المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه الميامين سبل السلام…

 وبعد، فقد نضج في خاطري منذ زمن أن أكتب شيئاً عن سماحة آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره).

 احمد الله على نعمته التي منَّ الله بها عليَّ، وجعلني أبحر في هذا المضمار عندما كتبت أطروحتي المقدمة لنيل شهادة الدكتوراه، وكانت حول (الدور السياسي للسيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) في العراق؛ دراسة تأريخية).

 واليوم قررت أن أكتب ثانية عن موضوع الخطاب السياسي الذي تبناه الشهيد السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) وهو المحور الخامس في مباحث المؤتمر الفكري والعلمي الثالث لتراث الشهيد الحكيم.

من الصعب على أي بحث علمي أن يستوفي هذا الموضوع بالكامل، لأن في كل خطبة من خطب السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) دروساً وعبراً لنا ولجميع إخواننا المسلمين في العراق.

لقد عاش السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) منذ بداية الستينات من القرن الماضي حياة جهادية مبنيَّة على التقوى والورع والثبات والصبر على الجهاد، وهذا ليس بغريب عليه؛ لأنه ينحدر من عائلة الجود والعلم والجهاد في النجف الأشرف.

استطاع السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) أن يقف بوجه أعتى طاغوت عرفه التأريخ مما جعله يتعرض إلى عدة اعتقالات منذ عام 1974 و1977 وما تبعها مما جعله يختار طريقاً صعباً للمقاومة والهجرة إلى خارج العراق منذ عام 1980.

تعد حياة السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) الجهادية خارج العراق من أهم وأصعب المراحل التي مرَّ بها، إذ عانى الغربة والفراق عن الأهل والأحبة، وبعد سقوط النظام عاد إلى العراق وكله أمل في بناء عراق ديمقراطي تعددي فيدرالي.

كانت جميع خطابات السيد الحكيم (قدس سره) السياسية منذ الخطبة الأولى وإلى الخطبة الرابعة عشرة تؤكد على وحدة العراق بجميع طوائفه وانه الوحيد من العلماء الأبرار الذي نادى وحمل مشروعاً وطنياً لجميع أطياف الشعب العراقي مبني على الأخوّة وعدم التفرقة بين أبناء الشعب.

اشتمل البحث على فصلين، والفصل الأول منها فيه مبحثان، تناولت في المبحث الأول الخطاب السياسي للسيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) إلى عام 1980، وما له من دور فاعل في قيادة العمل الجهادي ممثلاً لوالده السيد محسن الحكيم (قدس سره) في كثير من المناسبات الدينية وما تعرض له من مضايقات من النظام السابق، أما المبحث الثاني فتناول الخطاب السياسي للسيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) حتى عام 2003، وقيادة المقاومة منذ هجرته إلى خارج العراق إلى سقوط النظام ودوره في قيادة العمليات الجهادية فضلاً عن قيادته الانتفاضة الشعبانية المباركة والتنسيق بين جميع أطراف المعارضة العراقية.

أما الفصل الثاني فتناول في المبحث الأول الخطاب السياسي للسيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) بعد العودة إلى العراق منذ دخوله البصرة وخطبته فيها وحتى آخر خطبة له في مدينة النجف الأشرف، وللباحث الشرف في حضور قسم من خطاباته وبخاصة في مدينة كربلاء في الرابع والعشرين من مايس 2003، والثانية في مدينة الكوفة في الثامن من تموز 2003، أما المبحث الثاني فتناول النظرة السياسية للسيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) في الخطب الأربع عشرة قبل استشهاده لخص فيها جميع المراحل التي مرَّ بها العراق، وما هو واجب الأمريكان تجاه الشعب المظلوم وما هي الطريقة التي تمكنه من العيش بسلام وأمان، مما دفع العملاء والمأجورين من أزلام النظام السابق ومن وقف معهم بتدبير هذه الجريمة النكراء التي تعد فاجعة لكل بيت عراقي شريف.

وفي النهاية نقول لكل من قام بهذا الفعل الجبان: «إن قتلتم الحكيم فالعراق فيه عشرات من عائلة العلم والدين والسياسة من عائلة الحكيم»، وسنبقى دائماً نردد المقولة الشهيرة «‏هيهات منا الذلة‏» ونحن سائرون في خطى السيد الحكيم (إن شاء الله).

ختاماً نقول: أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه الغر الميامين، ورحم الله أبا صادق يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً، ولشهداء العراق الرحمة والغفران ورحمة الله وبركاته.

 الفصل الأول

المبحث الأول

الخطاب السياسي للسيد محمد باقر الحكيم في العراق إلى عام 1980م

تفسر السياسة بأنها: (تنظيم أمور دنيا الناس على أحسن وأرقى وجه)، وهي من صميم الإسلام، ومن أسس الدين، إذ يجب على كل فرد من المسلمين السعي إلى تطبيقها على العالم كله، والجهاد بمختلف الوسائل والسبل الشرعية من أجل تثبيتها تحقيقاً لقوله تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ)^[1]، وأن التصدي للعمل السياسي في نظر السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) تغيير المجتمع إلى مجتمع الهدى والحق والإصلاح بين الناس والدعوة إلى الله وإبلاغ رسالته، إذ إن كل هذه هي أهداف (العمل السياسي) الذي تحدث عنها القرآن، إذ لا يوجد مصطلح بعنوان (العمل السياسي) في القرآن، ولكن أصبح الآن من المقررات المهمة في أدبياتنا الخاصة، وأما في القرآن فقد جاء التعبير عنها بـ(إبلاغ الرسالة)، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه التعبيرات موجودة في القرآن، ويعني هذا النوع من العمل تسميته بالسياسي^[2].

إنَّ عالمنا اليوم مليء بالأحداث والفتن والاضطرابات، وجميعها تحتاج إلى من يدل ويرشد ويعلم الناس، ونحن كمسلمين نحتاج إلى من يرشد الناس من الظلمات إلى النور وأن هذا العمل يحتاج إلى جرأة وإلى تطلع وإلى قيادة حكيمة لها باع طويل وخبرة سياسية في الميدان، وهذا ما اتصف به السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)^[3].

وكان السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) قد حصل على فتوى من السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) بوجوب العمل العسكري ضد النظام الظالم^[4]، إذ قال في خطاباته الثلاثة الأخيرة التي وجهها السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) إلى الشعب العراقي قبل استشهاده: (وأنا أعلم باغتيالي وأني صممت على الشهادة ولعل هذا آخر ما تسمعونه مني وأن أبواب الجنة قد فتحت لتستقبل قوافل الشهداء حتى يكتب الله لكم النصر)، وهذا يعني أن السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) قد اتخذ من هذا الخطاب لإبلاغ المجاهدين بوجوب محاربة الطغاة وبخاصة وأنه يتحمل دوراً كبيراً في تثقيف العراقيين للوقوف صفاً واحداً ضد النظام^[5].

يعد السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) من أفضل رجالات القرن العشرين في الخطابة، لأنه رجل الدين الوحيد الذي جمع بين الدين والسياسة^[6] إذ كان يمثل والده منذ ستينات القرن الماضي وبالتحديد في عام 1964 عندما مثل والده السيد محسن الحكيم (قدس سره) في احتفال ديني بمناسبة مولد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في كربلاء، وبحضور متصرف كربلاء سيد سلطان أمين وكانت له خطبة خاصة تحدث فيها عن الظلم والطبيعة المعادية للإسلام، وعن طبيعة قانون التأميم الذي تنوي الحكومة إصداره إذ أفحم الجمهور بالحماس قائلاً: (إن الشيعة الذين يشكلون الجزء الأكبر من النفوس لا زالوا يعاملون بسياسة التمييز ويضطهدون من الطبقة الحاكمة) ولخص خطابه بمظلومية ألوية الوسط والجنوب في تلك الفترة وما تعاقبه من إهمال ونقص في الخدمات واضطهاد الطبقة الحاكمة، إذ أغاضت هذه الخطبة المتصرف وبعض المسؤولين في الاحتفال وعلى إثر ذلك غادر المكان وسط تساؤلات كثيرة أهمها ما ستؤول إليه النتيجة فيما بعد وما هو موقف الحكومة من السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)^[7].

إن هذه الخطبة كانت بداية المواجهة الساخنة بين النظام الحاكم والمرجعية الأمر الذي أدى إلى إقدام النظام على عمليات تسفير واسعة لعلماء وأساتذة وطلاب الحوزة العلمية، وهذا دفع إلى احتجاج المرجعية فقد تداركت الحكومة الموقف بإرسال وفد للتفاوض حول هذا الموضوع، إذ قدم السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) إلى الوفد المفاوض الأدلة الثبوتية على وجود قرار للنظام بمحاربة الإسلام وتطويق الحوزة ومتابعتها وكانت كلمة السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) في الحضور مؤثرة وذات وقع خاص على الوفد المرسل الذي يترأسه خير الله طلفاح محافظ بغداد وعضوية حامد علوان وزير الدولة متصرف كربلاء وعلى أثر ذلك تم إيقاف التسفيرات بصورة مؤقتة، مما ولد لدى الوفد المفاوض نظرة حادة لملاحظة السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) باعتباره العقل المدبر لجميع أمور المرجعية والذراع الأيمن للسيد محسن الحكيم (قدس سره)^[8].

يعد السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) الابن البار للمرجعية طيلة مدة جهاده داخل العراق إذ لم يتصرف يوما من دون علم المرجعية، وكان يعمل بجد على وفق ما تمليه ظروف البلد ومصلحة الوطن والمبادئ التي تربى عليها في النجف الأشرف وهي مبادئ أهل البيت (عليهم السلام)^[9].

يؤكد السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) في خطاباته على الدور الأبوي للزعيم والقائد تجاه الناس بقوله: «إننا نرى القيادة والزعامة هي عبارة عن احتضان ورعاية لكل القوى العاملة في الساحة ونحن نؤمن بالشعار القائل: (سيد القوم خادمهم) وننطلق من هذا المنطلق، فالشخص الذي يمكن أن يحتضن الشعب ويرعاه الرعاية الكاملة، وأية مجموعة لها القدرة الفاعلة فهي جماعة صالحة، ومن هنا نحن نعمل فكرة قيادة العلماء الأبرار لأنهم يمكنهم بما يتمتعون به من فكر ومن طهارة وورع أن يتساموا على عوامل التفرقة التي أوجدها الاستعمار في بلادنا^[10].

ويرى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) في جميع خطاباته أن وحدة المعارضة العراقية مطلب أساسي وهدف إستراتيجي من أجل إنقاذ الشعب العراقي وإسقاط النظام من خلال تقريب وجهات النظر بين القوى السياسية الفاعلة وتوحيد المعارضة وأن الشعب أقوى من النظام إذا وحد صفوفه، وأن النظام مهما كان قويا فهو أضعف من الأمم والشعوب عندما تتوحد كلمتهم وتتعاطف مشاعرهم حسبما يرى الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) «إن الشعوب أقوى من الطغاة مهما يتجبروا وقد تصبر لكنها لا تستسلم»^[11].

وكان السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) يدير مكتب والده بعدما اشتدت الأزمة بين البعثيين ووالده السيد محسن الحكيم (قدس سره) ويلتقي الوفود بعد عام 1969، ويلقي الكلمات التي تفضح ممارسات البعثيين، وكان قد رفض رفضاً حاسماً طلبات أحمد حسن البكر وصدام حسين من أجل اللقاء بالسيد محسن الحكيم (قدس سره)^[12]، وبعد وفاة والده المعظم، انتقل السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) للتحرك مع السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) من أجل بث روح الإسلام والضمير، وتعرض لاعتقالات متعددة من قبل النظام السابق 1972 و1974 و1977 تعرض فيها إلى التعذيب والسجن الانفرادي وفي زنزانته لم يكن يميز فيها الليل من النهار ثم أبلغ بصدور حكم بالسجن المؤبد واتهامه بالتجسس لصالح دولة الكويت»^[13].

وكان لسجنه ألم عميق لدى مراجع الطائفة وبعد سنة ونصف أطلق سراحه ومنع من مغادرة العراق، وبعد إعدام السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) جاءته النصيحة من بعض مراجع الطائفة والعلماء بضرورة مغادرة العراق وبالفعل استطاع الإفلات من النظام وخرج إلى سوريا ومكث فيها ثلاثة أشهر ثم انتقل بعدها إلى إيران ونزل في تبريز عند عبد الله السيد أسد المدني الذي اصطحبه للقاء الإمام الخميني في طهران^[14].

تعد هذه أهم الأحداث السياسية التي رافقت السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) في حياته النضالية داخل العراق إذ كانت مليئة بالمصاعب والآلام كلها بالغربة في إيران لربع قرن وتوجها بالشهادة في صحن الإمام علي بن أبي طالب (عليهما السلام) وسيكون محور الحديث في الصفحات اللاحقة.

الخطاب السياسي للسيد محمد باقر الحكيم في العراق إلى عام 2003م

بعد استقرار السيد محمد باقر الحكيم في إيران وظهوره في وسائل الإعلام المختلفة جاءته وفود من العراقيين المهجرين لبلورة العمل السياسي، إذ تم في عام 1982 تأسيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وانتخابه ناطقا رسميا له^[15]، وقد واصل نهجهُ في مقاومة النظام بعد وصوله لطهران في جميع خطاباته التي تبناها، وأكد أن المجلس محط آمال المستضعفين والمحرومين لإنقاذهم من النظام الحاكم^[16].

وفي عام 1986 تولى رئاسة المجلس وأسس أول جيش لمحاربة نظام صدام والذي سمي فيما بعد (فيلق بدر) وضم العشرات من المجاهدين العراقيين الذين نفذوا ضربات قوية ضد النظام من داخل بغداد^[17].

وكان للسيد محمد باقر الحكيم موقف من غزو النظام العراقي للكويت عام 1990، إذ عدَّ الكويت من الدول التي لديها منافع (سياسية – اقتصادية – استراتيجية) مع العراق ولا يمكن الاستغناء عنها، وقد شجب هذا العدوان وأكد في خطاباته ورسائله على الاعتراف بدولة الكويت كدولة مستقلة ذات سيادة واحترام وأن جميع قرارات مجلس الأمن بخصوص دولة الكويت تؤكد كون الكويت دولة مستقلة وجزء من منطقة الخليج^[18].

وللسيد محمد باقر الحكيم علاقات جيدة مع دولة الكويت إذ كان يسافر إليها في شهر رمضان من كل عام لإلقاء المحاضرات على أبناء الكويت المؤمنين، ويذكر حامد البياتي إنه من الذين رافقوه إلى الكويت إذ تحدث لشعب الكويت عن الظلم والاضطهاد على يد النظام، وكانت لزيارته دور في توضيح مواقف الشعب العراقي وقوى المعارضة العراقية الإيجابية من دولة الكويت^[19].

وبعد تحرير الكويت انفجرت الجماهير الغاضبة في كل مناطق العراق في الانتفاضة الشعبانية عام 1991 وللمرجعية الدينية دور في الجهاد وحث الناس على القتال ومقاومة الظالم، وقد تجلى ذلك في موقف الشهيد محمد باقر الصدر الذي ضحى بنفسه ورفع الشكوك في العمل الجهادي المدافع عن قيم الإسلام والعقيدة^[20].

وللسيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) محاضرة حول الانتفاضة الشعبانية عقب فيها على كلام نائب الرئيس العراقي (عزت إبراهيم) الذي وصف الانتفاضة الشعبانية قائلا: «إن صفحة الغدر والخيانة تريد أن تقتل السنة في العراق وإنها انتفاضة كردية شيعية، ولكن من أراد أن يؤذي صدام فعليه أن يمر بـ(18) مليون عراقي وسوف نحكم على كل داع للإسلام وفي أثر رجعي» إذ علق سماحته: «أنا قلت للأخوة في الكويت لا يعني إن جريمة صدام هي جريمة كل عراقي وأن القتال سوف يقع عليه لا محالة بعون الله ومن أبناء العراق الذين تحملوا الظلم في ظل نظام مجرم»^[21].

وقد نجح السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) من فضح جرائم النظام دوليا من خلال خطاباته الإقليمية والدولية، وهذا مكنه من مقابلة الأمين العام للأمم المتحدة واعتباره أول عمامة شيعية تستطيع إيصال صوت الحق والمظلومين دوليا وفضح جرائم الإبادة الجماعية من على منبر الأمم المتحدة^[22].

وفضح القوات الأمريكية التي قامت بضرب المقاومة لأنها تكره مساندة الانتفاضة بسبب تخوفهم من مجيء حكم شيعي وطني يؤدي إلى انتشار النفوذ الإسلامي في العراق^[23].

وبعد أن أقدم النظام على قمع الانتفاضة الشعبانية واستخدام أساليب القتل والرعب اتخذت المقاومة الشعبية التي فجرها الشعب العراقي بقيادة السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) مشروعا سياسيا عسكريا لإسقاط النظام وطرحه على المعارضة العراقية المجتمعة في سوريا ومواصلة الجهاد وتشكيل خلايا عمل منظم لديمومة النصر^[24].

وكان للسيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) خطاب بذكرى الانتفاضة الشعبانية عام 1992 قائلا: «على المستوى الوضع الدولي، كانت عمليات ثعلب الصحراء، واستمرار القصف لمراكز النظام، وتطبيق قرار النفط مقابل الغذاء لمحاصرة النظام، ومشاريع عودة المفتشين الدوليين إلى العراق، ومحاولات جمع المعارضة العراقية لتشكيل ورقة ضغط ضد النظام وإدانته إقليميا ودوليا، وطرح مشروع التغيير كلها مؤشرات إيجابية، وإني أنتهز هذه الفرصة لذكرى الانتفاضة المباركة لأوجه خطابي إلى جميع أبناء الشعب العراقي في داخل وخارج العراق للوقوف بحزم تجاه الظروف الحرجة التي يواجهها شعبنا في العراق»^[25].

وفي مجال حماية الشعب العراقي طالب السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) في خطابه الموجه إلى الأمم المتحدة بعد أحداث عام 1992 بحماية الحوزة في النجف الأشرف ومستنكرا قتل العلماء، وأكد أن العراق عضو في هيئة الأمم والمؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية، وأن هذه المؤسسات عليها مسؤولية كبيرة تجاه الشعب العراقي لحمايتهم من النظام الحاكم وأضاف: «إن الأمم المتحدة واقع قائم الآن في العراق وهو واقع معترف به في جميع أنحاء العالم وليس واقعا من طرف واحد ويعترف به الأعضاء الدائميون في مجلس الأمن وكل دول المنطقة هي أيضا ملتزمة بقرارات الأمم المتحدة وضرورة تنفيذها وأن الأمم المتحدة عليها مسؤولية تقديم الغذاء والدواء إلى الشعب العراقي ومنع النظام من التحكم بأمواله وتهربيها إلى خارج العراق»^[26].

وقد كانت للولايات المتحدة الأمريكية علاقات قوية مع كثير من الأحزاب السياسية المعارضة للنظام، وخاصة الأحزاب التي ترى أن التغيير لا يتم إلا بالاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، ولذلك ارتمت هذه الأحزاب في أحضان أمريكا وأصبحت جزءاً من المشروع الأمريكي في التغيير، أما الأحزاب التي ترفض التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية فإنها فضلت التعامل مع النظام بدل التعامل مع الولايات المتحدة.

وللسيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) موقف وسط بين الموقفين السابقين اذ كان يؤكد في جميع خطاباته على ضرورة الاتصال كجزء من التحرك السياسي الإعلامي على جميع العالم لعرض قضية الشعب العراقي، وإن هناك أهدافا مهمة من الاتصال باعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل مسؤولية كبيرة، وأصبح نفوذها قوي في المنطقة بعد غزو الكويت عام 1990، وأن الأوضاع السيئة المستمرة في العراق سببها إسنادها ودعمها للنظام لمدة طويلة خلال الحرب العراقية الإيرانية، إذ وفرت غطاء سياسيا وإعلاميا فضلا عن موقفها السلبي تجاه الانتفاضة الشعبانية عام 1991 وكذلك مسؤوليتها عن أمن المنطقة وتهديدها ينطبق قرارات الأمم المتحدة^[27].

لقد رسم السيد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الخطوط العريضة للتطورات التي يواجهها العراق والدول الإسلامية واصفا الحلول الإسلامية والإنسانية التي يلزم الاهتمام بها وتوحيد الصف من أجل تحقيقها رغم المؤثرات التي يخبئها المستعمرون للعرب والإسلام^[28].

وقد كانت للسيد محمد باقر الحكيم كلمة مؤتمر المعارضة العراقية المنعقد في لندن بتأريخ العاشر من شباط من عام 2002 شاكرا فيه الجهود المبذولة لتنظيم المؤتمر وتوحيد الصفوف ضد النظام واصفا هذا المؤتمر بأنه «يمثل وحدة إنجاز عظيمة للمعارضة يعبر عن إرادتها وقدرتها وموقفها وبرنامجها السياسي لرسم المستقبل بالرغم من التحديات والظروف الصعبة».

وأضاف قائلا: «إن الولايات المتحدة الأمريكية أمام تحد خطير في مدى مصداقيتها تجاه هذه القضية الهامة وتجاه الحرب والإرهاب وحماية الشعب العراقي ضد النظام».

وكانت له دعوات في هذا الخطاب إلى الإرادة القوية وموقف شجاع وروح عالية مستمدة همتها من الله ويحب أن تنظر إلى مصالح العراق وشعبه قبل أن تنظر إلى مصالحها الخاصة^[29].

وللسيد محمد باقر الحكيم خطاب سياسي في اجتماع لجنة المتابعة والتنسيق المنبثقة من مؤتمر المعارضة العراقية في شباط 2003 في كردستان، وهو امتداد لمؤتمر لندن داعيا فيه توحيد جهود المعارضة وملء الفراغ السياسي المتوقع بعد إزالة النظام وأن تأخذ القوى العراقية السياسية دورها الحقيقي في تحمل المسؤولية^[30].

وتوج السيد محمد باقر الحكيم خطاباته في إيران بتوجيه نداء إلى الشعب العراقي بمناسبة الهجوم الأمريكي البريطاني على العراق بتأريخ السابع من آذار 2003 مؤكدا فيه جميع طروحاته وآرائه التي ذكرها بإزالة النظام وكان اليوم التاسع من نيسان لعام 2003 هو آخر يوم في تأريخ النظام، إذ يعد منعطفا جديدا في تأريخ العراق والشعب العراقي؛ لأنه أزال أعتى نظام عرفه التأريخ، وفيه تحققت الكثير من الآمال للشعب العراقي مستندة إلى قول الشهيد محمد باقر الصدر قائلا: «إن الشعوب أقوى من الطغاة ومهما تجبروا وقد تصبر ولكنها لا تستسلم»^[31].

وكان للسيد محمد باقر الحكيم كلمة في وداع الشعب الإيراني بعد سقوط النظام وقبل رجوعه إلى العراق أكد فيها عمق العلاقة الأخوية بين الشعبين بالرغم من مرور 23 عاما على مجيئه إلى إيران واصفا إيران ببلد الشهداء والعلماء شاكرا الله على نعمته عليه وعلى الشعب الإيراني وفي ختام كلمته قائلا: «إلى اللقاء في العتبات المقدسة لتكون من سعادتنا أن نستضيفكم والحمد لله والشكر أن وفقنا لطريق الحق والصواب»^[32].

وجاء سقوط النظام الحاكم في العراق وانتصار الشعب العراقي واجتيازه مرحلة مهمة وصعبة من تأريخه المجيد إيذانا ببداية مرحلة جديدة من حياته السياسية، إذ استطاع أن يتخلص من الظلم والذل والعبودية، وهي ثمرة من كفاح الشعب العراقي الذي ناضل لسنيين طويلة بإرادة قوية وإيمان بالله والصبر على الجهاد أسهمت جميعا في إنقاذ العراق.

لقد زال النظام وعاد الآف من العراقيين الذين يحملون معهم آمال والآم الوطن الحبيب ومنهم السيد محمد باقر الحكيم وبعودته إلى أرض الوطن بدأت مرحلة جديدة في حياته النضالية تزامنت مع سقوط النظام ودخول القوى السياسية المعارضة إلى دفة الحكم بعد التاسع من نيسان 2003، وسوف يكون الحديث في الصفحات اللاحقة عن عودة السيد محمد باقر الحكيم إلى العراق ابتداء من دخوله البصرة وانتهاء بخطاباته الأربع عشرة السياسية إلى استشهاده في الجمعة الدامية بتأريخ التاسع والعشرين من آب 2003.

الفصل الثاني

المبحث الأول

الخطاب السياسي للسيد محمد باقر الحكيم بعد عودته إلى العراق عام 2003.

بقي السيد محمد باقر الحكيم يترقب الوقت المناسب للرجوع إلى العراق لقيادة الساحة سياسيا لاسيما أنها كانت تعيش فترة اضطراب في ظل غياب القيادة السياسية الموحدة ومراقبة الأوضاع من قبل الإدارة الأمريكية ومتابعة كل تحركات الكوادر التي لها أثر ملموس في الساحة العراقية والعربية، تلك التي لها توجهات إسلامية مؤثرة في نفوس الشعب العراقي^[33].

أراد السيد محمد باقر الحكيم الرجوع إلى العراق بالرغم من مطالبة الكثير من المحبين الذين نصحوه بعدم العودة متذرعة بعدم وجود الأمن والاستقرار، فضلا عن مشورة الكثير من القادة العسكريين من أتباعه الذين كانت آرائهم متشابهة بعدم القدوم إلى العراق في هذه الفترة^[34].

وفعلا اتخذ قرار العودة إلى العراق داخلا من مدينة البصرة ومن نقطة الشلامجة الحدودية في العاشر من مايس 2003 لما لهذه المدينة من خبرة جهادية في نظره وتكريما لها وللشهداء الذين ضحوا من اجل استقلال العراق واعتبارها رمزا ونموذجا للتضحية والفداء^[35].

وبعد وصول السيد محمد باقر الحكيم إلى مركز مدينة البصرة خاطب الحشود المليونية المجتمعة في ملعب رياضي وهي تردد: «أهلا بالسيد جايب ريحة جده وجاي وياه» معبرة بالورد والمحبة لمقدمه إلى أرض الوطن قائلا فيهم: «نريد الاستقلال ولا نريد حكومة مفروضة»، «إن العراقيين لا يحتاجون لمساعدتهم في بناء الحكومة الجديدة». وأضاف قائلا: «نريد ان يحكم الشعب نفسه بنفسه ونريد حكومة المسلمين وتمثل المسلمين أيضا وكل الطوائف في العراق التي هي عماد الشعب العراقي»^[36].

إن جميع رؤى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) السياسية التي طرحها منذ اليوم الأول لدخوله البصرة كانت معبرة عن مدى عمق المحبة التي يكنها سماحته لأبناء الشعب واضعا الحلول الناجحة لإنقاذه بتشكيل حكومة وطنية ديمقراطية تعبر عن كافة أبناء الشعب وهذه الحلول أصبحت هاجس جميع الساسة العراقيين المؤمنين بالعملية السياسية^[37].

لقد خاطب السيد محمد باقر الحكيم الجماهير قائلاً: «إن أولويتنا هي وحدة الكلمة ونحن في خدمة المرجعية ولتوحد العشائر» وتابع حديثه قائلاً: «نعم – نعم للعشائر» ضد المحتل، واصفا العراق للعراقيين في جهادهم وبناءهم وعدم فسح المجال لأزلام النظام السابق للعيش بين العراقيين بأمان، واختتم خطابه بالشكر للجمهورية الإسلامية الإيرانية وجميع الدول التي ساعدت العراقيين للعيش بأمان في ظل النظام السابق^[38].

ثم يتوجه بعد خطابه لأهالي مدينة البصرة إلى مدينة الناصرية مخاطبا الجموع التي تنتظره في حر الظهيرة، وهي تلوح الأعلام والزغاريد والمحبة والوفاء متمنيا لهم الحياة الكريمة بعد زوال النظام^[39].

وغادر السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) مدينة الناصرية باتجاه مدينة السماوة إذ وصلها في الحادي عشر من مايس 2003 مخاطبا أهالي السماوة بالمحبة والوفاء والكرم لحسن الاستقبال ومباركا لهم الخلاص من النظام، بعدها توجه إلى مدينة الديوانية يرافقه وفد ضخم من المقربين من أعضاء المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق واعضاء من منظمة بدر فوصلها في الثاني عشر من مايس 2003 مخاطبا أهالي الديوانية بكلمة قصيرة شاكرا في الحشود المليونية واعتذر منهم (لوجود بحة في صوته) فأنابه السيد عمار الحكيم نجل السيد عبد العزيز الحكيم (أمين عام مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي) إذ استطاع أن يوصل مظلومية عائلة الحكيم إلى هذه الجموع وعن تضحيات هذه النخبة باعتبارها عائلة جهادية منذ زمن الإمام الحكيم (قدس سره) ولحد اليوم^[40].

ثم واصل زحفه باتجاه مدينة النجف الأشرف فوصلها في الثالث عشر من مايس 2003 فتبرك بزيارة جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام) وسط الآلاف من محبيه، وبعد أداء الزيارة خاطب الحشود المتجمعة في الصحن العلوي الشريف داعيا إلى بناء نظام إسلامي ينسجم مع أساليب العصر ومع التطورات الاجتماعية في هذا الزمان، رافضا حكومة مفروضة على العراقيين قائلا: «سنقاوم أي حكومة تفرض على العراقيين بالمظاهرات والاضطرابات» و«إن الذي يضمن استقلال العراق هو الإسلام والانتخابات الحرة»^[41].

وكان السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) يتحدث إلى جميع من يلتقيهم موضحا جملة من المعلومات التي يجب أن يتبعها الشعب والوقوف بحزم ضد الوجود الأمريكي والاستمرار على طريق الجهاد مهما كانت التضحيات مرددا دائما كما قال جده الإمام الحسين (عليه السلام): ‏«‏هيهات منا الذلة‏»‏^[42].

ثم توجه السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) لزيارة مدينة كربلاء المقدسة في الرابع والعشرين من مايس 2003 لزيارة مرقد الإمام الحسين بن علي عليهما السلام وكان باستقباله آلاف المرحبين بقدومه إلى كربلاء، وبعد الزيارة خطب في داخل الصحن الشريف خطبة مبينا فيها التطورات الدقيقة للتحديات التي يواجهها الإسلام والدول الإسلامية داعيا إلى توحيد الصف من أجل صد مؤامرات المستعمرين وأضاف قائلاً: «أنا أقبل الأيادي التي ضحت من أجل الإمام الحسين وكربلاء»^[43]، فإن ثارات الحسين (عليه السلام) هي ثار لكل معذب وكل منا عانى فإننا عندما نهتف لثارات الحسين فإننا نهتف بأخذ الثأر من كل أعداء الحسين (عليه السلام)، وأن لمدينة كربلاء دوراً في كل مراحل التأريخ إذ أن المدينة تشرفت بمقاومة الاحتلال منذ عام 1914، ومن هذا المكان أفتى سماحة المرجع الإمام المرحوم الشيرازي (قدس سره) بمقاومة الاحتلال، وأن لهذه المدينة دوراً في مقاومة الظلم فضلا عن دورها في احتضان خمسة ملايين مسلم في زيارة الأربعين ولأهلها دور في حسن التنظيم والاستقبال ولتكون مثلا ودرسا يستفيد منه جميع العراقيين وجميع المحافظات، وأضاف: «أشكر جميع الذين استقبلوني في الروضة الحسينية الطاهرة، وأني أقبل الأيادي التي تهتف لنا ونحن نقول لهم: نحن نشكركم وسيكون سعينا في العمل بجد لإقامة حكومة وطنية مستلهمة مبادئها من الإسلام» وأضاف: «إن لقوات الاحتلال دوراً في حفظ الأمن والنظام وإنها قوات احتلال حسب قرارات الأمم المتحدة فيجب أن تأخذ دورها الفعال في بناء العراق وأن تتعاون مع العراقيين في تلبية طموحاتهم وتدافع عن الشعب الجريح وأن تتعاون معهم في تكوين حكومة وحدة وطنية قوية»^[44].

وللباحث الشرف في حضور هذه الخطبة التي كانت أكثر من حماسية عبرت عن مدى تلاحم الشعب مع قادته وصفوته من رجال العلم خاصة وأن أبصارها ترنو إلى الباري أولا وإليه باعتباره المنقذ في الظروف الصعبة، إذ قاد الانتفاضة الشعبانية المباركة التي تعد كربلاء المقدسة المدينة التي قاتلت نيابة عن العراقيين لمدة تتراوح أكثر من خمسة عشر يوما وقدمت آلاف الشهداء من أبنائها قرابين لسارية العراق، وعند زيارة السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) تحقق للعراقيين أمانيهم بزوال طاغوت العصر الذي استخدم كل أنواع الأسلحة لضرب هذه المدينة البطلة والتي قال عنها النظام: «نحن لدينا مدينة عراقية قاومت أكثر من خمسة عشر يوما» يقصد كربلاء، فكانت زيارة وخطبة لملايين تعبيرا ومحبة لما قدمته هذه المدينة من شهداء في سبيل الوطن.

كانت جميع خطابات السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) السياسية تؤكد على وحدة الصف ضد قوى الكفر والضلال والوقوف بحزم خلف مرجعيتنا الرشيدة والتمسك بها إذ أكدها أثناء زيارته لمدينة الكوفة في الثامن من تموز 2003 قائلا: «نعم نعم للمرجعية» مخاطبا الحشود التي كانت تنتظره ملوحة بقدومه وهي تردد: «يا حكيم سير سير إحنا جنودك للتحرير» وكذلك: «يا حكيم أهلا بيك أهل الكوفة بتحييك» مما يدل على مدى تلاحم الجماهير مع قيادته المتمثلة بالسيد محمد باقر الحكيم، وبعد استقراره في مدينة النجف الأشرف كان إماما لصلاة الجمعة في الصحن الحيدري الشريف إلى استشهاده بتأريخ 29 آب 2003^[45].

السيد محمد باقر الحكيم ونظرته السياسية للعراق في الخطب الأربع عشرة قبل استشهاده

بعد استقرار السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) في مدينة النجف الأشرف، وبعد عودته من إيران عند سقوط النظام، أقام صلاة الجمعة لأربع عشرة مرة فكانت جميع أحاديثه السياسية عن المستقبل الذي يعيشه العراق، ولديه طروحات وتنبؤات مبنيَّة على أسس علمية، إذ تحدّث منذ صلاة الجمعة الأولى إلى الجمعة الرابعة عشرة يوم استشهاده عن الواقع العراقي بشكل خاص والعربي بشكل عام، ويعيش العراقيون فترة غياب ونزاع سياسي في ظل هجوم أمريكي أسقط النظام، ومستقبل مجهول للساحة العراقية^[46].

كانت خطبته الأولى في صلاة الجمعة الأولى في الثلاثين من شهر مايس 2003 م، قد تضمنت مجموعة من القضايا التي تهم المواطنين، وتشغل بالهم ومنها قضية الأمن، لأنَّ السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) يعتقد أنَّ الإنسان إذا فقد الأمن لا يمكن أن يمارس مهمته في الحياة سواء أكانت علمية أم ثقافية أم اجتماعية، ثم قضية الاحتلال العسكري للعراق والموقف منه، لاسيما بعد أن أصبح العراق من دون نظام، وعدم وجود دولة تدير شؤون الناس، وقد تساءل سماحته قائلاً: «إذا كان هناك من يتمكن أن يتحمل هذه المشكلة بما قدر الله من إمكانيات وقدرات وأموال فما شأن المحرومين والمستضعفين من أبناء أمتنا، هؤلاء الذين لا يتمكنون أن يتحملوا عبء هذه الفوضى والأضرار البالغة التي تسيء لأهم أمور حياتهم، ومن هنا نجد أن الاضطراب الواسع الذي يشكل معضلة في الحياة المعيشية للناس، إذ ليس هناك استقرار في حياتهم المعيشية»، وأضاف سماحته: «إنَّ هذا الموقف يتطلب أن يتصدى العلماء والمراجع التي لها وجود في المجتمع والقوى السياسية، إذ تعد المرجع الرئيس لجميع هذه القضايا»^[47].

إنَّ هذا التحليل للواقع في خطبته السياسية الأولى يعكس مدى إدراك السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) للواقع العراقي وكأنه يعيش آلامهم وهمومهم وكل لحظات حياتهم اليومية من جهة، ومن جهة أخرى يضع الساسة والمسؤولين أمام هذا الواقع المرير الذي يعيشه العراق^[48].

وفي خطبته الثانية في السادس من حزيران استطاع السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) أن يؤكد في هذه الخطبة مجموعة من القضايا الأساسية والجوهرية لمستقبل العراق والمواطن العراقي التي تحفظ حريته وكرامته ومنها الأمن، مؤكداً أن المواطن لا يسعد إلا بوجود الأمن، وقد أكد عليه في خطبة سابقة، فضلاً عن تطلعاته وتصوراته عن النظام المستقبلي السياسي للعراق بالاعتماد على إرادة الشعب من خلال انتخابات حرة نزيهة في انتخاب أي حاكم أو نوع الحكم الذي يريده الشعب، وعدم تهميش أية فئة مهما كانت توجهاتها الدينية والسياسية مع التأكيد على وحدة العراق من الشمال إلى الجنوب، ورأى سماحته أنَّ الحل الوحيد هو (الفيدرالية) بطريقة تعبر عن مضامين وخصوصيات أبناء الشعب العراقي, أنَّ هذا الأمر متروك إلى العراقيين أنفسهم، ورفض كافة الآراء المطروحة في تأسيس أي مجلس وطرحه دستورياً خارج إرادة الشعب العراقي لأنه مطعون فيه من الناحية الشرعية والقانونية^[49].

كما تطرَّق سماحته في هذه الخطبة إلى قرار حل الجيش واعتبرها قضيَّة صحيَّة إذ أخذت من بعديها وجانبيها وأن يؤسس جيش جديد من العراقيين المخلصين على أسس جديدة للدفاع عن الشعب العراقي وأن يشمل جميع أبناء الشعب، كما دعا سماحته إلى نزع سلاح المقاومة المضادة المجرمة وعصابات السلب والنهب وقوى التطرف^[50].

أما الجمعة الثالثة فكانت في الثاني عشر من حزيران 2003 في الصحن العلوي الشريف، إذ أكد السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) على أمرين مهمين هما: تكريم الشهداء الذين قارعوا النظام البائد والمطالبة بحقوقهم وأن يشمل السجناء السياسيين الذين تعرضوا للأذى والملاحقة، أما الأمر الثاني فهو رفض سماحته أن تشكل السلطات المحتلة مجلساً سياسياً يقوم بإدارة البلاد لأنه مشكل من خلال سلطة محتلة، ومن ثمَّ يقوم هذا المجلس بتكوين مجلس دستوري يقوم بمهمة تدوين الدستور وطرحه للاستفتاء وهذا غير ممكن شرعاً ومخالفاً لقرارات مجلس الأمن التي تنص على أن تكون الإدارة العراقية خالصة، ورأى سماحته أن المبررات التي طرحتها السلطات المحتلة لهذا الأمر غير حقيقية، أما بخصوص الانتخابات فإن السلطات المحتلة ترى أنها غير ممكنة في الوقت الحاضر، بحجة أن الشعب غير مهيأ لإجرائها، لكن سماحته أكد أن الانتخابات أمر ممكن إذا تحققت النية الصادقة لها^[51].

أما الجمعة الرابعة فكانت في العشرين من حزيران 2003 في الصحن العلوي الشريف، وقد تحدث فيها السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) عن أمور مهمة تشغل الناس ومنها موضوع الانتخابات، وقد سبق أن تحدث عنها في الخطبة الثالثة، إذ أكد أنه ممكن إجرائها وتحقيقها، إذ طرح منهجين من منظور إسلامي:

الأول بالاعتماد على أهل العقد والحل أي أهل الخبرة والمواقع الاجتماعية ليقوموا بانتخاب مجلس يأخذ على عاتقه انتخاب حكومة تدير شؤون البلاد وستكون إما من القوى السياسية أو العشائر أو تجمعات علمية أو دينية أو جامعية^[52].

أما الثاني فيعتمد على الانتخاب المباشر وعلى وفق منهج معروف عالمياً، وعليه يمكن للشعب العراقي انتخاب مجلسين يقوم بمهمتين رئيستين لتدوين الدستور العراقي لطرحه على الشعب والتصويت عليه شريطة أن يكون أعضاؤه من الخبراء والعلماء الذين يتمكنون من كتابته وبدورهم يتم انتخاب الإدارة المؤقتة التي تدير شؤون البلاد إلى حين التهيؤ للانتخابات العامة المستقبلية وطرح آلية للانتخابات يمكن أن تجري في كل محافظات العراق لانتخاب مجلسين من كل محافظة بحسب عدد أصواتها وهؤلاء الممثلون يجتمعون ليقوموا بالمهمتين، كما تطرق السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) في هذه الخطبة إلى المقاومة ما هي هويتها وخلفيتها والموقف الشرعي منها وموقف سماحته منها إلا أنه فضل الحديث عنها في الخطبة القادمة^[53].

وفي الخطبة الخامسة في السابع والعشرين من حزيران 2003 في الصحن العلوي الشريف، تحدث سماحته عن العمليات العسكرية ضد القوات المحتلة للعراق، إذ أكد في نظرته لهذا الجانب على أن العمليات ليست محصورة بجبهة معينة بل هناك أطراف عديدة ترى أن المقاومة ضرورية لأسباب ليست معروفة، وهذه النظريات ليست خاصة بجماعة دون أخرى بل هي تعود إلى جماعات تتسم بالعنف والدخول بمعارك ضارية ضد الجيش الأمريكي.

أما الموقف الشرعي من المقاومة فرأى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) أن النظرية العامة للإسلام تعني رفض الهيمنة والعدوان ولا يقبل الدين الخضوع (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)^[54] وكذلك القدرة إذ إن الله سبحانه وتعالى لا يكلف الناس أكثر مما يتحملون، ورأى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) أن المسألة مرتبطة بالمصلحة العامة للبلد التي يحددها في مذهبنا المجتهد العارف بالشرع^[55].

أما الحكم الشرعي العام في العراق فرأى سماحته أن الموقف الشرعي الذي يمكن أن يشخص الموقف السياسي الذي يتسم بالشرعية في الوقت الحاضر ويبذل الجهود المشروعة ذات الطابع السلمي لإنهاء الاحتلال والتعبير عن استنكار التصرفات الخاطئة التي ترتكبها القوات الأمريكية ضد الأبرياء^[56].

وقد أكد السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) على إمكانية إجراء حوار جاد مع قوات الاحتلال حول القرار 1483 من أجل مستقبل العراق وإنهاء الاحتلال، وأوجب على قوات الاحتلال أن تساهم في ذلك مع سرعة إجراء الانتخابات العامة، فينتخب مجلس دستوري ثم يدون الدستور لوضع حكومة عراقية ذات سيادة^[57].

أما الجمعة السادسة فكانت في الرابع من تموز 2003 في الصحن العلوي الشريف، إذ تحدث السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) في هذه الخطبة عن موضوع الدستور الذي يعد من الموضوعات المطروحة للبحث على مستوى الحوار السياسي انطلاقاً من إيمان المرجعية واهتماماتها بهذا الموضوع، إذ أصدرت الفتاوى بهذا الشأن^[58].

وتحدث السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) في هذه الخطبة عن القضية الفلسطينية وموضوع خارطة الطريق بوصفها قضية مهمة في عالمنا العربي والإسلامي فضلاً عن موقف الأمم المتحدة من الحرب انطلاقاً من دورها المهم عالمياً ودخولها في الحوار بين الأحزاب الداخلة في العملية السياسية في العراق وسلطات الاحتلال، فضلاً عن دور الطلبة في الحياة السياسية بوصفهم شريحة مهمة في المجتمع، وتؤدي دوراً فعالاً في بناء العراق مؤكداً على دور جميع فئات الشعب في بناء عراق جديد ومشاركة فعالة في الحياة السياسية^[59].

أما الجمعة السابعة في الحادي عشر من تموز 2003 في الصحن العلوي الشريف، فقد تحدث السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) عن الفقراء والضعفاء من الناس نتيجة الظروف القاسية التي مرت بهم والسياسات التي كان النظام السابق ينفذها^[60].

ثمَّ تحدث سماحته عن الفراغ السياسي والإداري الذي يعاني منه العراق بعد سقوط النظام على الرغم من الجهود المبذولة من قبل القوى السياسية قبل الحرب وفي أثنائها وبعدها، ودعا سماحته هذه القوى إلى ملء هذا الفراغ^[61].

وعن مجلس الحكم رأى أن هذا المجلس يمكن أن يملأ الفراغ السياسي، ويكون قادراً على أداء المهمة والانتقال إلى الوضع المستقر الدائم الذي تنتظره بعد المدة الانتقالية^[62].

ودعا السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) أن تكون تركيبة مجلس الحكم شاملة لكل مكونات الشعب العراقي، وأن يكون أعضاؤه قادرين على تحمل المسؤولية، وأن يتصف بمواصفات تمكنه من أداء عمله، ولا يمكن لأحد أن يصفه بالتقصير، وأن تكون له صلاحيات تؤهله للقيام بواجباته ومسؤولياته أمام الشعب^[63].

إنَّ هذا الموقف الذي طرحه السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) فيما يتعلق بمجلس الحكم لم يتناوله أحد من السياسيين من ناحية المضمون والشمول والدقة من قبل، إذ أراد أن يكون لهذا المجلس دور مهم في إدارة البلد، أن يكون قادراً على تحمل مسؤولياته.

أما الجمعة الثامنة في الثالث عشر من تموز 2003 في الصحن العلوي الشريف فكانت استمراراً لخطبته السابقة، وهي تقويم لمجلس الحكم والتحديات التي تواجهه، ومن أهمها الاستقلالية في اتخاذ القرار ووحدة الكلمة وطبيعة المجلس ومكوناته، مؤكداً أن هناك إشاعات تروج بأن الشيعة هم أكثرية، ونحن نقول: إن الشيعة صحيح هم الأكثرية لكن المرجعية الرشيدة تطالب بالمساواة لجميع أفراد الشعب العراقي رافضاً تصريحات بعض الفضائيات حول النزاع بين مكونات الشعب العراقي^[64].

أما الجمعة التاسعة في التاسع والعشرين من تموز 2003 في الصحن العلوي الشريف فتحدث فيها السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) عن التحديات التي تواجه مجلس الحكم، ورأى سماحته أنَّ الوحدة هي الطريق الوحيد لكبح جماح نوايا الذين يريدون الفرقة بين مكونات الشعب العراقي لتمزيق وحدته^[65].

أما الجمعة العاشرة في الأول من آب 2003 فقد تحدث فيها السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) عن ذكرى تسلط النظام السابق على رقاب الأبرياء من العراقيين في الثلاثين من تموز وذكر غزو الكويت، وقد وصف سماحته هذه الشريحة وكيف وصلت إلى السلطة، ونوع الحكم وكيف أدخل العراق في حرب الخليج الأولى والثانية وكان آخرها الثالثة 2003، فجميعها جاءت نتيجة تصرفات فئة ضالة حكمت العراق، وأكد على ضرورة توفر الحرية للعراقيين لا حرية الغرب وأن لا تكون اضطهاد لطائفة أو لعنصر أو لجماعة ونبذ كافة أشكال العنف^[66].

أما الجمعة الحادية عشرة في الثامن من آب 2003 في الصحن العلوي الشريف فكانت عن موقف العالم عن مجلس الحكم والتردد والتوجس تجاهه وتجاه القوى السياسية داعياً هذا المجلس أن يركز اهتمامه على القضايا الرئيسة في هذه الفترة ومنها الأمن، ودعا السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) في هذه الخطبة كافة القوى السياسية في الساحة العراقية إلى ممارسة رقابة حقيقية إلى أعمال هذا المجلس من الشعب العراقي مع التأكيد على أن يكون هذا المجلس يضم كافة القوى السياسية مع الاعتماد على درجة عالية من الكفاءة وأن يضعوا المصلحة العامة للشعب فوق المصالح الفردية أو الفئوية أو الحزبية إضافة إلى إعادة الحياة الطبيعية للناس بعد اختلالها وارتباكها طيلة المدة الماضية^[67].

وفي الجمعة الثانية عشرة في الخامس عشر من آب 2003 في الصحن العلوي الشريف تحدث السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) عن مجلس الحكم أيضاً لأهميته، ولكن من جانب آخر، وذكر أن دولاً اعترفت به كالجمهورية الإسلامية الإيرانية ثم دولة الكويت وبعدها تركيا وأن هناك تردداً في موقف الجامعة العربية بما فيها الدول المجاورة للعراق، أما الأمر الثاني فهو الدستور الذي يعد قضية مركزية، لأن بإقراره يصبح المجتمع العراقي صالحاً مع مراعاة بعض القضايا المهمة، ومنها التأكيد على الهوية الإسلامية والانتماء العربي والحرية والعدالة، وأن يعتمد مبدأ الانتخاب لإقراره فهذا حق مشروع ويجب إعادة كتابته من جديد ليرضي جميع شرائح الشعب ومكوناته^[68].

وفي الجمعة الثالثة عشرة في الثاني والعشرين من آب 2003 في الصحن العلوي الشريف تحدث السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) عن قضيتين، الأولى تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد في التاسع من آب 2003 والتي راح ضحيتها رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق (سيريجيو دي ميلو) مع مجموعة من موظفي الأمم المتحدة في العراق وحمل قوى التحالف المسؤولية الكاملة في الإخفاقات الأمنية التي أدت إلى هذه الأعمال بوصفها المسؤول الأول عن الأمن في العراق^[69]، أما القضية الثانية فهي القبض على بقايا أزلام النظام السابق لكي يكونوا عبرة لكل الطغاة في الأرض وأن يتم الكشف عنهم، وتتخذ إجراءات قانونية ضدهم^[70].

وكانت الجمعة الرابعة عشرة (الجمعة الدامية) في التاسع والعشرين من آب 2003 في الصحن العلوي الشريف، وقد تناولت هذه الخطبة موضوعين مهمين، الأول العدوان الذي تعرضت له المرجعية في النجف^[71] مستنكراً هذا الاعتداء وداعياً إلى احترامهم قائلاً: (أنا أقبل أياديهم)، فهي امتداد لمقام الإمام داعياً إلى تشكيل قوى لحماية المراجع والأماكن المقدسة الموجودة في العراق، وهذا يتضمن إعطاء السيدة كاملة للعراقيين وتحول القبضة الأمنية للعراقيين أنفسهم وهذا هو الحل الوحيد للوضع، أما الموضوع الثاني فهو تشكيلة الوزارة فيجب أن تكون على درجة من الكفاءة والإخلاص ومعبرة عن أطياف الشعب كافة.

لقد استطاع السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) أن يقرأ واقع العراق منذ الأسبوع الأول لسقوط نظام البعث في العراق إذ أكد منذ خطبته الأولى الخطوط العريضة للدولة العراقية الجديدة، وأن جميع الطروحات التي قالها السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) قد تحققت وطبقت، وكانت جميع نداءاته وخطاباته تؤكد وحدة العراق من شماله إلى جنوبه، وهو الوحيد الذي طالب بوحدة العراق قبل غيره ونبذ الفرقة الطائفية، وكان صوته لجميع فئات الشعب وبخاصة المحرومين من الرجال والنساء دون تمييز فئة عن فئة أخرى.

وبعد انتهاء خطبته وتوجهه إلى السيارة التي تقله وإذا بروحه الطاهرة قد تسامت قبل أن تتناثر أشلاؤه وتطير خلاياه لتملأ الفضاء الفسيح وتفجع القلوب، وإذا بمواكب النور تنطلق في مسيرات متلاحمة على درب الجهاد والتضحية، وإذا بنا فجعنا باستشهاده، ولكننا نبقى نردد مقولة جده ألإمام الحسين (عليه السلام): ‏«‏هيهات منا الذلة‏»‏ وبيننا عهد لا ينقطع أبداً وإن مواكب الشهداء تسير ليبقى العراق الحر الذي كم تمناه أبو صادق أن يكون بعز وأمان، وإن الذين خانوا ضمائرهم وتوهموا في يوم ما هم اليوم بأمس الحاجة إلى آرائه السديدة، حيث الأمنيات أصبحت حقيقة واقعة فعلاً وكل ما قاله أبو صادق صار نوراً يهتدي به الجميع ابتداءً من الانتخابات إلى الدستور إلى الفيدرالية وإن شاء الله سيبقى العراق عزيزاً بدعوات جده طالما الطريق هو طريق الشهادة، طريق أهل البيت (عليه السلام).

فسلام عليك أبا صادق يوم ولدت ويوم جاهدت وصبرت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً، وإنا إن شاء الله على دربك سائرون والحمد لله رب العالمين والسلام.

[1] الشورى: 13.

[2] السيد محمد باقر الحكيم، الجهاد، انتشارات الإمام الحسين للطباعة، قم، 2004م.

[3] محمد هادي الأسدي، إمام الاعتدال تقتله غربان الدمار والموت، مجلة النور، العدد 148، أيلول، 2003، ص4.

[4] السيد محمد باقر الحكيم، القيادة السياسية النائبة، قم، 1998، ص80.

[5] السيد محمد باقر الحكيم، النظرية السياسية عند الشهيد محمد باقر الصدر، مجلة المنهاج، العدد 17، 1996، ص275.

[6] حامد البياتي، ربع قرن مع شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم، مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي، ط1، مطبعة الوسام، بغداد، 2004 م، ص36.

[7] ملفات دار الوثائق البريطانية (مترجم)، الملف أف، أو371، 175449 الوثيقة رقم (100)، رسالة من السفارة البريطانية في بغداد إلى وزارة الخارجية في 18 كانون أول 1964 وفيها نص نشاط السيد محسن الحكيم وولده وسياسة المرجعية مع الدولة.

[8] السيد منذر الحكيم، قبسات من سيرة وحياة شهيد المحراب، مجمع التقريب بين المذاهب ص197.

[9] السيد محمد باقر الحكيم، حركة جماعة العلماء المجاهدين في العراق، من نظرات جماعة العلماء، مختارات من حديث السيد محمد باقر الحكيم، ص22.

[10] السيد محمد باقر الحكيم، المصدر السابق، ص22.

[11] السيد محمد باقر الحكيم، حوارات، ج1، العلاقة مع إيران وجهود توحيد المعارضة العراقية، نص مقابلة صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 18/ 3/ 1994، ص17.

[12] السيد منذر الحكيم، المصدر السابق: ص18.

[13] السيد منذر الحكيم، المصدر السابق: ص18.

[14] المصدر السابق: ص18.

[15] السيد منذر الحكيم، المصدر السابق: ص229.

[16] المصدر السابق: ص229.

[17] المصدر السابق: ص230.

[18] السيد محمد باقر الحكيم، العلاقات المستقبلية العراقية  – الكويتية، رؤية واقعية إسلامية، كلمة إلى ندوة مجلس الأمة الكويتي حول العلاقات المستقبلية العراقية  – الكويتية، 2000، ص4.

[19] حامد البياتي، ربع قرن مع شهيد المحراب، المصدر السابق، ص265.

[20] السيد محمد باقر الحكيم، المرجعية الدينية ودورها في الأمة، حديث في الذكرى السنوية لرحيل الإمام محسن الحكيم، قم، 1992، ص20.

[21] إنصات، السيد محمد باقر الحكيم، محاضرة عن دور أهل البيت في حفظ الإسلام، قناة الفرات الفضائية، آب، 2006 م.

[22] السيد أكرم الحكيم، الدكتاتورية والاستكانة، لندن، 2000، ص25.

[23] اللواء الركن وفيق السامرائي، حطام البوابة الشرقية، الكويت، 1997، ص167.

[24] السيد محمد باقر الحكيم، المشروع السياسي العسكري، كلمة ألقاها على أطراف المعارضة العراقية بعد زيارته سوريا، دمشق، 1992، ص16.

[25] السيد محمد باقر الحكيم، نداء الانتفاضة الشعبانية، طهران، 1992، ص7.

[26] السيد محمد باقر الحكيم، حماية الشعب العراقي مسؤولية المجتمع الدولي، حديث إلى الملتقى الأسبوعي السياسي الثقافي، قم، 1990.

[27] السيد محمد باقر الحكيم، المصدر السابق.

[28] السيد محمد باقر الحكيم، حماية الشعب العراقي مسؤولية المجتمع الدولي، المصدر السابق.

[29] السيد محمد باقر الحكيم، كلمة إلى مؤتمر المعارضة العراقية في لندن20/3، 2002، ص3.

[30] السيد محمد باقر الحكيم، كلمة إلى لجنة المتابعة والتنسيق لقوى المعارضة العراقية، كردستان العراق، شباط، 2003 م.

[31] السيد محمد باقر الحكيم، نداء إلى الشعب العراقي بمناسبة الهجوم الأمريكي على العراق، طهران، آذار 2003 م.

[32] السيد منذر الحكيم، قبسات من سيرة وحياة شهيد المحراب، المصدر السابق، ص301.

[33] السيد منذر الحكيم، قبسات من سيرة وحياة السيد محمد باقر الحكيم، المصدر السابق، ص302.

[34] حامد البياتي، ربع قرن مع شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم، المصدر السابق، ص419.

[35] المصدر السابق.

[36] د. علاوي سادر جازع، الخطاب السياسي في خطب الجمعة لشهيد المحراب، أبحاث المؤتمر الأول لشهيد المحراب، نجف 2006: ص185.

[37] محمد هادي الأسدي، إمام الاعتدال تقتله غربان الدمار والموت، المصدر السابق، ص5.

[38] السيد منذر الحكيم، قبسات من سيرة وحياة شهيد المحراب، المصدر السابق، ص303.

[39] حامد البياتي، المصدر السابق، ص419.

[40] حامد البياتي، المصدر السابق، ص419.

[41] السيد منذر الحكيم، قبسات من سيرة وحياة شهيد المحراب، المصدر السابق، ص308.

[42] المصدر السابق.

[43] السيد منذر الحكيم، قبسات من سيرة وحياة شهيد المحراب، المصدر السابق، ص309.

[44] خطبة مسجلة على قرص ليزري للسيد محمد باقر الحكيم في مدينة كربلاء، بتاريخ 24/5/2003، المجلس الاعلى للثورة الاسلامية، فرع كربلاء، قسم الاعلام.

[45] السيد محمد باقر الحكيم، المرجعية الدينية قدوتنا في الجهاد والبناء، كلمة لسماحته في مدينة الكوفة بتاريخ 8 / 7 / 2003، مؤسسة تراث الشهيد الحكيم، النجف.

[46] السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)، الأربع عشرة مناهج ورؤى، مؤسسة تراث الشهيد الحكيم، النجف الأشرف 2004، ص42.

[47] السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)، الأربع عشرة، مناهج ورؤى، المصدر السابق، ص57.

[48] المصدر السابق.

[49] د. علاوي سادر جازع، الخطاب السياسي في خطب الجمعة لشهيد المحراب، المصدر السابق، ص193.

[50] السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)، المصدر السابق، ص134.

[51] د. علاوي سادر جازع، الخطاب السياسي في خطب الجمعة لشهيد المحراب، المصدر السابق، ص193.

[52] السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)، الأربع عشرة، مناهج ورؤى، المصدر السابق، ص134.

[53] المصدر السابق.

[54] البقرة: 194.

[55] إنصات: قناة الفرات الفضائية، برنامج وصال، لقطات من خطاب السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) بتاريخ 27 حزيران 2003، خطبة الجمعة الخامسة، النجف الأشرف.

[56] إنصات: قناة الفرات الفضائية، برنامج وصال، البرنامج السابق.

[57] السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)، الأربع عشرة، مناهج ورؤى، المصدر السابق، ص154.

[58] نص بيان المرجع الديني السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله) في السادس من حزيران 2003 حول الانتخابات، للمزيد ينظر موقع مكتب السيد علي الحسيني السيستاني

 www.Als.sdtan..net.

[59] السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)، الأربع عشرة، مناهج ورؤى، المصدر السابق، ص168.

[60] المصدر السابق: ص198

[61] ظافر محمد صكر الحسناوي، موقف السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) من الاحتلال، من أبحاث المؤتمر الأول لإحياء التراث الفكري والعلمي للشهيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم، النجف 2006، ص149.

[62] ظافر محمد صكر الحسناوي، أبحاث المؤتمر الأول، المصدر السابق، ص149.

[63] ظافر محمد صكر الحسناوي، أبحاث المؤتمر الأول، المصدر السابق، ص149.

[64] السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)، الأربع عشرة، مناهج ورؤى، المصدر السابق، ص154.

[65] الشيخ غالب الناصر، شهيد المحراب، مسيرة العلم والتحدي والشهادة، مؤسسة شهيد المحراب، النجف، د. ت.

[66] السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)، الأربع عشرة، مناهج ورؤى، المصدر السابق، ص198.

[67] علاوي سادر جازع، الخطاب السياسي في خطب الجمعة لشهيد المحراب، المصدر السابق، ص193.

[68] الشيخ غالب الناصر، شهيد المحراب، مسيرة العلم والتحدي والشهادة، مؤسسية شهيد المحراب، النجف، د. ت.

[69] إنصات، الوكالات كافة، قال المجلس الأعلى للثورة الإسلامية أن انفجاراً وقع في مدينة النجف الأشرف يوم الأحد استهدف السيد محمد سعيد الحكيم (67) عاماً وهو أحد المراجع الدينية في العراق، وأسفر الانفجار عن قتل حارسين وسائقه، ومن جانبها أكدت المصادر العسكرية الأمريكية الهجوم وقالت أنه وقع إلى الجنوب من مسجد الإمام علي (عليه السلام) في النجف الأشرف في الساعة 3:10 توقيت محلي، وتردد أن السيد محمد سعيد الحكيم أصيب

[70] السيد منذر الحكيم، قبسات من سيرة وحياة السيد محمد باقر الحكيم، المصدر السابق، ص87.

[71] الشيخ غالب الناصر، شهيد المحراب، مسيرة العلم والتحدي والشهادة، المصدر السابق، ص86.