اغتيال سماحة السيد محمد باقر الحكيم زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والمعارض المجاهد لنظام صدام حسين البائد هو بالتأكيد ليس جريمة قتل عادية بل هو جريمة اغتيال سياسي، والمجرمون الذين استهدفوا الحكيم وخططوا لاغتياله وأعدوا أدواتهم البشرية والمادية والتفجيرية ثم نفذوا جريمتهم يعلمون علم اليقين انهم مقدمون على ارتكاب جريمة كبرى سيكون لها صداها الاعلامي وأبعادها السياسية وآثارها الطائفية، وهذا ما سعى إليه العقل الاجرامي الذي وضع محمد باقر الحكيم هدفا للتصفية الجسدية ليحقق باغتياله أكثر من هدف.
وإذا كان يكفي العقل الاجرامي نجاحا ان جريمة أصابت هدفا دينيا وسياسيا كبيرا ومؤثرا فإن الأسوأ من ذلك وما يحلم به العقل الاجرامي هو ان غياب محمد باقر الحكيم مجرد بعد واحد لجريمته، أما الأبعاد الأخرى والأهم فهي أن يتحول العراق إلى بحار وأنهار من الدماء يسفكها عراقيون ضد عراقيين وتسفك بالاتجاه المعاكس، إذا ما تحقق ذلك لا سمح الله فإن العقل الاجرامي يكون حقق هدفه الأكبر وهو الاحتراب الطائفي أو احتراب الطائفة الواحدة ضد بعضها، هذا ما سعى إليه العقل الاجرامي الذي استهدف محمد باقر الحكيم ليثبت لمعارضيه وأعدائه ان القوة العسكرية الاستبدادية هي وحدها الضامن لوحدة العراق وحماية العراقيين من افتراس بعضهم البعض، وها هو غياب القوة المركزية القاهرة والمستبدة يفتح أبوابا للاحتراب الداخلي، أليس هذا احتمالا واردا؟
نثق بأن العقلاء في العراق كثيرون وانهم حريصون على وحدة بلادهم وحفظ دماء بعضهم لكن هؤلاء العقلاء ليسوا وحدهم في الساحات العراقية وليسوا وحدهم الذين لهم الكلمة الفاصلة في حركة الفئات المختلفة في المجتمع العراقي بل أن هؤلاء العقلاء ليسوا وحدهم المؤثرين في عو اطف ومواقف وانفعالات وأفعال الجماهير، وفي مجتمع متعدد الأطياف السياسية والطوائف الدينية والأصول العرقية والانتماءات الايديولوجية والولاءات الحزبية والعشائرية والمصلحية فإن المحرضين والانتهازيين والحاقدين والمتضررين من الوضع الحالي لا يمكن الاستهانة بأدوارهم الخطيرة التي لا شك بأنها في وضع كما هو وضع العراق تلتقي عند هدف واحد هو حرمان الناس من الأمن والاستقرار والحياة الطبيعية لإجبار أغلبية الناس على الاحتشاد طائفيا وعرقيا وهذا الاحتشاد حتى لو كان اضطراريا ومؤقتا فإنه لا شك يلقي مزيدا من الحطب والوقود على الأوضاع الطائفية والعرقية الموروثة فتشتعل نيران الفتن
لتحول الشعب الواحد إلى شعوب تسفك دماء بعضها بعضا وتنتهك حرمات وأعراض بعضها وتحوّل الوطن إلى أوطان مجزأة يحرص كل منها على إضعاف وتدمير الآخر، هذا التشتت والاحتراب هو ما يسعى إليه المتضررون من الوضع الجديد والمستفيدون من الوضع السابق ليوم 9/4/2003، فهؤلاء لا يريدون عراقا موحدا ومستقرا بدون ان يحكموه ويتحكموا بمصيره ولأنهم خسروا سلطتهم وامتيازاتهم واستبدادهم فإنهم يحاولون منذ سقوطهم ان يسقطوا العراق معهم وهذا لن يكون ممكنا ما لم تطل الفتن الطائفية والعرقية برؤوسها وهذه الاطلالة الكريهة والمدمرة هي غاية ما يسعى إليه أسياد الأمس ومشردو اليوم، فهؤلاء الخاسرون والمشردون يريدون ان يثبتوا ما كانوا يشيعونه في السابق بأن وجودهم القسري في سدة الحكم في العراق هو الضمانة الوحيدة لوحدة واستقرار وأمن العراق.
وإذا كنا لا نستبعد ضلوع أطراف أخرى غير أتباع النظام المخلوع في اغتيال السيد محمد باقر الحكيم وأكثر من 126 من المصلين ومئات الجرحى فإن صدام حسين وأتباعه وحزبه هم الطرف الأكثر حرصا على ارتكاب مثل هذه الجريمة المروعة فهم لم يتورعوا عن ذلك عندما كانوا في الحكم وكان محمد باقر الحكيم هدفا رئيسيا لاغتيالاتهم التي أودت بحياة آلاف العراقيين من بينهم عدد كبير من أسرة الحكيم، فكيف لا يحرصون على ارتكاب جريمة الاغتيال وقد فقدوا الحكم والتحكم وإذا كانت جرائم الاغتيال والقتل هي سلوك سائد للنظام الصدامي المطاح به فإن النيل من السيد محمد باقر الحكيم هو غاية كبرى لفاقدي عرش العراق فهو ليس مجرد خصم سياسي بل عدو سياسي وعقائدي ساهم بدور كبير في زعزعة نظام صدام حسين ومهد مع آخرين الطريق إلى إسقاطه.
لقد خسر العراق رجلا حكيما باسمه ومسماه وعلمه وفعله وهي خسارة لن يعوضها سوى تماسك العراقيين واحباط حلم المتآمرين، لقد فقد العراق محمد باقر الحكيم لكن الأهم ألا يفقد العراق حكمة الحكيم.