جهود شهيد المحراب في تفسير سورة الحديد

tt

بحث شارك في المؤتمر الثاني لإحياء التراث الفكري والعملي للشهيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم

الباحث: الاستاذ المساعد د. شاكر سبع نتيش الاسدي

            كلية الآداب ـ جامعة ميسان

المقدمة

هذا بحث في منهج السيد شهيد المحراب (قدس سره)، وهو يدرس المنهج الذي اختطه شهيد المحراب في تفسيره لسورة الحديد فضلاً عن الاسلوب الذي اتبعه في طرح حيثيات تفسيره لهذه السورة، وبيان المميزات الاسلوبية للغته، يسبقه تفصيل لمنهجه في تفسير هذه السورة. وهو بحث يعتمد المنهج الاكاديمي المتبع في الدراسات والبحوث في الجامعات العراقية. وليس له علاقة بالأفكار السياسية السائدة على الساحة في الوقت الحاضر.

المنهج

اتبع شهيد المحراب منهجاً خاصاً يكاد يكون فريداً من نوعه قياساً بمنهج المفسرين, وهو اقرب إلى منهج الدراسات الاكاديمية، التي تعتمد على التقسيم والتبويب، مما لم يألفه المفسرون الاخرون، الذين يعتمدون على تفسير السورة مبتدئين بأول آية ومنتهين بأخر آية، ومنهجه يقوم على:

1 ـ ذكر مقدمة عن السورة سماها (لمحة سريعة حول السورة)، اشار فيها إلى كون سورة الحديد من المسبحات جنباً إلى جنب مع الحشر والصف والجمعة والتغابن[1]، ثم عرج على تسميتها وفضلها، ومما يذكر هنا أن المفسرين عامة اشاروا إلى فضل هذه السورة وذكروا الروايات الواردة في فضلها، وكانوا غالباً ما يبدؤون الحديث عنها بذكر فضلها[2]، وفي هذا الامر سار شهيد المحراب على نهجهم غير أنه فصل القول في سبب تسميتها مما لم يذكر الاخرون.

وفي مقدمته عن السورة تحدث شهيد المحراب عن الهدف والغاية من السورة، وهو مبحث فريد من نوعه، تحدث فيه عن الأهداف الرئيسية للسورة، ورأى انها ثلاثة أهداف:

الأول: الدعوة إلى الأيمان المتكامل بالله.

الثاني: الدعوة إلى الإنفاق.

الثالث: الدعوة إلى القسط والعدل بالمفهوم الاجتماعي لهما[3].

وضمت هذه المقدمة دراسة في أسباب النزول، لم يكن المقصود منها ذكر الروايات الواردة في أسباب نزول الآيات من هذه السورة، وإنما دراسة هذه الروايات والوصول منها إلى سبب مستنتج نزلت من اجله السورة، وهو كما يسميه شهيد المحراب «الخدر الحضاري»[4] يقول: «أن أي امة من الأمم عندما تتحرك من اجل بناء وجودها وترسيخ دعائمها، ويتحقق لها هدفها.وتنزل عليها النعم والخيرات الإلهية، تتعرض إلى مرض خطير لابد لها من مواجهته بمناعة عالية حتى لاتقع تحت تأثيره وهو الخدر الحضاري، فالأمة بسبب الترف والراحة والدعة، وتكاثر النعم قد تصاب بالركون إلى الراحة والدعة وتفقد قدرتها على الحركة الذاتية التي تعتبر الناحية المتطورة في الأمة. وقد واجهت الأمة الإسلامية هذا الخطر في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد اشارت إلى ذلك مجموعة من الروايات الواردة في سبب نزول السورة»[5] ومن هذا يظهر أن السبب الذي يذكره شهيد المحراب نابع من روايات أسباب النزول لبعض الايات، كما يذكر سبب نزول قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ)[6].

من المهم أن اشير إلى أن شهيد المحراب يقر بوجود اسباب خاصة لنزول بعض الايات من هذه السورة، منها الاية مارة الذكر، ومنها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[7].

وختم شهيد المحراب حديثه في المقدمة بذكر منهجه في تقسيم البحث إلى اربعة اقسام تبعاً لتقسيم ايات السورة بحسب المواضيع، اذ أن كل قسم من اقسام السورة يضم موضوعاً رئيسياً واحداً تندرج تحته عدة مواضيع فرعية تشكل الموضوع العام.

ومن هذا نستنتج أن شهيد المحراب يميل إلى تفسير السورة تفسيراً موضوعاتيا، يقوم على النظرة على أن النص القرأني نص مترابط ذو موضوع واحد تتفرع منه عدة مواضيع تترابط مع بعضها، ولا تفهم كل اية منفصلة عما بعدها وانما تفهم على انها وحدة من نص متكامل له معنى، وعلى هذا فأن شهيد المحراب ينظر إلى النص على انه وحدة دلالية متكاملة تتكون من وحدات دلالية لها موضوعات ومعان مختلفة تلتقي في النهاية لتكون الوحدة الدلالية الاعم والاشمل وهي النص[8].

2 ـ قسّم البحث إلى اربعة اقسام بناء على تقسيم السورة إلى اربعة مقاطع كل مقطع منها يتحدث عن موضوع معين.

وقد ضم القسم الاول ست آيات ابتداء من الاية الاولى وانتهاء بالسادسة، وهذا المقطع من السورة «يتناول موضوع التسبيح والتمجيد لله سبحانه وتعالى. وبيان صفاته وقدرته وعلمه وصنعته واحاطته بكل مافي هذا الكون من امور بشكل عام»[9]، كما يرى شهيد المحراب.

وضم القسم الثاني الايات من الاية السابعة حتى الاية الخامسة عشر، وهذا المقطع من السورة «يتناول أهمية الأيمان والانفاق والترابط الموجود بينهما واثرهما على الانسان في الحياة الدنيا والاخرة»[10] كما يرى شهيد المحراب، وضم القسم الثالث الايات من الاية السادسة عشر إلى الاية الرابعة والعشرين، وهذا المقطع من وجهة نظر شهيد المحراب «يقيم قضية الراحة والدعة وقضية الاموال والاولاد والزينة في الحياة الدنيا والموازنة بينهما وبين الحياة الاخرة، وبعد ذلك يذكر اسباب وعوامل الخدر الحضاري المتمثلة بالرفاه، فيحث على الزهد في مفهومه القرأني»[11].

أما القسم الرابع فيضم الآيات من الاية الخامسة والعشرين حتى الاية التاسعة والعشرين، وهذا المقطع من السورة يتناول المهمات الاساسية للرسل والرسالات الالهية والكتب السماوية[12].

3 ـ تقسيم البحث إلى ثلاث جهات

الاولى ـ تفسير بعض المفردات الواردة فيه، مما يسهل تفسير المقطع.

الثانية ـ تفسير الايات التي تؤلف المقطع وتوضيحها.

الثالثة ـ الحديث العام عن المقطع الشريف بمايتضمنه من موضوعات مهمة[13].

ومن المهم أن أشير إلى أن الجهة الثالثة من البحث قد تغير عنوانها في القسم الثاني منه إلى (تناول المضمون الاجمالي العام للآيات)[14]، واثناء البحث اطلق شهيد المحراب عليهما استفادات عامة[15]، وضاعت هذه الجهة من البحث في القسم الثالث، في حين أن هذه الجهات الثلاث باجمعها لم يرد عليها ذكر في القسم الرابع، واكتفى شهيد المحراب بالتفسير على وفق الموضوعات[16].

4 ـ الانتقائية في المفردات المفسرة: ويكون في الألفاظ المشكلة التي تحتاج إلى إيضاح، منها (التسبيح)[17] في قوله تعالى: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[18]، ولا يقصد شهيد المحراب من بحث المفردات بيان معاني المفردة، وإنما يقصد بيان تفسيرها وذكر أقوال المفسرين فيها، فمثلاً عندما يذكر التسبيح يذكر انه لغة التنزيه[19]، ثم يدرس كيفيه تنزيه المخلوقات لله وحقيقة التسبيح بوصفه ظاهرة تشمل جميع المخلوقات، وعلاقته بالاسم الموصول (ما) الوارد في الآية، عارضاً أقوال المفسرين، وهكذا الحال مع بقية المفردات منها (الأول، والاخر، والظاهر، والباطن)[20] في قوله تعالى: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[21] وعلى هذا الأساس فأن البحث في المفردات عنده مكمل لتفسير الآية وليس بحثاً في المعاني المعجمية للمفردات.

ومما يجدر الإشارة إليه أن بعض المفسرين كانوا يذكرون معاني مفردات النص القرآني بعنوان (اللغة)[22]، لكنهم يكتفون ببيان معاني مفردات النص القرآني ولا يحولونه إلى مبحث تفسيري يتعلق بهذه المفردات وهو ما فعله شهيد المحراب.

5 ـ تفسير الآيات بأجمعها اذ لم يترك آية من آيات سورة الحديد إلا فسرها.

6 ـ في القسمين الثاني والثالث قسم شهيد المحراب آيات المقطعين إلى فقرات بحسب عدد الفقرات الموجودة في كل آية وفسر كل فقرة بمفردها بعد أعطائها عنواناً معيناً على وفق الموضوع الذي تتضمنه، في حين فسر الايات في القسمين الأول والرابع من غير تقسيمها على فقرات، وانما كان يضع عنواناً يتناسب وموضوع الاية ثم يفسر الاية على وفق الأمور الواردة فيها.

7 ـ عرض الاحتمالات المختلفة في تفسير الاية او معنى المفردة، وان لم يكن هذا حاصلاً في تفسير جميع الايات فهو حاصل في كثير منها. منها قوله تعالى: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)[23] فقد عرض في قوله تعالى (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) ثلاثة احتمالات، وكذلك الحال مع قوله تعالى (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ).

8 ـ خلو التفسير من المباحث الروائية غالبا[24]، في حين تكثر الروايات في كتب التفسير الاخرى، خاصة المروية عن اهل البيت (عليهم السلام)، ففي قوله تعالى (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ)[25] ذهب شهيد المحراب إلى أن الكفل إما النصيب واما الثواب أو العقاب، ورجح الوجه الثاني[26]، في حين أن الروايات الواردة عن اهل البيت (عليهم السلام) تشير إلى أن الكفلين هما الحسن والحسين (عليهم السلام)[27]، وهذا ما افاض الناشر ذكره في الهامش[28].

9 ـ عدم نسبة الاقوال إلى اصحابها، واكتفى شهيد المحراب في مواضع كثيرة من بحثه بالقول: ذكر بعض المفسرين[29]، او يذكر علماء التفسير[30]، او وذهب بعض المفسرين[31]، او القول: هناك أقوال متعددة في تفسير كذا، منها قوله «هناك أقوال متعددة في تفسير العرش وبيان المراد منه»[32]، ويستثنى مما ذكرته اراء السيد الطباطبائي، فقد أكثر من نسبتها إلى صاحبها في مواضع كثيرة من كتابه.

10 ـ الاعتداد بآراء السيد الطباطبائي في التفسير، وتبنيها في كثير من المواضع، منها رأيه في الصفات الإلهية[33] في قوله تعالى (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ)[34]، ومنها رأي السيد الطباطبائي في العرش[35]، ومنها رأيه في الأيام الستة هي ايام الاسبوع[36]، فضلاً عن تبنيه لرأي السيد الطباطبائي في ايام خلق السماوات والارض[37] الوارد في سورة فصلت في قوله تعالى: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)[38].

السمات الأسلوبية عند شهيد المحراب

1 ـ اللغة

امتازت لغة شهيد المحراب في تفسير لسورة الحديد بما يلي:

أ ـ استعمال الالفاظ الشائعة في ادبيات العصر الحالي: ومنها: التغيير الثوري، قال: «أن الهدف القرأني هو هدف تغييري ثوري»[39] ص 106، ومنها الضغوط السياسية والعسكرية والنفسية والحرب الباردة في قوله عن أهمية الانفاق قبل الفتح «واما قبل الفتح فعلى العكس حيث كانت تمارس ضد المسلمين ضغوطاً سياسية كالحرب الباردة، وضغوطاً عسكرية كشن الحروب تلو الحروب عليهم، وضغوطاً نفسية كالإشاعات والاكاذيب»[40] ص110، ومنها الخدر الحضاري[41] ص 16 قال عن المقطع الثالث من السورة على وفق تقسيمه لها «بعد ذلك يذكر اسباب وعوامل الخدر الحضاري المتمثلة بالرفاه، فيحث على الزهد بمفهومه القرأني»[42] ص 19، ومنها (خصوصاً) قال عن المشبّهة الذين يشبهون الله «ونحن نرفض هذا الرأي، وذلك لما أكد عليه القرأن من تنزيه له سبحانه وتعالى عن هذه الأمور وخصوصاً في هذه السورة الشريفة»[43] ص 37 ومنها (التغيير الجذري) قال «ونزل القرأن المجيد في مرحلة من هذا القبيل أي: حتى يوجد تغييراً جذرياً في هذا المجتمع»[44] ص 107.

ب ـ سهولة الالفاظ وقربها من لغة العصر والمتلقي، وهذه ملاحظة ظاهرة للعيان في تفسيره، ولنأخذ مثالاً على هذا قوله عن الذل الذي يعيشه المنافقون يوم القيامة «أن المنافقين طلبوا من المؤمنين اقتباس النور منهم، وبالتالي حاولوا معالجة حالة الظلمة التي يعيشونها بهذه الطريقة الاستجدائية الذليلة المعبرة عن حالة الذل والحاجة التي يشعر بها الانسان المنافق يوم القيامة، حيث يقف بين يدي المؤمن ذليلاً، بل ويركض وراءه مستجدياً منه ما ينقذه من هذه الظلمة»[45]

2 ـ التكرار

أن المنهج الذي اختطه شهيد المحراب قاد إلى تكرار الحديث عن كثير من القضايا منها على سبيل المثال لا الحصر التسبيح، وقضية ملك الله لكل شئ[46] ص 88، ففي صفحة 23 تحدث عن التسبيح وعاد في صفحة 44 فتحدث عنه ايضاً، وفي ص 27 تحدث عن الأول والاخر ثم أعاد الحديث عنهما ص 45، وفي ص 64 تحدث عن الفتنة في قوله تعالى: (قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُم)[47] ثم اعاد الحديث عنه في ص 114.

بروز شخصية شهيد المحراب في التفسير

تمثل هذا البروز في:

1 ـ ترجيح الآراء

2 ـ رفض الآراء

3 ـ إبداء الآراء

1 ـ ترجيح الآراء: ذهب العلامة الطباطبائي إلى أن صفات الله وهي (الأول والاخر والظاهر والباطن) تعني الإحاطة من ناحية العلم[48]، وبعد أن نقل شهيد المحراب رأيه هذا في بحث المفردات[49] تبناه في بحث التفسير قائلاً «انتهينا إلى أن معنى هذه الصفات هو الاحاطة التامة لله سبحانه بالاشياء من جميع أطرافها»[50].

وفي قوله تعالى: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ)[51] تبنى رأي العلامة الطباطبائي الذي يذهب فيه إلى أن الحديث في هذه الاية ليس عن خلق السموات والارض وانما عن اربعة ايام تم فيها تقدير الاوقات[52]، قال شهيد المحراب: «أذن الايات الشريفة يوجد فيها الاشارة إلى اربعة ايام من ايام خلق السموات والارض ولم تتم الاشارة إلى اليومين الاخرين لتكتمل الستة ايام»[53].

وفي قوله تعالى: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)[54] ذكر ثلاثة احتمالات:

الاول: أن الخطاب في قوله: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) موجه لجميع الناس دون اختصاصه بفئة معينة.

الثاني: أن الخطاب فيه موجه إلى الكافرين.

الثالث: أن الخطاب فيه موجه إلى المؤمنين[55]، وقال عن هذا الرأي «ولعل هذا الرأي هو الارجح والافضل، لوجود عدة قرائن تؤيده في الايات الشريفة»[56] وفي قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)[57]. قال: «والمراد من الفتح في الاية هو فتح مكة، وقيل: صلح الحديبية، والرأي الاول هو الارجح»[58].

2 ـ رفض الآراء: أن الآراء التي رفضها شهيد المحراب: غالباً ما كانت آراء المشبهة المتعلقة بصفات الله أو المتشابهة من القرآن، ومنها رفضه لرأيهم في أن العرش هو الكرسي وله هيأة السرير وشأنه شأن العروش التي يجلس عليها الملوك[59]، قال: «ونحن نرفض هذا الرأي؛ وذلك لما أكد عليه القرآن من تنزيه له سبحانه وتعالى عن هذه الأمور وخصوصاً في هذه السورة الشريفة»[60].

وقال عن رأي المشبهة في الامتناع عن تفسير المتشابه والوقوف عنده والايمان به من غير تفسير[61] «وهذا الاتجاه لا يمكن الالتزام به على اطلاقه؛ حيث أن القرأن كتاب واضح مبين للناس جاء ليكون نوراً وهدى لهم»[62].

ويضاف لأراء المشبهه التي رفضها شهيد المحراب بعض اراء العلماء المفسرين او غيرهم، ومنها رفضه لرأي علماء الهيئة الذين يرون أن العرش عالم محيط بعالم الكرسي ومتصل به، وعالم الكرسي بدوره محيط بعالم السموات السبعة التي يفترضونها الكواكب السيارة من قبيل: زحل والمشتري والمريخ والارض والزهرة وعطارد[63]. قال شهيد المحراب «وهذا الكلام لامبرر له من الناحية العلمية حيث أن الاكتشافات الحديثة اوضحت أن العوالم ليست منحصرة بهذه العوالم السبعة، وان هناك عوالم اخرى اوسع منها بملايين المرات فهذا التصور في الهيئة القديمة لاأساس علمي مبرر له، كما أن هكذا تفسير للعرش وللكرسي لامبرر له من الناحية الظاهرية للقرآن الكريم، ولايجوز تحميله على الآيات القرآنية والمضمون القرآني»[64].

ورد قول بعض المفسرين الذين يرون أن العرش كناية عن الخلق والتدبير في الخلق وليس له حقيقة خارجية ولا مصداق خارجي[65]، قال شهيد المحراب: «وهذا الرأي لاينسجم مع ما يمكن فهمه من الآيات القرآنية من أن العرش حقيقة ثابتة قائمة في الوجود فهو خلاف ظاهرة الآيات الكريمة، سواء التي نحن بصددها، أم الآيات الأخرى التي تحدثت عن العرش»[66].

3 ـ إبداء الآراء: على الرغم من أن المفسرين أكثروا القول في آيات القرآن الكريم وتعددت التفاسير وكثرت كثرة واضحة الا أن القول أن الأول ما ترك للآخر شيئاً لا ينطبق على تفسير القرآن الكريم، لان القرآن الكريم كتاب متجدد صالح لكل عصر وفي كل يوم يكتشف العلماء فيه اسراراً لم يكتشفها الذين قبلهم، ومن هذا المنطلق فقد تعددت اراء شهيد المحراب في تفسيره لسورة الحديد موضوع البحث، ومنها أن تسبيح الموجودات ـ غير الإنسان ـ حقيقي ليس بالنطق، وهو هنا لايتبنى رأي السيد الطباطبائي ـ على كثرة ما تبنى ارآءه الذي يذهب إلى أن تسبيحها بالنطق بلغة لا نعرفها نحن[67]، وانما يخالفه يقول: «وقد اشرنا في تفسير سورة الصف إلى أن حصر المعنى الحقيقي للتسبيح بخصوص ما اذا كان بالقول لا موجب له، لأن التسبيح عبارة عن التنزيه سواء كان تنزيها بالقول ام بالفعل او بالحال ام بأي شئ آخر، وبالتالي يمكن نسبة التسبيح إلى كل الموجودات نسبة حقيقية»[68].

وقال عن الإنفاق في قوله تعالى: (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)[69] «الظاهر من سياق الآية الكريمة… أن المقصود… المعنى الأعم الشامل لكل هذه المصاديق، لأن الآية الشريفة وردت في مقام التأكيد على أهمية الإنفاق في سبيل الله في مقابل من يبخل ويمسك أمواله عن البذل في سبيله تعالى»[70].

الخاتمة

مما مر يتبين أن شهيد المحراب (قدس سره) قد اتخذ لنفسه منهجاً خاصاً في تفسيره لسورة الحديد يقوم على تقسيم البحث إلى ثلاث جهات:

الأولى: تفسير بعض المفردات الواردة فيه، مما يسهل تفسير المقطع.

الثانية: تفسير الآيات التي تؤلف المقطع وتوضيحها.

الثالثة: الحديث العام عن المقطع الشريف بما يتضمنه من موضوعات مهمة، وان لغته كانت لغة سلسة، سهلة الألفاظ، قريبة من المتلقي، خالية من الغموض وعبارات الفقهاء وأساليبهم الغامضة أحياناً، وترددت فيها بعض الألفاظ المستعملة في أدبيات العصر الحديث.

ومما يلحظ بروز شخصية السيد شهيد المحراب، الذي تمثل برده بعض الآراء ورفضها، أو بتبنيه وترجيحه لبعض الاراء، او إبداء الاراء في بعض المواضع من التفسير.

والحمد لله الذي وفقنا لانجاز هذا البحث، والصلاة والسلام على نبيه المرسل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قائمة المصادر والمراجع

1 ـ القرآن الكريم

2 ـ اضواء البيان: الشنقيطي (محمد الامين بن محمد بن المختار ت 1393 ﻫ). تحقيق مكتب البحوث والدراسات. دار الفكر للطباعة والنشر بيروت، 1415ﻫ ـ 1995م

3 ـ التبيان: الطوسي (أبو جعفر محمد بن الحسن ت 460 ﻫ). تحقيق: احمد حبيب قصير العاملي. ط1، مكتب الاعلام الاسلامي، 1409ﻫ.

4 ـ التفسير الاصفى: محمد حسن الفيض الكاشاني ت1091 ﻫ. تحقيق: مركز الابحات والدراسات الاسلامية. ط1، مكتب الاعلام الاسلامي، 1418ﻫ

5 ـ تفسير ايات الاستواء على العرش: نشر مركز المصطفى

6 ـ تفسير سورة الحديد: اية الله العظمى السيد محمدباقر الحكيم (قدس سره). ط1، مؤسسة تراث الشهيد الحكيم، النجف الاشرف، 2006.

7 ـ تفسير فرات الكوفي: (فرات أبن ابراهيم 352 ﻫ): تحقيق: محمد الكاظم.ط1، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والارشاد الاسلامي طهران، 1410 ﻫ ـ 1990م

8 ـ تفسير القرطبي: القرطبي (أبو عبد الله محمد بن احمد ت 671 ﻫ). دار الشعب، القاهرة.

9 ـ تفسير القمي: علي ابن ابراهيم القمي ت 229 ﻫ تصحيح وتعليق: السيد طيب الموسوي الجزائري. ط3، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر، قم، ايران، 1404ﻫ.

10 ـ التفسير الكبير: الرازي (فخر الدين محمد بن عمر ت 604 ﻫ). ط1، دار الكتب العلمية، بيروت 1421ﻫ ـ 2000م.

11 ـ تفسير نور الثقلين: الشيخ الحويزي. تصحيح وتعليق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي، ط 4، مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، 1412 ـ 1370. قم.

12 ـ علم الدلالة: احمد مختار عمر. ط1، مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع، الكويت، 1402ﻫ ـ 1982م

13 ـ مجمع البيان: الطبرسي (أبو علي الفضل ابن الحسن ت 548 ﻫ). تحقيق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين،تقديم السيد محسن الأمين العاملي.ط1، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان 1415ﻫ ـ 1995م.

14 ـ الميزان: السيد الطباطبائي ت1412ﻫ .منشورات جماعية المدرسين في الحوزة العلمية، قم المقدسة، د.ت.

[1] تفسير سورة الحديد: 12.

[2] تفسير مجمع البيان: 9 /381 ـ 385 وتفسير نور الثقلين: 5 /231 ـ 236.

[3] تفسير سورة الحديد: 13 /14.

[4] نفسه: 16.

[5] تفسير سورة الحديد: 16.

[6] سورة الحديد: 16، وينظر: تفسير سورة الحديد: 16.

[7] سورة الحديد: 28، وينظر: تفسير سورة الحديد: 196 ـ 197.

[8] علم الدلالة: 21.

[9] تفسير سورة الحديد: 17.

[10] نفسه: 18.

[11] تفسير سورة الحديد: 19.

[12] نفسه: 20.

[13] نفسه : 22.

[14] نفسه : 61.

[15] نفسه: 49 ـ 106.

[16] نفسه : 127 ـ 173 وما بعدهما.

[17] نفسه: 23 ـ 27

[18] سورة الحديد: 1.

[19] تفسير سورة الحديد: 23.

[20] نفسه: 27 ـ 33.

[21] سورة الحديد: 2.

[22] تفسير مجمع البيان: 9 ـ 394.

[23] سورة الحديد: 7.

[24] باستثناء ماورد من اسباب النزول.

[25] سورة الحديد: 28.

[26] تفسير سورة الحديد: 199 ـ 200.

[27] تفسير القمي: 2 ـ 352 وتفسير فرات الكوفي: 467 و 468 وينظر في البحث الروائي عن اهل البيت (عليهم السلام): 1266 وتفسير القمي: 2 /351.

[28] هامش 2 ص 200.

[29] تفسير سورة الحديد: 24 ـ 88.

[30] نفسه: 28.

[31] نفسه: 24

[32] نفسه: 36.

[33] نفسه: 32 ـ 45 وينظر: الميزان 19: 145 ـ 146.

[34] سورة الحديد: 2.

[35] تفسير سورة الحديد: 41 وينظر: الميزان: 8 /155.

[36] نفسه: 53 ـ 54 وينظر: الميزان: 18/ 359.

[37] نفسه: 52 وينظر: الميزان: 17 /364

[38] سورة فصلت: 9 ـ 12.

[39] تفسير سورة الحديد: 106.

[40] نفسه: 110.

[41] نفسه: نفسه 16.

[42] نفسه: 19.

[43] نفسه: 37.

[44] نفسه 107.

[45] نفسه: 99.

[46] نفسه: 88.

[47] سورة الحديد: 14.

[48] الميزان19: 145 ـ 146.

[49] تفسير سورة الحديد: 31 ـ 33.

[50] نفسه: 45.

[51] فصلت: 9 ـ 12.

[52] الميزان: 17 /364.

[53] تفسير سورة الحديد: 52.

[54] سورة الجديد: 7.

[55] تفسير سورة الحديد: 68.

[56] نفسه: 68.

[57] سورة الحديد: 10.

[58] تفسير سورة الحديد: 89 وينظر: نفسه: 72 ـ 78 ـ 85.

[59] التفسير الكبير: 7 /151، 22 /6 وتفسير القرطبي: 1/ 254.

[60] تفسير سورة الحديد: 37.

[61] تفسير القرطبي: 1 /254 واضواء البيان: 7 /267.

[62] تفسير سورة الحديد: 53.

[63] تفسير ايات الاستواء على العرش: نشر مركز المصطفى.

[64] تفسير سورة الحديد: 38.

[65] التبيان: 9 /519 ومجمع البيان: 9 /383.

[66] تفسير سورة الحديد: 40.

[67] الميزان: 19 /144.

[68] تفسير سورة الحديد: 27.

[69] سورة الحديد: 7.

[70] تفسير سورة الحديد: 72.

اكتب تعليق

كافة الحقوق محفوظة لمؤسسة تراث الشهيد الحكيم، ولا يجوز الاستفادة من المحتويات دون إذن خطي.

الصعود لأعلى