إدارة شؤون الدولة الإسلامية، والى ذلك كان سماحته (قدس سره) يشير في الجمعة العاشرة /الخطبة الأولى: «أما منهج أهل البيت وشيعتهم فهو منهج العقل والمنطق والبرهان والحجة وتوضيح الحقيقة، ولكنهم – في الوقت نفسه – عندما يعتدى عليهم يواجهون حالة العدوان (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)[40] هؤلاء يملكون الشجاعة والقوة والإرادة القوية التي تجعلهم قادرين على مواجهة العدوان»[41]

وكذلك أوضح سماحته (قدس سره) بأن الزهراء (عليها السلام) تتمتع بروح القيادة والإدارة ومواجهة المواقف والأزمات، حيث يقول في مكان آخر من نفس الخطبة: «وهكذا علمتنا (عليها السلام) عندما تعرضت الى العنف الوحشي، وهي مصابة بابيها، ذلك المصاب الذي لا نظير له في تاريخ الإنسانية كلها، لكنها مع ذلك واجهت هذا الاعتداء بشجاعة وصلابة، وخرجت تهتف بالمسلمين وراء زوجها من أجل إنقاذه، وبقيت في الساحة والمعركة تدور على بيوت المهاجرين والأنصار تعظهم وتحذرهم وتبين لهم الحقائق، لان واجبها الشرعي هو بيان الحقيقة»[42].

سبعة عشر: مشاكل الفساد الإداري ودور الرقابة الجماهيرية

 تعتبر مشكلة الفساد الإداري من الأمراض التي تعاني منها الحكومات والشعوب على حد سواء، حيث يصعب في أغلب الأحيان السيطرة على مثل هذه المشاكل، ولكن وللأسف الشديد فان هذه المشكلة استشرت في مجتمعنا كثيرا، وقد أشار إليها آية الله المجاهد السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) في وقت مبكر، وأكد على استحداث وتشكيل مؤسسات لمواجهتها، حيث قال في الجمعة الخامسة/ الخطبة الأولى: «ونلاحظ أن من جملة المظاهر المنكرة التي عرفتها مجتمعاتنا هي المنكرات في الأجهزة الإدارية المرتبطة بتشكيلات الدولة بصورة عامة.

 وهذه من المنكرات التي لا يمكن مواجهتها دون وجود مؤسسات يمكنها أن تلاحق وتحاسب وتنهى عن مثل هذه المنكرات، فعندما تكون المنكرات في المجتمع على شكل أجهزة إدارية ذات قدرة وقوة، تحتاج مقاومتها الى قوة اجتماعية قادرة على هذه المواجهة، من قبيل مؤسسات الصحافة أو المؤسسات التي يعبر عنها – أحيانا – بمؤسسات المجتمع المدني.

 فالصحافة التي تعتبر مؤسسة ذات بعد مؤثر في نقد الفساد والكشف عنه وملاحقة معالمه في الأجهزة الإدارية، يمكنها ملاحقة عمليات الفساد والانحراف»[43].

من جهة أخرى كان سماحته (قدس سره) يؤكد على دور الرقابة الجماهيرية في مراقبة أداء الحكومة والمجلس الانتقالي آنذاك، حيث قال في الجمعة الحادية عشر/ الخطبة الثانية: «وأنا أدعو جميع القوى السياسية وأبناء الشعب العراقي، والعلماء والخطباء والشعراء والصحفيين والعشائر، وجميع القوى الموجودة في ساحتنا العراقية إلى ممارسة رقابة حقيقية على الأعمال التي يقوم بها المجلس الانتقالي، فالشعب العراقي لابد أن يكون له دور حقيقي يعبر عن الموقف والرأي تجاه الأعمال والتصرفات التي تصدر من المجلس الانتقالي»[44].

الخاتمة

لا حظنا من خلال قراءة الخطب الأربع عشرة أننا لا يمكن في مثل هذا البحث المتواضع أن نغطي ما ذهب إليه شهيد المحراب (قدس سره) هذا القائد، والمعلم، والفقيه، والعالم المتفقه لعلمه ودينه، وهو القائد السياسي المحنك الذي يعرف كيف يدير السياسة ودهاليزها، ولكن مع ذلك تمكنا وبحمد من الله بتغطية اغلب المواقع التي أشار فيها سماحته (قدس سره) إلى مواضيع القيادة والإدارة ودور الشعب العراقي فيها.

 سائلين الله العلي القدير أن نكون قد ساهمنا ولو بشكل بسيط في إحياء تراث هذا المجاهد الكبير خدمة منا لرجالاتنا العظام الذين خلفوا لنا تراثا فكريا وعقائديا وفقهيا كبيرا، يجب علينا أن نعتز به ونستنبط منه الدروس والعبر والحكمة وأن يكون نبراسا لنا في كل صفحات حياتنا ونعتذر عن أي تقصير أو إخفاق…

والحمد لله رب العالمين


[1] الأربع عشرة مناهج ورؤى: ص140.

[2] المصدر السابق: ص 48  – 49.

[3] المصدر السابق: ص 146.

[4] المصدر السابق: ص 58.

[5] الأربع عشرة مناهج ورؤى: ص 59.

[6] المصدر السابق: ص74.

[7] القرار: 1483.

[8] المصدر السابق: ص 60.

[9] الأربع عشرة مناهج ورؤى: ص 61.

[10] لعدم إمكانية أجراء الانتخابات.

[11] المصدر السابق: ص 110.

[12] المصدر السابق: ص 126.

[13] الأربع عشرة مناهج ورؤى: ص 326.

[14] المصدر السابق: ص83.

[15] المصدر السابق: ص107.

[16] الأربع عشرة مناهج ورؤى: ص84.

[17] المصدر السابق: ص88.

[18] الأربع عشرة مناهج ورؤى: ص 128.

[19] المصدر السابق: ص203.

[20] المصدر السابق: ص 217.

[21] الأربع عشرة مناهج ورؤى: ص218.

[22] المصدر السابق: ص309  – 310.

[23] آل عمران: 104.

[24] الأربع عشرة مناهج ورؤى: ص137.

[25] المصدر السابق: ص139.

[26] الأربع عشرة مناهج ورؤى: ص302 – 303.

[27] المصدر السابق: ص303.

[28] المصدر السابق: ص303.

[29] المصدر السابق: ص322  – 323.

[30] الأربع عشرة مناهج ورؤى: ص 373.

[31] بحار الأنوار: 22، باب11، ج28.

[32] المصدر السابق: ص279.

[33] بحار الأنوار: 22، باب11، ص154.

[34] المصدر السابق: ص228.

[35] بحار الأنوار: 22، باب11، ص179.

[36] المصدر السابق: ص154.

[37] المصدر السابق: ص131.

[38] بحار الأنوار: 22، باب11، ص76.

[39] المصدر السابق: ص285.

[40] البقرة: 194.

[41] بحار الأنوار: 22، باب11، ص270.

[42] المصدر السابق: ص 270.

[43] بحار الأنوار: 22، باب11، ص138.

[44] المصدر السابق: ص303 – 304.

اكتب تعليق

كافة الحقوق محفوظة لمؤسسة تراث الشهيد الحكيم، ولا يجوز الاستفادة من المحتويات دون إذن خطي.

الصعود لأعلى